الأحد، 7 مارس 2010

شخصية هيرودس ونهايته في الاناجيل عرض ونقد

الفصل العاشر شخصية هيرودس

هيرودس هو الشخصية الشريرة الثانية من غير اليهود التي ساهمت في محاكمة يسوع كما ذكر لوقا، كما انه هو من قام بقتل يوحنا المعمدان بطريقة بشعة كما تذكر أناجيل متّى ومرقس ولوقا، ومع هذا الشرّ الكامن في هذه الشخصية إلا أننا نجد انه لم يحظ بتلك النسبة العالية من الكراهية ولا قومه كما حدث مع رؤساء الكهنة واليهود، وأول ما يطالعنا في الأناجيل من إهمال الكراهية لهذه الشخصية هو إغفال ذكره في إنجيل يوحنا مطلقاً مع انه قام بقتل يوحنا المعمدان وشارك في محاكمة يسوع! وهو ما يشير إلى أن كتبة الأناجيل كانوا حريصين على توجيه الكراهية والحقد على اليهود، ولا أُريد القول ان إغفال يوحنا لذكر هيرودس وقيامه بقتل يوحنا المعمدان دليل على أن هذه الشخصية خيالية من نسج خيال كتبة الأناجيل الآخرين! ومع هذه الملاحظات إلا أننا سندرس شخصية هيرودس كما ذكرتها الأناجيل الثلاثة على الرغم من إغفال يوحنا لذكرها.
أول ذكر لهيرودس جاء في إنجيل لوقا في هذا النص:
- وفي السنة الخامسة عشر من سلطنة طيباريوس قيصر إذ كان بيلاطس البنطي والياً على اليهودية وهيرودس رئيس رُبع على الجليل وفيلبس أخوه رئيس رُبع على ايطورية وكورة تراخونيتس، وليسانيوس رئيس رُبع على الابلية في أيام رئيس الكهنة حنان وقيافا كانت كلمة الإله على يوحنا بن زكريا في البرية. (لوقا 3: 1-2)
في هذا النص نقرأ أن هيرودس كان رئيس رُبع على الجليل، في زمن طيباريوس قيصر روما، وفي ذلك الوقت كانت كلمة الرب على يوحنا المعمدان الذي بدأ يُعمّد الناس في نهر الأردن ومن ضمن الذين عمّدهم يسوع، الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد.
وفي ذلك الوقت ألقى هيرودس يوحنا المعمدان في السجن، وكان هذا خلال تجريب الشيطان ليسوع، لأن يسوع كما ذكرت الأناجيل الثلاثة بدأ يكرز أو يُبشر بعد أن أُلقي يوحنا في السجن بعد التجربة، وإن كان قد خالفهم يوحنا في إنجيله بقوله إن يسوع بدأ يكرز قبل إلقاء القبض على يسوع وان أول تلاميذ يسوع كانوا من تلاميذ يوحنا وأنهم تبعوا يسوع عندما سمعوا يوحنا يقول عن يسوع هذا حَمَل الإله.
ثم تخبرنا الأناجيل الثلاثة عن قصة قتل هيرودس ليوحنا المعمدان فيذكر متّى القصة على النحو التالي:
- فإن هيرودس كان قد أمسك يوحنا وأوثقه وطرحه في سجن من أجل هيروديا امرأة فيلبس أخيه،
لأن يوحنا كان يقول له لا يحل أن تكون لك،
ولما أراد أن يقتله خاف من الشعب، لأنه كان عندهم مثل نبي،
ثم صار مولد هيرودس رقصت ابنة هيروديا في الوسط فسرّت هيرودس،
ومن ثم وعد بقسم أنه مهما طلبت يُعطيها،
فهي إذ كانت قد تلقنت من أُمها قالت أعطني ههنا على طبق رأس يوحنا المعمدان،
فاغتم الملك ولكن من أجل الأقسام والمتكئين معه أمر أن يُعطى،
فأرسل وقطع رأس يوحنا في السجن،
فأُحضر رأسه على طبق ودُفع إلى الصبية فجاءت به إلى أُمها،
فتقدم تلاميذه ورفعوا الجسد ودفنوه ثم أتوا وأخبروا يسوع. (متّى 14: 3-12)
ومرقس ذكر قصة مشابهة لقصة متّى مع اختلافات في بعض التفاصيل كما في النص التالي:
- لأن هيرودس نفسه كان قد أرسل وأمسك يوحنا وأوثقه في السجن من أجل هيروديا امرأة فيلبس أخيه إذ كان قد تزوج بها،
لأن يوحنا كان يقول لهيرودس لا يحل أن تكون لك امرأة أخيك،
فحنقت هيروديا عليه وأرادت أن تقتله ولم تقدر،
لأن هيرودس كان يهاب يوحنا عالماً أنه رجل بارٌ وقدّيس وكان يحفظه،
وإذ سمعه فعل كثيراً وسمعه بسرور،
وإذ كان يوم موافق لما صنع هيرودس في مولده عشاء لعظمائه وقوّاد الأُلوف ووجوه الجليل،
دخلت ابنة هيروديا ورقصت، فسرّت هيرودس والمتكئين معه، فقال الملك للصبيّة مهما أردت اطلبي مني فأُعطيك،
وأقسم لها أن مهما طلبت مني لأُعطينك حتى نصف مملكتي،
فخرجت وقالت لأُمها ماذا أطلب، فقالت رأس يوحنا المعمدان،
فدخلت للوقت بسرعة الى الملك وطلبت قائلة أُريد أن تعطيني حالاً رأس يوحنا المعمدان على طبق،
فحزن الملك جداً، ولأجل الأقسام والمتكئين لم يُرد أن يرُدّها،
فللوقت أرسل الملك سيّافاً وأمر أن يُؤتى برأسه،
فمضى وقطع رأسه في السجن، وأتى برأسه على طبق وأعطاه للصبية والصبية أعطته لأُمها،
ولما سمع تلاميذه جاءوا ورفعوا جُثته ووضعوها في قبر. (مرقس 6: 17-29)
وأما لوقا فلم يذكر قصة قتل هيرودس ليوحنا المعمدان كما ذكرها متّى ولوقا وانما أشار اليها باختصار كما في النص التالي:
- أما هيرودس رئيس الرُّبع فإذ توبّخ منه لسبب هيروديا امرأة فيلبس أخيه ولسبب جميع الشرور التي كان هيرودس يفعلها،
زاد هذا أيضاً على الجميع أنه حبس يوحنا في السجن. (لوقا 3: 19-20)
من هذه النصوص وخاصة النص الأول والثاني نجد أن يوحنا المعمدان واجه هيرودس بإنكاره لزواجه من امرأة أخيه فيلبس وأنها لا تحلّ له حتى قُتل وهو مُصرّ على هذا الموقف.
والقصة بهذا السياق عليها عدة ملاحظات.
الملاحظة الأولى وهي عن الفرق بين يوحنا المعمدان ويسوع في الالتزام بالشريعة، إذ أننا نجد ان يوحنا المعمدان الذي تعتبره الأناجيل أنه مثل نبي أو نبي أو أعظم من نبي يُصرّح ويُعلن رأيه بأن زواج هيرودس من امرأة اخيه لا يجوز ويظل مُصرّاً على هذا القول حتى قُتل من أجله، بخلاف يسوع الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد، الذي نجده لا يأمر برجم المرأة التي أُمسكت بالزنا مع ان الشريعة تأمر برجمها ويتعلل بان من كان منهم بلا خطيئة فليرجمها أولاً بحجر!
والكنائس المختلفة تقول أنه كان بلا خطيئة فلماذا لم يرجمها كما تأمر الشريعة التي من المفترض أنه هو من أعطاها لموسى لو كان ما تقوله عنه الكنائس صحيحاً؟!
كما نجد أن يسوع لا يقول بعدم دفع الجزية لقيصر والتي هي أيضاً ممنوع إعطائها بحسب الشريعة، لا بل نجده هو نفسه يُعطي الجزية!
فهذه الأُمور وغيرها تتطرح تساؤلات جدّيّة عن حقيقة هذه الشخصية ومدى قوتها أو ضعفها مقارنة بالشخصيات الأُخرى في الأناجيل.
الملاحظة الثانية على هذه القصة وهي التي تتحدث عن سبب سجن يوحنا، أي عن أصل القصة.
ان قارئ الأناجيل وهو يتتبع أحداث الأناجيل التي تتحدث عن يسوع الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد وكيف انه تجسد في هيئة بشرية ليُخلص البشرية من خطيئة أبيهم آدم التي تتوارثها جيلاً بعد جيل من خلال تعليق نفسه على الخشبة بعد ان يُجلد ويُستهزأ به ويُبصق عليه ويُلطم على وجهه ويصبح ملعوناً من أجل رفع هذه الخطيئة كما قال بولس وغيره من رجال الكنائس، أقول إن القارئ وهو في هذه الحالة ينسى التركيز على أحداث القصص الأُخرى، ولكننا في هذا الكتاب مهمتنا أن نُعيد دراسة الأحداث بكل تفاصيلها مهما بدت بسيطة حتى نعلم إن كانت تلك القصص والأحداث وقعت حقيقة وأنها مكتوبة بسوق من الروح المقدس أم أنها كتبت بعيداً عن الواقع وبعيداً عن الروح المقدس.
ان النصوص السابقة تقول ان سبب سجن هيرودس ليوحنا هو قول يوحنا لهيرودس ان زواجه من امرأة أخيه لا يحل له، وفي إيراد هذا السبب عدّة أخطاء، الأول ان هذا القول مخالف لشريعة موسى التي يلتزم بها ليس يوحنا فقط بل ويسوع أيضاً كما ذكرت الأناجيل، وكل دارس للعهد القديم يعلم ان شريعة موسى لا تقرّ زواج الأخ بامرأة أخيه فقط بل وتوجبه، خاصة إذا مات ذلك الأخ ولم يكن له أولاد، وتفرض على أحد أشقائه أن يتزوج امرأة المتوفى، ويكون بكر تلك الزيجة منسوباً للأخ المتوفى وليس للزوج الحالي، وهو ما ذكرته الأناجيل في قصة المناقشة التي حدثت بين يسوع والصدوقيين الذين ينكرون القيامة، فكيف يقول يوحنا المعمدان انه لا يحل لهيرودس الزواج بامرأة أخيه؟
الخطأ الثاني وهو كيف يخاطب يوحنا هيرودس بشريعة موسى، وهيرودس ليس من بني إسرائيل والشريعة تلزم اليهود فقط بالتحاكم إليها وليس غيرهم، هذا اذا كان قوله لا تسمح به الشريعة فكيف يقول هذا القول وهو مخالف للشريعة؟!
الملاحظة الثالثة على هذه القصة وهي قول مرقس لان هيرودس كان يهاب يوحنا عالماً انه رجل بار وقديس وكان يحفظه، وإذ سمعه فعل كثيراً وسمعه بسرور..
فإذا كان هيرودس يهاب يوحنا وكان يحفظه ويسمعه بسرور لأنه يعلم انه رجل بار وقديس وقام بقطع رأسه، فماذا سيكون موقف هيرودس من يوحنا لو لم يكن يعلم انه بار وقديس؟! وهذا يعيدنا إلى ان كتبة الأناجيل، والكنائس من بعدهم، لم يكونوا يسعون لنشر الكراهية ضد الرومان وخاصة رجال الدولة ولكنهم كانوا يُجهون الكراهية ضد اليهود، فهيرودس الذي قطع رأس يوحنا من أجل راقصة يقول لنا مرقس انه كان رجلاً يسمع يوحنا بسرور وكان يهابه وكان يحفظه!
وأما قول مرقس عن هيرودس انه سمعه فعل كثيراً فهو يُشير الى ان يوحنا فعل أموراً كثيرة تستحق الإعجاب مع ان يوحنا كاتب الإنجيل ذكر ان يوحنا المعمدان لم يعمل آية واحدة في حياته كلها، فكيف نوفق بين قول مرقس وقول يوحنا؟
- فأتى إليه كثيرون وقالوا إن يوحنا لم يفعل آية واحدة ولكن كل ما قاله يوحنا عن هذا كان حقاً. (يوحنا 10: 41)
الملاحظة الرابعة وهي على قول مرقس وأقسم لها ان مهما طلبت مني لأُعطينك حتى نصف مملكتي، فهذا القول يُشير الى أن هذه القصة بحاجة الى مراجعة من الكنائس، لأن هيرودس لم يكن ملكاً بل كان رئيس رُبع، كما أنه لا يستطيع التصرف بحبة تراب من الجليل بعيداً عن أوامر قيصر، فكيف يقول انه سيهب نصف مملكته، والتي هي ليست مملكته، للراقصة؟
ثم تكتب الأناجيل عن جانب آخر من علاقة هيرودس بيسوع كما في النصوص التالية:
- في ذلك الوقت سمع هيرودس رئيس الرُبع خبر يسوع،
فقال لغلمانه هذا هو يوحنا المعمدان قد قام من الأموات ولذلك تُعمل به القوّات. (متّى 14: 1-2)
- فسمع هيرودس الملك لأن اسمه صار مشهوراً،
وقال إن يوحنا المعمدان قام من الأموات ولذلك تعمل به القوات،
قال آخرون إنه إيليا وقال آخرون انه نبي أو كأحد الأنبياء،
ولكن لما سمع هيرودس قال هذا يوحنا الذي قطعت أنا رأسه إنه قام من الأموات. (مرقس 6: 14-16)
- فسمع هيرودس رئيس الرُّبع بجميع ما كان منه وارتاب،
لأن قوماً كانوا يقولون إن يوحنا قد قام من الأموات،
وقوماً إن إيليا ظهر وآخرين إن نبياً من القدماء قام،
فقال هيرودس يوحنا أنا قطعت رأسه،
فمن هو هذا الذي أسمع عنه مثل هذا وكان يطلب أن يراه. (لوقا 9: 7-9)
إن قارئ الأناجيل عندما يقرأ هذه النصوص يظن أن قيامة الناس من الأموات كانت في ذلك الوقت كقيامة الناس في عصرنا هذا من نومهم!
والعهد القديم لم يُخبرنا ان الناس كانوا يخرجون من قبورهم كما يخرج الانسان من بيته، فكل ما ذكره العهد القديم عن إحياء الموتى لا يتجاوز أربعة قصص، ولم يكن من عادة الأموات ان يقوموا من قبورهم، كما ان الأناجيل الاربعة لم تذكر سوى ثلاث قصص عن إحياء يسوع للموتى.
فمسألة خروج الأموات من قبورهم ليست بهذه البساطة حتى يتعامل معها هيرودس بهذه السذاجة، فهي مسألة لو شوهدت مُباشرة لانتهت خلافات ومشكلات البشرية وصراعها مع الشر.
والمهم في هذه النصوص هو اختلاف تسمية متّى ولوقا لهيرودس مع مرقس، فمتّى ولوقا كتبا رئيس الرُّبع وأما مرقس فكتب الملك، وهذه التسمية كتبها كي تتوافق مع ما كتبه من وعد هيرودس للراقصة بأنه سيُعطيها نصف مملكته، فلو كتب رئيس الرُّبع لانكشف كذب هيرودس أو بمعنى أدق كذب مرقس، لأن رئيس الرُّبع ليس ملكاً بل والياً للرومان، وبالتالي لا يستطيع التصرف لا بنصف ما يحكم ولا حتى بحبة تراب دون إذن من قيصر.
ثم يكتب لوقا ان الفريسيين قالوا ليسوع ان هيرودس يريد ان يقتله كما في النص التالي:
- في ذلك اليوم تقدم بعض الفريسيين قائلين له اخرج واذهب من ههنا لأن هيرودس يُريد أن يقتلك،
فقال لهم امضوا وقولوا لهذا الثعلب ها أنا أُخرج شياطين وأشفي اليوم وغداً وفي اليوم الثالث أُكمّل،
بل ينبغي أن أسير اليوم وغداً وما يليه،
لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارجاً عن أُورشليم. (لوقا 13: 31-33)
هذا النص من غرائب النصوص التي تتضمنها الأناجيل خصوصاً والعهد الجديد عموماً، إذ أنه بالإضافة لاحتوائه على معلومات تتناقض مع ما هو مكتوب عن هيرودس يحتوي على حقائق تهدم أركان قوانين إيمان الكنائس.
فالنص يبدأ بقول الفريسيين ليسوع أن هيرودس يريد أن يقتلك، وهو ما يتناقض مع قول لوقا ان هيرودس كان يريد أن يراه، كما ويتناقض مع ما كتبه لوقا نفسه عندما كتب أن هيرودس فرح جداً لرؤية يسوع ولم يجد فيه علة توجب الموت كما سيأتي بعد قليل.
وهنا قد تقول الكنائس ان هذا القول كان من الفريسيين وليس من يسوع أو لوقا أو حتى الروح المقدس الذي كان يسوق كتبة الأناجيل، فلوقا نقل ما قاله الفريسيين ولا يعني ان قولهم هذا صدقاً بل ربما كان محاولة من الفريسيين لإخافة يسوع الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد!
وهذا الكلام يكون مقبولاً لولا كتابة لوقا جواب يسوع لهم بقوله امضوا وقولوا لهذا الثعلب ها أنا أُخرج شياطين وأشفي اليوم وغداً وفي اليوم الثالث أُكمّل.
فذكر هذا الجواب دليل على ان الفريسيين لم يكونوا يكذبون لأنهم لو كانوا يكذبون لعلم يسوع هذا الكذب، إلا إذا أرادت الكنائس ان تقول لنا ان يسوع الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد لا يعلم الغيب ولا يعلم الصادق من الكاذب!
وأما قوله أنه لا يمكن ان يهلك نبي خارجاً عن أورشليم، فهذا القول يهدم أهم ركن من أركان قوانين إيمان الكنائس لأن يسوع يصف نفسه انه نبي ولهذا فانه سيذهب الى أُورشليم ليهلك هناك لأنه لا يمكن ان يهلك نبي خارجاً عن أُورشليم، فهل ترضى الكنائس بهذه الصفة ليسوع التي تصفه بأنه نبي؟!
كما ان هذا القول فيه خطأ كبيراً، لأنه مكتوب في العهد القديم عن عشرات الأنبياء الذين هلكوا وماتوا خارجاً عن أُورشليم وأشهرهم موسى وهارون وابراهيم ويعقوب ودانيال وغيرهم، فكيف خفي هذا عن يسوع والروح المقدس ولوقا؟!
وأما أصل القول فهو خطأ لان هيرودس لم يكن هو من حاكم يسوع بل إن اليهود سلموا يسوع لبيلاطس لأنه هو الوالي في أُورشليم، وأما دور هيرودس في المحاكمة فلم يظهر في الأناجيل إلا في النص الذي ذكره لوقا فقط وذلك لأنه رئيس رُبع الجليل، وأظن انه ما كتب هذا الدور إلا ليتوافق مع ما كتبه في هذا النص لأن هيرودس لم يكن له أي أثر في المحاكمة سوى كتابة المزيد من الشتائم ضد يسوع في الأناجيل.
ثم يكتب لوقا في إنجيله عن دور هيرودس في محاكمة يسوع، وهو الوحيد الذي كتب عن هذا الجانب فيقول:
- فلما سمع بيلاطس ذكر الجليل سأل هل الرجل جليلي،
وحين علم أنه من سلطنة هيرودس أرسله إلى هيرودس إذ كان هو أيضاً تلك الأيام في أُورشليم. (لوقا 23: 6-7)
في هذا النص يكتب لوقا عن السبب الذي من أجله أدخل هيرودس في محاكمة يسوع، فقال إن بيلاطس لما سمع أن يسوع جليلي أرسله إلى هيرودس، ولكن لوقا لم يذكر أن بيلاطس استشار هيرودس عندما خلط دماء الجليليين بدماء ذبائحهم لأنهم من سلطنة هيرودس، وكذلك لم يكتب أن قول هيرودس بأن يسوع لا توجد فيه علة توجب القتل كان له أثر في نتيجة المحاكمة مع أن هيرودس باعتبار ان يسوع من رعيته كان يجب ان يكون له كلمة في نتيجة المحاكمة بدلاً من خضوع بيلاطس لشرذمة من اليهود كانوا خاضعين له دافعين للجزية وهو ممثل أعظم دولة في ذلك الوقت!!
ثم يُكمل لوقا الحديث عن دور هيرودس في محاكمة يسوع، فيكتب:
- وأما هيرودس فلما رأى يسوع فرح جداً لأنه كان يُريد من زمان طويل أن يراه لسماعه عنه أشياء كثيرة وترجّى أن يرى آية تصنع منه،
وسأله بكلام كثير فلم يُجبه بشيء،
ووقف رؤساء الكهنة والكتبة يشتكون عليه باشتداد،
فاحتقره هيرودس مع عسكره واستهزأ به وألبسه لباساً لامعاً ورده الى بيلاطس، فصار بيلاطس وهيرودس صديقين مع بعضهما في ذلك اليوم لأنهما كانا من قبل في عداوة بينهما. (لوقا 23: 8-12)
كما نقرأ في النص فإن هيرودس فرح جداً عندما رأى يسوع، وهذا يتناقض مع ما كتبه لوقا على لسان الفريسيين من أنه كان يُريد أن يقتل يسوع.
ثم نقرأ ان هيرودس بدأ يسأل يسوع عن أشياء كثيرة، وان لم يكتب لنا لوقا ما هي تلك الأسئلة ولكن يسوع لم يجب بشيء، وهذا يدل على ان يسوع كان يُخفي دعوته ولا يسعى لنشرها وخاصة بين غير اليهود، وهو عكس ما قامت به الكنائس من التوجه لغير اليهود وعدم دعوة اليهود.
وباقي النص يتحدث عن تحقير هيرودس ليسوع وهو ما دأب كتبة الأناجيل على تسجيله عن يسوع وخاصة في المحاكمة.
وأما مداخلة لوقا بالقول ان هيرودس وبيلاطس أصبحا صديقين بعد هذه الحادثة، فهي بالتأكيد غير صحيحة، لأن هذا الكلام يدل على اتفاقهما على إدانة يسوع، وهو ما كتبت الأناجيل عكسه، ولوقا نفسه يقول أنهما لم يجدا فيه علة، فكيف سيصبحان صديقين بعد هذه الحادثة، إلا إذا أراد لوقا ان يقول لنا انهما أصبحا صديقان لأنهما وقعا تحت ضغط اليهود!
إلى هنا ينتهي دور هيرودس في المحاكمة ولكن لوقا يذكر هيرودس على لسان بيلاطس وهو يحاول إقناع اليهود بعدم إجباره على الحكم بصلب يسوع فيقول:
- فدعا بيلاطس رؤساء الكهنة والعظماء والشعب،
وقال لهم قد قدّمتم إليّ هذا الإنسان كمن يُفسد الشعب،
وها أنا قد فحصت قدّامكم ولم أجد في هذا الإنسان علّة مما تشتكون به عليه،
ولا هيرودس أيضاً، لأني أرسلتكم إليه، وها لا شيء يستحق الموت صُنع منه. (لوقا 23: 13-15)
في هذا النص نجد ان بيلاطس الذي كان يخلط دماء أعدائه بذبائحهم يقف ويترجّى اليهود الخاضعين لسلطانه الدافعين له الجزية ان يسمحوا له ان يُطلق يسوع لأنه لم يجد فيه علة ويستشهد بهيرودس الذي أيضاً لم يجد في يسوع علة وهما في ذلك الوقت من وُلاة قيصر روما في أهم مناطق الأرض المقدسة فيرفض اليهود ويصرخون في وجهه ويطلبون بدلاً من يسوع باراباس الذي كان مشاركاً في فتنة ضد الإمبراطورية فيخضع لرغباتهم!
نهاية هيرودس
كتب لوقا في رسالة أعمال الرسل عن نهاية هيرودس النص التالي:
- وكان هيرودس ساخطاً على الصوريين والصيداويين فحضروا إليه بنفس واحدة واستعطفوا بلاستس الناظر على مضجع الملك ثم صاروا يلتمسون المصالحة لأن كورتهم تقتات من كورة الملك،
ففي يوم مُعَيَّن لبس هيرودس الحلة الملوكية وجلس على المُلك وجعل يُخاطبهم،
فصرخ الشعب هذا صوت إله لا صوت إنسان،
ففي الحال ضربه ملاك الرب لأنه لم يُعط المجد للإله،
فصار يأكله الدود، ومات. (أعمال الرسل 12: 20-23)
إن من يقرأ هذه النهاية العجيبة لهيرودس يجد أنها نهاية طبيعية لهذا الشخص الذي لا يُقدم المجد للرب، وهذا ما يُفرح قلوب أتباع الكنائس الطيبين!
إلا أنه يجب على لوقا، والكنائس معه، الإجابة عن بعض الأسئلة قبل أن يقتنع أتباعها الطيبين ان هذه القصة حقيقية.
السؤال الأول وهو من قال ان هيرودس الأدومي كان يؤمن بالرب؟
السؤال الثاني وهو ماذا قال هيرودس عندما خاطب الناس في ذلك الوقت؟
لم يكتب لوقا ولا غيره أي حرف مما قاله هيرودس!
السؤال الثالث وهو هل كان سكان صور وصيدا فعلاً يعتمدون على غيرهم فيما يأكلون، وكل من يعيش في هذه المنطقة يعلم أن أرض صور وصيدا ان لم تتفوق على الأراضي الواقعة تحت سيطرة هيرودس فانها تساويها في الإنتاج الزراعي فكيف يكتب لوقا أنهم كانوا يقتاتون من كورة هيرودس؟!
السؤال الرابع وهو لماذا لم تحدث هذه النهاية العجيبة لهيرودس وهو يستهزئ بيسوع ويلبسه اللباس اللامع كما كتب لوقا في إنجيله؟!
أم ان لوقا لا يعتبر أن ما قام به هيرودس من استهزاء وتحقير ليسوع هو من باب عدم إعطاء مجداً للرب؟!
من هذه القراءة لشخصية هيرودس كما هي مكتوبة في الأناجيل وما أحاط بها من مسائل متناقضة، هل يستطيع أحد أن يلمح فيها أي اعتراف بيسوع سواء كمسيح أو كإله كما تقول الكنائس المختلفة لأتباعها الطيبين؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق