الثلاثاء، 9 مارس 2010

شخصية يوحنا المعمدان وعلاقته بيسوع في الاناجيل عرض ونقد

الفصل الخامس شخصية يوحنا المعمدان

يُعتبر يوحنا المعمدان من الشخصيات المهمة المذكورة في الاناجيل فهو كان مقدمة لولادة يسوع لأنه ولد بطريقة معجزة من أبوين طاعنين في السن وأُمه كانت عاقراً، كما انه امتلأ من الروح المقدس وهو في بطن أُمه وفرح لسماع صوت مريم، بالإضافة الى انه قام بتعميد يسوع وشهد له بأن الروح المقدس نزل عليه على شكل حمامة، وهو كان كما تقول الأناجيل والكنائس الصوت الصارخ في البرية والملاك الذي جاء ليُهيئ ليسوع الطرق، وأخيراً كان نبياً أو أكثر من نبي كما قال يسوع.
من أجل هذا كله يجب دراسة هذه الشخصية لنرى حقيقة ما تقوله الأناجيل والكنائس عن يسوع وصفاته الإلهية، فيوحنا المعمدان قد يكون، أو يجب أن يكون، من أصدق الناس في إظهار صفات يسوع الإلهية التي تنسبها له الأناجيل والكنائس المختلفة في قوانين إيمانها، والآن سنستعرض شخصية يوحنا المعمدان كما ذكرتها الاناجيل ونبدأ بمولده المعجز.
ولادة يوحنا المعمدان
- كان في أيام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة أبيّا،
وامرأته من بنات هارون واسمها أليصابات،
وكانا كلاهما بارّين أمام الإله سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم،
ولم يكن لهما ولد إذ كانت أليصابات عاقراً وكان كلاهما متقدمين في أيامهما،
فبينما هو يكهن في نوبة فرقته أمام الإله حسب عادة الكهنوت أصابته القرعة أن يدخل الى هيكل الرب ويُبخر،
وكان كل جمهور الشعب يُصلون خارجاً وقت البخور،
فظهر له ملاك الرب واقفاً عن يمين مذبح البخور،
فلما رآه زكريا اضطرب ووقع عليه خوف،
فقال له الملاك لا تخف يا زكريا لأن طلبتك قد سُمعت،
وامرأتك إليصابات ستلد لك ابناً وتسميه يوحنا،
ويكون لك فرح وابتهاج وكثيرون سيفرحون بولادته،
لأنه يكون عظيماً أمام الرب وخمراً ومسكراً لا يشرب ومن بطن أُمه يمتلئ من الروح المقدس،
ويردّ كثيرين من بني اسرائيل الى الرب إلههم،
ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته ليردّ قلوب الآباء الى الأبناء والعصاة الى فكر الابرار لكي يُهيء للرب شعباً مستعداً،
فقال زكريا للملاك كيف أعلم هذا لأني شيخ وامرأتي متقدمة في أيامها،
فأجاب الملاك وقال له أنا جبرائيل الواقف قدام الإله وأُرسلت لأُكلمك وأُبشرك بهذا،
وها انت تكون صامتاً لا تقدر أن تتكلم الى اليوم الذي يكون فيه هذا لأنك لم تصدق كلامي الذي سيتم في وقته،
وكان الشعب منتظرين زكريا ومتعجبين من إبطائه في الهيكل،
فلما خرج لم يستطع أن يُكلمهم ففهموا أنه قد رأى رؤيا في الهيكل فكان يومئ إليهم وبقي صامتاً،
ولما كملت أيام خدمته مضى الى بيته،
وبعد تلك الأيام حبلت اليصابات امرأته وأخفت نفسها خمسة أشهر قائلة،
هكذا قد فعل بي الرب في الأيام التي فيها نظر إليّ لينزع عاري بين الناس،
وفي الشهر السادس أُرسل جبرائيل الملاك من الإله الى مدينة من الجليل اسمها ناصرة،
إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داوُد اسمه يوسف واسم العذراء مريم،
فدخل إليها الملاك وقال سلام لك أيتها المنعم عليها الرب معك مباركة أنت في النساء،
فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى أن تكون هذه التحية،
فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لأنك قد وجدت نعمة عند الإله،
وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع،
هذا يكون عظيماً وابن العلي يُدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داوُد أبيه،
ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية،
فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً،
فأجاب الملاك وقال لها الروح المقدس يحلّ عليك وقوة العليّ تظللك، فلذلك أيضاً القدوس المولود منك يدعى ابن الإله،
وهو ذا إليصابات نسيبتك هي أيضاً حبلى بابن في شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقراً،
لأنه ليس شيء غير ممكن لدى الإله،
فقالت مريم هو ذا أنا أمة الرب  ليكن لي كقولك، فمضى من عندها الملاك،
فقامت مريم في تلك الايام وذهبت بسرعة الى الجبال الى مدينة يهوذا،
ودخلت بيت زكريا وسلمت على أليصابات،
فلما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت اليصابات من الروح المقدس، وصرخت بصوت عظيم وقالت مباركة انت في النساء ومباركة ثمرة بطنك،
فمن أين لي هذا أن تأتي أُم ربي إلي،
فهوذا حين صار صوت سلامك في أُذنيّ ارتكض الجنين بابتهاج في بطني،
فطوبى للتي آمنت ان يتم ما قيل لها من قِبل الرب،
 فقالت مريم تعظم نفسي الرب،
وتبتهج روحي بالإله مخلصي،
لأنه نظر إلى اتضاع أمته، فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني،
لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدّوس،
ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه،
صنع قوة بذراعه شتت المستكبرين بفكر قلوبهم،
أنزل الاعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين،
أشبع الجياع خيراتٍ وصرف الاغنياء فارغين،
عضد إسرائيل فتاه ليذكر رحمة،
كما كلم أبائنا، لإبراهيم ونسله إلى الأبد،
فمكثت مريم عندها نحو ثلاثة أشهر ثم رجعت الى بيتها،
وأما إليصابات فتم زمانها فولدت ابناً،
وسمع جيرانها وأقرباؤها أن الرب عظم رحمته لها ففرحوا معها،
وفي اليوم الثامن جاءوا ليختنوا الصبي وسموه باسم أبيه زكريا،
فأجابت أُمه وقالت لا بل يسمى يوحنا،
فقالوا لها ليس أحد في عشيرتك تسمّى بهذا الاسم،
ثم أومؤوا إلى أبيه ماذا يريد أن يُسمّى،
فطلب لوحاً وكتب قائلاً اسمه يوحنا فتعجب الجميع،
وفي الحال انفتح فمه ولسانه وتكلم وبارك الإله،
فوقع خوف على كل جيرانهم وتحدث بهذه الامور جميعها في كل جبال اليهودية،
فأودعها جميع السامعين في قلوبهم قائلين أترى ماذا يكون هذا الصبي وكانت يد الرب معه،
وامتلأ زكريا من الروح المقدس وتنبأ قائلاً مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه،
وأقام لنا قرن خلاص في بيت داوُد فتاه،
كما تكلم بفم أنبيائه القديسين منذ الدهر،
خلاص من أعدائنا ومن أيدي جميع مبغضينا،
ليصنع رحمة مع آبائنا ويذكر عهده المقدس،
القسم الذي حلف لإبراهيم أبينا،
أن يعطينا إننا بلا خوف مُنقَذين من أيدي أعدائنا نعبده،
بقداسة وبر قدّامه جميع أيام حياتنا،
وأنت أيها الصبي نبي العلي تدعى لأنك تتقدم أمام وجه الرب لتُعد طرقه،
لتُعطي شعبه معرفه الخلاص بمغفرة خطاياهم،
بأحشاء رحمة إلهنا التي بها افتقدنا المُشرق من العلاء،
ليضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت لكي يهدي أقدامنا في طريق السلام،
أما الصبي فكان ينمو ويتقوى بالروح وكان في البراري إلى يوم ظهوره لإسرائيل. (لوقا 1: 5-80)
في هذا النص نقرأ قصة ولادة يوحنا المعمدان ونستطيع ان نلاحظ فيها عدة مسائل:
المسألة الأولى وهي أن ولادة يوحنا المعمدان معجزة كما كانت ولادة يسوع، إلا في وجود زكريا وان كان كبيراً في السن وامرأته عاقراً.
المسألة الثانية وهي أن ملاك الرب بشّر بيوحنا كما بشّر بيسوع، وهو الذي سماه يوحنا الذي لم يكن أحد من عشيرة أُمه تسمّى بهذا الاسم، مما يعني ان اسم يوحنا لم يكن معروفاً قبله، وهذا يخالف المعروف من التاريخ، إذ أن لوقا يقول أن أليصابات من بنات هارون، أي من بنات الكهنة، والتاريخ يقول أن ثلاثة أشخاص على الأقل من المكابيين، وهم من الكهنة، كانت أسمائهم يوحنا، كما في النصوص التالية:
- في تلك الايام خرج من أورشليم متتيا بن يوحنا بن سمعان كاهن من بني يرياريب،
وسكن في مودين. (المكابيين الاول 2: 1)
- فاختار يهوذا أوبولمس بن يوحنا بن أكوس وياسون بن ألعازر وأرسلهما الى رومية ليعقدا معهم عهد المولاة والمناصرة. (المكابيين الاول 8: 17)
- فصعد يوحنا من جازر وأخبر أباه بما صنع كندباوس. (المكابيين الاول 16: 1)
فاسم يوحنا من الاسماء المشهورة في ذلك الزمان فكيف يكتب لوقا انه لم يَتَسَمَّ أحد من عشيرة أليصابات بهذا الاسم؟
المسألة الثالثة وهي ان يوحنا امتلأ من الروح المقدس وهو في بطن أُمه، في حين ان يسوع بقي ثلاثين سنة بعد ولادته حتى امتلأ من الروح القدس!
ولوقا يقول ان يوحنا فرح وهو في بطن أُمه عندما سمع صوت مريم، مما تعتبره الكنائس من أهم الأدلة على ما تنسبه ليسوع من صفات، ولنتذكر هذا القول لنرى حقيقته بعد قليل.
المسألة الرابعة وهي ان الروح المقدس حلّ في زكريا وأليصابات، وهو ذات الروح المقدس الذي حلّ على يسوع بعد ثلاثين سنة، ومع هذا لم يقل أحد من الناس ان يوحنا وزكريا واليصابات قد حلت فيهم صفات إلهية أو أنهم أصبحوا آلهة وأقانيم كما تقول الكنائس المختلفة عن يسوع.
المسألة الخامسة وهي بشأن نبوءة زكريا التي يقول فيها ان الرب أقام لشعبه قرن خلاص من بيت داوُد فتاه.
ان القول ان يسوع من بيت داوُد كما جاء هنا وكما هو مذكور في عدة مواضع أُخرى في الاناجيل ينقض القول ان يسوع هو المسيح لأن يسوع يقول ان المسيح هو رب داوُد وليس ابنه كما في النصوص التالية:
- وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع قائلاً ماذا تظنون في المسيح،
ابن من هو،
قالوا له ابن داوُد،
قال لهم فكيف يدعوه داوُد بالروح رباً قائلاً، قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فإن كان داوُد يدعوه رباً فكيف يكون ابنه،
فلم يستطع أحد أن يُجيبه بكلمة، ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله بتة. (متّى 22: 41-46)
- ثم أجاب يسوع وقال وهو يُعلم في الهيكل كيف يقول الكتبة أن المسيح ابن داوُد، لأن داوُد نفسه قال بالروح المقدس قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فداوُد نفسه يدعوه رباً فمن أين هو ابنه،
وكان الجمع الكثير يسمعه بسرور. (مرقس 12: 35-37)
- وقال لهم كيف يقولون إن المسيح ابن داوُد،
وداوُد نفسه يقول في كتاب المزامير قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فإذاً داوُد يدعوه رباً فكيف يكون ابنه. (لوقا 20: 41-44)
في هذه النصوص يقول يسوع ان المسيح هو ربّ داوُد وليس ابنه فلو كانت النبوءة صحيحة فمعنى هذا ان يسوع ليس هو المسيح!
كما ان القول ان يسوع ابن داوُد يعني انه ابن يوسف النجار من ناحية الجسد كما قال متّى ولوقا ويوحنا في أناجيلهم كما في النصوص التالية:
- كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داوُد ابن إبراهيم. (متّى 1: 1)
- ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو على ما كان يظن ابن يوسف بن هالي .... بن داوُد ..... بن آدم. (لوقا 3: 23-28)
وعندما أخبر جبرائيل مريم بحبلها بيسوع قال لها أنها ستلد ابناً من نسل داوُد ويملك على كرسي داوُد أبيه إلى الأبد كما في النص التالي:
- وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسميه يسوع،
ويكون عظيماً وابن العلي يُدعى،
ويعطيه الرب كرسي داوُد أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية. (لوقا 1: 31-33)
كما انه يوجد نص واضح في نسبة يسوع الى يوسف من ناحية الجسد وهو كما يلي:
- فيلبس وجد نثنائيل وقال له وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة. (يوحنا 1: 45)
فهذه النصوص وغيرها تشير الى ان يسوع ابن يوسف النجار وابن داوُد من ناحية الجسد مما يطرح علامات استفهام كبيرة على كتبة الاناجيل إن كانوا يؤمنون حقاً أن يسوع وُلِدَ من دون رجل وأنه هو المسيح، لأن يسوع يقول ان المسيح رب داوُد وليس ابنه، إلا اذا قالت الكنائس ان النصوص التي تقول ان المسيح رب داوُد غير صحيحة!
كما اننا لو أمعنا النظر في نبوءة زكريا وقارناها بحال يسوع ويوحنا فإننا سنجدها لا تتطابق مع واقع حالهما سواء في الواقع الحياتي أو الواقع الإيماني كما هو مكتوب في الأناجيل.
لأن النبوءة تقول وامتلأ زكريا أبوه من الروح المقدس، وتنبأ قائلاً مبارك الرب إله اسرائيل لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه، وأقام لنا قرن خلاص في بيت داوُد فتاه، ويسوع لم يُخلص اليهود من اضطهاد الرومان، ولم يملك عليهم ساعة فما دونها حتى انه عندما علم ان اليهود يحاولون ان يجعلوه ملكاً عليهم هرب منهم!
- وأما يسوع فاذ علم انهم مزمعون ان يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً الى الجبل وحده. (يوحنا 6: 15)
كما ان يسوع كان يدفع الجزية ويخضع للرومان وطلب من اليهود الخضوع لسلطة الرومان الوثنيين بقوله أعطوا ما لقيصر لقيصر كما في النص التالي:
- أعطوا إذاً ما لقيصر لقيصر وما للإله للإله. (متّى 22: 21)
فكيف يكون يسوع قرن خلاص لليهود وهذا حاله؟
وأما بالنسبة للواقع الإيماني، وهو ما تحاول ان تشير إليه الكنائس، أي ان يسوع لم يأت بالخلاص المادي بل بالخلاص الإيماني وذلك بتكفير خطايا الناس ورفع خطيئة آدم التي أورثها لذريته، فحتى هذا الخلاص لم يتحقق لليهود على يد يسوع!
اذ ان يسوع بحسب الاناجيل والكنائس لم يرفع خطايا اليهود بل زادهم خطايا فوق خطاياهم، وذلك بصلبهم له كما تقول الاناجيل.
كما ان اليهود لم يؤمنوا بيسوع كمسيح تحدثت عنه أسفار العهد القديم لا في حياته ولا بعد قيامته مما اضطر تلاميذه ان يَنسوا كلامه عن دعوة اليهود فقط، الذي قال فيه انه لم يُرسل إلا الى خراف بيت اسرائيل الضالة، ويتوجهوا الى دعوة غير اليهود الذين منع يسوع تلاميذه من المضي الى طرقهم!
فأين قرن الخلاص الذي أقامه يسوع لليهود سواء في الواقع الحياتي أو في الواقع الإيماني لو أنه كان هو المقصود بهذه النبوءة أو لو كانت هذه النبوءة صحيحة أصلاً؟
وأخيراً فإن قول النبوءة عن يوحنا وأنت أيها الصبي نبي العلي تدعى لأنك تتقدم إمام وجه الرب لتُعدّ طرقه، لتعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم، فالجميع يعلم ان يوحنا المعمدان لم يُعِدّ أي طريق ليسوع حتى انه هو نفسه لم يتبع يسوع كما سيظهر لنا بعد قليل!
ظهور يوحنا وتبشيره بيسوع
- في تلك الأيام جاء يوحنا المعمدان يكرز في برّية اليهودية،
قائلاً توبوا لأنه قد اقتربت مملكة السماء،
فإن هذا هو الذي قيل عنه بإشعياء النبي القائل صوت صارخ في البرية أعدّوا طريق الربّ اصنعوا سبله مستقيمة،
ويوحنا هذا كان لباسه من وبر الإبل وعلى حقويه منطقة من جلد،
وكان طعامه جراداً وعسلاً برياً،
حينئذ خرج إليه أُورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المحيطة بالأُردن واعتمدوا منه في الاردن معترفين بخطاياهم. (متّى 3: 1-6)
- كان يوحنا يُعمّد في البرية ويكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا،
وخرج إليه جميع كورة اليهودية وأهل أُورشليم واعتمدوا جميعهم منه في نهر الاردن معترفين بخطاياهم،
وكان يوحنا يلبس وبر الإبل ومنطقة من جلد على حقويه، ويأكل جراداً وعسلاً برياً،
وكان يكرز قائلاً يأتي بعدي من هو أقوى مني الذي لست أهلاً أن أنحني وأحلّ سيور حذائه،
أنا عمدتكم بالماء وأما هو فسيُعمّدكم بالروح المقدس. (مرقس 1: 4-8)
- في أيام رئيس الكهنة حنان وقيافا كانت كلمة الإله على يوحنا بن زكريا في البرية،
فجاء الى جميع الكورة المحيطة بالاردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا،
كما هو مكتوب في سِفر أقوال إشعياء النبي القائل صوت صارخ في البرية أعدّوا طريق الربّ اصنعوا سبله مستقيمة، كل واد يمتلئ وكل جبل وأكمة ينخفض وتصير المعوجات مستقيمة والشعاب طرقاً سهلة. (لوقا 3: 2-6)
هذه النصوص تتحدث عن بداية ظهور يوحنا المعمدان لبني اسرائيل وتعميدهم بالماء لمغفرة الخطايا وتبشيره بظهور يسوع وتقول ان طعامه كان جراداً وعسلاً برياً ولباسه من وبر الإبل ومنطقة من جلد على حقويه.
تعميد يوحنا المعمدان ليسوع
- حينئذ جاء يسوع من الجليل الى الاردن الى يوحنا ليعتمد منه،
ولكن يوحنا منعه قائلاً أنا محتاج أن اعتمد منك وأنت تأتي إليّ،
فأجاب يسوع وقال له أسمح الآن لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر حينئذ سمح له. (متّى 3: 13-15)
- وفي تلك الايام جاء يسوع من ناصرة الجليل واعتمد من يوحنا في الاردن. (مرقس 1: 9)
- ولمّا اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضاً، وإذ كان يُصلي انفتحت السماء. (لوقا 3: 21)
هذه الفقرات لست أدري كيف وضعها متّى ومرقس ولوقا في الأناجيل، لأنها من الغرائب التي لا نجدها في أي كتاب ديني آخر، وذلك بقيام احد العبيد بتعميد، أو بغفران خطايا، يسوع الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر!
فما هي مميزات يوحنا المعمدان كي يقوم بتعميد يسوع، أحد الآلهة الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر كما تقول قوانين إيمان الكنائس المختلفة، لمغفرة خطاياه؟
فلو قلنا من ناحية العمر فيوحنا ليس أكبر من يسوع سوى بستة أشهر.
وأما من ناحية المكانة فمع كبر مكانة يوحنا في نظر يسوع إلا ان أصغر أتباع يسوع أعظم من يوحنا كما سنقرأ بعد قليل.
واذا قلنا ان يسوع كما قال انه يليق بنا ان نكمل كل بر.
فأي برٍ يريد يسوع ان يُكمله، وهو أي التعميد ليس من شرائع التوراة، فهو ليس كالختان الذي هو من شرائع التوراة لهذا تم ختان يسوع بعد ولادته، على الرغم أن الكنائس لم تلتزم به، أم إن الختان ليس من تكميل البر؟!
وأي خطايا ارتكبها أو يرتكبها يسوع الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذي هم واحد كما تقول الكنائس؟
هل يُقرّ كتبة الأناجيل والكنائس ان يسوع قد ارتكب بعض الخطايا، وهو الذي قال من يبكتني منكم على خطيئة (يوحنا 8: 46)، أي انه لم يرتكب أي خطيئة، فلماذا يتعمد من يوحنا لمغفرة الخطايا؟!
صفة تعميد يوحنا المعمدان وتعميد يسوع
أنا أُعمّدكم بماء للتوبة، ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوي مني،
الذي لست أهلاً أن أحمل حذاءه، هو سيُعمدكم بالروح المقدس ونار،
الذي رفشه في يده وسيُنقي بيدره ويجمع قمحه الى المخزن،
وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ. (متّى 3: 11-12)
أنا عمّدتكم بالماء وأما هو فسيُعمّدكم بالروح المقدس،
وفي تلك الأيام جاء يسوع من ناصرة الجليل،
 واعتمد من يوحنا في الأردن،
وللوقت وهو صاعد من الماء رأى السماء قد انشقت والروح مثل حمامة نازلاً عليه،
وكان صوت من السماء أنت ابني الحبيب الذي به سررت. (مرقس 1: 8-9)
- وإذ كان الشعب ينتظر والجميع يفكرون في قلوبهم عن يوحنا لعله المسيح أجاب يوحنا الجميع قائلاً أنا أُعمّدكم بماء ولكن يأتي من هو أقوى مني الذي لست أهلاً أن أحل سيور حذائه،
هو سيُعمّدكم بالروح المقدس ونار. (لوقا 3: 15-16)
- ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضاً،
وإذ كان يصلي انفتحت السماء ونزل عليه الروح المقدس بهيئة جسمية مثل حمامة وكان صوت من السماء قائلا أنت ابني الحبيب بك سررت. (لوقا 3: 21-22)
- فسألوه وقالوا له فما بالك تعمّد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي،
أجابهم يوحنا قائلاً أنا أُعمّد بماء ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه، هو الذي يأتي بعدي الذي صار قدامي، الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه، هذا كان في بيت عبرة الأردن حيث يوحنا كان يُعمّد،
وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه فقال هو ذا حَمَل الإله الذي يرفع خطية العالم،
هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي رجل صار قدامي لأنه كان قبلي،
وإنا لم أكن اعرفه،
لكن ليُظهَرَ لاسرائيل لذلك جئت أُعمّد بالماء،
وشهد يوحنا قائلاً إني قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامة من السماء فاستقر عليه،
وأنا لم أكن أعرفه،
لكن الذي أرسلني لأُعمّد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه فهذا هو الذي يُعمّد بالروح المقدس،
وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الإله. (يوحنا 1: 25-34)
من هذه النصوص نلاحظ ان يوحنا بَشّر بإنسان مُرسلٌ من الرب يُعمّد بالروح المقدس وبنار، فهل تعميد يسوع تنطبق عليه هذه الصفات؟
- وبعد هذا جاء يسوع وتلاميذه الى أرض اليهودية ومكث معهم هناك،  وكان يُعمّد،
وكان يوحنا ايضاً يُعمّد في عين نون بقرب ساليم لأنه كان هناك مياه كثيرة وكانوا يأتون ويعتمدون،
لأنه لم يكن يوحنا قد أُلقي بعد في السجن. (يوحنا 3: 22-24)
- فلما علم الرب أن الفريسيين سمعوا أن يسوع يُصيّر ويُعمّد تلاميذ أكثر من يوحنا،
مع أن يسوع نفسه لم يكن يُعمّد بل تلاميذه،
ترك اليهودية ومضى أيضاً إلى الجليل. (يوحنا 4: 1-3)
من هذين النصين يتبين لنا ان يسوع كان يُعمّد بالماء، وليس بالروح المقدس ونار كما تنبأ يوحنا المعمدان، وهذا هو تعميد الكنائس المختلفة الى يومنا هذا.
ان تلاوة بعض الصلوات والطقوس وذكر اسم الأب والابن والروح المقدس لا تخرج التعميد عن كونه تعميداً بالماء، فهو لا يتحدث عن كلمات تقال واسماء تذكر بل عن فاعلية وتأثير الروح المقدس في الإنسان المتعمّد!
 فأين فاعلية هذه الصلوات وهذا الذكر، اذا افترضنا ان المقصود به فقط تلاوة بعض الصلوات وذكر اسم الأب والابن والروح المقدس، والجميع يعلم أن المتعمدين يعملون السيئات والخطايا كغيرهم من الناس؟
ولو وافقنا على هذا التفسير، فأين النار التي ذكرها يوحنا المعمدان؟
أين هذه النار وكيف وأين ومتى عمّد بها يسوع ومن بعده تلاميذه وأتباعهم الى يومنا هذا؟
أم ان يوحنا المعمدان كان يقصد شخصاً آخر غير يسوع ولكن كتبة الاناجيل جعلوها عن يسوع؟
يوحنا المعمدان وبدء كرازة يسوع وأوائل تلاميذ يسوع
ولما سمع يسوع أن يوحنا أُسلم انصرف الى الجليل وترك الناصرة وأتى فسكن في كفر ناحوم. (متّى 4: 12-13)
- من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول توبوا لأنه قد اقتربت مملكة السماء. (متّى 4: 18)
وبعدما أُسلم يوحنا جاء يسوع إلى الجليل يكرز ببشارة مملكة الإله. (مرقس 1: 14)
- وفي الغد ايضا كان يوحنا واقفاً هو واثنان من تلاميذه،
فنظر الى يسوع ماشياً فقال هو ذا حمل الإله،
فسمعه التلميذان يتكلم فتبعا يسوع. (يوحنا 1: 35-37)
- كان أندراوس أخو سمعان بطرس واحداً من الاثنين اللذين سمعا يوحنا وتبعاه. (يوحنا 1: 40)
- وبعد هذا جاء يسوع وتلاميذه الى أرض اليهودية ومكث معهم هناك، وكان يُعمّد،
وكان يوحنا أيضاً يُعمّد في عين نون بقرب ساليم لأنه كان هناك مياه كثيرة وكانوا يأتون ويعتمدون،
لأنه لم يكن يوحنا قد أُلقي بعد في السجن. (يوحنا 3: 22-24)
هذه الفقرات سأتحدث عنها بالتفصيل عند الحديث عن شخصيات التلاميذ، ولكن نلاحظ ان متّى ومرقس يقولان ان يسوع ابتدأ في التبشير، أو الكرازة، بعد ان سُجن يوحنا المعمدان، وأما يوحنا فيقول ان يسوع بدأ يبشر أو يكرز ويوحنا المعمدان خارج السجن، لا بل ان أوائل تلاميذ يسوع كانوا من تلاميذ يوحنا المعمدان! فما هو السبب في هذه الاختلافات والتناقضات؟
موقف يوحنا المعمدان من يسوع
- وهذه هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أُورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت،
فاعترف ولم يُنكر وأقرّ أني لست المسيح،
فسألوه إذاً ماذا، إيليا أنت،
فقال لست أنا،
النبي أنت،
فأجاب لا،
فقالوا له من أنت لنعطي جواباً للذين أرسلونا، ماذا تقول عن نفسك،
قال أنا صوت صارخ في البرية قوّموا طريق الرب كما قال إشعياء النبي،
وكان المرسلون من الفريسيين، فسألوه وقالوا له فما بالك تعمّد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي،
أجابهم يوحنا قائلاً أنا أُعمّد بماء ولكن في وسطكم قائم،
الذي لستم تعرفونه، هو الذي يأتي بعدي الذي صار قدامي،
الذي لست بمستحق أن أحلّ سيور حذائه،
هذا كان في بيت عبرة في عبر الأردن حيث كان يوحنا يُعمّد،
وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه فقال هو ذا حَمَل الإله الذي يرفع خطية العالم،
هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي رجل صار قدامي لأنه كان قبلي،
وأنا لم أكن أعرفه،
لكن لِيُظهَرَ لإسرائيل لذلك جئت أُعمّد بالماء،
وشهد يوحنا قائلاً إني قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامة من السماء فاستقر عليه، وأنا لم أكن أعرفه، لكن الذي أرسلني لأُعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلاً عليه ومستقراً عليه فهذا الذي يُعمّد بالروح المقدس. (يوحنا 1: 19-33)
في هذا النص نقرأ شهادة يوحنا ليسوع بانه هو المسيح وانه ابن الإله، وهو ما تعتبره الكنائس المختلفة من أكبر الأدلة على ما تصف به يسوع في قوانين إيمانها، ولكن لو تأملنا في النص فإننا سنجد عددة أُمور تلقي بظلال الشك على صدق هذه الشهادة!
الأمر الأول وهو ان يوحنا يُصرح وبكل وضوح انه ليس إيليا في حين ان يسوع يقول عنه انه إيليا كما سنقرأ بعد قليل!
الأمر الثاني وهو قول يوحنا انه هو الصوت الصارخ في البرية ليقوّم طريق يسوع، وواقع حال يوحنا يقول انه لم يقوّم أي طريق ليسوع، بل ظل مستقلاً في تبشيره عنه ويتخذ تلاميذ له بعيداً عن يسوع، فلو كان ما قاله يوحنا في انجيله على لسان يوحنا المعمدان صحيحاً لكان يوحنا أحد تلاميذ يسوع، وهو ما لم تحدثنا الاناجيل عنه!
الأمر الثالث وهو قول يوحنا المعمدان انه لم يكن يعرفه مرتين في النص، كيف لا يعرفه وهو كما يقول لوقا في إنجيله انه فرح في بطن أُمه عندما سمع صوت مريم؟!
واذا قلنا انه نسي هذه الواقعة بحكم كونه صغيراً، أو بمعنى أدق قبل ولادته، فكيف لا يعرفه وهو قريبه من ناحية الأمهات إذ ان مريم نسيبة أليصابات كما قال أيضاً لوقا في انجيله؟!
وأخيراً قوله لكن الذي أرسلني لأُعمّد بالماء قال لي الذي ترى الروح نازلاً عليه ومستقراً عليه فهذا الذي يُعمّد بالروح المقدس، فهذا القول يتناقض مع قول آخر ليوحنا كاتب الانجيل كما في النص التالي:
- فلما علم الرب إن الفريسيين سمعوا أن يسوع يُصيّر ويُعمّد تلاميذ أكثر من يوحنا،
مع ان يسوع نفسه لم يكن يُعمّد بل تلاميذه ترك اليهودية ومضى أيضاً إلى الجليل. (يوحنا 4: 1-3)
فيوحنا يُصرح ان يسوع لم يكن يُعمّد فكيف يقول ان يوحنا المعمدان يقول ان من صفات يسوع هو التعميد؟!
كما ان الكنائس المختلفة تقول ان التعميد بالروح المقدس ابتدأ في اليوم الخمسين لصعود يسوع وهو ما تسميه الكنائس يوم العنصرة، وهذا القول قالوه كي يخرجوا من كل مواقف التلاميذ التي لا تدل على إيمانهم كما هو معروف، لانه كيف تستطيع الكنائس تبرير كل مواقف التلاميذ إن هي قالت ان الروح المقدس كان حالاً فيهم وهم يتخذون كل تلك المواقف غير المؤمنة بيسوع بدءاً من مواقفهم من تعاليمه ومعجزاته وانتهاءاً بموقفهم من الصلب والقيامة.
فهذه الأمور تحتاج الى شرح وتفسير حتى تستطيع الكنائس إقناع أتباعها الطيبين بشهادة يوحنا ليسوع انه رأى الروح نازلاً عليه على شكل حمامة.
كما نجد في قول يوحنا المعمدان ان الذي أرسلني قال لي الذي ترى الروح نازلاً عليه، قولاً يهدم كل قوانين إيمان الكنائس، فهذا القول يدل على ان يسوع لا علاقة له بالأقانيم الثلاثة المتحدة مع بعضها البعض ومن نفس الجوهر، لان قول يوحنا كان يجب ان يكون بصيغة أُخرى كأن يقول ان الذي أرسلني سيتجسد في يسوع أو ان الذي أرسلني هو يسوع حتى نقبل شهادته!
أما قوله ان الذي أرسلني قال ان الذي ترى الروح نازلاً عليه فهو لا يدل على أي صفة إلهية يتمتع فيها يسوع لان الروح كان ينزل على عشرات ومئات الناس ويوحنا المعمدان واحد منهم فأي فرق بين نزول الروح على هؤلاء، ولم يعتبرهم أحد أنهم يحملون صفات إلهية، ونزول الروح على يسوع فاعتبرته الكنائس انه يحمل صفات إلهية؟!
كما ان نزول الروح وقول من أرسل يوحنا المعمدان لا يدل على وحدة يسوع مع من أرسل يوحنا فضلاً عن ان يكون من نفس الجوهر.
ثم يذكر يوحنا في انجيله شهادة أُخرى ليوحنا المعمدان كما في النص التالي:
- وحدثت مباحثة من تلاميذ يوحنا مع يهود من جهة التطهير،
فجاءوا الى يوحنا وقالوا له يا معلم هوذا الذي كان معك في عبر الأردن الذي أنت قد شهدت له،
هو يُعمّد والجميع يأتون إليه،
أجاب يوحنا وقال لا يقدر إنسان أن يأخذ شيئاً إن لم يكن قد أعطي من السماء، أنتم أنفسكم تشهدون لي أني قلت أني لست أنا المسيح،
بل إني مرسل أمامه، من له العروس فهو العريس،
وأما صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحاً من أجل صوت العريس، إذاً فرحي هذا قد كمل، ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص،
الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع،
والذي من الارض هو أرضي ومن الأرض يتكلم،
الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع،
وما رآه وسمعه به يشهد، وشهادته ليس أحد يقبلها،
ومن قبل شهادته فقد ختم أن الإله صادق،
لأن الذي أرسله الإله يتكلم بكلام الإله،
لأنه ليس بكيل يُعطي الإله الروح،
الأب يُحب الابن وقد دفع كل شيء في يده،
الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية،
والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الإله. (يوحنا 3: 25-36)
في هذا النص يُصرح يوحنا المعمدان انه ليس المسيح ويتحدث عن الابن، وان الأب يحب الابن وانه قد دفع كل شيء في يده، وان من يؤمن به فله حياة أبدية، وهذه الفقرات تفرح بها الكنائس المختلفة وتعتبرها دليلاً على صدق قوانين إيمانها، ولكن لو تأملنا في النص بدقة فإننا سنجد فقرات عديدة تلقي بظلال الشك على صدق هذه الشهادة.
الفقرة الأُولى وهي قول اليهود ليوحنا المعمدان عن يسوع هو يُعمّد والجميع يأتون إليه، فهذا القول يتناقض مع قول يوحنا في إنجيله ان يسوع لم يكن يُعمّد كما في نص سابق!
الفقرة الثانية وهي قول يوحنا المعمدان لا يقدر انسان ان يأخذ شيئاً ان لم يكن قد أُعطي من السماء، فهل يشير بذلك الى ان تعميده ليس من السماء، وهو الذي كانت عليه كلمة الإله والروح المقدس في البرية عندما كان يُعمّد حتى انه قام بتعميد يسوع نفسه؟
الفقرة الثالثة وهي قول يوحنا المعمدان إني مرسل أمامه، فلو انه قال هذا الكلام حقيقة، أو لو كان صادقاً فيما يقوله، أو بمعنى أدق فيما كتبه يوحنا في إنجيله على لسان يوحنا المعمدان، لوجدناه من تلاميذ يسوع ولم يبق يدعو مستقلاً عنه ويتخذ تلاميذ له كما كان يفعل يسوع.
الفقرة الرابعة وهي قول يوحنا ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص، الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع، والذي من الأرض هو أرضي ومن الأرض يتكلم، الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع!
من قال ليوحنا المعمدان، أو بمعنى أدق ليوحنا كاتب الإنجيل، ان يسوع أتى من السماء؟
ألم ينزل يسوع من بطن أُمه كغيره من البشر؟!
وأما قوله والذي من الأرض هو أرضي ومن الأرض يتكلم!
فهو ان كان يقصد نفسه فهذه مصيبة تنقض شهاداته ونبوءاته كلها عن يسوع، لان هذا الكلام يدل على ان كل ما قاله يوحنا المعمدان هو أرضي ولا دخل للروح المقدس به.
وأخيراً أقول للكنائس المختلفة ما قاله يوحنا لأنه ليس بكيل يُعطي الإله الروح، فكل ما يمكن ان نقرأه في الاناجيل من اختلافات وتناقضات فان مرجعه الى ان الرب لا يُعطي الروح بكيل ولا بتغطيس في الماء ولا حتى بقطعة خبز وقليل من الخمر.
نأتي الآن على ذكر موقف يوحنا المعمدان آخر أيامه من يسوع بعد أن سمعنا شهاداته السابقة فنقرأ النصوص التالية:
- أما يوحنا فلما سمع في السجن بأعمال المسيح أرسل اثنين من تلاميذه،
وقال له أنت هو الآتي أم ننتظر آخر،
فأجاب يسوع وقال لهما اذهبا وأخبرا يوحنا بما تسمعان وتنظران. (متّى 11: 2-4)
- فأخبر يوحنا تلاميذه بهذا كله،
فدعا يوحنا اثنين من تلاميذه وأرسل الى يسوع قائلاً أنت هو الآتي أم ننتظر آخر،
فلما جاء الرجلان إليه قالا يوحنا المعمدان قد أرسلنا إليك قائلاً أنت هو الآتي أم ننتظر آخر،
وفي تلك الساعة شفى كثيرين من أمراض وأدواء وأرواح شريرة ووهب البصر لعميان كثيرين،
فأجاب يسوع وقال لهما اذهبا وأخبرا يوحنا بما رأيتما وسمعتما إن العُمي يُبصرون والعرج يمشون والبرص يُطهّرون والصم يسمعون والموتى يقومون والمساكين يُبَشَّرون،
وطوبى لمن لا يعثر فيّ. (لوقا 7: 18-23)
كما نقرأ فإن يوحنا وهو في السجن قبل أيام من قتله وقطع رأسه وتقديمه لراقصة أرسل تلميذين الى يسوع ليسأله ويتأكد منه إن كان هو المسيح أم ينتظروا آخر! فماذا نقول عما نجد في الأناجيل من هذه الامور، وبماذا ستبرر الكنائس هذه النصوص؟!
مرة يوحنا يتنبأ بيسوع قبل ان يُعمّده، ومرة يفرح لسماع صوت السيدة مريم أُم يسوع وهو في بطن أمه، ومرة يشهد انه رأى الروح نازلاً ومستقراً على يسوع، وفي آخر أمره وهو في السجن يُرسل له من يسأله إن كان هو المسيح أم ينتظر آخر!
إن هذين النصين يدلان بكل وضوح على ان ما كتب سابقاً عن شهادته ليسوع بحاجة الى مراجعة كبيرة والى تفسيرات تقوم بها الكنائس، فما هي حقيقة يسوع عند يوحنا المعمدان هل هو المسيح أم هو الانسان المشتبه عليه مما دعاه ليسأله ان كان هو المسيح أم لا، وهل هذا الفعل من يوحنا المعمدان يدل على انه هو الصوت الصارخ في البرية؟
وهل تقول الكنائس ان من صفات الروح المقدس وكلمة الرب التي كانت على يوحنا يمكن ان يختلط عليهما الأمر في أمر يسوع، والكنائس تقول ان الروح المقدس هو الاقنوم الثالث من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر؟
ولماذا لم يوضح الروح المقدس ليوحنا المعمدان حقيقة يسوع، اذا كانا من نفس الجوهر؟
موقف يسوع من يوحنا المعمدان
كما قرأنا سابقاً موقف يوحنا المعمدان من يسوع لنقرأ الآن موقف يسوع من يوحنا المعمدان لنرى ان كان موقفه متناسقاً مع صفته التي تقدمها الكنائس، باعتباره الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد، ومع قوله السماء والارض تزولان ولكن كلامي لا يزول.
- وبينما ذهب هذان ابتدأ يسوع يقول للجموع عن يوحنا ماذا خرجتم الى البرية لتنظروا أقصبة تحركها الريح، ماذا خرجتم لتنظروا إنساناً لابساً ثياباً ناعمة ، هوذا الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في بيوت الملوك، لكن ماذا خرجتم لتنظروا، أنبياً، نعم أقول لكم وأفضل من نبي،
فإن هذا هو الذي كتب عنه ها أنا أُرسل أمام وجهك ملاكي الذي يُهيئ طريقك قدامك،
الحق أقول لكم لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان،
ولكن الأصغر في مملكة السماء أعظم منه،
ومن أيام يوحنا المعمدان الى الآن مملكة السماء تغتصب والغاصبون يختطفونها، لأن جميع الأنبياء والناموس الى يوحنا تنبأوا،
وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي،
من له أُذنان للسمع فليسمع. (متّى 11: 7-15)
في هذا النص يقول يسوع عن يوحنا المعمدان انه إيليا! وأنه نبي وأفضل من نبي وانه أعظم مَن ولدته النساء، ثم يُعقّب بالقول إن اصغر أتباعه أعظم منه، بمعنى أن أقل أتباع الكنائس ايماناً أعظم من يوحنا المعمدان!
هل يحتاج هذا الكلام الى تعليق ليتبين لنا عدم صدقه؟
ولكن القول الغريب حقاً هو قوله ماذا خرجتم الى البرية لتنظروا مع ان المخاطبين في ذلك الوقت لم يكونوا في البرية بل مع يسوع، كما ان يوحنا في ذلك الوقت كان في السجن ولم يكن في البرية، فصياغة النص بهذه الطريقة تدل على ضرورة البحث في المصداقية التاريخية والعلمية للأناجيل.
- وسأله تلاميذه قائلين فلماذا يقول الكتبة إن إيليا ينبغي أن يأتي أولاً، فأجاب يسوع وقال لهم إن إيليا يأتي أولاً ويردّ كل شيء،
ولكني أقول لكم إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا، كذلك ابن الانسان أيضاً سوف يتألم منهم،
حينئذ فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان. (متّى 17: 10-13)
في هذا النص يقول يسوع كما في النص السابق ان يوحنا المعمدان هو إيليا، إن أول من يرفض هذا القول هو يوحنا المعمدان نفسه اذ قال في شهادته لليهود انه ليس إيليا!
- وهذه هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أُورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت،
فاعترف ولم ينكر وأقرّ أني لست المسيح،
فسألوه إذاً ماذا، إيليا أنت،
فقال لست أنا، النبي أنت فأجاب لا. (يوحنا 1: 19-21)
فمن نصدق متّى الذي يقول ان يوحنا هو إيليا أم يوحنا الذي كتب على لسان يوحنا المعمدان انه ليس إيليا؟
وهذا القول ان صح فهو يعني القول بتناسخ الأرواح الذي تقوله الديانات الوثنية، كما انه ينقض قصة يوحنا من جذورها لأنه إذا كان يوحنا هو إيليا فمعنى هذا انه ليس ابن زكريا، فما معنى قصة ظهور ملاك الرب لزكريا وتبشيره بولادة ابن له، اذا كان هذا المولود هو إيليا المولود قبل زكريا بمئات السنين؟
ولو قال احد من الناس لوالدة يوحنا ان المولود منها ليس طفلاً وانما رجل عمره خمس مائة سنة، ماذا ستكون ردة فعلها؟
واذا كان يوحنا هو إيليا فلماذا سمّاه ملاك الربّ يوحنا ولم يُخبر زكريا بالحقيقة وان من تحبل به زوجه سيكون رجلاً عمره مئات السنين؟
واخيراً اذا كان إيليا قد عاد بولادة جديدة أي من رجل وامرأة وهو الذي تقول عنه اسفار العهد القديم انه صعد الى السماء، فهل تقول الكنائس المختلفة ان عودة يسوع الثانية الى الأرض ممكن ان تكون بولادة جديدة من أب وأُم وليس بهيئته التي صعد فيها؟!
- فسألوه قائلين لماذا يقول الكتبة إن إيليا ينبغي أن يأتي أولاً،
فأجاب وقال لهم إن إيليا يأتي أولاً ويرد كل شيء،
وكيف هو مكتوب عن ابن الإنسان أن يتألم كثيراً ويُرذل،
ولكن أقول لكم إن إيليا أيضاً قد أتى، وعملوا به كل ما أرادوا كما هو مكتوب عنه. (مرقس 9: 11-13)
في هذا النص يستمر الحديث عن إيليا وإن كان لم يصرح انه يوحنا المعمدان إلا انه يُفهم منه ذلك، ويقول ان إيليا قد أتى وان اليهود عملوا به كل ما أرادوا كما هو مكتوب، وهنا أود ان أسأل ما هو المكتوب عن إيليا وعمل اليهود به في العهد القديم؟
أين وجد يسوع أو الروح المقدس أو مرقس أي نص في العهد القديم يتحدث عن عمل اليهود بإيليا؟
وكذلك الحال أين هو المكتوب في العهد القديم عن ابن الإنسان من انه سيتألم كثيراً ويُرذل ولا يوجد نص يتحدث عن ابن الإنسان إلا النص التالي:
- كنتُ أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان،
أتى وجاء إلى القديم الأيام فقرّبوه قدّامه،
فأُعطي سلطاناً ومجداً ومملكة لتتعبد له كل الشعوب والأُمم والألسنة،
سلطانه سلطانٌ أبديّ ما لن يزول،
ومملكته ما لن تنقرض. (دانيال 7: 13-14)
هذا هو النص الوحيد الذي يتحدث عن ابن الإنسان في العهد القديم فهل يقرأ فيه احد من الناس وبأي لغة كانت عن تألمه وترذيله؟
ثم يتحدث عن مجيء إيليا ورده كل شيء، فهل ما قام به يوحنا يدل على رده كل شيء، وهل شكه في يسوع وعدم معرفته به تدل على هذا الأمر؟
- فلما مضى رسولا يوحنا ابتدأ يقول للجموع عن يوحنا، ماذا خرجتم الى البرّية لتنظروا أقصبة تحرّكها الريح،
بل ماذا خرجتم لتنظروا إنساناً لابساً ثياباً ناعمة هوذا الذين في اللباس الفاخر والتنعم هم في قصور الملوك، بل ماذا خرجتم لتنظروا أنبياً،
نعم أقول لكم وأفضل من نبي،
هذا هو الذي كتب عنه ها أنا أُرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدّامك،
لأني أقول لكم إنه بين المولودين من النساء ليس نبي أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في مملكة الإله أعظم منه،
وجميع الشعب اذ سمعوا والعشارون برّروا الإله معتمدين بمعمودية يوحنا، وأما الفريسيون والناموسيون فرفضوا مشورة الإله من جهة أنفسهم غير معتمدين منه. (لوقا 7: 24-30)
في هذا النص يقول يسوع ان يوحنا المعمدان نبي وأفضل من نبي ولكنه يضيف له صفة جديدة وهي انه ملاك!
وهذه الصفة اذا أضفناها للصفات السابقة نخرج بحالة غير مستقرة عن يوحنا، فهو نبي وإيليا وملاك، فأي واحد منهم هو يوحنا؟
كما نلاحظ أيضاً فإن الشعب بعد ان سمعوا هذا القول تعمدوا بمعمودية يوحنا، ولكن كما هو مكتوب في الاناجيل فان يوحنا في هذا الوقت كان في السجن فكيف سيتعمد الشعب منه وهو في السجن؟
نترك جواب السؤال لمن يقول ان الروح المقدس كان يسوق كتبة الأناجيل عند كتابتهم لها.
- إن كنتُ أشهد لنفسي فشهادتي ليست حقاً،
الذي يشهد لي هو آخر وأنا أعلم أن شهادته التي يشهدها لي هي حق،
أنتم أرسلتم إلى يوحنا فشهد للحق،
وأنا لا أقبل شهادة من انسان، ولكني أقول هذا لتخلصوا أنتم،
كان هو السراج الموقد المنير وأنتم أردتم أن تبتهجوا بنوره ساعة،
وأما أنا فلي شهادة أعظم من يوحنا،
لأن الأعمال التي أعطاني الأب لأُكملها هذه الأعمال بعينها هي تشهد لي أن الأب قد أرسلني،
والأب نفسه الذي أرسلني يشهد لي لم تسمعوا صوته ولا أبصرتم هيئته. (يوحنا 5: 31-37)
في هذا النص يقول يسوع ان الذي شهد له هو يوحنا فهل شهد له وهو يرسل تلاميذه ليسأله ان كان هو المسيح أم لا؟
إن موقف يوحنا الأخير وهو في السجن من يسوع لا يدل على شهادته له، كما ان استقلال يوحنا في الكرازة أو التبشير لا تشير الى شهادته ليسوع، لانه لو كان يعرفه لكان من تلاميذه.
لأنه جاء يوحنا لا يأكل ولا يشرب فيقولون فيه شيطان،
وجاء ابن الإنسان يأكل ويشرب فيقولون هوذا إنسان أكول وشرّيب خمر، محب للعشارين والخطاة، والحكمة تبررت من بنيها. (متّى 11: 18-19)
في هذا النص يقول يسوع ان يوحنا المعمدان كان لا يأكل ولا يشرب وهو ما يتناقض مع ما كتبه مرقس في إنجيله من ان يوحنا كان طعامه جراداً وعسلاً كما في النص التالي:
- وكان يوحنا يلبس وبر الإبل ومنطقة من جلد على حقويه،
ويأكل جراداً وعسلاً برياً. (مرقس 1: 6)
فهذا التناقض بين النصوص من يتحمل مسؤوليته؟!
تلاميذ يوحنا المعمدان
ان من ابرز الأدلة على بطلان شهادة يوحنا المعمدان ليسوع كما هي مكتوبة في الأناجيل، على الرغم مما يشوبها من تناقضات، هو استقلال يوحنا في كرازته وتبشيره عن يسوع، فلو كانت تلك الشهادة صحيحة لكان من تلاميذه، ولما اتخذ تلاميذاً له بعيداً عنه، ونحن لن نذهب بعيداً لنبحث عن هؤلاء التلاميذ فقد كفتنا الأناجيل ورسائل العهد الجديد عناء البحث، فنقرأ  النصوص التالية:
- حينئذ أتى إليه تلاميذ يوحنا قائلين لماذا نصوم نحن والفريسيون كثيراً وأما تلاميذك فلا يصومون. (متّى 9: 14)
- وكان تلاميذ يوحنا والفريسيين يصومون،
فجاءوا وقالوا له لماذا يصوم تلاميذ يوحنا والفريسيين وأما تلاميذك فلا يصومون. (مرقس 2: 18)
- وقالوا له لماذا يصوم تلاميذ يوحنا كثيراً ويُقدّمون طلبات وكذلك تلاميذ الفريسيين أيضاً،
وأما تلاميذك فيأكلون ويشربون. (لوقا 5: 33)
- وإذ كان يصلي في موضع لما فرغ قال واحد من تلاميذه يا رب علمنا أن نصلي كما علم يوحنا أيضاً تلاميذه. (لوقا 11: 1-2)
- فحدث فيما كان أبلوس في كورنثوس أن بولس بعدما اجتاز في النواحي العالية جاء الى أفسس، فإذ وجد تلاميذ، قال لهم هل قبلتم الروح المقدس لمّا آمنتم،
قالوا له ولا سمعنا أنه يوجد الروح المقدس،
فقال لهم فبماذا اعتمدتم،
فقالوا بمعمودية يوحنا،
فقال بولس إن يوحنا عمّد بمعمودية التوبة قائلاً للشعب ان يؤمنوا بالذي يأتي بعده، أي بالمسيح يسوع،
فلما سمعوا اعتمدوا باسم الرب يسوع،
ولما وضع بولس يديه عليهم حلّ الروح المقدس عليهم،
فطفقوا يتكلمون بلغات ويتنبأون. (أعمال الرسل 19: 1-6)
هذه النصوص تؤكد ان يوحنا المعمدان كان له تلاميذاً خاصين به لم يتبعوا يسوع حتى ان تلاميذ يسوع طلبوا منه ان يعلمهم الصلاة كما علم يوحنا تلاميذه الصلاة!
ولم يتعمّدوا منه أو من تلاميذه، وظلوا بعد مقتل يوحنا مستقلين في تبشيرهم وطريقتهم في الإيمان بالرب، وهذا دليل واضح على ان كل النبوءات التي تربط يوحنا بيسوع ليست في موضعها الصحيح، لأنه لو كان كما تقول الكنائس عنه لكان تابعاً له وخاصة انه مُرسل من الرب، أي بحسب اعتقاد الكنائس ان يسوع هو من أرسله باعتباره الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد.
إن وجود تلاميذ ليوحنا المعمدان في حياة يسوع وبعد رفعه وقيامته لهو أكبر دليل على أن يوحنا لا يؤمن ان يسوع هو المسيح الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم، فضلاً عن أن يؤمن به كأقنوم ثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد!
نهاية يوحنا المعمدان
- فإن هيرودس كان قد أمسك يوحنا وأوثقه وطرحه في سجن،
من أجل هيروديا امرأة فيلبس أخيه،
لأن يوحنا كان يقول له لا يحلّ أن تكون لك،
ولما أراد ان يقتله خاف من الشعب لأنه كان عندهم مثل نبي،
ثم لما صار مولد هيرودس رقصت ابنة هيروديا في الوسط فسرّت هيرودس، من ثم وعد بقسم أنه مهما طلبت يعطيها،
فهي اذ تلقنت من أُمّها قالت أعطني ههنا على طبق من فضة رأس يوحنا المعمدان،
فاغتم الملك ولكن من أجل الأقسام والمتكئين معه أمر أن يُعطى،
فأرسل وقطع رأس يوحنا في السجن،
فأُحضر رأسه على طبق ودُفع الى الصبية فجاءت به الى أُمّها،
فتقدم تلاميذه ورفعوا الجسد ودفنوه ثم أتوا وأخبروا يسوع. (متّى 14: 3-12)
هذا النص يتحدث عن نهاية يوحنا المعمدان وقتله من أجل الراقصة، وقد ذكرها مرقس كذلك في إنجيله (مرقس 6: 17-29) كما أشار لوقا إليها ولكن دون ذكر التفاصيل (لوقا 9: 7-9).
وهذه القصة سأُناقشها عند الحديث عن شخصية هيرودس ولكن ما يهم هنا هو ما يتعلق بشخصية يوحنا مقارنة بشخصية يسوع، فنجد انه يوجد عدة ملاحظات عليها.
الملاحظة الأولى وهي الفرق بين شخصية يوحنا المعمدان وشخصية يسوع، فيوحنا كما تذكر القصة ان سبب قتله هو إصراره على القول بأنه لا يحلّ أن يتزوج هيرودس من امرأة أخيه وفقاً للشريعة! وظلّ مصراً على هذا القول حتى قُتل بقطع رأسه، بعكس يسوع فانه عندما قدمت له امرأة أُمسكت في زنا وطلب منه ان ينطق بحكم الشريعة فيها رفض وتعلل بأن قال من كان منهم بلا خطيئة فليرمها أولاً بحجر!
وعندما سُئل هل يجوز إعطاء قيصر الجزية رفض أن يجيب وقال أعطوا ما لقيصر لقيصر وما للإله للإله، لا بل انه كان هو نفسه وتلاميذه دافعين الجزية لقيصر مع أنه كما تقول الكنائس الأُقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد!
وأعجب من هذا هو رفضه أن يقول لأحد الأشخاص ان يقاسم أخوه الميراث، عندما طلب منه وقال له من جعلني عليكما قاضياً أو مقسّماً، كما في النص التالي:
- وقال له واحد من الجمع يا معلم قل لأخي أن يقاسمني الميراث،
فقال له يا إنسان من أقامني عليكما قاضياً أو مقسماً. (لوقا 12: 13-14)
مع ان كثير من نصوص العهد القديم تقول ان الرب هو القاضي!
ولكن الإله هو القاضي هذا يضعه وهذا يرفعه. (مزمور 75: 7)
فان الرب قاضينا،
الرب شارعنا،
الرب ملكنا هو يخلّصنا. (إشعياء 33: 22)
يقضي الرب بيني وبينك،
وينتقم لي الربّ منك ولكن يدي لا تكون عليك. (صموئيل الأول 24: 12)
- فيكون الرب الديّان ويقضي بيني وبينك ويرى ويحاكم محاكمتي وينقذني من يدك. (صموئيل الاول 24: 15)
وكذلك الأمر أثناء محاكمته فقد ظل صامتاً ولم يدافع عن نفسه أو عن دعوته.
الملاحظة الثانية وهي عن السبب الذي من أجله تم قتل يوحنا المعمدان، فهو بحسب قول كتبة الأناجيل انه قال لهيرودس انه لا يحلّ له ان يتزوج من امرأة أخيه.
من يقول ان هذا السبب هو سبب صحيح؟
هل تحرم الشريعة هذا الزواج؟
ان مشكلة كتبة الأناجيل وهم في غمرة محاولاتهم إثبات ان يسوع هو المسيح وابن الإله ينسون كثيراً من نصوص العهد القديم وقصصه، فشريعة زواج الأخ من زوجة أخيه من الشرائع الثابتة في شريعة موسى، خاصة اذا مات الأخ دون ان ينجب أولاد فأنه يتوجب على شقيقه ان يتزوج بامرأته، أي امرأة المتوفى، والمولود الأول الذي يُولد للأخ الثاني يُنسب للأول حتى لا يضيع نسبه، وهذا ما تحدثت عنه أسفار العهد القديم في عدة قصص، منها قصص عمن هم من آباء يسوع المُفترضين، كقصة يهوذا مع أبنائه وكيف انه زوج ابناه من امرأة واحدة اسمها ثامار وفي نهاية الأمر زنا بها، ونتج من ذلك الزنا توأم فارص وحارص وفارص هو احد أجداد يسوع كما ذكر متّى ولوقا في نسب يسوع!
وحتى لو كانت الشريعة تقول بهذا الحكم فهو لن يكون ملزماً لهيرودس لأنه ليس يهودياً.
فكيف يقول متّى ومرقس ان سبب قتل يوحنا هو قوله أنه لا يحل لهيرودس ان يتزوج من امرأة أخيه؟
من خلال استعراض شخصية يوحنا المعمدان وعلاقته بيسوع فإننا لا نجد أي ظهور لصفات يسوع التي تحدثت عنها قوانين إيمان الكنائس المختلفة سواء كمسيح بشرت به أسفار العهد القديم أو كإله من الآلهة الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، فيوحنا المعمدان في آخر أيامه لم يكن متأكداً من ان يسوع هو المسيح، مما اضطره لإرسال من يسأله ان كان هو أم ينتظروا آخر، كما انه غير مؤمن بيسوع كأُقنوم من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، هذا اذا كان قد سمع بها، لهذا فقد بقي يدعو مستقلاً عنه ويتخذ تلاميذاً له وبقي تلاميذه الى زمن طويل بعد رفع يسوع، وهو لم يقبل كرازة يسوع سواء برفع الخطايا أو بالتعميد، لا بل ان يوحنا هو من عمّد يسوع ولم يتعمّد يوحنا منه!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق