الثلاثاء، 9 مارس 2010

شخصية السيدة مريم في الأناجيل وعلاقتها بيسوع عرض ونقد

الفصل الرابع شخصية السيدة مريم

تعتبر السيدة مريم والدة يسوع من الشخصيات المهمة جداً في إيمان الكنيسة الكاثوليكية والأُرثوذكسية وبعض الكنائس الأُخرى والتي تشكل غالبية أتباع الكنائس في هذا العصر بحيث قامت هذه الكنائس بصياغة العديد من القوانين التي جعلتها، أي السيدة مريم، في مقام يوازي الأقانيم الثلاثة فجعلتها شريكة في الخلاص والشفاعة وأقامت لها الكثير من الصلوات الخاصة بها كصلاة السلام لك يا مريم وغيرها من الصلوات، وأطلقت عليها العديد من الألقاب كوالدة الإله وحامية الإيمان وحواء الجديدة وملكة العالم وملكة السماء والعذراء سيدة جوادالوب، الذي يعني انها هي من ستسحق الحية، وملكة الدهر الآتي وغيرها من الألقاب التي تدل على مكانة خاصة لها بين الأقانيم الثلاثة وفي المعتقد الكنسي، ومن ثم قامت كل كنيسة بحسب فهمها لنصوص الكتاب المقدس بعمل ما يلزم لإبقاء هذه المنزلة في عقول وقلوب أتباعها فقامت الكنيسة الكاثوليكية بعمل آلاف التماثيل على شكل امرأة وقالت انها للسيدة مريم، حتى انك تجد بعض هذه التماثيل تتضارب في الشكل واللون فبعضها على شكل امرأة بيضاء وأُخرى على شكل شرق أوسطي وبعضها على شكل أفريقي، والجميع لامرأة واحدة هي السيدة مريم صاحبة الألقاب السابق ذكرها!
واما الكنيسة الأرثوذكسية التي لها موقف خاص من التماثيل فاستعاضت عن التماثيل بالصور وهي على نمط التماثيل فترسم أو تصور امرأة على مختلف الأشكال البشرية من الأُوروبي إلى الأفريقي مروراً بالشرق أوسطي، وكلها لسيدة واحدة هي والدة الإله أو أُم الإله يسوع!
وبعد هذه الصفات والأسماء والتماثيل والصور (أو قبلها) جاءت قصص لأشخاص قالوا أنهم رأوا السيدة مريم عبر التاريخ وبخاصة في القرن الماضي وفي أماكن مختلفة من العالم، وفي الحقيقة فإنها تشمل مختلف قارات العالم، من قرية فاتيما في البرتغال الى القاهرة في مصر مروراً بفرنسا والولايات المتحدة والمكسيك وانتهاء بلبنان، على الرغم من الاختلافات الكبيرة بين هذه الكنائس والتي تصل لدرجة اعتبار كل واحدة منها للأُخرى غير مسيحية الا ان السيدة مريم تظهر للجميع!
ونحن في هذا المقام لن نناقش صحة هذه الأمور أو عدم صحتها ولكننا سنلقي الضوء على شخصية السيدة مريم في الأناجيل لنرى إن نجح كتبتها في صياغة شخصيتها بحيث تعزز قوانين إيمان الكنائس سواء في مسألة تعدد الآلهة أو سوق الروح المقدس لكتبة الأناجيل وغيرها من المسائل التي كانت مدار جدل على مرّ القرون، أم أنهم لم ينجحوا مع السيدة مريم كما لم ينجحوا مع يسوع والأب والروح المقدس كما مرّ معنا سابقاً.
نسب السيدة مريم في العهد الجديد
تعتبر الأنساب من الأمور المهمة في العهدين القديم والجديد على حد سواء، فماذا كتبت الأناجيل عن نسب مريم؟
لنقرأ النصوص التالية:
- لما كانت مريم أُمه مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وُجِدت حبلى من الروح المقدس. (متّى 1: 18)
- وفي الشهر السادس أُرسل جبرائيل الملاك من الرب إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة،
إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داوُد اسمه يوسف،
واسم العذراء مريم. (لوقا 1: 26-27)
- وهوذا أليصابات نسيبتك هي أيضاً حبلى بابن في شيخوختها. (لوقا 1: 36)
هذا هو كل ما هو مكتوب عن نسب السيدة مريم في الاناجيل، كتب متّى ان أمه مريم مخطوبة ليوسف، ولوقا كتب عذراء مخطوبة لرجل من بيت داوُد، وفي النص الثاني كتب على لسان ملاك الرب انها نسيبة اليصابات أُم يوحنا المعمدان.
من هو أبوها ومن أي سبط ليس مهماً المهم انها نسيبة أليصابات وما هي درجة هذه القرابة ومن أي جهة؟
هل هي من جهة الأب أو الأُم، أم هي من جهة الأقرباء أو القريبات، القريبون أو البعيدون، فوجود علاقة نسب بين الانسان وأي طرف آخر مهما بَعُد يُسمى نسيب، كل هذه الأمور لم يوضحها متّى ولوقا في إنجيليهما.
فلماذا تم تجاهل نسب مريم بهذا الشكل، هل لأنها من سبط لاوي، أو من أي سبط آخر، والتصريح بنسبها لن يساعد كتبة الأناجيل في إثبات ان يسوع هو المسيح، أو انه هو الرجل الذي من نسل داوُد الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم وانه سيحكم العالم الى الأبد، لان نسبة يسوع إلى أمه هو الأقرب للصواب، بل هو الصواب بعينه، لأنه وُلِدَ منها دون رجل، وبالتالي فان نبوءات العهد القديم لن تنطبق عليه كما ظن كتبة الأناجيل مع ان ولادة يسوع دون أب جسدي تغنيه عن أي نبوءات وأنساب.
وقد يقول بعض الطيبين من أتباع الكنائس ان اهتمام العهد القديم بالأنساب لا يعني بالضرورة اهتمام العهد الجديد بها وخاصة أننا نقرأ ان يسوع طلب من تلاميذه عدم الانتساب لآبائهم كما في النص التالي:
وأما أنتم فلا تدعوا سيدي لأن معلمكم واحد المسيح وأنتم إخوة،
ولا تدعوا لكم أباً على الارض لأن أباكم واحد الذي في السماء،
ولا تدعوا معلمين لان معلمكم واحد المسيح،
وأكبركم يكون خادماً لكم. (متّى 23: 8-11)
أقول لهؤلاء الطيبين ان كلامكم هذا يكون صحيحاً لو ان كتبة الاناجيل التزموا بهذا القول، لأننا نجد ان الاناجيل خاصة وباقي رسائل العهد الجديد عامة مليئة بالشخصيات التي تنسب لعشرات الآباء ومنها النسبين اللذين وضعهما متّى ولوقا ليسوع نفسه ونسباه فيهما الى يوسف النجار مع انه ليس والده!
كما ان لوقا كتب نسب امرأة كنت أتمنى لو انه كتب مثله للسيدة مريم وهذا نصه:
- وكانت نبية حنة بنت فنوئيل من سبط أشير. (لوقا 2: 36)
فهذه المرأة نُسبت الى أبيها والى سبطها مما يدل على ان عدم ذكر نسب السيدة مريم له ما يبرره عند كتبة الاناجيل، خاصة وان لوقا أيضاً كتب عن يوسف انه من عشيرة داوُد ولم يكتب ان مريم من عشيرة داوُد، كما في النص التالي:
- فصعد يوسف أيضاً من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داوُد التي تدعى بيت لحم لكونه من بيت داوُد وعشيرته ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حُبلى. (لوقا 2: 4-5)
فلوقا كما نقرأ يقول ان يوسف صعد الى بيت لحم لكونه من عشيرة داوُد، فلو كانت مريم من عشيرة داوُد لكتب لأنهما من عشيرة داوُد كما كتب فيما بعد على لسان السيدة مريم قولها عن يوسف انه أب يسوع كما في النص التالي:
- هو ذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين. (لوقا 2: 48)
وهو يعلم (إن كان يعلم) ان يوسف ليس أب يسوع، فمن هنا أتساءل لماذا لم تكتب الأناجيل نسب السيدة مريم؟
حَبَل السيدة مريم بيسوع
بعد الحديث عن نسب مريم نأتي لموقفها خلال عملية الحَبَل بيسوع فنجد ان متّى ذكر الحادثة كما يلي:
- أما ولادة يسوع فكانت هكذا، لما كانت أُمه مريم مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وُجدَت حبلى من الروح المقدس،
فيوسف رجلها إذ كان باراً ولم يشأ أن يشهرها أراد تخليتها سراً، ولكن فيما هو متفكر في هذه الأُمور إذا ملاك الرب قد ظهر له في حلم قائلاً يا يوسف ابن داوُد لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك لأن الذي حبل به فيها هو من الروح المقدس، فستلد ابناً وتدعوا اسمه يسوع لأنه يُخلص شعبه من خطاياهم،
وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل هو ذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الإله معنا،
فلما استيقظ يوسف من النوم فعل كما أمره ملاك الرب وأخذ امرأته، ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر ودعا اسمه يسوع. (متّى 1: 18-25)
نلاحظ في هذا النص ان متّى لم يتحدث عن حَبَل السيدة مريم مباشرة بل قال ان مريم المخطوبة ليوسف وُجِدَت حبلى من الروح المقدس، هكذا وُجدت حبلى دون ذكر أي شيء عن قصة الحبل وكيفيته، حتى ان يوسف أراد تخليتها ولكن لأنه كان باراً كان يريد تخليتها سرّاً.
إلا أن ملاك الرب ظهر له في حلم وقال له يا يوسف ابن داوُد لا تخف ان تتمم الزواج بمريم لأن الذي حُبل به فيها هو من الروح المقدس، وعندما استيقظ يوسف من الحلم فعل كما أمره ملاك الرب ولم يعرفها (أي لم يضاجعها) حتى ولدت ابنها البكر ودعا اسمه يسوع!
وهنا لا أُريد التعليق على دور الروح المقدس في تكوين الابن وتجسيده بصورة بشرية، حيث أن هذا الدور يُشير الى أن هذه الأقانيم الثلاثة غير متساوية في القدرات وليس كما تدعي الكنائس، فالذي عنده القدرة على تجسيد أُقنوم الكلمة أو الابن هو بالتأكيد أعظم في القدرة من أُقنوم الكلمة، وإلا فما الذي منع أُقنوم الكلمة أو الابن من التجسد مباشرة في بطن مريم، لو كانت هذه الأقانيم موجودة، وهي ليست بموجودة!
ولكنني أود التعليق على ما استحدثته الكنائس المختلفة، وان لم تعترف به البروتستنتية، وهو تبتل وعُذرية الراهبات، فهذه الشريعة حرمت ملايين النساء عبر التاريخ من حقهن الجسدي والنفسي في ممارسة وظائف أجسادهن التي خلقها فيهنّ البارئ سبحانه وتعالى.
فنحن كما نقرأ ان يوسف لم يعرف مريم أثناء حبلها بيسوع، ومعنى كلامه انه عرفها بعد ذلك حتى ان الاناجيل تذكر ليسوع أربعة إخوة وعدد من الأخوات كما في النصين التاليين:
- أليس هذا ابن النجار أليست أُمه تدعى مريم وإخوته يعقوب ويوسي وسمعان ويهوذا،
أوليست أخواته جميعهن عندنا. (متّى 13: 55-56)
- أليس هذا هو النجار ابن مريم وأخو يعقوب ويوسي ويهوذا وسمعان،
أوليست أخواته ههنا عندنا. (مرقس 6: 3)
وهذا يعني ان يوسف عرف مريم بل وأنجب منها، ومريم في التصور الكنسي هي رمز البتولة والعذرية، وهذا صحيح، ولكنها كما تقول الاناجيل انه كان لها ذرية من يوسف النجار، فلماذا حرمت الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية هذا الحق لملايين من النساء بحجة التشبه بمريم رمز البتولة والعذرية؟
وفي أثناء كتابة متّى لقصة حبل مريم يذكر ان ملاك الرب قال ليوسف للتأكيد على ان الذي حُبل بها كان من الروح المقدس ان المولود سيكون ذكراً وتدعو اسمه يسوع لأنه يُخلص شعبه من خطاياهم وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل هو ذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الإله معنا.
وهنا لا بد من وقفة مع نص العهد القديم ونبوءة ملاك الرب ومدى صدقهما.
هل حقاً كان يسوع مخلصاً لخطايا اليهود شعبه، أم إنه حمّلهم خطايا فوق خطاياهم وذلك بكفرهم به ومقاومته والسعي لقتله الذي تم لهم وذلك بقتله على الصليب كما تقول الأناجيل، والذي عبرت الكنائس عنه بتحميلهم لخطايا الصلب وذلك بالسعي لإبادة الجنس اليهودي في عشرات المجازر التي نصبتها لشعب يسوع، وهم اليهود، فإذا كان يسوع قد جاء ليخلص اليهود من خطاياهم فلماذا حاولت الكنائس التخلص من اليهود؟!
وأما نبوءة العهد القديم فالذي يقرأ نص العهد القديم كاملاً يعلم ان هذا القول كان علامة لبني إسرائيل قبل ولادة يسوع بمئات السنين، وهنا سأورد النص ليتبين لنا ان كان متّى أو ملاك الرب أو الروح المقدس، الذي كان يسوق متّى عند كتابة إنجيله كما تقول الكنائس، أخطأ أو أخطؤوا في القول أن هذا النص تحقق بميلاد يسوع.
- وحدث في أيام آحاز بن يوثام بن عزيّا ملك يهوذا ان رصين ملك أرام صعد مع فقح بن رمليا ملك إسرائيل إلى أُورشليم لمحاربتها فلم يقدر ان يُحاربها،
وأُخبر بيت داوُد وقيل له قد حلّت أرام في أفرايم، فرجف قلبه وقلوب شعبه كرجفان شجر الوعر قدّام الريح،
فقال الرب لإشعياء اخرج لملاقاة آحاز أنت وشآر ياشوب ابنك الى طرف قناة البركة العليا الى سكة حقل القصّار، وقل له احترز واهدأ،
لا تخف ولا يضعف قلبك من أجل ذنبي هاتين الشعلتين المدخنتين بحمو غضب رصين وأرام وابن رمليا،
لان أرام تآمرت عليك بشر مع أفرايم وابن رمليا قائلة، نصعد على يهوذا ونقوضها ونملك في وسطها ملكا ابن طبئيل،
هكذا يقول السيد الرب لا تقوم لا تكون،
لان رأس أرام دمشق ورأس دمشق رصين،
وفي مدة خمس وستين سنة ينكسر أفرايم حتى لا يكون شعباً،
ورأس أفرايم السامرة ورأس السامرة ابن رمليا،
إن لم تؤمنوا فلا تأمنوا،
ثم عاد الرب فكلم آحاز قائلاً اطلب لنفسك آية من الرب إلهك،
عمّق طلبك أو رفعه إلى فوق،
فقال آحاز لا أطلب ولا أُجرب الرب، 
فقال اسمعوا يا بيت داوُد هل هو قليل عليكم أن تضجروا الناس حتى تضجروا إلهي أيضاً،
ولكن يعطيكم السيد نفسه آية،
ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعوا اسمه عمانوئيل،
 زبداً وعسلاً يأكل، متى عرف أن يرفض الشر ويختار الخير،
 لأنه قبل أن يعرف الصبي أن يرفض الشر ويختار الخير، تخلى الأرض التي أنت خاش من مَلِكيها،
 يجلب الرب عليك وعلى شعبك وعلى بيت أبيك أياماً لم تأت منذ يوم اعتزال أفرايم عن يهوذا أي ملك أشور،
ويكون في ذلك اليوم أن الرب يصفر للذباب الذي في أقصى ترع مصر، وللنحل الذي في أرض أشور، فتأتي وتحلّ جميعها في الأودية الخربة وفي كل غاب الشوك وفي كل المراعي،
في ذلك اليوم يحلق السيد بموسى مستأجرة في عبر النهر بملك أشور الرأس وشعر الرجلين وتنزع اللحية أيضاً،
ويكون في ذلك اليوم أن الانسان يُربي عجلة بقر وشاتين، ويكون أنه من كثرة صنعها اللبن يأكل زبداً، فإن كل من أُبقي في الارض يأكل زبداً وعسلاً،
ويكون في ذلك اليوم أن كل موضع كان فيه ألف جفنة بألف من الفضة يكون للشوك والحسك،
بالسهام والقوس يُؤتى إلى هناك لأن كل الارض تكون شوكاً وحسكاً، وجميع الجبال التي تنقب بالمعول لا يؤتى إليها خوفاً من الشوك والحسك فتكون لسرح البقر ولدوس الغنم. (إشعياء 7: 1-25)
هذا هو النص الذي يتحدث عن عمانوئيل والذي أتمنى لو ان كل أتباع الكنائس الطيبين يحفظوه عن ظهر قلب أو على الأقل يقرؤوه كاملاً ليعلموا ان عمانوئيل هذا ليس هو يسوع وانما كان علامة من الرب لآحاز ملك أُورشليم بأن الرب سيُبيد أفرايم حتى لا يكونوا شعباً في مدة خمسة وستين سنة كما هو مذكور، وليس كما فعل متّى واقتطع منه فقرة ليقول ان العهد القديم تنبأ عن يسوع ونسي أو تناسى باقي النص.
وأما لوقا فكتب قصة حبل مريم بيسوع كما في النص التالي:
- وفي الشهر السادس أُرسل جبرائيل الملاك من الإله الى مدينة من الجليل اسمها ناصرة،
إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داوُد اسمه يوسف واسم العذراء مريم،
فدخل إليها الملاك وقال سلام لك أيتها المنعم عليها الرب معك مباركة أنت في النساء،
فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية،
فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الإله،
وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع،
هذا يكون عظيماً وابن العلي يُدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داوُد أبيه،
ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية،
فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً،
فأجاب الملاك وقال لها الروح المقدس يحلّ عليك وقوة العليّ تظللك، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الإله،
وهو ذا إليصابات نسيبتك هي أيضاً حبلى بابن في شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقراً،
لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الإله،
فقالت مريم هو ذا أنا أمة الرب  ليكن لي كقولك، فمضى من عندها الملاك. (لوقا 1: 26-38)
لوقا كما هو ظاهر في النص كتب قصة حبل مريم بيسوع بطريقة مختلفة عن متّى الذي قصرها على حلم يوسف بملاك الرب إلا انه، أي لوقا، ضمّنها عدداً من الأخطاء كما فعل متّى.
فكما قلت سابقاً ان الاناجيل تجاهلت كتابة نسب لمريم يبين من هو أبوها ومن أي سبط هي، فنجده هنا يقول عذراء مخطوبة لرجل من بيت داوُد اسمه يوسف، واسم العذراء مريم!
والخطأ الأهم هو قوله هذا يكون عظيماً وابن العلي يُدعى، ويُعطيه الرب الإله كرسي داوُد أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية. في هاتين الفقرتين نجد خطأين لا يمكن تبريرهما الأول قوله ان الرب يُعطيه كرسي داوُد أبيه وهذا القول غير صحيح اذ ان داوُد ليس أب يسوع لأن يسوع لم يُولد من رجل وإن كان لوقا قد وضع نسباً ليسوع نسبه ليس الى داوُد فقط بل والى يوسف النجار!
بالإضافة الى أن يسوع يستنكر على من ينسب المسيح الى داوُد كما في النصوص التالية:
- وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع قائلاً ماذا تظنون في المسيح،
ابن من هو،
قالوا له ابن داوُد،
قال لهم فكيف يدعوه داوُد بالروح رباً قائلاً، قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فإن كان داوُد يدعوه رباً فكيف يكون ابنه،
فلم يستطع أحد أن يُجيبه بكلمة، ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله بتة. (متّى 22: 41-46)
- ثم أجاب يسوع وقال وهو يُعلم في الهيكل كيف يقول الكتبة أن المسيح ابن داوُد، لأن داوُد نفسه قال بالروح المقدس قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فداوُد نفسه يدعوه رباً فمن أين هو ابنه،
وكان الجمع الكثير يسمعه بسرور. (مرقس 12: 35-37)
- وقال لهم كيف يقولون إن المسيح ابن داوُد،
وداوُد نفسه يقول في كتاب المزامير قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فإذاً داوُد يدعوه رباً فكيف يكون ابنه. (لوقا 20: 41-44)
فهذه النصوص تؤكد ان المسيح ليس ابن داوُد، فالقول ان يسوع ابن داوُد يعني انه ليس المسيح، فنحن أمام نصوص لا يمكن الجمع بينها، فإما أن يسوع ابن داوُد مما يعني انه ليس المسيح أو انه المسيح وهذا يعني خطأ قول ملاك الرب من ان داوُد أب يسوع!
والخطأ الثاني قوله ان يسوع يملك على بيت يعقوب الى الأبد وهذا لم يتحقق في حياة يسوع، لا بل ان يسوع رفض ان يكون ملكاً على اليهود عندما حاول بعضهم ان يجعله ملكاً كما في النص التالي:
- وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده. (يوحنا 6: 15)
فاذا كان يسوع يرفض ان يكون ملكاً، وهو لم يملك على بيت يعقوب في حياته فمتى سيملك على بيت يعقوب؟!
وأما قول مريم أنها أمة الرب، فهذا الاعتراف واضح بأنه لا علاقة لها بالرب سوى بالعبودية والخضوع لمشيئته، إلا ان هذا الكلام لا يقنع الكنائس، إذ تقول ان الرب ذاته قد تجسد في صورة عبد! ونكتفي بالأخطاء الظاهرة في القصة لأنه من الصعب على الكنائس مواجهة مثل هذه الأخطاء والدفاع عنها.
ثم يُكمل لوقا قصة حبل مريم فيقول:
فقامت مريم في تلك الايام وذهبت بسرعة الى الجبال الى مدينة يهوذا،
ودخلت بيت زكريا وسلمت على أليصابات،
فلما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت اليصابات من الروح المقدس، وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركة انت في النساء ومباركة ثمرة بطنك،
فمن أين لي هذا أن تأتي أُم ربي إليّ،
فهوذا حين صار صوت سلامك في أُذنيّ ارتكض الجنين بابتهاج في بطني،
فطوبى للتي آمنت ان يتم ما قيل لها من قِبل الرب. (لوقا 1: 39-45)
في هذه الفقرات نلاحظ ان اليصابات فرحت بمجيء مريم وقال لوقا ان الجنين، أي يوحنا المعمدان، ابتهج وهو في بطن أمه بسماع صوت مريم، ولكن لو قرأنا النصوص التالية هل يمكن ان يقتنع لوقا بما كتبه عن يوحنا المعمدان وهو في بطن أُمه؟!
- اما يوحنا فلما سمع في السجن بأعمال يسوع أرسل اثنين من تلاميذه وقال له أنت هو الآتي أم ننتظر آخر،
أجاب يسوع وقال لهما اذهبا وأخبرا يوحنا بما تسمعان وتنظران. (متّى 11: 2-4)
- فأخبر يوحنا تلاميذه بهذا كله،
فدعا يوحنا اثنين من تلاميذه وأرسل إلى يسوع قائلاً أنت هو الآتي أم ننتظر آخر،
فلما جاء إليه الرجلان إليه قالا يوحنا المعمدان قد أرسلنا إليك قائلاً أنت هو الآتي أم ننتظر آخر،
وفي تلك الساعة شفى كثيرين من أمراض وأدواء وأرواح شريرة ووهب البصر لعميان كثيرين،
فأجاب يسوع وقال لهما اذهبا وأخبرا يوحنا بما رأيتما وسمعتما، ان العُمي يُبصرون والعُرج يمشون والبرص يُطهّرون والصُمّ يسمعون والموتى يقومون والمساكين يُبشَّرون،
وطوبى لمن لا يعثر فيّ. (لوقا 7: 18-23)
- هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي رجل صار قدامي لأنه كان قبلي،
وأنا لم أكن أعرفه،
لكن ليُظهَرَ لإسرائيل لذلك جئت أُعمّد بالماء،
وشهد يوحنا قائلاً إني قد رأيت الروح نازلاً عليه مثل حمامة من السماء فاستقر عليه،
وأنا لم أكن أعرفه،
لكن الذي أرسلني لأُعمّد بالماء قال لي الذي ترى الروح نازلاً عليه ومستقراً عليه فهذا الذي يُعمّد بالروح المقدس. (يوحنا 1: 29-33)
من هذه النصوص يتبين لنا ان يوحنا المعمدان لم يكن يعرف حقيقة يسوع، لا بل لم يكن يعرفه كما كتب يوحنا في إنجيله مع ان اليصابات نسيبة مريم كما قال لوقا!
وهذا الكلام قاله بعد أكثر من ثلاثين سنة من ولادته فكيف يفرح وهو في بطن أُمه عند سماعه لصوت مريم ثم بعد ثلاثين سنة يقول انه لم يكن يعرفه؟
ثم يكتب لوقا على لسان مريم هذه الصلاة:
فقالت مريم تُعظم نفسي الرب،
وتبتهج روحي بالإله مخلصي،
لأنه نظر إلى اتضاع أمته، فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني،
لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس،
ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه،
صنع قوة بذراعه شتت المستكبرين بفكر قلوبهم،
أنزل الاعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين،
أشبع الجياع خيراتٍ وصرف الاغنياء فارغين،
عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمة،
كما كلم أبائنا، لإبراهيم ونسله إلى الأبد،
فمكثت مريم عندها نحو ثلاثة أشهر ثم رجعت الى بيتها. (لوقا 1: 46-56)
كتب لنا لوقا صلاة مريم وهي مليئة بالحب والايمان والخضوع للرب القدير المخلص، والذي أتمنى ان يكون تصور وإيمان أتباع الكنائس الطيبين كمريم في هذا النص، بدلاً من السعي وراء مخلصين لا يستطيعون تخليص أنفسهم، حتى مريم نفسها فهي تقول تعظم نفسي الرب، وتبتهج روحي بالرب مخلصي، لأنه نظر إلى اتضاع أمته.
ولادة السيدة مريم ليسوع
لم يكتب متّى في إنجيله عن ولادة مريم ليسوع سوى الفقرة التي ذكرتها سابقاً ان يوسف لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر ودعا اسمه يسوع وأما لوقا فذكر ولادة مريم ليسوع على النحو الآتي:
- فصعد يوسف أيضاً من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية إلى مدينة داوُد التي تدعى بيت لحم لكونه من بيت داوُد وعشيرته ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى،
وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد،
فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته في المذود إذ لم يكن لهما موضع في المنزل. (لوقا 2: 4-7)
في هذا النص نلاحظ قول لوقا ان السبب الذي من أجله ذهب أو صعد يوسف النجار الى بيت لحم هو انه من بيت داوُد ولم يذكر معه مريم، مما يشير الى انها ليست من نسل داوُد وإلا لكان كتب وصعدا الى بيت لحم لكونهما من بيت داوُد!
وهذا التجاهل لنسب مريم مرجعه الى أن المسيح في العهد القديم يكون من ذرية داوُد مما اضطر متّى ولوقا لوضع نسبين ليسوع ينسبانه فيهما ليوسف النجار مع أنهما يقولان أنه ولد من غير رجل.
ثم بعد هذا يتحدث متّى عن قصة المجوس وكيف انهم قدموا له الهدايا كما في النص التالي:
- وأتوا الى البيت ورأوا الصبي مع مريم أُمه فخرّوا وسجدوا له، ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهباً ولباناً ومراً. (متّى 2: 11)
وبعد ذلك يكتب متّى ان يوسف ومريم ويسوع ذهبوا الى مصر وبقوا فيها الى ان حلم يوسف حلماً طلب فيه ملاك الرب منه ان يذهب الى الجليل.
وأما لوقا فكتب قصة عن الرعاة ورؤيتهم لملائكة تبشر بولادة يسوع وان مريم عندما سمعت كلامهم كانت تفكر في هذا الكلام كما في النص التالي:
- وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها. (لوقا 2: 19)
وبعد هذا يكتب لوقا عن ختان يسوع ثم يقول انه عندما تمت أيام تطهيرها حسب شريعة موسى صعدوا به إلى أُورشليم ليقدموه للرب، ولكي يقدموا ذبيحة كما قيل في ناموس الرب زوج يمام أو فرخي حمام. (لوقا 2: 22-24)
هنا لا بد من وقفة مع ناموس الرب ووضع مريم الاقتصادي بناء على قصة المجوس.
أما ناموس الرب فيقول عن قربان المرأة التي تتطهر من دم ولادتها انها تقدم خروفاً حولياً فان لم تستطع فتقدم ما ذكره لوقا، كما في النص التالي:
- وكلم الرب موسى قائلاً كلّم بني إسرائيل قائلاً إذا حبلت امرأة وولدت ذكرأً تكون نجسة سبعة أيام، كما في أيام طمث علتها تكون نجسة،
وفي اليوم الثامن يُختن لحم غرلته،
ثم تقيم ثلاثة وثلاثين يوماً في دم تطهيرها،
كل شيء مقدس لا تمس، والى المقدس لا تجيء حتى تكمل أيام تطهيرها،
وان ولدت أُنثى تكون نجسة أسبوعين كما في طمثها،
ثم تقيم ستة وستين يوماً في دم تطهيرها،
ومتى كملت أيام تطهيرها لأجل ابن أو ابنة،
تأتي بخروف حوليّ مُحرقة وفرخ حمامة أو يمامة ذبيحة خطيئة إلى باب خيمة الاجتماع إلى الكاهن، فيقدمها أمام الرب ويكفر عنها فتطهر من ينبوع دمها،
هذه شريعة التي تلد ذكراً أو أُنثى،
وان لم تنل يدها كفاية لشاة تأخذ يمامتين أو فرخي حمام، الواحد مُحرقة والآخر ذبيحة خطيئة،
فيكفر عنها الكاهن فتطهر. (لاويين 12: 1-8)
فهذا النص يوجب على المرأة تقديم خروفاً حولياً فان لم تستطع فاليمام أو الحمام فلماذا اقتصر لوقا على ذكر اليمام والحمام ولم يذكر الخروف؟
سيقول كثير من أتباع الكنائس الطيبين لأن مريم كانت فقيرة، وهذا أمر منطقي!
ولكن لو تذكرنا قصة المجوس في إنجيل متّى وما قدموه من ذهب ولبان ومرّ، لو كانت صحيحة، لجعلت مريم في مصاف الأغنياء، فلماذا لم تقدم خروفاً؟! هذا أتركه برسم التأمل لينظر أتباع الكنائس الطيبين في قصص الأناجيل وما تحويه من أُمور تضاد بعضها البعض.
ثم بعد هذه القصة يذكر لوقا قصة ذهاب يسوع برفقة أبويه يوسف ومريم الى أُورشليم وهو في الثانية عشر من عمره وهناك يفقده أبواه وعندما يعودان الى أُورشليم للبحث عنه يجداه في الهيكل وتحدث بينهم المحادثة التالية:
- وقالت له أُمه يا بني لماذا فعلت بنا هكذا،
هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين،
فقال لهما لماذا كنتما تطلبانني، ألم تعلما انه ينبغي أن أكون في ما لأبي،
فلم يفهما الكلام الذي قاله لهما،
ثم نزل معهما وجاء الى الناصرة،
وكان خاضعاً لهما،
وكانت أُمه تحفظ جميع هذه الأُمور في قلبها. (لوقا 2: 48-51)
هذه المحادثة بين مريم ويسوع تثير في النفس الكثير من التساؤلات، أولها مدى ايمان لوقا ومريم والروح المقدس الذي كان يسوق لوقا بولادته من غير رجل، فمريم تقول كما كتب لوقا ووافقه الروح المقدس ان يوسف النجار هو أب يسوع بقولها هو ذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين، فكيف تصف يوسف انه أبوه مع علمها انه ليس أباه، إلا اذا كانت تؤمن ان يوسف أب يسوع وكذلك الحال مع لوقا اذ كيف يكتب هذه الفقرة، ومن ثمّ كيف يوافق الروح المقدس على كتابتها؟!
ألم يكن جديراً بمريم أو لوقا أو الروح المقدس ان يقولوا هوذا عمك أو خالك أو زوجي وأنا كنا نطلبك معذبين بدلاً من هو ذا أبوك وأنا، هذا اذا كانت مريم ولوقا والروح المقدس مؤمنين ان يوسف النجار ليس أب يسوع الجسدي!
التساؤل الثاني وهو بخصوص قول لوقا ان مريم ويوسف النجار لم يفهما كلام يسوع الذي قاله لهما، كيف لم يفهما كلام يسوع، ومتّى ولوقا كتبا عن ملاك الرب الذي ظهر ليوسف وملاك الرب الذي ظهر لمريم وقصة المجوس وقصة الرعاة وقصة سمعان البار وقصة النبية حنة بنت فنوئيل وقصة الذهاب الى مصر والعودة بناء على أحلام يوسف بملاك الرب، كل هذه القصص ثم لم يفهما كلام يسوع؟!
أم ان هذه القصص لم تحدث ولهذا لم يفهما كلامه؟!
وأما قول لوقا عن يسوع وكان خاضعاً لهما فهو من غرائب ما يمكن ان يسمعه الانسان عن رجل أو انسان تجسدت فيه الاقانيم الثلاثة أو على الأقل الاقنوم الثاني بحسب قانون إيمان كل كنيسة من الكنائس المختلفة ثم يكون خاضعاً لبعض مخلوقاته!
قد يقول بعض أتباع الكنائس الطيبين ان هذا الأمر حدث وهو طفل صغير.
فأقول لهم وحدث هذا الأمر وهو كبير، بل وحدث ما هو أشد من الخضوع وهو الضرب والبصق والجلد لهذا الجسد ومع هذا لم يكن له حول ولا قوة إلا ان يصرخ الى إلهه وهو معلق على الصليب إلهي إلهي لماذا تركتني!
فاذا كانت صفة الخضوع والاستسلام للآخرين لهذا الجسد فكم حري بنا أن نتأمل في شخصيته لندرك مدى صدق الصفات المنسوبة له من عدمها.
علاقة السيدة مريم بيسوع
بعد هذه القصة تختفي السيدة مريم من الاناجيل الا في ثلاثة مواضع تدل على علاقة متوترة وليست جيدة بينها وبين يسوع، وموضع رابع يبين هذه العلاقة وان لم تكن السيدة مريم حاضرة فيه إلا أنه يحمل في طياته بعض الأخطاء، وهذه المواقف سأذكرها بالترتيب الزمني بحسب ورودها في الأناجيل.
أول هذه المواضع كانت في قصة معجزة تحويل الماء الى خمر والتي ذكرها يوحنا في انجيله، وهذا نصها:
- وفي اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل،
وكانت أُم يسوع هناك،
ودُعي أيضاً يسوع وتلاميذه إلى العرس، ولما فرغت الخمر قالت أُم يسوع له ليس لهم خمر،
فقال لها يسوع ما لي ولك يا امرأة، لم تأت ساعتي بعد،
قالت أُمّه للخدّام مهما قال لكم فافعلوه،
وكانت ستة أجران من حجارة موضوعة هناك حسب تطهير اليهود يسع كل واحد مطرين أو ثلاثة،
قال لهم يسوع املأوا الأجران ماء، فملأوها إلى فوق،
ثم قال لهم استقوا الآن وقدموا إلى رئيس المُتكأ،
فلما ذاق رئيس المتكأ الماء المتحول خمراً، ولم يكن يعلم من أين هي،
لكن الخدام الذين كانوا قد استقوا الماء علموا،
دعا رئيس المتكأ العريس وقال له كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولاً ومتى سكروا فحينئذ الدون، أما أنت فأبقيت الخمر الجيدة إلى الآن،
هذه بداية الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل وأظهر مجده،
فآمن به تلاميذه. (يوحنا 2: 1-11)
نلاحظ في هذا النص ان يسوع يخاطب أُمّه بقوله لها ما لي ولك يا امرأة وكأنها أي امرأة أو امرأة غريبة، ونحن البشر العاديين اذا أراد الواحد منا ان يُخاطب امرأة لا يعرفها وليست أُمه أو قريبته فانه يقول لها يا آنسة أو يا سيدة أو اذا كانت كبيرة في العمر فيقول لها يا خالة أو يا عمة!
أما يسوع فيخاطب أُمّه التي تصفها الكنائس بعشرات الألقاب بيا امرأة!
هل هذه المرأة، بعيداً عن مكانتها العظيمة، لا تستحق أكثر من كلمة يا امرأة؟
الموضع الثاني الذي يتحدث عن علاقة يسوع بمريم مذكور في الاناجيل الثلاثة الاولى، وهو كما يلي:
- وفيما هو يكلم الجموع إذا أُمّه وإخوته قد وقفوا خارجاً طالبين أن يكلموه،
فقال له واحد هو ذا أُمك وإخوتك واقفون خارجاً طالبين أن يكلموك،
فأجاب وقال للقائل له من هي أُمّي ومن هم إخوتي،
ثم مد يده نحو تلاميذه وقال ها أُمّي وإخوتي، لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السماء هو أخي وأختي وأُمّي. (متّى 12: 46-50)
- فجاءت حينئذ إخوته وأُمه ووقفوا خارجاً وأرسلوا إليه يدعونه،
وكان الجمع جالساً حوله فقالوا له هو ذا أُمك وإخوتك خارجاً يطلبونك،
فأجابهم قائلاً من أُمي وإخوتي،
ثم نظر حوله إلى الجالسين وقال ها أُمي وإخوتي،
لأن من يصنع مشيئة الإله هو أخي وأُختي وأُمي. (مرقس 3: 31-35)
- وجاء إليه أُمه وإخوته ولم يقدروا أن يصلوا إليه لسبب الجمع،
فاخبروه قائلين أُمك وإخوتك واقفون خارجاً يريدون أن يروك،
فأجاب وقال لهم أُمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الإله ويعملون بها. (لوقا 8: 19-21)
يسوع يُخاطب تلاميذه عندما أخبروه ان أُمه ترغب في لقائه بقوله من هي أُمي، وفي النص الثاني من أُمي وإخوتي، وفي النص الثالث تجاهل وجود أُمه وإخوته ولم يشأ حتى ان يذكرهم وتوجه بالكلام مباشرة لتلاميذه!
ماذا يقصد يسوع بهذه التعليق على زيارة أُمه له، أو بمعنى أدق ماذا يقصد كتبة الاناجيل بكتابة هذه الكلمات؟
هل يريد يسوع ان يرسخ في عقول تلاميذه وأتباعه الوصية التي أوصاهم بها بكره الأُمهات والآباء والناس كافة وانه قدوة لهم بالعمل في هذه الوصية، كما في النص التالي:
- وكان جموع كثيرة سائرين معه فالتفت،
وقال لهم ان كان أحد يأتي اليّ ولا يُبغض،
1- أباه،
2- وأُمه،
3- وامرأته،
4- وأولاده،
5- واخوته،
6- وأخواته،
7- حتى نفسه أيضاً،
فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً،
8- ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر ان يكون لي تلميذاً،
9- فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر ان يكون لي تلميذاً،
الملح جيد ولكن اذا فسد الملح فبماذا يُصلح،
لا يصلح لأرض ولا لمزبلة فيطرحونه خارجاً،
من له أُذنان للسمع فليسمع.(لوقا 14: 25-35)
ولكن حتى لو أراد هذا، فهذا غير ممكن لانهما كما تصفه وأُمه الكنائس ليسا أشخاصاً عاديين، فهو الجسد الذي حلت فيه الأقانيم الثلاثة أو على الأقل الأُقنوم الثاني بحسب قانون إيمان كل كنيسة، وأُمه والدة الإله وغيرها من الصفات التي ذكرتها سابقاً.
كيف ستبرر الكنائس هذا الفعل من يسوع تجاه أُمه؟
ثم يذكر لوقا موقفاً ليسوع من أُمه، وان لم تكن حاضرة، كما في النص التالي:
- وفيما هو يتكلم بهذا رفعت امرأة صوتها من الجمع وقالت له طوبى للبطن الذي حملك والثديين اللذين رضعتهما،
أما هو فقال بل طوبى للذين يسمعون كلام الإله ويحفظونه. (لوقا 11: 27-28)
هذا النص وان لم تكن السيدة مريم حاضرة الا انه يشير بالتأكيد الى نظرة ليست جيدة تجاه أُمه، وهذا القول يتناقض مع قول مريم ان الاجيال تطوبها الى الأبد، فإذا كان يسوع لا يطوبها فكيف نصدق ان الأجيال ستطوبها، وأيضاً ألم تكن مريم تسمع كلام الرب وتحفظه؟
ألم يكتب لوقا ان مريم كانت تحفظ كل هذه الأمور في قلبها؟
أم ان هذا الكلام لا يدل على ايمان مريم بيسوع كما كان أبناءها لا يؤمنون بأخيهم كما كتب يوحنا في النص التالي:
- وكان عيد المظال قريباً،
فقال له إخوته انتقل من هنا واذهب الى اليهودية لكي يرى تلاميذك أيضاً أعمالك التي تعمل،
لأنه ليس أحد يعمل شيئاً في الخفاء وهو يريد أن يكون علانية،
إن كنت تعمل هذه الأشياء فأظهر نفسك للعالم،
لأن إخوته أيضاً لم يكونوا يؤمنون به. (يوحنا 7: 2-10)
من هذه المواقف يظهر لنا ان علاقة يسوع بمريم لم تكن جيدة، ولا أُريد استخدام كلمات أُخرى.
وآخر موقف ظهرت فيه السيدة مريم من الناحية الزمنية هو ما كتبه يوحنا في انجيله، كما في النص التالي:
- وكانت واقفات عند صليب يسوع أُمه وأُخت أُمه مريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية ،
فلما رأى يسوع أُمه والتلميذ الذي كان يحبه واقفاً قال لأُمه يا امرأة هوذا ابنك،
ثم قال للتلميذ هو ذا أُمك،
ومن تلك الساعة أخذها التلميذ الى خاصته. (يوحنا 19: 25-27)
يحدثنا يوحنا في هذا النص عن موقف لم يتحدث عنه غيره من كتبة الاناجيل ويستخدم فيه ذات اللفظ بحق السيدة مريم عندما يناديها يسوع وهو معلق على الصليب يا امرأة، يا امرأة، لماذا يُصرّ كتبة الاناجيل على استخدام هذا اللفظ بحق السيدة مريم والدة يسوع؟ لست أدري!
ان المتأمل في هذا النص بعيداً عن كلمة يا امرأة يجد فيه بعض الأُمور التي تحتاج الى توضيح.
اول هذه الأمور هو تكليف يوحنا بالمحافظة على مريم، لماذا يوحنا؟
قد يقول بعض الطيبين من اتباع الكنائس لأنه التلميذ الذي كان يسوع يحبه كما قال هو عن نفسه في انجيله.
ولكن ألم تذكر الاناجيل انه كان لمريم أربعة أولاد، وكانوا من القدرة والقوة بحيث انهم كانوا يعترضون على طريقة يسوع في التبشير أو الكرازة، حتى أن يسوع لم يذهب الى أُورشليم حتى ذهبوا ليطمئن على نفسه من اليهود كما في النص التالي:
- اصعدوا أنتم الى هذا العيد، أنا لست أصعد بعد الى هذا العيد لأن وقتي لم يُكمل، قال لهم هذا ومكث في الجليل،
ولما كان إخوته قد صعدوا حينئذ صعد هو أيضاً إلى العيد لا ظاهراً بل كأنه في الخفاء. (يوحنا 7: 10)
لماذا يقول ليوحنا بان يكفل أُمه وهو الغريب عنها ولا يكفلها أبناءها؟
ولماذا لم يقم يسوع بأمر بعض الملائكة بالحفاظ على مريم طالما انه يمتلك الصفات التي تصفها به الكنائس المختلفة؟
وفي أعمال الرسل نص يدل على ان يوحنا لم يكن قد أخذ مريم الى خاصته كما قال سابقاً، وهو كما يلي:
- هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء،
ومريم أُم يسوع ومع إخوته. (أعمال الرسل 1: 14)
من هذا النص يتبين لنا ان مريم كانت مع أبناءها وليس مع يوحنا بن زبدي.
من خلال هذه القراءة لما هو مكتوب عن السيدة مريم في العهد الجديد من يستطيع ان يقول انها تعلم عن، ولا أقول أنها تحمل، الصفات التي تقولها عنها الكنائس المختلفة؟
فهذه المرأة العظيمة لم يكتب لنا كتبة العهد الجديد أي شيء عن نسبها ولم يكتبوا الا النزر اليسير من سيرتها وعلاقتها بيسوع، وكما قرأنا فما هو مكتوب عنها لا يمثل حالة من التعظيم لها وذلك باستخدام ألفاظ ليست مريحة كقولهم يا امرأة أو من هي أُمي أو ما لي ولك يا امرأة، وكل ما كتبوه ونسبوه لها فهو يعبر عن حالة من العبودية والمحبة والخضوع لمشيئة الرب خالق السموات والارض كقولها تعظم نفسي الرب، وليكن كما تقول، ونظر الى اتضاع أمته، من هنا يتبين لنا ان هذه الشخصية لا تحمل ولا تعلم بالصفات التي وضعتها لها الكنائس التي حاولت ان تعوض تجاهل الأناجيل للسيدة مريم فقامت بوضع صفات وأسماء لها أنا أجزم أن السيدة مريم لم تدعيها لنفسها ولم تسمع عنها.
كما اننا من خلال هذه الدراسة لشخصية السيدة مريم وعلاقتها بيسوع لا نجد أي أثر أو اعتراف بيسوع سواء كمسيح أو كأُقنوم من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، فهي ولدت طفلاً بدون رجل بمشيئة الرب كما حدث مع اليصابات العاقر، وهو، أي يسوع، أوكل مهمة العناية بها ليوحنا ابن زبدي بدلاً من ان يوكل بها بعض ملائكته هذا اذا لم نقل ان يأخذها معه الى السماء ويجلسها مع أبيه!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق