الاثنين، 8 مارس 2010

شخصيات الاناجيل: تلاميذ يسوع في الاناجيل عرض ونقد

الفصل السادس شخصيات تلاميذ يسوع

أنتقل الآن للحديث عن الشخصيات التي تقول الأناجيل أنها آمنت بيسوع وهم التلاميذ، الذين قال عنهم يسوع أنهم رُسُله، وأنه هو من اختارهم لمرافقته أثناء كرازته وتبشيره ثم طلب منهم تبليغ رسالته للناس.
ان تلاميذ وأتباع أي داعية أو نبي هم من أهم الأدلة على صدق هذا الداعية أو النبي، وهو ما عبّر عنه يسوع بقوله كما في النص التالي:
من ثمارهم تعرفونهم. (متّى 7: 16)
وفي هذا القسم سنتفرغ لدراسة شخصيات تلاميذ يسوع من مختلف الجوانب التي ذكرتها عنهم الاناجيل، لنرى مدى قبولهم وتوافقهم مع دعوته وصفاته التي ذكرتها الاناجيل وقوانين إيمان الكنائس المختلفة عنه، وأبرزها اعتباره الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، وانه تجسّد في هيئة بشرية من نسل داؤد تكميلاً وتحقيقاً للنبوءات التي تحدثت عن المسيح الذي جاء ذكره في أسفار العهد القديم، وأنه جاء ليُخلص البشرية من الخطيئة التي ورثتها من أبيها آدم نتيجة لأكله من الشجرة التي نُهي عن الأكل منها قبل آلاف السنين! وأنه صُلب على الخشبة بهيئته الكاملة، أي ان الآلهة الثلاث هي التي عُلقت على الصليب بحسب قانون إيمان الكنيسة الأُرثوذكسية، وبهيئته الانسانية فقط، أي ان الذي عُلق على الصليب هو الجسد البشري فقط بحسب قانون الايمان للكنيستين الكاثوليكية والبروتستنتية، ليحمل تلك الخطيئة عن البشرية جمعاء ليُصبح بعدها لعنة كما قال بولس وبحسب قوانين إيمان الكنائس المختلفة كلها، كما في النص التالي:
المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا،
لأنه مكتوب ملعون كل من علق على خشبة. (غلاطية 3: 13)
أسماء التلاميذ
وسأبدأ بذكر أسماء أشهر التلاميذ، وأعني بهم الاثني عشر الذين اختارهم ليكونوا رُسُله، مع العلم أنه يوجد اسماء لتلاميذ آخرين وردت أسمائهم في العهد الجديد.
- ثم دعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطاناً على أرواح نجسة حتى يخرجوها ويشفوا كل مرض وكل ضعف. (متّى 10: 1)
- وأما أسماء الاثني عشر رسولا فهي هذه:
1- الأول سمعان الذي يقال له بطرس
2- وأندراوس أخوه
3- يعقوب بن زبدي
4- ويوحنا أخوه
5- فيلبس
6- وبرثولماوس
7- توما
8- ومتى العشار
9- يعقوب بن حلفي
10- ولبّاوس الملقب تداوس
11- سمعان القانوي
12- ويهوذا الاسخريوطي الذي أسلمه. (متّى 10: 2-4)
- ثم صعد إلى الجبل ودعا الذين أرادهم فذهبوا إليه، وأقام اثني عشر ليكونوا معه وليُرسلهم ليكرزوا،
وليكون لهم سلطان على شفاء المرضى، وإخراج الشياطين،
1- وجعل لسمعان اسم بطرس،
2- ويعقوب بن زبدي،
3- ويوحنا أخا يعقوب وجعل لهما اسم بوانرجس ، أي ابني الرعد،
4- واندراوس،
5- وفيلبس
6- وبرثولماوس،
7- ومتّى،
8- وتوما،
9- ويعقوب بن حلفي،
10- وتدّاوس،
11- وسمعان القانوي،
12- ويهوذا الاسخريوطي الذي أسلمه. (مرقس 3: 13-19)
كما نلاحظ فإن متّى ومرقس اتفقا في جميع أسماء التلاميذ ولا يوجد بينهما أي اختلاف، وهذه بداية جيدة لكتبة الأناجيل في الاتفاق على أسماء التلاميذ.
ولكن ما يُعكر صفو هذا الاتفاق هو اتفاقهما على كتابة الوعود أو القدرات التي منحها يسوع للتلاميذ والتي لم يتحقق منها شيء!
فمتّى كتب ان يسوع أعطاهم سلطاناً على أرواح نجسة حتى يخرجوها ويشفوا كل مرض وكل ضعف، ومرقس قال وليكون لهم سلطان على شفاء المرضى، وإخراج الشياطين، فمتّى ومرقس اتفقا على أن يسوع أعطى التلاميذ سلطاناً على اخراج الشياطين والأرواح النجسة كما انهما اتفقا على ذكر يهوذا التلميذ الخائن ضمن الاثني عشر تلميذاً ولم يستثنياه، مما يعني أنه أُعطي سلطان على اخراج الشياطين والأرواح النجسة وهذا الأمر يتعارض ويتناقض مع ما هو مكتوب في الأناجيل من ان الشيطان دخل الى يهوذا الاسخريوطي ولم يفكر لا هو ولا التلاميذ ولا حتى يسوع الذي  أعطاهم السلطان على اخراج الشيطان من يهوذا!
- وفي تلك الايام خرج الى الجبل ليصلي، وقضى الليل كله في الصلاة للإله، ولما كان النهار دعا تلاميذه واختار منهم اثني عشر الذين سماهم أيضاً رُسُلاً،
1- سمعان الذي سماه بطرس،
2- وأندراوس أخاه،
3- يعقوب،
4- ويوحنا،
5- فيلبس،
6- وبرثولماوس،
7- متّى،
8- وتوما،
9- يعقوب بن حلفي،
10- وسمعان الذي يدعى الغيور،
11- يهوذا أخا يعقوب،
12- ويهوذا الاسخريوطي الذي صار مسلماً ايضاً. (لوقا 6: 12-16)
كما هو ظاهر من النص فإن لوقا ذكر اثني عشر رجلاً وقال ان يسوع هو من اختارهم وهو ما يتوافق مع قول يسوع انه هو من اختار التلاميذ وليس هم من اختاروه، مما يدل على مكانتهم عنده، فهم ليسوا من هذا العالم كما هو ليس من هذا العالم!
ولكن ما لا تفرح به قوانين ايمان الكنائس هو قول لوقا أن يسوع قضى تلك الليلة وهو يُصلي للإله، فلو كان كما تقول عنه تلك القوانين أنه الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد لما كان لصلاته معنى لأنه في هذه الحالة يُصلي لنفسه!
واذا أصرّت الكنائس على القول أنه يوجد ثلاثة آلهة وأن يسوع كان يُصلي للإله الأول أو الأب فهذا لا شك في أنه ينقض قانون الايمان للكنائس اذ أنه يقول ان الآلهة الثلاث متساوية في المكانة والقدرة ومن نفس الجوهر، ومتحدون مع بعضهم البعض مع الاقنوم الثالث كاتحاد الماء مع النور الداخل فيه، وهنا نرى أحدهم يصلي لأحدهم!
فصلاة يسوع للإله الأول لا تدل على المساواة ولا على الاتحاد.
الا اذا قلنا ان يسوع والإلهين الآخرين بما أنهم متحدون مع بعضهم البعض وأنهم واحد فانهم جميعاً يمضون الليل يصلون للرب خالق السموات والأرض.
كما نلاحظ أيضاً ان لوقا ذكر اسم تلميذ لم يذكره متّى ومرقس وهو يهوذا أخ يعقوب، بينما ذكر متّى اسم التلميذ البديل ليهوذا أخ يعقوب وهو لبّاوس الملقب تداوس في حين اكتفى مرقس بذكر اللقب أي تداوس، وهذا يعني ان الكنائس لا تستطيع القول أن يهوذا أخ يعقوب هو تداوس لأن متّى حدد شخصية هذا الاسم بالقول لبّاوس الملقب تداوس، وهنا لا أُريد الدخول في التناقض بين اسماء الاثني عشر التي كتبت في الاناجيل فالجميع يعلم ان الاناجيل ذكرت انه يوجد الكثير من التلاميذ غير هؤلاء الاثني عشر فذكر اسم بدلاً من اسم لا يعني وجود مشكلة كبيرة!
ولكن ما أود التطرق اليه هنا هو بما ان كتبة الاناجيل كانت لديهم الحرية في تحديد اسماء مختلفة للاثني عشر تلميذاً، ألم يكن باستطاعة لوقا في كتاب أعمال الرسل كتابة قصة غير التي كتبها عن نهاية يهوذا لإختيار التلميذ البديل ليهوذا واضطراره للاستشهاد بفقرات من مزمورين مختلفين وأشهد عليها سكان أُورشليم وتناقض فيها مع ما كتبه متّى عن نهاية يهوذا الاسخريوطي كما سيظهر لنا عند الحديث عن شخصية يهوذا الاسخريوطي!
أوائل اللتلاميذ
بعد ان ذكرنا أسماء أشهر التلاميذ نأتي للحديث عن أوائل تلاميذ يسوع.
- وإذ كان يسوع ماشياً عند بحر الجليل أبصر أخوين سمعان الذي يُقال له بطرس وأندراوس أخاه يُلقيان شبكة في البحر فانهما كانا صيادين، فقال لهما هلم ورائي فأجعلكما صيادي الناس،
فللوقت تركا الشباك وتبعاه،
ثم اجتاز من هناك فرأى أخوين آخرين يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه في السفينة مع زبدي أبيهما يُصلحان شباكهما فدعاهما، فللوقت تركا السفينة وأباهما وتبعاه. (متّى 4: 18-22)
- وفيما هو يمشي عند بحر الجليل أبصر سمعان وأندراوس أخاه يُلقيان شبكة في البحر، فإنهما كانا صيادين،
فقال لهما يسوع هَلمّ ورائي فأجعلكما تصيران صيادي الناس،
فللوقت تركا شباكهما وتبعاه،
ثم اجتاز من هناك قليلاً فرأى يعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه وهما في السفينة يُصلحان الشباك فدعاهما للوقت،
فتركا أباهما زبدي في السفينة مع الأجرى وذهبا وراءه. (مرقس 1: 16-20)
كما هو ملاحظ فإن متّى ومرقس قد اتفقا على ان بطرس كان أول من تبع يسوع ثم أندراوس أخاه ومن بعدهما يعقوب ويوحنا أخاه، عندما كان يسوع يمشي عند بحر الجليل، وأما لوقا فيتفق معهما في أسماء أوائل التلاميذ ولكنه يختلف معهما في المكان الذي دعاهم فيه كما في النص التالي:
- وإذ كان الجمع يزدحم عليه ليسمع كلمة الإله وكان واقفاً عند بحيرة جنيسارت،
فرأى سفينتين واقفتين عند البحيرة والصيادون قد خرجوا منهما وغسلوا الشباك،
فدخل إحدى السفينتين التي كانت لسمعان وسأله أن يُبعد قليلاً عن البرّ ثم جلس وصار يُعلم الجموع من السفينة،
ولما فرغ من الكلام قال لسمعان ابعد الى العمق وألقوا شباككم للصيد،
فأجاب سمعان وقال له يا معلم قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئاً،
ولكن على كلمتك أُلقي الشبكة،
ولما فعلوا ذلك أمسكوا سمكاً كثيراً جداً فصارت شبكتهم تتخرق،
فأشاروا الى شركائهم الذين في السفينة الأُخرى أن يأتوا ويُساعدوهم فأتوا وملأوا السفينتين حتى أخذتا في الغرق،
فلما رأى سمعان بطرس ذلك خرّ عند ركبتي يسوع قائلاً
اخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطئ،
إذ اعترته وجميع الذين معه دهشة على صيد السمك الذي أخذوه، وكذلك أيضاً يعقوب ويوحنا ابنا زبدي اللذان كانا شريكي سمعان،
فقال يسوع لسمعان لا تخف، من الآن تكون تصطاد الناس،
ولما جاءوا بالسفينتين الى البر تركوا كل شيء وتبعوه. (لوقا 5: 1-11)
كما يظهر من النصوص فإنه يوجد فرق في تحديد المكان والزمان الذي تبع فيه أوائل التلاميذ يسوع وإن كان يمكن الجمع بينها اذا اعتبرنا ان ما كتبه متّى ومرقس منفصل عما كتبه لوقا وان يسوع دعا التلاميذ مرتين الاولى وهو يمشي عند البحر والثانية عندما كان في السفينة فتصبح القصتين متوافقتان.
ولكن قصة لوقا اذا اعتبرنا انها وقعت بعد قصة متّى ومرقس، وهو ما يظهر لنا، فانها تلقي بظلال سوداء على ايمان بطرس والتلاميذ الذين معه اذ انهم بعد ان تبعوه في المرة الاولى وشاهدوا معجزة شفاء حماة بطرس نجد الدهشة تعتريهم لمجرد صيدهم بعض السمك، وان قال لوقا انه كثير جداً، الا انه قليل بالنسبة للصفات التي يتمتع بها يسوع حسب قوانين إيمان الكنائس المختلفة، والأعجب من الدهشة التي اعترت بطرس ومن معه هو قول لوقا على لسانه انه طلب من يسوع الخروج من السفينة وتعلل بانه رجل خاطئ!
ومشاهدة الناس للمعجزات تزيد الايمان كما يقول العهد القديم الا اذا كانوا في منتهى الشك والكفر كما حدث مع فرعون، وهنا نجد ان بطرس يطلب من يسوع مغادرة السفينة بعد مشاهدته للمعجزة بدعوى أنه رجل خاطئ! فبدلاً من أن يخرّ بطرس ومن معه على أقدامهم شاكرين ومؤمنين بيسوع لقيامه بالمعجزة في صيد سمك كثير جداً، نجده يطلب من يسوع مغادرة السفينة لأنه رجل خاطئ!
وأما ما كتبه يوحنا عن أوائل تلاميذ يسوع وكيفية إتباعهم له فهذا ما لا أستطيع، وكذلك الكنائس، التوفيق بينه وبين ما هو مكتوب في الاناجيل الثلاثة الاخرى بأي طريقة من الطرق!
وهو ما يُشير الى ان ما تقوله الكنائس من ان كتبة الاناجيل كانوا مساقين بالروح المقدس عندما كانوا يكتبون الاناجيل بحاجة الى مراجعة دقيقة، فقد كتب يوحنا عن أوائل التلاميذ ما يلي:
- وفي الغد أيضاً كان يوحنا واقفاً هو واثنان من تلاميذه،
فنظر الى يسوع ماشياً فقال هو ذا حَمَل الإله،
فسمعه التلميذان يتكلم فتبعا يسوع، فالتفت يسوع ونظرهما يتبعان فقال لهما ماذا تطلبان فقالا ربي الذي تفسيره يا معلم أين تمكث،
فقال لهما تعاليا وانظرا، فأتيا ونظرا أين يمكث، ومكثا عنده ذلك اليوم، وكان نحو الساعة العاشرة،
كان أندراوس اخو سمعان بطرس واحداً من الاثنين اللذين سمعا يوحنا وتبعاه،
هذا وجد اولاً اخاه سمعان فقال له قد وجدنا مسيّا الذي تفسيره المسيح،
فجاء به الى يسوع فنظر اليه يسوع وقال أنت سمعان بن يونا، أنت تدعى صفا الذي تفسيره بطرس. (يوحنا 1: 35-42)
في هذا النص يخالف يوحنا الكتبة الآخرين في عدة مواضع.
الموضع الاول انه قال ان يسوع بدأ يكرز أو يُبشر ويوحنا المعمدان خارج السجن في حين ان الكتبة الآخرين قالوا ان يسوع بدأ يكرز بعد أن أُلقي يوحنا في السجن.
الموضع الثاني قوله ان بطرس كان ثالث شخص يتبع يسوع في حين ان الآخرين كتبوا ان بطرس كان أول من تبع يسوع.
الموضع الثالث أن يوحنا قال ان التلاميذ تبعوا يسوع عند نهر الاردن في حين ان متّى ومرقس كتبا انهم تبعوا يسوع عند بحيرة طبريا، وأما لوقا فكتب ان التلاميذ تبعوا يسوع وهم في السفينة داخل بحيرة طبريا.
الصفات التي وهبها يسوع للتلاميذ
بعد أن دعا يسوع هؤلاء التلاميذ وتبعوه بدأ يكرز ويبشر برسالته ويختار تلاميذاً له ومن خلال قراءة الاناجيل نجد أن يسوع قد أعطى التلاميذ صفات وقدرات.
فما هي تلك الصفات والقدرات التي منحها يسوع للتلاميذ؟
1- أول هذه الصفات اعتبارهم أنهم صفوة الناس في زمانه وذلك بوصفه لهم أنهم ملح الأرض ونور العالم:
- أنتم ملح الأرض، ولكن إن فسد الملح فبماذا يُملح لا يصلح بعد لشيء إلا أن يُطرح ويُداس من الناس. (متّى 5: 13)
- أنتم نور العالم،
لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل، ولا يُوقدون سراجاً ويضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت،
فليُضئ نوركم قدّام العالم، لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجّدوا أباكم الذي في السماء. (متّى 5: 14-16)
في هذين النصين نقرأ وصف يسوع لتلاميذه انهم ملح الأرض ونور العالم، وهذا يعني انهم صفوة البشرية في ذلك الزمان، وأنهم موكلون بمهمة عظيمة وهي اظهار النور الذي يمثلونه الى العالم كله بالقيام بالأعمال الحسنة كي يمجّدوا أباهم الذي في السماء، كما نلاحظ أيضاً ان يسوع في النص الأول قام بتحذير تلاميذه من عدم الالتزام بتعاليمه وعبّر عن ذلك بقوله ان فسادهم سيطرحهم على الأرض ويُداسوا بالأقدام، وهو ما عبّر عنه في نصوص أُخرى بقوله:
- ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل مملكة السماء،
بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماء،
كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا الشياطين وباسمك صنعنا قوّات كثيرة،
فحينئذ أصرّح لهم أني لم أعرفكم قط، اذهبوا عني يا فاعلي الإثم. (متّى 7: 21-23)
- وأقول لكم إن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع إبراهيم واسحق ويعقوب في مملكة السماء،
وأما بنو المملكة فيطرحون إلى الظلمة الخارجية، هناك يكون البكاء وصرير الأسنان. (متّى 8: 11-12)
2- ومن الصفات التي منحها لهم حلول الروح المقدس فيهم، سواء بالتعميد الذي تقول الأناجيل والكنائس المختلفة عنه أنه عبارة عن حلول الروح المقدس في الانسان المُتعمّد بناء على نبوءة يوحنا الذي قال ان الذي يأتي بعده والذي صار قُدّامه سيُعمّد بالروح المقدس ونار، مع أن تعميد يسوع والكنائس لا يحتوي على نار كما هو معلوم إلا انه بقي التعميد بالروح المقدس دليلاً على حلول الروح المقدس في المُتعمد!
أو حلول الروح المقدس في التلاميذ بالنفخ المباشر كما في النص التالي:
- ولما كانت عشية ذلك اليوم، وهو أول الاسبوع، وكانت الأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود،
جاء يسوع ووقف في الوسط،
وقال لهم سلام لكم،
ولما قال هذا أراهم يديه وجنبيه،
ففرح التلاميذ اذ رأوا الرب،
فقال لهم يسوع أيضاً سلام لكم،
كما أرسلني الأب أُرسلكم أنا،
ولما قال هذا نفخ وقال لهم اقبلوا الروح المقدس،
من غفرتم خطاياه تغفر له،
ومن أمسكتم خطاياه أُمسكت. (يوحنا 20: 19-23)
3- ولم يكتف بإعطائهم الروح المقدس بالتعميد وبالنفخة السابقة بل زاد الأمر تأكيداً بان أعطاهم الروح المقدس بصيغة ثالثة والذي أطلق عليه اسم المعزي الذي يمكث معهم الى الأبد ويُرشدهم الى الحق كله والى أقواله التي ينسونها.
- وأنا أطلب من الأب فيُعطيكم معزيّاً ليمكث معكم الى الأبد،
روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه،
وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم. (يوحنا 14: 16-17)
- وأما المعزي الروح المقدس الذي سيُرسله الأب باسمي فهو يُعلمكم كل شيء ويُذكركم بكل ما قلته لكم. (يوحنا 14: 26)
- ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد لي،
وتشهدون أنتم أيضاً لي لأنكم معي من الابتداء. (يوحنا 15: 26-27)
- لكني أقول لكم الحق أنه خير لكم أن أنطلق،
لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزّي، ولكن ان ذهبت أُرسله إليكم، ومتى جاء ذاك يُبكت العالم على خطية وعلى برّ وعلى دينونة. (يوحنا 16: 7-8)
4- ومن الصفات التي أعطاها يسوع لتلاميذه هو اختياره لهم واعتبارهم رُسلاً له لتبليغ رسالته للعالم كما في النصوص التالية:
- ولمّا كان النهار دعا تلاميذه واختار منهم اثني عشر الذين سماهم أيضاً رُسلاً. (لوقا 6: 13)
- كما أرسلتني الى العالم أرسلتهم أنا الى العالم،
ولأجلهم أُقدس أنا ذاتي ليكونوا هم أيضاً مقدسين في الحق. (يوحنا 17: 18)
ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم،
لكي يُعطيكم الأب كل ما طلبتم باسمي،
بهذا أُوصيكم حتى تُحبوا بعضكم بعضاً. (يوحنا 15: 16-17)
5- وكذلك اعتبرهم خاصته وخرافه كما في النصين التاليين:
- أما أنا فإني الراعي الصالح وأعرف خاصتي وخاصتي تعرفني،
كما أن الأب يعرفني وأنا أعرف الأب،
وأنا أضع نفسي عن الخراف. (يوحنا 10: 14-15)
- خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني،
وأنا أُعطيها حياة أبدية ولن تهلك الى الأبد،
ولا يخطفها أحد من يدي. (يوحنا 10: 27-28)
6- كما ان يسوع اعتبرهم انهم جزء منه وعبّر عن ذلك بقوله انه شجرة وهم أغصانها:
أنا الكرمة وأنتم الأغصان، الذي يثبت فيّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً،
إن كان أحد لا يثبت فيّ يُطرح خارجاً كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق،
إن ثبتم فيّ وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم،
بهذا يتمجد أبي أن تأتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي،
كما أحبني الأب أحببتكم أنا، اثبتوا في محبتي،
إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما أني أنا قد حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته،
كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم. (يوحنا 15: 5-11)
في هذا النص نلاحظ انه مع قوله عنهم انهم جزء منه الا أنه يدعوهم للثبات فيه، وفسّر لهم معنى الثبات فيه هو ان يحفظوا وصاياه، وهي تقريباً ذات الإشارة لهم عندما قال عنهم انهم ملح الأرض.
7- واعتبرهم في ثلاثة نصوص انهم أُمّه وإخوته:
- وفيما هو يُكلم الجموع إذا أمه وإخوته قد وقفوا خارجاً طالبين أن يكلموه،
فقال له واحد هوذا أُمك وإخوتك واقفون خارجاً طالبين أن يكلموك،
فأجاب وقال للقائل له من هي أمي ومن هم إخوتي،
ثم مد يده نحو تلاميذه وقال ها أُمي وإخوتي، لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السماء هو أخي وأُختي وأُمي. (متّى 12: 46-50)
- فجاءت حينئذ إخوته وأمه ووقفوا خارجاً وأرسلوا إليه يدعونه،
وكان الجمع جالساً حوله فقالوا له هوذا أُمك وإخوتك خارجاً يطلبونك،
فأجابهم قائلاً من أُمي وإخوتي،
ثم نظر حوله إلى الجالسين وقال ها أُمي وإخوتي،
لأن من يصنع مشيئة الإله هو أخي وأُختي وأُمي. (مرقس 3: 31-35)
- وجاء إليه أُمه وإخوته ولم يقدروا أن يصلوا إليه لسبب الجمع،
فاخبروه قائلين أُمك وإخوتك واقفون خارجاً يريدون أن يروك،
فأجاب وقال لهم أُمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الإله ويعملون بها. (لوقا 8: 19-21)
وهنا أيضاً يربط بين كون التلاميذ هم أُمه وإخوته بالعمل بكلمة الإله وصنع مشيئة أباه الذي في السماء.
8- كما انه اعتبر نفسه خادماً لهم:
- لأن ابن الانسان أيضاً لم يأت ليُخدم بل ليَخدم وليبذل نفسه فِدية عن كثيرين. (مرقس 10: 45)
بخصوص هذه الصفة أود التذكير بأن قوانين إيمان الكنائس المختلفة تعتبر يسوع هو الأُقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد، مما يعني ان الأقانيم الثلاثة جاءت متجسدة لتخدم تلاميذ يسوع والكنائس المختلفة!
9- كما أن يسوع أحبهم حباً الى المنتهى كما في النصوص التالية:
- لأنه هكذا أحب الإله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له حياة أبدية. (يوحنا 3: 16)
- وأما يسوع قبل عيد الفصح وهو عالم أن ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم الى الأب،
إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم أحبهم الى المنتهى. (يوحنا 13: 1)
- وصية جديدة أنا أُعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضاً،
كما أحببتكم أنا تحبون أنتم بعضكم بعضاً،
بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضاَ لبعض. (يوحنا 13: 34-35)
10- وهذا الحب لم يكن حباً بسيطاً بل كان حباً عظيماً حتى أنه سيفديهم بنفسه من أجل بقائهم كما في النص التالي:
- هذه هي وصيتي لكم أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم،
ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه،
أنتم أحبائي إن فعلتم ما أُوصيكم به،
لا أعود أُسميكم عبيداً لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده،
لكني قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي،
ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم،
لكي يُعطيكم الأب كل ما طلبتم باسمي،
بهذا أُوصيكم حتى تُحبوا بعضكم بعضاً. (يوحنا 15: 12-17)
نلاحظ في هذا النص أن يسوع يقول انه لا يوجد تعبير عن الحب بين طرفين أكثر من أن يضع أحدهما نفسه عن الآخر، وهي اشارة الى أنه سيُصلب من أجل تلاميذه وهذا المعنى واضح ومقبول، ولكن السؤال هو ماذا فعل التلاميذ من أجل يسوع تعبيراً عن حبهم له عندما صُلب؟
سنعرف الإجابة بعد قليل!
وهذا القول، أي ان يسوع سيضع نفسه عن أحبائه التلاميذ، عبّر عنه يوحنا في إنجيله عملياً عندما قال أن يسوع  طلب ممن جاءوا لالقاء القبض عليه أن يأخذوه ويتركوا التلاميذ يذهبوا بسلام كما في النص التالي:
- قال يسوع هذا وخرج مع تلاميذه الى عبر وادي قدرون حيث كان بستان دخله هو وتلاميذه،
وكان يهوذا مُسلمه يعرف الموضع لأن يسوع اجتمع هناك كثيراً مع تلاميذه، فأخذ يهوذا الجند وخداماً من عند رؤساء الكهنة والفريسيين وجاء الى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح،
فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه وقال لهم من تطلبون،
أجابوه يسوع الناصري،
قال لهم أنا هو، وكان يهوذا مُسلمه أيضاً واقفاً معهم،
فلما قال إني أنا هو رجعوا الى الوراء وسقطوا على الارض،
فسألهم أيضاً من تطلبون فقالوا يسوع الناصري،
أجاب يسوع قد قلت لكم إني أنا هو،
فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون،
ليتم القول الذي قاله إن الذين أعطيتني لم أُهلك منهم أحداً. (يوحنا 18: 1-9)
نلاحظ في آخر النص قول يوحنا ليتم القول الذي قاله ان الذين أعطيتني لم أُهلك منهم أحداً، مع أن الأناجيل كتبت أن يهوذا الاسخريوطي هلك!
11- وزيادة في حبه لهم قال انه لن يتركهم يتامى، بل سيظهر لهم ذاته ويكون معهم وأنهم سيرونه:
لا أترككم يتامى إني آتي إليكم،
بعد قليل لا يراني العالم أيضاً وأما أنتم فترونني،
إني أنا حيّ فأنتم ستحيون،
في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي وأنتم فيّ وأنا فيكم،
الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يُحبني،
والذي يُحبني يُحبه أبي وأنا أُحبه وأُظهر له ذاتي. (يوحنا 14: 18-21)
وها أنا معكم كل الأيام الى انقضاء الدهر. (متّى 28: 20)
12- ولم يكتف بهذا الظهور الذاتي بعد قيامته وارتفاعه حتى جعلهم يرون أباه وهو حيّ بينهم كما في النص التالي:
- قال له فيلبس يا سيد أرنا الأب وكفانا،
قال له يسوع أنا معكم زماناً هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس،
الذي رآني فقد رأى الأب فكيف تقول أنت أرنا الأب،
ألست تؤمن أني أنا في الأب والأب فيّ،
الكلام الذي أُكلمكم به لست أتكلم به من نفسي لكن الأب الحالّ فيّ هو يعمل الأعمال،
صدقوني أني في الأب والأب فيّ،
وإلا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها،
الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو ويعمل أعظم منها، لأني ماض الى أبي،
ومهما سألتم شيئاً باسمي فاني أفعله ليتمجّد الأب بالإبن. (يوحنا 14: 8-14)
في هذا النص يقول يسوع ان من رآه فقد رأى أباه وأنه في أبيه وان أباه فيه، وهذا يعني ان أباه مثل البشر لان يسوع كان انساناً ولم يكن في هيئة مختلفة عن البشر! وهذا دليل على ان أب يسوع لا علاقة له بالرب خالق السموات والارض، لان الرب في العهد القديم يقول انه لا يشبهه أحد من مخلوقاته، ولا يستطيع أحد رؤيته كما بينت ذلك في نصوص سابقة.
كما نقرأ في النص انه وعد تلاميذه بأنهم ان آمنوا به فإنهم سيعملون معجزات أعظم من التي عملها نفسه، وحقيقة هذا الأمر سنطّلع عليه لاحقاً.
13- كما ان يسوع أخبرهم ان أباه يحبهم أيضاً لأنهم أحبوه.
- قد كلمتكم بهذا بأمثال ولكن تأتي ساعة حين لا أُكلمكم أيضاً بأمثال بل أُخبركم عن الأب علانية،
في ذلك اليوم تطلبون باسمي،
ولست أقول لكم إني أنا أسأل الأب من أجلكم،
لأن الأب نفسه يُحبكم لأنكم أحببتموني،
وآمنتم أني من عند الإله خرجت،
خرجت من عند الأب وقد أتيت الى العالم وأيضاً أترك العالم وأذهب الى الأب،
قال له تلاميذه هوذا الآن تتكلم علانية ولست تقول مثلاً واحداً،
الآن نعلم أنك عالم بكل شيء ولست تحتاج أن يسألك أحد،
لهذا نؤمن أنك من الإله خرجت،
أجابهم يسوع آلآن تؤمنون،
هو ذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد الى خاصته وتتركوني وحدي،
وأنا لست وحدي لأن الأب معي،
قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيّ سلام،
في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم. (يوحنا 16: 25-33)
نلاحظ في هذا النص أنه بعد أن أخبر يسوع تلاميذه أن أباه يحبهم وأنه ستأتي ساعة لا يُحدّثهم بأمثال قال له التلاميذ أنه في ذلك الوقت لا يحدثهم بأمثال وأنه عالم بكل شيء وأنهم مؤمنون بأنه من الإله خرج، فقال لهم يسوع مشككاً في ايمانهم لأنهم سيتركونه وحده يواجه عملية الصلب وهو ما يدل على قلة حبهم له لأنه قال كما في نص سابق ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه!
14- وزادهم حباً حتى جعلهم هم وأبيه ونفسه واحداً، كما في النص التالي:
- أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني من العالم،
كانوا لك وأعطيتهم لي،
وقد حفظوا كلامك،
والآن علموا أن كل ما أعطيتني هو من عندك،
لأن الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتهم وهم قبلوا وعلموا يقيناً أني خرجت من عندك وآمنوا أنك أنت أرسلتني،
من أجلهم أنا أسأل، لست أسأل من أجل العالم بل من أجل الذين أعطيتني، لأنهم لك،
وكل ما هو لي فهو لك، وما هو لك فهو لي، وأنا مُمجّد فيهم،
ولست أنا بَعدُ في العالم وأما هؤلاء فهم في العالم، وأنا آتي إليك،
أيها الأب القدوس احفظهم في اسمك الذين أعطيتني ليكونوا واحداً كما نحن،
حين كنت معهم في العالم كنت أحفظهم في اسمك، الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك ليتم الكتاب،
أما الآن فاني آتي إليك، وأتكلم بهذا في العالم ليكون لهم فرحي كاملاً فيهم،
أنا قد أعطيتهم كلامك، والعالم أبغضهم، لأنهم ليسوا من العالم، كما أني أنا لست من العالم،
لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير،
ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم،
قدّسهم في حقك، كلامك هو حق،
كما أرسلتني الى العالم أرسلتهم أنا الى العالم،
ولأجلهم أُقدس أنا ذاتي ليكونوا هم أيضاً مقدسين في الحق،
ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط بل أيضاً من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم،
ليكون الجميع واحداً كما أنك أنت أيها الأب فيّ وأنا فيك،
ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا ليؤمن العالم أنك أرسلتني،
وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد،
أنا فيهم وأنت فيّ ليكونوا مكملين الى واحد وليعلم العالم أنك أرسلتني وأحببتهم كما أحببتني،
أيها الأب أُريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي الذي أعطيتني،
لأنك أحببتني قبل انشاء العالم،
أيها الأب البارّ إن العالم لم يعرفك،
أما أنا فعرفتك وهؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتني،
وعرّفتهم اسمك وسأعرّفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم. (يوحنا 17: 6-26)
هذا النص كنت قد ناقشته عند الحديث عن شخصية يسوع ولكنني أرغب في الإشارة الى فقرة واحدة وهي قول يوحنا على لسان يسوع أيها الأب البارّ ان العالم لم يعرفك، فاذا كان يقصد يسوع كما كتب يوحنا أن العالم لم يعرف أباه بمن فيهم جميع أنبياء بني اسرائيل فهذا يعني أن يسوع وأباه لا علاقة لهما برب بني اسرائيل خالق السموات والأرض، لأنه لم يتحدث نبي من الأنبياء عن تعدد الآلهة ولا حلولها وتجسدها في بعض المخلوقات، لأن الرب الخالق لا تسعه السماء ولا سماء السموات ولا يسكن على الارض مع الانسان ولا ينام ولا يجوع ولا يَقوَ عليه أحد، كما قال أنبياء بني اسرائيل جميعاً.
15- ومن الصفات المهمة التي منحها يسوع لتلاميذه هي قدرتهم على أكل جسده وشرب دمه، وهو ما تعتبره الكنيستان الكاثوليكية والأرثوذكسية من أسرارهما، والذي يُطلق عليه سرّ التناول أو الافخارستيا ويُقصد به تحول قطع الخبز الى جسد يسوع وتحول الخمر الى دمه بصلاة يؤديها الكهنة ورجال الكنيسة، وهو ما قام به يسوع عملياً مع تلاميذه في العشاء الأخير كما كتب يوحنا في انجيله، وان بقي جسده لم يحلّ فيهم لأنه بعد هذا العشاء سيُلقى القبض عليه ومن ثم يُحاكم فيُصلب ويُدفن يوم وليلتان ثم يبدأ في الظهور للتلاميذ مدة أربعين يوماً!
- فقالوا له فأيّة آية تصنع لنرى ونؤمن بك، ماذا تعمل،
آبائنا أكلوا المنّ في البرية كما هو مكتوب أنه أعطاهم خبزاً من السماء ليأكلوا،
فقال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء، بل أبي يعطيكم الخبز الحقيقي  من السماء،
لأن خبز الإله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم،
فقالوا له يا سيد أعطنا في كل حين هذا الخبز،
فقال لهم يسوع انا هو خبز الحياة،
من يُقبل إليّ فلا يجوع ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً،
ولكني قلت لكم أنكم قد رأيتموني ولستم تؤمنون،
كل ما يُعطيني الأب فإليّ يُقبل ومن يُقبل إليّ لا أُخرجه خارجاً،
لأني نزلت من السماء ليس لأعمل مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني،
وهذه مشيئة الأب الذي أرسلني أن كل ما أعطاني لا أُتلف منه شيئاً بل أُقيمه في اليوم الأخير،
لأن هذه مشيئة الذي أرسلني أن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية وأنا أُقيمه في اليوم الأخير،
فكان اليهود يتذمّرون عليه لأنه قال أنا هو خبز الحياة الذي نزل من السماء،
وقالوا أليس هذا هو يسوع بن يوسف الذي نحن عارفون بأبيه وأُمه فكيف يقول هذا إني نزلت من السماء،
فأجاب يسوع وقال لهم لا تتذمروا فيما بينكم،
لا يقدر أحد أن يُقبل إليّ إن لم يجتذبه الأب الذي أرسلني وأنا أُقيمه في اليوم الأخير،
إنه مكتوب في الأنبياء ويكون الجميع متعلمين من الإله
فكل من سمع من الأب وتعلم يُقبل إليّ،
ليس أنّ أحداً رأى الأب إلا الذي من الإله،
هذا قد رأى الأب،
الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية،
أنا هو خبز الحياة،
آباؤكم أكلوا المنّ في البرية وماتوا،
هذا هو الخبز النازل نزل من السماء لكي يأكل منه الانسان ولا يموت،
أنا هو الخبز الحيّ الذي نزل من السماء إن أكل احد من هذا الخبز يحيا الى الابد،
والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم،
فخاصم اليهود بعضهم بعضاً قائلين كيف يقدر هذا أن يُعطينا جسده لنأكل،
فقال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الانسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم،
من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أُقيمه في اليوم الأخير،
لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق،
من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه،
كما أرسلني الأب الحيّ وأنا حيّ بالأب فمن يأكلني فهو يحيا بي،
هذا هو الخبز الذي نزل من السماء،
ليس كما أكل آباؤكم المنّ وماتوا،
من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا الى الأبد،
قال هذا في المجمع وهو يُعلم في كفر ناحوم،
فقال كثيرون من تلاميذه إذ سمعوا إن هذا الكلام صعب،
من يقدر أن يسمعه،
فعلم يسوع في نفسه أن تلاميذه يتذمرون على هذا فقال لهم أهذا يعثركم،
فإن رأيتم ابن الانسان صاعداً الى حيث كان أولاً،
الروح هو الذي يُحيي، أما الجسد فلا يُفيد شيئاً،
الكلام الذي أُكلمكم به هو روح،
ولكن منكم لا يؤمنون،
لأن يسوع من البدء علم من هم الذين لا يؤمنون ومن هو الذي يُسلمه،
فقال لهذا قلت لكم إنه لا يقدر أحد أن يأتي اليّ إن لم يُعط من أبي،
من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه الى الوراء ولم يعودوا يمشون معه،
فقال يسوع للاثني عشر ألعلكم أنتم أيضاً تريدون أن تمضوا،
فأجابه سمعان بطرس يا رب الى من نذهب، كلام الحياة الأبدية عندك،
ونحن قد آمنا وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الإله الحي،
أجابهم يسوع أليس أني أنا اخترتكم الاثني عشر وواحد منكم شيطان،
قال عن يهوذا سمعان الاسخريوطي،
لأن هذا كان مزمعاً أن يُسلمه وهو واحد من الاثني عشر. (يوحنا 6: 32-71)
كما هو ملاحظ فإن تلاميذ يسوع ارتدوا عنه عندما قال هذا الكلام وقالوا ان هذا كلام صعب من يقدر أن يسمعه!
فاذا كان من يعيش مع يسوع ويتبعه لم يستطع أن يسمع كلامه عن تحوله الى خبز وإمكانية أكله وارتدوا عنه، فمن يقدر أن يسمعه ممن لم يشاهد يسوع ولم يرَ أيّة معجزة له؟
وهل حقيقة أن من يأكل جسده ويشرب دمه فانه يحيا الى الأبد؟
واذا كان هذا صحيحاً فلماذا مات التلاميذ كلهم وهم أول من أكل جسده وشرب دمه، وهو ذات السؤال الموجه لأتباع الكنائس عندما يتناولون الخبز والخمر؟
فتجيب الكنائس بخصوص أتباعها ان عدم حلول يسوع في من يتناول الخبز والخمر يعود الى أن المتناول ليس مؤهلاً لحلول يسوع فيه أو لأن الكاهن لم يقم بالصلاة بشكل كامل.
ولكن ما حدث مع التلاميذ مختلف ولا تستطيع الكنائس قول هذا عنهم، فالتلاميذ هم رسل يسوع وهو الذي اختارهم، كما أن يسوع هو من أطعمهم الخبز وسقاهم الخمر بيده، ومع هذا فلم يحيوا الى الأبد بل ماتوا كما يموت أتباع الكنائس وكما يموت باقي الناس!
16- ومن الصفات التي أعطاها يسوع لتلاميذه معرفة أسرار مملكة السماء كما في النصوص التالية:
- فتقدم التلاميذ وقالوا له لماذا تكلمهم بأمثال،
فأجاب وقال لهم لأنه قد أُعطي لكم أن تعرفوا أسرار مملكة السماء وأما لأولئك فلم يعط. (متّى 13: 10-11)
- ولما كان وحده سأله الذين حوله مع الاثني عشر عن المثل،
فقال لهم قد أعطي لكم أن تعرفوا سرّ مملكة الإله،
وأما الذين هم من خارج فبالأمثال يكون لهم كل شيء، لكي يُبصروا مُبصرين ولا ينظروا ويسمعوا سامعين ولا يفهموا لئلا يرجعوا فتُغفر لهم خطاياهم،
ثم قال لهم أما تعلمون هذا المثل،
فكيف تعلمون جميع الأمثال. (مرقس 4: 10-13)
- فسأله تلاميذه قائلين ما عسى أن يكون هذا المثل،
فقال لكم قد أُعطي أن تعرفوا أسرار مملكة الإله،
وأما للباقين فبأمثال حتى أنهم مبصرين لا يبصرون وسامعين لا يفهمون. (لوقا 8: 9-10)
نلاحظ في هذه النصوص مخالفتها لما جاء في نص سابق بقوله قد كلمتكم بهذا بأمثال ولكن تأتي ساعة حين لا أُكلمكم أيضاً بأمثال بل أُخبركم عن الأب علانية، ففي هذه النصوص يقول انه أعطى تلاميذه معرفة أسرار مملكة السماء وأنه يُكلم الآخرين بأمثال وفي النص السابق يقول انه كان يُكلم التلاميذ بأمثال!
17- ولم يكتف يسوع بمنحهم معرفة أسرار مملكة السماء بل أعطاهم مملكة السماء نفسها، كما في النصين التاليين:
ورفع عينيه الى تلاميذه وقال طوباكم أيها المساكين لأن لكم مملكة الإله. (لوقا 6: 20)
- لا تخف أيها القطيع الصغير لأن أباكم قد سُرّ أن يعطيكم المملكة. (لوقا 12: 32)
18- كما أن يسوع أعطاهم القدرة على إعطاء الروح المقدس للآخرين وذلك بتعميدهم.
- فلما علم الرب أن الفريسيين سمعوا أن يسوع يُصيّر ويُعمّد تلاميذ أكثر من يوحنا،
مع أن يسوع لم يكن يُعمّد بل تلاميذه. (يوحنا 4: 1-2)
- وبعد هذا جاء يسوع وتلاميذه الى أرض اليهودية ومكث معهم وكان يُعمّد، وكان يوحنا أيضاً يُعمّد في عين نون بقرب ساليم لأنه كان هناك مياه كثيرة، وكانوا يأتون ويعتمدون،
لأنه لم يكن يوحنا قد أُلقي بعد في السجن. (يوحنا 3: 22-24)
نلاحظ في النصين أن تعميد يسوع أو تلاميذه كان كتعميد يوحنا المعمدان أي بالماء لأنهم كانوا يُعمّدون بقرب ساليم لأنه كما يقول يوحنا كانت هناك مياه كثيرة، وهو ما تفعله الكنائس الى الآن، إذ تعمّد بالماء مع ذكر اسم الأب والابن والروح المقدس، وهذا من أسرار الكنائس، إذ يقوم الكاهن الذي يُعمّد ببعض الطقوس والصلوات كي يحلّ الروح المقدس في الإنسان المتعمّد!
كما نلاحظ أن يوحنا يقول ان يسوع أو تلاميذه كانوا يُعمّدون ويوحنا المعمدان لم يُلقَ في السجن بعد، مع أن الاناجيل الثلاثة الأُخرى تقول ان يسوع بدأ بالكرازة بعد أن أُلقي يوحنا المعمدان في السجن!
19- كما أن يسوع أعطاهم القدرة على فعل كل المعجزات التي كان يعملها هو، لا بل وأعظم منها.
- الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً، ويعمل أعظم منها لأني ماض إلى أبي،
ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجّد الأب بالابن،
إن سألتم شيئاً باسمي فإني أفعله. (يوحنا 14: 12-14)
20- وهذه القدرة على عمل المعجزات لا تنتهي حتى لو كان ايمانهم به مثل حبة الخردل، كما في النصين التاليين:
- فقال الرسل للرب زد ايماننا،
فقال الرب لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذه الجميزة انقلعي وانغرسي في البحر فتطيعكم. (لوقا 17: 5-6)
- فتذكر بطرس وقال له يا سيدي انظر إلى التينة التي لعنتها قد يبست،
فأجاب يسوع وقال لهم ليكن لكم إيمان بالإله،
لأني الحق أقول لكم إن من قال لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر ولا يشك في قلبه بل يؤمن أن ما يقوله يكون فمهما قال يكون له،
لذلك أقول لكم كل ما تطلبونه حينما تصلون فآمنوا أن تنالوه فيكون لكم. (مرقس 11: 20-25)
وهنا سؤال يطرح نفسه وهو لماذا لا يعمل أتباع الكنائس المختلفة المعجزات؟
هل لأن إيمانهم أقل من حبة الخردل، أم لأن هذه النصوص غير صحيحة ولم تُكتب بسوق من الروح المقدس؟!
21- كما أنه أعطاهم سلطاناً على إخراج الأرواح النجسة والتكلم باللغات الأجنبية دون الحاجة الى تعلمها، وأنهم إذا شربوا سُموماً فإنها لا تضرهم، كما أعطاهم القدرة على شفاء المرضى بمجرد وضع أيديهم عليهم، كما في النصين التاليين:
- ودعا الاثني عشر وابتدأ يُرسلهم،
وأعطاهم سلطاناً على الأرواح النجسة،
وأوصاهم أن لا يحملوا شيئاً للطريق،
غير عصا فقط،
لا مزوداً ولا خبزاً ولا نحاساً في المِنطقة،
بل يكونوا مشدودين بنعال،
ولا يلبسوا ثوبين. (مرقس 6: 7-9)
وهذه الآيات تتبع المؤمنين،
يُخرجون الشياطين باسمي،
ويتكلمون بالسنة جديدة،
ويحملون حيّات وإن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم،
ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون. (مرقس 16: 17-18)
22- وزادهم قدرات مثل القدرة على تطهير البُرص، وأعظم من كل ما سبق وهو إحياء الموتى!
- وفيما انتم ذاهبون اكرزوا قائلين انه قد اقتربت مملكة السماء،
اشفوا مرضى،
طهروا برصاً،
أقيموا موتى،
أخرجوا شياطين،
مجاناً أخذتم مجاناً أعطوا،
لا تقتنوا ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقكم،
ولا مزوداً للطريق،
ولا ثوبين، ولا أحذية ولا عصا لأن الفاعل مُستحق طعامه. (متّى 10: 7-10)
- ودعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم قوة وسلطانا على جميع الشياطين،
وشفاء أمراض،
وأرسلهم ليكرزوا بمملكة الإله، ويشفوا المرضى. (لوقا 9: 1-2)
- فرجع السبعون بفرح قائلين يا رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك،
فقال لهم رأيت الشيطان ساقطاً مثل البرق من السماء،
ها أنا أُعطيكم سلطاناً لتدوسوا الحيّات والعقارب، وكل قوة العدو،
ولا يضركم شيء. (لوقا 10: 17-19)
هل تحتاج هذه النصوص للشرح كي يتبين لنا انها ليست حقيقية، وخاصة قدرتهم على احياء الموتى وإخراج الشياطين والكنائس جميعها تعلم أن يهوذا دخله الشيطان ولم يُخرجه أحد منه حتى يسوع نفسه الذي أعطاهم قدرة إخراج الشياطين؟!
23- كما أعطى يسوع تلاميذه سلطاناً على التحليل والتحريم في الشرائع التي تحكم بين الناس.
- الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء. (متّى 18: 18)
24- كما أعطاهم القدرة على تحقيق كل ما يرغبون فيه في الدنيا بمجرد اتفاق اثنين منهم على طلب شيء ما.
- وأقول لكم أيضاً إن اتفق اثنان منكم على الأرض في أي شيء يطلبانه،
فإنه يكون لهما من قبل أبي الذي في السماء،
لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم. (متّى 18: 19-20)
اسألوا تعطوا اطلبوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم،
لأن كل من يسأل يأخذ، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يُفتح له،
أم أيّ إنسان منكم إذا سأله ابنه خبزاً يُعطيه حجراً،
وإن سأله سمكة يُعطيه حيّة،
فإن كنتم وأنتم أشراراً تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا جيدة فكم بالحري أبوكم الذي في السماء يهب خيرات للذين يسألونه. (متى 7: 7-11)
وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال حائر وهو لماذا لم يجتمع التلاميذ ويطلبوا من أب يسوع أن لا يصلبه؟
25- كما أن يسوع أعطى تلاميذه سلطاناً ليغفروا الخطايا.
- ولما كانت عشية ذلك اليوم، وهو أول الاسبوع، وكانت الأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود،
جاء يسوع ووقف في الوسط،
وقال لهم سلام لكم،
ولما قال هذا أراهم يديه وجنبيه،
ففرح التلاميذ اذ رأوا الرب،
فقال لهم يسوع أيضاً سلام لكم،
كما أرسلني الأب أُرسلكم أنا،
ولما قال هذا نفخ وقال لهم اقبلوا الروح المقدس،
من غفرتم خطاياه تغفر له،
ومن أمسكتم خطاياه أُمسكت. (يوحنا 20: 19-23)
وهذه القدرة تذكرنا بصكوك الغفران التي كانت الكنيسة الكاثوليكية تبيعها لمن لديه القدرة على دفع ثمن ما يرتكبه من خطايا!
26- كما أن يسوع وعد تلاميذه بأنهم سيأخذون مائة ضعف في الحياة الدنيا لأي شيء تركوه من أجله ومن أجل اسمه ومن أجل الانجيل كما في النصوص التالية:
- فأجاب بطرس حينئذ وقال له ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك فماذا يكون لنا،
فقال لهم يسوع الحق أقول لكم إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر،
وكل من ترك بيوتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو أُماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً من أجل اسمي،
يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية. (متّى 19: 27-29)
وابتدأ بطرس يقول له ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك،
فأجاب يسوع وقال الحق أقول لكم ليس أحد ترك بيتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو أُماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً لأجلي ولأجل الإنجيل، إلا ويأخذ مئة ضعف الآن في هذا الزمان بيوتاً وإخوة وأخوات وأُمهات وأولاداً وحقولاً مع اضطهادات،
وفي الدهر الأتي الحياة الأبدية. (مرقس 10: 28-30)
- فقال بطرس ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك،
فقال لهم الحق أقول لكم إن ليس أحد ترك بيتاً أو والِدَين أو إخوة أو امرأة أو أولاداً من أجل مملكة الإله، إلا ويأخذ في هذا الزمان أضعافاً كثيرة،
وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية. (لوقا 18: 28-30)
هذه الوعود لا أظن أن أحداً من أتباع الكنائس يشك في أنها ليست صحيحة، وبالإضافة لعدم صحتها فهي تنقض قانون إيمان الكنائس القائل بعدم تعدد الزوجات، لأننا نقرأ أن يسوع يَعِد أي انسان يترك زوجة بأنه سيأخذ مائة زوجة بدلاً منها!
والأعجب من تعدد الزوجات المائة هو أن هذا النص لن تستطيع الكنائس القول أنه سيتحقق في مملكة يسوع في القيامة لأنهم بهذا ينقضون قانوناً آخر للايمان وهو عدم الزواج في مملكته!
وأما باقي الوعود فهي من الغرائب التي يمكن للانسان أن يقرأها في حياته، وخاصة وعد مائة أُم ومائة أب، فضلاً عن مئات الإخوة والأخوات ومئات الحقول والبيوت!
27- كما وعد يسوع تلاميذه بأنهم سيكونون ساكنين في منازل في مملكة السماء ويشربون معه هناك من الخمر، كما في النصين التاليين:
- لا تضطرب قلوبكم، أنتم تؤمنون بالإله فآمنوا بي،
في بيت أبي منازل كثيرة، وإلا فإني كنت قد قلت لكم أنا أمضي لأُعدّ لكم مكاناً وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً آتي وآخذكم إليّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً،
وتعلمون حيث أنا أذهب وتعلمون الطريق،
قال له توما يا سيد لسنا نعلم أين تذهب فكيف نقدر ان نعرف الطريق،
قال له يسوع أنا هو الطريق،
والحق،
والحياة،
ليس أحد يأتي الأب إلا بي،
لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً،
ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه. (يوحنا 14: 1-7)
- وأقول لكم إني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديدا في مملكة أبي. (متّى 26: 29)
في النص الثاني نقرأ أن يسوع يقول انه سيشرب مع تلاميذه الخمر في مملكة أبيه!
وهذا القول ينقض قانون إيمان الكنائس المختلفة القائل ان الناس لا يأكلون ولا يشربون في مملكة السماء، مع ان يسوع لم يقل هذا القول وانما قال ان الناس لا يتزوجون هناك كما ذكرت الاناجيل، كما أن الأناجيل ذكرت قصة لعازر الفقير والرجل الغني الذي دخل جهنم وطلب من إبراهيم أن يطلب من لعازر أن يُسقيه ماء من مملكة السماء مما يدل على أنه يوجد شراب في المملكة وليس كما يقول قانون إيمان الكنائس المختلفة كلها!
28- كما وعد يسوع تلاميذه بعدم موتهم جميعاً الى الأبد، أو على الأقل حتى يجيء في المرة الثانية!
كما في النصوص التالية:
- الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في مملكته. (متّى 16: 28)
- الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله،
السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول،
وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السموات الا أبي وحده. (متّى 24: 34-36)
- قال للجميع من أراد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني، فإن من أراد أن يُخلص نفسه يُهلكها، ومن يُهلك نفسه من أجلي فهو يخلصها، لأنه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وأهلك نفسه أو خسرها،
لأن من استحى بي وبكلامي فبهذا يستحي ابن الانسان متى جاء بمجده ومجد الأب والملائكة القديسين،
حقاً أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا مملكة الاله. (لوقا 9: 23-27)
الحق أقول لكم إنه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل،
السماء والارض تزولان ولكن كلامي لا يزول.(لوقا 21: 32-33)
- فالتفت بطرس ونظر التلميذ الذي كان يسوع يُحبه يتبعه وهو أيضاً الذي اتكأ على صدره وقت العشاء وقال يا سيد من هو الذي يُسلمك،
فلما رأى بطرس هذا قال ليسوع يا رب وهذا ما له،
قال له يسوع إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجيء فماذا لك،
اتبعني أنت،
فذاع هذا القول بين الإخوة أن ذلك التلميذ لا يموت،
ولكن لم يقل له يسوع أنه لا يموت بل إن كنت أشاء أنه يبقى حتى أجيء فماذا لك،
هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا وكتب هذا،
ونعلم أن شهادته حق،
وأشياء أُخر كثيرة صنعها يسوع إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة. (يوحنا 21: 20-25)
جميع الكنائس تعلم أن هذه الوعود لم تتحقق وليست صحيحة، ولكنني أود التعليق على الفقرة الأخيرة من النص الأخير وهي قول يوحنا كاتب الانجيل أنه لم يكتب كل ما يعرفه من الأعمال التي صنعها يسوع والأقوال التي قالها، مما يدل على أن تعاليم وسيرة حياة يسوع ليست كاملة، ولكن الأغرب من عدم اكتمال تعاليم يسوع وأقواله وسيرته، هو نقض قول يسوع بأنه سيرسل المعزي الذي سيخبرهم بكل ما قاله يسوع ويخبرهم بالحق كله، فأين الروح المقدس مما لم يكتبه يوحنا في انجيله اذا كان يسوق يوحنا عند كتابته لإنجيله!
29- كما انه وعدهم بانهم سيدينون أسباط بني اسرائيل الاثني عشر.
- أنتم الذين ثبتوا معي في تجاربي،
وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبي مملكة،
لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في مملكتي،
وتجلسوا على كراسي تدينون أسباط اسرائيل الاثني عشر. (لوقا 22: 28-30)
في هذا النص بالإضافة الى وعد يسوع لتلاميذه الاثنا عشر بحكم أسباط بني اسرائيل الاثني عشر، فإننا نجد انه ينقض قانون إيمان الكنائس المختلفة كلها بعدم أكل الناس وشربهم في مملكة السماء، فهذا النص واضح وصريح بوجود الأكل والشرب في المملكة!
وهنا قد تصرّ الكنائس على القول بأن الناس في مملكة يسوع يكونون مثل الملائكة ليسوا بحاجة الى أكل وشرب على الرغم من أن يسوع يقول في هذا النص أنه سيأكل هو شخصياً مع تلاميذه ويشرب في مملكته، كما أن الكنائس المختلفة تنسى أو تتناسى أن الأقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد كما تقول جميع الكنائس كان يجوع ويعطش ويأكل ويشرب، فضلاً عن وجود عدد من القصص في العهد القديم تذكر أن الملائكة كانت تأكل وتشرب كما في قصة ابراهيم ولوط في سِفر التكوين وغيرها من القصص!
ولست أدري ما الذي يمنع الكنائس أن تكتب قانوناً جديداً للايمان تقول فيه أن الناس في مملكة يسوع سيأكلون ويشربون وخاصة أن يسوع نفسه يقول انه سيأكل ويشرب مع تلاميذه في مملكته؟!
30- كما انه أعطاهم صفة وهي انهم يتكلمون بروح أبيه.
- لأن لستم انتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي فيكم. (متى 10: 20)
وهذا النص يعني أن كل ما قاله التلاميذ لم يكونوا هم المتكلمين به، بل روح أبيهم الذي فيهم، مما يعني أن كل التناقضات والأخطاء الموجودة في الأناجيل مرجعها الى روح أبيهم الذي فيهم!
31- كما تخبرنا الاناجيل أن التلاميذ كانوا شاهدين وحاضرين لكل المعجزات التي قام بها يسوع من تحويل الماء الى خمر الى إحياء لعازر، وهذا الشهود والحضور هو من أهم الصفات التي يكتسبها الانسان في حياته للايمان بصدق الدعوة الموجهة له، فهذه التجارب التي عاشها التلاميذ لا تتحقق كل يوم ولا لكل الناس، فشهودهم وحضورهم أثناء عمل المعجزات هو من أعظم الحجج عليهم ولهم، أما عليهم فلأن أي عمل يقومون به أو أي قول يقولونه مخالف ليسوع فهو يعني أنهم غير مؤمنين به، وأما لهم فشهادتهم وحضورهم تلك المعجزات ستكون أكبر دافع لهم لتبليغ ما آمنوا به للناس.
هذه هي تقريباً جميع الصفات التي منحها يسوع لتلاميذه أو وعدهم بها، وهي صفات تجعلهم في أعلى مكانة بين البشر، حتى أن الكنائس تعتبر التلاميذ أعظم من أنبياء العهد القديم!
فهل اكتسب التلاميذ تلك الصفات وهل آمنوا بيسوع سواء كمسيح أو كإله من الآلهة الثلاث الذين هم واحد ومن نفس الجوهر؟
الشروط الواجب توافرها في الإنسان كي يصبح من تلاميذ يسوع
إن يسوع كما تذكر الاناجيل قد وضع شروطا لمن يستطيع أن يكون من تلاميذه، فهو عندما قال كما في نصوص سابقة انه هو من اختار التلاميذ قد حدد أيضاً الصفات الواجب توافرها فيمن اختاره ليكون تلميذاً له، فما هي الصفات الواجب توافرها في الانسان ليكون تلميذاً ليسوع؟
وقال لهم ان كان أحد يأتي اليّ ولا يُبغض،
1- أباه،
2- وأُمه،
3- وامرأته،
4- وأولاده،
5- واخوته،
6- وأخواته،
7- حتى نفسه أيضاً،
فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً،
8- ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذاً،
9- فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر ان يكون لي تلميذاً،
الملح جيد ولكن اذا فسد الملح فبماذا يُصلح،
لا يصلح لأرض ولا لمزبلة فيطرحونه خارجاً،
من له أُذنان للسمع فليسمع. (لوقا 14: 25-33)
- ودعا الجمع مع تلاميذه وقال لهم من أراد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني،
فإن من أراد أن يُخلص نفسه يُهلكها،
10- ومن يُهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يُخلصها،
لأنه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم وخسر نفسه،
أو ماذا يُعطي الانسان فداءً عن نفسه،
لأن من استحى بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ فإن ابن الانسان يستحي به متى جاء بمجد أبيه مع الملائكة القديسين. (مرقس 8: 34-38)
فهذه عشرة شروط وضعها يسوع للانسان الراغب في أن يكون تلميذاً له، وقد يكون هناك غيرها ولكنها لن تكون كثيرة أو بعيدة عن هذه الشروط.
من هذه الشروط نرى الصفات الواجب توفرها في الانسان كي يكون تلميذاً ليسوع، فهو يطلب منهم كره أبائهم وأُمهاتهم ونسائهم وإخوانهم وأخواتهم وأبنائهم، وحتى أن يكرهوا أنفسهم ليكونوا صالحين ليختارهم تلاميذاً له!
فهل يوافق أتباع الكنائس الطيبين على هذه الشروط والصفات؟
وهل هي متوفرة فيهم؟!
وهل تقول الكنائس للناس في حملاتها التبشيرية ان عليهم أن يكرهوا أبائهم وأُمهاتهم وأبنائهم وأزواجهم وإخوتهم وأخواتهم وحتى أنفسهم كي يصبحوا من أتباع يسوع ويكون في مقدورهم دخول مملكة يسوع؟!
ألا يحاول مبشرو الكنائس أن يخفوا هذه الصفات من تعاليم يسوع ويبشروا الناس بأن يسوع يدعو للمحبة ويطلب من الناس جميعاً أن يحبوا بعضهم البعض ويقولون ان يسوع محبة!
وهذا الإخفاء لشروط الايمان ألا يُعتبر نوعاً من الاستحياء من كلامه كما قال لأن من استحى بي وبكلامي فبهذا يستحي ابن الانسان متى جاء بمجده ومجد الأب والملائكة القديسين؟
هل تستطيع الكنائس أن تصرح لأتباعها وللناس جميعاً أن من شروط الايمان بيسوع أن يكره الانسان أباه وأُمه وإخوته وأخواته وأبنائه وزوجه وحتى نفسه وأن من لا يكره هؤلاء جميعاً فلن يقدر أن يكون تلميذاً ليسوع؟!
فهذه الشروط غير متوافرة في التلاميذ ولا من جاء بعدهم بل ولا يُحاولون الإشارة إليها وإظهارها كجزء من رسالة يسوع.
وأما قوله ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر ان يكون لي تلميذاً، فهذا بالتأكيد لا ينطبق على التلاميذ، لأن الأناجيل الأربعة تذكر بكل وضوح أن التلاميذ لم يحملوا صلبانهم ويتبعوا يسوع فقط، بل وتذكر انهم هربوا كلهم عند إلقاء القبض عليه، وتركوه وحده، وأنكروه وشكوا فيه، وزاد بطرس على إنكاره بلعنه، فهذا الشرط أيضاً ليس متوفراً في جميع التلاميذ!
وأما الشرط التاسع والذي يقول فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر ان يكون لي تلميذاً، فللحقيقة فان لوقا ذكر في كتاب أعمال الرسل أن التلاميذ كانوا يشتركون في اموالهم ولا يأخذ أحد منهم إلا حاجته وذكر قصة حنانيا وامرأته اللذين باعا حقلاً لهما ولم يحضرا المال كله فقتلا نتيجة لهذه الخطيئة، ولكن لو نظرنا الآن الى حياة رؤساء الكنائس ورهبانها وقساوستها وأتباع الكنائس كلهم، هل هم يعيشون بحسب حاجتهم ويتركون باقي أموالهم أم لا؟!
وأما الشرط الأخير والذي قال فيه ومن يُهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها، فهو من الشروط التي لم تتوفر في التلاميذ كلهم، فهم هربوا عنه وتركوه وحده عند إلقاء القبض عليه، لا بل انهم جميعاً أنكروه وشكوا فيه ولم يكتف كبيرهم بطرس بإنكاره بالكلام فقط، بل زاد اللعن عليه، كما هو مكتوب في الاناجيل.
فهذه تسعة شروط من عشرة لم تتوفر في التلاميذ كي يقدروا أن يكونوا تلاميذ ليسوع.
فماذا كانت نتيجة عدم توفر هذه الشروط في التلاميذ؟
ان أول هذه النتائج كانت هي شكهم الدائم، وعدم ايمانهم بيسوع، لا بصفته كمسيح ولا بصفته التي تقدمها قوانين إيمان الكنائس المختلفة القائلة أنه أحد الآلهة الثلاث الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، ومخالفتهم لأقواله وعدم فهمها!
فكما في الصفات السابقة فان يسوع كان يظن أن تلاميذه آمنوا به، لهذا وهبهم تلك الصفات كما وهبهم وعوداً معينة ان هم كانوا حقيقة مؤمنون به، وأود التذكير ببعضها مع أنها مذكورة سابقاً.
- لأنه هكذا أحب الرب العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له حياة أبدية. (يوحنا 3: 16)
في هذا النص يقول يوحنا على لسان يسوع أن من يؤمن به فانه لا يهلك بل تكون له حياة أبدية ونحن نعلم كما تخبرنا الكنائس أن جميع التلاميذ قد هلكوا ولم تكن لهم حياة أبدية!
فهل كان التلاميذ غير مؤمنين أم ان هذا القول غير صحيح ولم يكتب بسوق من الروح المقدس، الذي تقول الكنائس عنه أنه كان يسوق كتبة الاناجيل عند كتابتها؟
وهنا قد تعترض الكنائس بالقول ان هذا القول لا يعني حياة التلاميذ للأبد بل هو وعد بالحياة الأبدية في مملكة يسوع عندما يأتي على سحاب السماء بمملكته بمجد وقوة!
ولكن النصوص التالية تثبت انه وعدهم بالبقاء أحياءً الى يوم مجيئه الثاني:
- الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في مملكته. (متّى 16: 28)
- الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله،
السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول،
وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السموات إلا أبي وحده. (متّى 24: 34-36)
- وقال للجميع ان أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني،
فإن من أراد أن يُخلص نفسه يُهلكها ومن يُهلك نفسه من أجلي فهذا يُخلصها،
لأنه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وأهلك نفسه أو خسرها،
لان من استحى بي وبكلامي فبهذا يستحي ابن الانسان متى جاء بمجده ومجد الأب والملائكة القديسين،
حقاً أقول لكم ان من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا مملكة الرب. (لوقا 9: 23-27)
فهذه النصوص وغيرها تؤكد انه وعدهم بالحياة الى ان يجيء مرة ثانية وعند مجيئه الثاني يكون الزمن على الارض قد انتهى، أي الى الأبد، لأنه بعد ذلك يبدأ عالم جديد بحسابات وقوانين مختلفة ليست كالتي على الأرض الآن.
لأن الأب نفسه يُحبكم لأنكم أحببتموني،
وآمنتم أني من عند الإله خرجت. (يوحنا 16: 27)
- كانوا لك وأعطيتهم لي،
وقد حفظوا كلامك،
والآن علموا أن كل ما أعطيتني هو من عندك،
لأن الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتهم وهم قبلوا وعلموا يقيناً أني خرجت من عندك وآمنوا أنك أنت أرسلتني،
من أجلهم أنا أسأل، لست أسأل من أجل العالم بل من أجل الذين أعطيتني، لأنهم لك. (يوحنا 17: 6-9)
في هذين النصين يقول يسوع عن تلاميذه أنهم آمنوا انه خرج من عند الإله وأنهم يحبونه وأنهم حفظوا كلامه، فهل هذه الأقوال صحيحة؟ هذا ما سنعرفه لاحقاً!
واكتفى يسوع من تلاميذه بأن يؤمنوا به ولو بمثقال حبة خردل كما في النص التالي:
- الحق أقول لكم لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم. (متّى 17: 20)
فهل آمنوا به مثقال حبة خردل، أو كما قال هو نفسه لو كان عندكم ايمان مثل حبة خردل، وهل هم حفظوا كلامه وكلام أبيه؟
حقيقة ايمان التلاميذ بيسوع
بعد هذه النصوص التي تحدثت عن التلاميذ باعتبارهم مؤمنين بيسوع وأنهم حفظوا كلامه وكلام أبيه لنقرأ النصوص التالية لنرى حقيقة ايمان التلاميذ بيسوع باعتباره المسيح ابن الإله، أو باعتباره الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد، كما تقول قوانين الايمان للكنائس المختلفة.
- ولما جاء يسوع إلى نواحي قيصرية سأل تلاميذه قائلاً من يقول الناس أني أنا ابن الإنسان،
فقالوا قوم يوحنا المعمدان وآخرون إيليا وآخرون إرميا أو واحد من الأنبياء،
قال لهم وأنتم من تقولون أني أنا،
فأجاب سمعان بطرس وقال أنت هو المسيح ابن الإله الحي،
فأجاب يسوع وقال له طوبى لك يا سمعان بن يونا،
إن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبي الذي في السماء،
وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها،
وأُعطيك مفاتيح مملكة السماء، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماء وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السماء، حينئذ أوصى تلاميذه أن لا يقولوا لأحد أنه يسوع المسيح. (متّى 16: 13-20)
في هذا النص كما نقرأ فإن بطرس وباقي التلاميذ قالوا عن يسوع أنه المسيح ابن الإله الحي، ولكن هل انتهى الأمر عند هذا الحد بقول بطرس والتلاميذ  ليسوع أنه المسيح ابن الإله الحيّ، وفرَحْ يسوع بهذا القول وطلبه من بطرس أن يبني كنيسته على تلك الصخرة واعطائه مفاتيح مملكة السماء والسلطة على التحليل والتحريم، مع ملاحظة أن يسوع قال لتلاميذه أن لا يقولوا لأحد أنه هو المسيح وهذا من الأقوال الغريبة اذ كيف يوصي يسوع تلاميذه أن لا يقولوا لأحد أنه المسيح اذا كان هو المسيح الذي جاء ذكره في العهد القديم، كما يجدر بنا الانتباه أيضاً الى أن بطرس لم يبن كنيسة على تلك الصخرة التي أمر يسوع أن تُبنى عليها الكنيسة!
لنكمل قراءة باقي النص:
- من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يُظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب الى أُورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل، وفي اليوم الثالث يقوم،
فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلاً حاشاك يا رب، لا يكون لك هذا،
فالتفت وقال لبطرس اذهب عني يا شيطان،
أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما للإله لكن بما للناس. (متّى 16: 21-23)
في هذه الفقرات نقرأ أن بطرس انتهر يسوع الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد كما تقول قوانين الايمان للكنائس المختلفة!
فهل كان يُدرك، أو يؤمن، بطرس أنه بهذا العمل إنما ينتهر الآلهة الثلاث المتحدة مع بعضها البعض؟
ولكن كما نقرأ في النص أيضاً فإن الإله الثاني لم يسكت عن إنتهار بطرس له، أو لهم باعتبار الوحدة التي تجمعهم، فيرد على بطرس ويصفه بأنه شيطان وأنه معثرة له، أي معثرة للآلهة الثلاث، وأنه لا يهتم بما للإله ولكن بما للناس!
قبل عدة أسطر يقول يسوع لبطرس طوبى لك، وأعطاه مفاتيح مملكة السماء والسلطة على التحليل والتحريم، وهنا يصفه بأنه شيطان وأنه لا يهتم بما للإله بل بما للناس!
فما هي حقيقة بطرس هل هو حامل مفاتيح مملكة السماء، أم هو شيطان لا يهتم بما للإله وأنه معثرة للإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد؟
وهل ما قام به بطرس من إستباحة لحوم الحيوانات النجسة نتيجة للحلم الذي حلمه، والمذكور في أعمال الرسل، هو من الإعثار الذي وجهه ليسوع لأنه، أي بطرس، يهتم بما للناس ولا يهتم بما للإله، أم من الروح المقدس الذي قبله من يسوع سواء بالتعميد أو بالنفخة الأخيرة ليسوع؟!
والقصة السابقة سواء كانت نفس القصة أو قصة أُخرى مذكورة في انجيل مرقس وهي كما يلي:
- ثم خرج يسوع وتلاميذه الى قرى قيصرية فيلبس،
وفي الطريق سأل يسوع تلاميذه قائلاً من يقول الناس أني أنا،
فأجابوا يوحنا المعمدان،
وآخرون إيليا،
وآخرون واحد من الأنبياء،
فقال لهم وأنتم من تقولون أني أنا،
فأجاب بطرس وقال له أنت المسيح،
 فانتهرهم كي لا يقولوا لأحد عنه. (مرقس 8: 27-30)
وتنتهي قصة مرقس بما انتهت إليه قصة متّى باعتبار بطرس شيطاناً!
- وابتدأ يُعلمهم أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيرا ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة،
ويُقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم،
وقال القول علانية،
فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره،
فالتفت وأبصر تلاميذه، فانتهر بطرس قائلاً،
اذهب عني يا شيطان،
لأنك لا تهتم بما للإله لكن بما للناس. (مرقس 8: 31-33)
وتتكرر القصة في انجيل لوقا بعد إطعام يسوع لخمسة آلاف رجل من خمسة أرغفة وسمكتين، وهي من معجزات يسوع التي ذكرتها الاناجيل، الا ان لوقا لم يكتب أن يسوع قال لبطرس أنه شيطان! ولست أدري ما هو السبب الذي جعل لوقا لا يذكر أن يسوع قال لبطرس انه شيطان؟
هل اكتفى لوقا أو الروح المقدس بكتابة متّى ومرقس على لسان يسوع انه قال لبطرس اذهب عني يا شيطان، أم أن الروح المقدس أوحى للوقا أن لا يكتب هذا القول على لسان يسوع لأن يسوع لم يقله؟!
- وفيما هو يُصلي على انفراد كان التلاميذ معه فسألهم قائلاً من تقول الجموع أني أنا،
فأجابوا وقالوا يوحنا المعمدان،
وآخرون إيليا،
وآخرون إن نبياً من القدماء قام،
فقال لهم وأنتم من تقولون أني أنا،
فأجاب بطرس وقال مسيح الإله،
فانتهرهم وأوصى أن لا يقولوا ذلك لأحد،
قائلاً انه ينبغي أن ابن الانسان يتألم كثيراً ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة،
ويُقتل وفي اليوم الثالث يقوم. (لوقا 9: 18-22)
ان الانسان يجد أن قول يسوع لبطرس اذهب عني يا شيطان، وهو أعظم التلاميذ، على غرابته، أقل غرابة من اتفاق الاناجيل الثلاثة على كتابة أن يسوع انتهر تلاميذه وأوصاهم أن لا يقولوا لأحد أنه يسوع المسيح أو أنه مسيح الإله!
فهذا يثير في النفس الكثير من التساؤلات عن مدى قيام يسوع بالإعلان عن نفسه، وإن كان هو المسيح الذي كتبت عنه أسفار العهد القديم، اذ أن ذاك سيكون ملكاً على العالم أجمع وتخضع له الشعوب كلها ولا يكون لملكه نهاية، ويسوع في هذه النصوص وغيرها يوصي تلاميذه أن لا يقولوا لأحد انه المسيح!
فما الذي كان يُخيف يسوع، كي لا يُصرح أنه هو المسيح، لو كان هو المسيح الذي ذكرته أسفار العهد القديم؟
من النصوص السابقة نجد ان التلاميذ لم يكونوا مؤمنين، أو على الأقل بطرس، بيسوع كمسيح، وإلا لو كانوا مؤمنين لما فكر بطرس بانتهار يسوع، هذا اذا قلنا أن يسوع هو المسيح، فكيف اذا كان يسوع كما تصفه قوانين الايمان الكنسي أنه الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد ومن نفس الجوهر!
ننتقل الآن الى نص آخر يتحدث فيه يسوع عن ايمان التلاميذ به ونتيجة هذا القول الذي أعلن فيه يسوع عن ايمان التلاميذ.
- لا تضطرب قلوبكم، أنتم تؤمنون بالإله فآمنوا بي،
في بيت أبي منازل كثيرة، وإلا فإني كنت قد قلت لكم أنا أمضي لأُعد لكم مكاناً وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً آتي وآخذكم اليّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً،
وتعلمون حيث أنا أذهب وتعلمون الطريق،
قال له توما يا سيد لسنا نعلم أين تذهب فكيف نقدر أن نعرف الطريق،
قال له يسوع أنا هو الطريق، والحق، والحياة،
ليس أحد يأتي الى الأب إلا بي،
لو كنتم قد عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً،
ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه. (يوحنا 14: 1-7)
في هذا النص يطلب يسوع من تلاميذه الايمان به لأنهم يؤمنون بالإله، وهذا القول قاله في الليلة التي تم إلقاء القبض عليه، ثم يقول لتلاميذه انهم يعلمون أين يذهب وانهم يعلمون الطريق، ولكن توما يفاجئ الجميع بقوله ان التلاميذ لا يعلمون أين يذهب يسوع فكيف يعرفون الطريق!
أي ان التلاميذ قبل إلقاء القبض على يسوع بعدة ساعات لا يعلمون أين يذهب يسوع ولا يعرفون الطريق.
والعلم والمعرفة هما أول طريق الايمان، فاذا كان التلاميذ لا يعلمون ولا يعرفون حتى آخر ليلة ليسوع معهم اين يذهب ولا يعرفون الطريق، فماذا كان يعمل يسوع خلال الفترة الزمنية السابقة؟
واذا كانت المعجزات، وخاصة إحياء الموتى التي تقول الاناجيل ان يسوع عملها، لم تشكل للتلاميذ علماً ولا معرفة فما هي الطريقة التي يستطيع يسوع بها أن يوصل العلم والمعرفة لتلاميذه؟
هل عملية الصلب والقيامة هي التي سيعرف ويعلم بها التلاميذ أن يسوع هو الطريق والحق والحياة؟
لننتظر قليلاً لنعرف كيف استقبل التلاميذ حادثة الصلب والقيامة!
- قد كلمتكم بهذا بأمثال ولكن تأتي ساعة حين لا أُكلمكم أيضاً بأمثال بل أُخبركم عن الأب علانية،
في ذلك اليوم تطلبون باسمي،
ولست أقول لكم إني أنا أسأل الأب من أجلكم،
لأن الأب نفسه يُحبكم لأنكم أحببتموني،
وآمنتم أني من عند الإله خرجت،
خرجت من عند الأب وقد أتيت الى العالم وأيضاً أترك العالم وأذهب الى الأب،
قال له تلاميذه هو ذا الآن تتكلم علانية ولست تقول مثلاً واحداً،
الآن نعلم أنك عالم بكل شيء ولست تحتاج أن يسألك أحد،
لهذا نؤمن أنك من الإله خرجت،
أجابهم يسوع آلآن تؤمنون،
هو ذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد الى خاصته وتتركوني وحدي،
وأنا لست وحدي لأن الأب معي،
قد كلمتكم بهذا ليكون لكم فيّ سلام،
في العالم سيكون لكم ضيق، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم. (يوحنا 16: 25-33)
في هذا النص يقول يسوع عن تلاميذه انهم آمنوا أنه من عند الإله خرج، فيرد التلاميذ عليه للتأكيد على قوله بأنهم آمنوا بقولهم الآن نعلم أنك عالم بكل شيء ولست تحتاج أن يسألك أحد، لهذا نؤمن أنك من الإله خرجت، وفي هذا تأكيد على أنهم مؤمنون به ليس باعتباره انه خرج من عند الإله فقط، بل وأنه يعلم كل شيء!
ولكن المفاجئة هذه المرة نسمعها من يسوع، وليس من التلاميذ كما في النص السابق، ولا تخطر على قلب أحد، فبدلاً من شكرهم على ايمانهم والاستجابة لطلبهم في زيادة ايمانهم، نسمعه يشكك في قولهم أنهم مؤمنون به فيقول: أجابهم يسوع آلآن تؤمنون، هو ذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد الى خاصته وتتركوني وحدي، وهذا القول يدل على أن التلاميذ ليسوا صادقين في قولهم انهم آمنوا بأن يسوع خرج من عند الإله ولا أنهم يؤمنون بأنه يعلم كل شيء!
لأنهم لو كانوا صادقين في ايمانهم لما تركوه وحده وهو الذي قال ان أعظم الحب أن يضع الانسان نفسه من أجل حبيبه، فلو كانوا يحبونه لما تركوه وحده!
هذا من ناحية ايمان التلاميذ بيسوع وأما ما يتضمنه النص من أقوال خاطئة فهو يقول قد كلمتكم بهذا بأمثال ولكن تأتي ساعة حين لا أُكلمكم أيضاً بأمثال بل أُخبركم عن الأب علانية، ومن يقرأ الاناجيل يعلم أن هذا الكلام قيل قبل إلقاء القبض عليه ببضع ساعات، ويسوع من هذا الوقت الى نهاية الاناجيل كلها، لم يذكر قولاً واحداً تحدث فيه عن أبيه لا علانية ولا بأمثال!
وكل ما ذكرت الاناجيل له من أقوال انما هي تهربه من الاجابة عن سؤال اليهود له إن كان هو المسيح أم لا، وتهربه من الاجابة عن جميع أسئلة هيرودس حتى احتقره واستهزأ به كما كتب لوقا في انجيله، وتهربه من الاجابة عن كل أسئلة بيلاطس عندما سأله ان كان هو ملك اليهود، لا بل انه أنكر أن تكون مملكته على الأرض لأنه لو كانت مملكته على الأرض لكان جنوده يدافعون عنه حتى لا يسلمه اليهود للرومان كما هو مكتوب في إنجيل يوحنا!
وفي هذا القول أعظم اشارة الى أن يسوع ليس هو المسيح الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم لأن ذاك ستكون مملكته على الأرض ولا يكون لملكه نهاية.
وأما قوله ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم، فلست أدري كيف سيثق تلاميذه أنه غلب العالم وهم يشاهدونه يُصلي والعرق يتصبب منه طوال الليل كي لا يًصلب؟
أم كيف سيثقون أنه غلب العالم وهم يرون الجنود يلطمونه ويجلدونه ويبصقون عليه ويستهزئون به ويلبسونه الأُرجوان ويضعون على رأسه إكليل الشوك؟
أم كيف سيثقون أنه غلب العالم وهم يسمعونه يصرخ بصوت عظيم وهو مُعلق على الخشبة إلهي إلهي لماذا تركتني؟!
ننتقل لنص آخر من النصوص التي تتحدث عن إيمان التلاميذ لنرى حقيقة هذا الإيمان.
- أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني من العالم،
كانوا لك وأعطيتهم لي،
وقد حفظوا كلامك،
والآن علموا أن كل ما أعطيتني هو من عندك،
لأن الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتهم وهم قبلوا وعلموا يقيناً أني خرجت من عندك وآمنوا أنك أنت أرسلتني،
من أجلهم أنا أسأل، لست أسأل من أجل العالم بل من أجل الذين أعطيتني، لأنهم لك،
وكل ما هو لي فهو لك، وما هو لك فهو لي، وأنا ممجد فيهم،
ولست أنا بَعْدُ في العالم وأما هؤلاء فهم في العالم، وأنا آتي إليك،
أيها الأب القدوس احفظهم في اسمك الذين أعطيتني ليكونوا واحداً كما نحن،
حين كنت معهم في العالم كنت أحفظهم في اسمك الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك ليتم الكتاب،
أما الآن فإني آتي اليك، وأتكلم بهذا في العالم ليكون لهم فرحي كاملاً فيهم،
أنا قد أعطيتهم كلامك، والعالم أبغضهم، لأنهم ليسوا من العالم، كما أني أنا لست من العالم،
لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير،
ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم،
قدّسهم في حقك، كلامك هو حق،
كما أرسلتني الى العالم أرسلتهم أنا الى العالم،
ولأجلهم أُقدس أنا ذاتي ليكونوا هم أيضاً مقدسين في الحق. (يوحنا 17: 6-19)
في هذا النص الطويل يتكلم يسوع عن التلاميذ، وعليه عدة ملاحظات.
الملاحظة الأُولى وهي على قوله عن التلاميذ وقد حفظوا كلامك، فهذا القول يطرح عدة تساؤلات عن حفظ التلاميذ لكلام يسوع.
هل حفظ التلاميذ الكلام وهم يهربون عنه وينكرونه ويشكون فيه وهو يقول لهم ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر ان يكون لي تلميذاً؟
أم هل حفظ هؤلاء التلاميذ كلام يسوع وهم يستبدلون يوم السبت بيوم الشمس الذي يُسمّى بالعربية يوم الأحد؟
أم هل حفظ التلاميذ كلام يسوع وهم يستبيحون أكل كل الحيوانات النجسة بما فيها الخنزير نتيجة لحلم بطرس الذي كتبه لوقا في أعمال الرسل وبعض الأقوال لبولس؟
أم هل حفظ التلاميذ كلام يسوع وهم يتوجهون لغير اليهود على الرغم من قوله لهم أن لا يتوجهوا لهم، بقوله انه لم يُرسل الا الى خراف بيت اسرائيل الضالة، ونهيه لهم عن المضي الى طريق للأمم من غير اليهود ومنعه لهم من الدخول الى مدن السامريين؟
أم هل حفظ التلاميذ كلامه وهم ينقضون معظم الشرائع مع أن يسوع طلب منهم أن يلتزموا بما يقوله الناموس؟
الملاحظة الثانية وهي على قوله في النص وهم قبلوا وعلموا يقيناً أني خرجت من عندك وآمنوا أنك أنت أرسلتني، فهذا القول ينقض قانون الايمان لكل الكنائس القائل أن يسوع هو أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد، فلو كان هذا القانون صحيحاً فلماذا يقول هو عن التلاميذ أنهم آمنوا أنه مُرسل فكيف يُرسل الشخص نفسه اذا كانوا واحداً؟!
واذا كانوا واحداً فكيف يُخاطب الشخص نفسه بصيغة الثنائية، لا بل كيف يُخاطب الشخص نفسه أصلاً؟
الملاحظة الثالثة وهي على قوله أيها الأب القدوس احفظهم في اسمك الذين أعطيتني ليكونوا واحداً كما نحن، فهل أصبحوا واحداً كما هو يسوع مع أبيه؟
وقال في نص آخر ليكونوا مع يسوع وأبيه واحداً فهل أصبحوا واحد، سواء فيما بينهم أو مع يسوع وأبيه؟
وأما قوله انه طلب أن يكونوا جميعاً واحد فهو مما تنفيه الاناجيل عنهم عندما تذكر كيف أنهم هربوا وتركوه وحيداً!
الملاحظة الرابعة وهي على قوله حين كنت معهم في العالم كنت أحفظهم في اسمك الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد الا ابن الهلاك ليتم الكتاب، فهذا القول ينقض قانون إيمان الكنائس المختلفة لأنه لو كان يعتبر نفسه الاقنوم الثاني المساوي للأقنوم الأول لما فكر في الطلب من الأقنوم الأول أن يحفظ التلاميذ في اسمه، لأنه يُفترض به كما يقول قانون إيمان الكنائس انه مساوياً ومتحداً بأبيه ومن نفس الجوهر، فكيف يطلب منه هذا الطلب اذا كانوا واحداً؟
والأغرب من هذا هو نتيجة هذا الطلب، هل حفظهم أبوه كما طلب منه الابن الذين هم واحد مع الاقنوم الثالث؟
الجواب كلا، لم يحفظ أب يسوع الإله الأول ما طلب منه الإله الثاني اللذان يشكلان مع الروح المقدس الإله الثالث إلهاً واحداً!
ان الإله الأول لم يحفظ التلاميذ، كما انه لم يستجب ليسوع عندما طلب منه أن يحفظه هو شخصياً عندما أمضى الليلة وهو يدعوه كي تعبر عنه الكأس ولا يصلبه.
فنحن نقرأ أن الأب لم يحفظ التلاميذ من الشك في يسوع وانكاره بعد إلقاء القبض عليه، ولا حفظهم من عدم تصديقهم في قيامته من الأموات، ولا حفظ حياتهم إلى الأبد كما وعدهم يسوع بل ماتوا جميعاً على الرغم من كل الوعود التي ذكرتها سابقاً وغيرها مما هو مكتوب في الاناجيل.
الملاحظة الخامسة وهي على قوله الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك ليتم الكتاب، فهذا القول يتناقض مع قوله السابق انه حفظهم جميعاً من الهلاك، وكيف حفظهم من الهلاك وهم جميعاً قد أنكروه وشكوا فيه وتخلوا عنه، وخاصة بطرس الذي لم يكتف بإنكاره بل لعنه ليثبت انه لا يعرفه، وقد يقول بعضهم ان بطرس قد ندم على فعلته عندما تذكر قول يسوع الذي قال فيه ان بطرس سينكره الليلة قبل أن يصيح الديك.
هذا القول إن صحّ فهو ينطبق على يهوذا الاسخريوطي كما كتب متّى في إنجيله، لانه كتب أن يهوذا ندم على فعلته فما الذي يجعل ندم بطرس الذي قال عنه يسوع انه شيطان يُقبل وندم يهوذا الذي كان عنده صندوق أموال يسوع لا يُقبل؟!
وأخيراً قوله الذي كرره يوحنا عدة مرات لأنهم ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم، ماذا يعني يوحنا بقوله على لسان يسوع أن التلاميذ ليسوا من العالم كما انه هو ليس من العالم؟
ان الكنائس تعتبر أن قول يوحنا على لسان يسوع أنه ليس من هذا العالم دليل على تصريح يسوع بأنه إله ويستشهدون بنص آخر في انجيل يوحنا نفسه:
- فقال لهم أنتم من أسفل أما أنا فمن فوق،
أنتم من هذا العالم وأما أنا فلست من هذا العالم. (يوحنا 8: 23)
فمع أنه في هذا النص يقول عن نفسه أنه ليس من هذا العالم الا أنه يصف تلاميذه أنهم ليسوا من هذا العالم أيضاً، مع أن الجميع يعلم، وخاصة الكنائس، ان التلاميذ ولدوا من اجتماع رجال ونساء ومعروفة آسماء آبائهم وأُمهاتهم، فماذا يعني يوحنا بقوله على لسان يسوع هذا القول؟
ان هذه الفقرة المتكررة تعني أحد أمرين لا ثالث لهما، إمّا أن يسوع يعتبر نفسه كالتلاميذ من الناحية المعنوية، فهم ليسوا من العالم باعتبار اتّباعهم له، وهو ليس من العالم لأنه مرسل برسالة معينة، وأن ولادته من غير أب لا تجعل له ميزة على الناس الا تبليغ الرسالة الموكلة إليه، كما أن التلاميذ مع أنهم ولدوا من اجتماع رجال ونساء الا أن ايمانهم برسالة يسوع تجعلهم ليسوا من العالم وهذا الأمر فيه من القبول العقلي الشيء الكثير.
وإمّا أنه يعتبر أن التلاميذ ليسوا من العالم بحسب قانون الايمان الكنسي كما هو ليس من العالم، وفي هذا وصفهم بأنهم جزء منه وأنهم متحدون معه كما هو متحد مع أبيه وبالتالي نخرج بعدد آخر من الآلهة مع الآلهة الثلاث الأُخرى ينبغي على الكنائس أن تكتبها في قوانين ايمانها!
طلب التلاميذ من يسوع زيادة إيمانهم
وللحقيقة فان التلاميذ كانوا مدركين لقلة ايمانهم وانهم يفعلون ما بوسعهم للايمان، وكانوا يحاولون زيادة ايمانهم الضعيف بشتى الوسائل، خاصة وهم يسمعون يسوع يقول انه لم يُخبرهم بكل شيء، كما في النص التالي:
- ان لي أُموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم،
ولكن لا تستطيعون أن تحتملوها الآن،
وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم الى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به ويُخبركم بأُمور آتية. (يوحنا 16: 12-13)
في هذا النص يقول يسوع ان لي أُموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوها الآن، وهنا أسأل ما هي تلك الأُمور التي أخفاها يسوع عن تلاميذه ولم يُعلنها لأنهم لا يستطيعون أن يحتملوها؟!
واذا كان التلاميذ لا يستطيعون احتمالها من يسوع مباشرة فكيف سيستطيعون احتمالها من غيره؟
واذا كان التلاميذ لا يستطيعون احتمال بعض أُمور يسوع، وهم رسله فكيف سيستطيع اتباع الكنائس الطيبين الذين لم يرسل إليهم يسوع أصلاً، احتمال كل أمور يسوع؟!
وعلى الرغم من هذا النص الذي يقول يسوع فيه انه لم يُعلن كل ما عنده للتلاميذ، الا أن التلاميذ سعوا لزيادة ايمانهم بشتى الطرق وكان من أهمها الطلب من يسوع أن يزيد ايمانهم مباشرة، كما في النص التالي:
فقال الرسل للرب زد ايماننا،
فقال الرب لو كان لكم ايمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذه الجميزة انقلعي وانغرسي في البحر فتطيعكم. (لوقا 17: 5-6)
في هذا النص نقرأ أن التلاميذ طلبوا من يسوع أن يزيد ايمانهم، ولكنه بدلاً من تلبية طلبهم هذا، وهو الذي وعدهم بأنه سيستجيب لكل طلباتهم كما مرّ معنا سابقاً، نجده يقول لهم أنه لو كان ايمانهم مثل حبة خردل لقالوا للجميزة انقلعي وانغرسي في البحر لأطاعتهم، ان هذا لشيء عُجاب!
التلاميذ يعرفون أن ايمانهم أقل من حبة خردل لهذا هم طلبوا منه أن يزيد ايمانهم فيجيبهم بكشف حقيقة قلة ايمانهم بدلاً من زيادته، وكأنه يوبخهم على قلة ايمانهم بدلاً من الاستجابة لطلبهم بزيادة ايمانهم!
وكان من ادراك التلاميذ لقلة ايمانهم وسعيهم لزيادته هو محاولة تعلم الصلاة، كما في النص التالي:
- وإذ كان يصلي في موضع فلما فرغ قال واحد من تلاميذه يا رب علّمنا أن نصلي كما علم يوحنا أيضاً تلاميذه. (لوقا 11: 1) 
في هذا النص نقرأ أن التلاميذ هم من طلب من يسوع أن يُعلمهم الصلاة بدلاً من أن يُبادر يسوع بالطلب من أتباعه الصلاة، لأنها من أهم الأعمال التي تؤدي لزيادة الايمان، الذي يعلم هو ويدرك التلاميذ انه عندهم أقل من حبة خردل.
والأغرب من هذا الطلب هو السبب الذي من أجله طلب التلاميذ تعلم الصلاة وهو تعليم يوحنا المعمدان تلاميذه الصلاة، أي ان يوحنا الذي تقول الكنائس أنه جاء مقدمة ليسوع يُعلم الناس الصلاة في حين أن يسوع لا يُعلم تلاميذه الصلاة حتى طلب منه التلاميذ ذلك.
ولكن القول الذي يُنسي كل ما سبق هو قول النص أن يسوع كان يُصلي، لمن كان يُصلي الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد؟
هل كان يُصلي لنفسه، وماذا يطلب من نفسه؟!
أم ان الآلهة الثلاث الحالة في جسد يسوع لها إلهاً وهي تصلي له كما تفعل كل المخلوقات، وبالتالي ألا يجدر باتباع الكنائس الطيبين ان يُصلوا لإله يسوع الجسد الذي حلت فيه الآلهة الثلاث، بدلاً من الصلاة ليسوع الذي يُصلي لإلهه؟
وأما الصوم فان يسوع لم يأمر تلاميذه به، مع أن الصوم من الأعمال التي تزيد الايمان وهو ما يحتاجه تلاميذ يسوع، حتى أن تلاميذ يوحنا المعمدان والفريسيين استغربوا هذا الموقف من يسوع وتلاميذه كما في النصوص التالية:
- حينئذ أتى إليه تلاميذ يوحنا قائلين لماذا نصوم نحن والفريسيون كثيراً وأما تلاميذك فلا يصومون. (متّى 9: 14)
- وكان تلاميذ يوحنا والفريسيين يصومون فجاءوا وقالوا له لماذا يصوم تلاميذ يوحنا والفريسيين وأما تلاميذك فلا يصومون. (مرقس 2: 18)
- وقالوا له لماذا يصوم تلاميذ يوحنا كثيراً ويقدمون طلبات وكذلك تلاميذ الفريسيين أيضاً وأمّا تلاميذك فيأكلون ويشربون. (لوقا 5: 33)
من هذه النصوص نرى أن تلاميذ يسوع كانوا لا يصومون وهو لم يكن يأمرهم بالصوم مما أدى الى ضعف ايمانهم حتى أن تلاميذ يوحنا والفريسيين استغربوا هذا الأمر!
وقد ذكرت الاناجيل أن يسوع علل ذلك بوجوده مع التلاميذ وقال ان أهل العريس لا ينوحون ما دام العريس معهم، وهذا الكلام غير صحيح، إذ توجد عشرات المواقف يمكن لأهل العريس أن ينوحوا حتى لو كان العريس معهم كأن يموت والد العريس أو أُمه أو قريب لأهل العريس.
كما أنه كان من الواجب عليه أن يطلب من تلاميذ يوحنا عدم الصوم ما دام على الأرض لأن يوحنا ما جاء الا ليُمهد الطريق أمامه كما تقول الأناجيل!
وأما تقديم الصدقات، وهي من الأعمال التي تزيد الايمان،  فلم يكن مشهوراً بين التلاميذ كما في النص الأخير ولم تذكر الأناجيل شيئاً عن تقديم الصدقات سوى أن النسوة اللواتي شفاهنّ يسوع من بعض الأمراض كنّ يُنفقن عليه من أموالهن الخاصة، إلا أن الأناجيل ذكرت تعليم يسوع لكيفية تقديم الصدقات كما في النص التالي:
- احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدّام الناس لكي ينظروكم،
وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السماء،
فمتى صنعت صدقة فلا تصوّت قدّامك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الأزقة لكي يُمجّدوا من الناس، الحقّ أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم،
وأما أنت فمتى صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك،
لكي تكون صدقتك في الخفاء، فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يُجازيك علانية. (متّى 6: 1-4)
في هذا النص نقرأ أن يسوع يُعلم تلاميذه كيفية أداء صدقاتهم، وهو تعليم جميل، وهو نفس ما كان يقوله أنبياء بني اسرائيل عن الكيفية التي تُؤدى بها الصدقات.
قلة إيمان تلاميذ يسوع
قد يستنكر بعض أتباع الكنائس الطيبين قولي ان التلاميذ كانوا قليلي الايمان، ولكنني أُؤكد انني لن أذكر قولاً ليس مكتوباً في الأناجيل، لهذا سأذكر النصوص التي يصف يسوع تلاميذه بقلة الايمان من الأناجيل فقط.
1- ولما دخل السفينة تبعه تلاميذه، وإذا اضطراب عظيم قد حدث في البحر حتى غطّت الأمواج السفينة، وكان هو نائماً،
فتقدم تلاميذه وأيقظوه قائلين يا سيد نجنا فإننا نهلك،
فقال لهم ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان ثم قام وانتهر الرياح والبحر فصار هدوء عظيم. (متّى 8: 23-26)
2- وفي الهزيع الرابع من الليل مضى إليهم يسوع ماشياً على البحر،
فلما أبصره التلاميذ ماشياً على البحر اضطربوا قائلين انه خيال،
ومن الخوف صرخوا،
فللوقت كلمهم يسوع قائلاً تشجعوا، أنا هو، لا تخافوا،
فأجابه بطرس وقال يا سيد إن كنت أنت هو فمرني أن آتي إليك على الماء، فقال تعال،
فنزل بطرس من السفينة ومشى على الماء ليأتي إلى يسوع،
ولكن لما رأى الريح شديدة خاف،
وإذ ابتدأ يغرق صرخ قائلا يا رب نجني،
ففي الحال مدّ يسوع يده وامسك به وقال له،
يا قليل الإيمان لماذا شككت. (متّى 14: 25-31)
3- ولما جاء التلاميذ إلى العَبَر نسوا أن يأخذوا خبزاً،
وقال لهم يسوع انظروا وتحرّزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين،
ففكروا في أنفسهم قائلين إننا لم نأخذ خبزاً،
فعلم يسوع وقال لهم لماذا تفكرون في أنفسكم،
يا قليلي الإيمان،
أنكم لم تأخذوا خبزا،
أحتى ألان لا تفهمون،
ولا تذكرون خمس خبزات الخمسة الآلاف وكم قفة أخذتم. (متّى 16: 5-9)
4- ولما جاءوا إلى الجمع تقدم إليه رجل جاثيا له، وقائلاً يا سيد ارحم ابني فانه يُصرع ويتألم شديداً، ويقع كثيراً في النار وكثيراً في الماء،
وأحضرته إلى تلاميذك فلم يقدروا أن يشفوه،
فأجاب يسوع وقال أيها الجيل غير المؤمن الملتوي،
إلى متى أكون معكم،
إلى متى احتملكم، قدّموه إليّ ههنا،
فانتهره يسوع فخرج منه الشيطان، فشفي الغلام من تلك الساعة،
ثم تقدم التلاميذ إلى يسوع على انفراد وقالوا لماذا لم نقدر نحن أن نُخرجه،
فقال لهم يسوع لعدم إيمانكم، فالحق أقول لكم لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل ولا يكون شيء غير ممكن لديكم. (متّى 17: 14-20)
- وفي اليوم التالي إذ نزلوا من الجبل استقبله جمع كثير،
وإذا رجل من الجمع صرخ قائلاً يا معلم أطلبُ إليك انظر الى ابني فإنه وحيد لي،
وها روح يأخذه فيصرخ بغتة فيصرعه مزبداً وبالجهد يُفارقه مُرضضاً إياه،
وطلبت من تلاميذك أن يخرجوه فلم يقدروا،
فأجاب يسوع وقال أيها الجيل غير المؤمن والملتوي،
إلى متى أكون معكم وأحتملكم، قدّم ابنك الى هنا، وبينما هو آت مزّقه الشيطان وصرعه، فانتهر يسوع الروح النجس وشفى الصبي وسلمه الى أبيه، فبُهت الجميع من عظمة الإله،
وإذ كان الجميع يتعجبون من كل ما فعل يسوع، قال لتلاميذه ضعوا أنتم هذا الكلام في آذانكم،
إن ابن الانسان سوف يُسلم الى أيدي الناس،
وأما هم فلم يفهموا هذا القول،
وكان مُخفىً عنهم لكي لا يفهموه،
وخافوا ان يسألوه عن هذا القول. (لوقا 9: 37-45)
5- فصرفوا الجمع وأخذوه كما كان في السفينة، وكانت معه أيضاً سُفن أُخرى صغيرة،
فحدث نوْء ريح عظيم فكانت الأمواج تضرب الى السفينة حتى صارت تمتلئ،
وكان هو في المؤخر، على وسادة نائماً،
فأيقظوه وقالوا يا معلم أما يهمُّك أننا نهلك،
فقام وانتهر الريح وقال للبحر اسكت، ابكم،
فسكنت الريح وصار هدوء عظيم،
وقال لهم ما بالكم خائفين هكذا،
كيف لا إيمان لكم،
فخافوا خوفاً عظيماً،
وقالوا بعضهم لبعض من هو هذا،
فان الريح أيضاً والبحر يطيعانه. (مرقس 4: 36-41)
6- وفي أحد الايام دخل سفينة هو وتلاميذه فقال لهم لنعبر الى عبر البحيرة فأقلعوا، وفيما هم سائرون نام،
فنزل نوْءٌ ريح في البحيرة وكانوا يمتلئون ماء وصاروا في خطر،
فتقدموا وأيقظوه قائلين يا معلم يا معلم اننا نهلك،
فقام وانتهر الريح وتمّوج الماء فانتهيا وصار هدوء،
ثم قال لهم اين ايمانكم، فخافوا وتعجبوا قائلين فيما بينهم من هو هذا فإنه يأمر الرياح أيضاً والماء فتطيعه. (لوقا 8: 22-25)
7- واخيراً ظهر للأحد عشر وهم متكئون،
ووبخ عدم ايمانهم،
وقساوة قلوبهم،
لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام. (مرقس 16: 14)
أكتفي بهذه النصوص السبعة (والرقم سبعة يمثل الرقم الكامل كما يقول الكثير من رجال الكنيسة) والتي يُصرح فيها يسوع بقلة ايمان التلاميذ والملاحظ فيها هو امتدادها الزمني لما بعد صلب يسوع وقيامته، وكذلك تنوع ظهورها، فقلة ايمانهم ظهرت عند مشاهدتهم للمعجزات، وفي عدم فهمهم لكلامه، وفي عدم قدرتهم على شفاء المرضى، مع أنه وعدهم انهم اذا كانوا مؤمنين به فانهم سيشفون المرضى، وظهرت أخيراً في عدم ايمانهم بقيامته من الأموات، وهو كما تقول الكنائس عنه انه ما جاء الا ليُصلب ويُقتل ويقوم حاملاً خطايا البشرية ومخلصها من خطيئة آدم!
إن قلة إيمان التلاميذ ستكون هي العامل الرئيس في علاقتهم بيسوع وموقفهم منه، سواء موقفهم من تعاليمه وأمثاله وأقواله ومعجزاته، وصفاته الشخصية التي ذكرتها عنه الاناجيل باعتباره المسيح الذي بشرت به أسفار العهد القديم أو صفاته التي كتبتها الكنائس المختلفة في قوانين إيمانها باعتباره الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد.
وفي الصفحات التالية سأستعرض مواقف التلاميذ من كل ما سبق بالتفصيل لنعرف ان كان التلاميذ قد اكتسبوا الصفات التي وهبها لهم يسوع أم بقوا على قلة ايمانهم، كما سأستعرض بعض مواقفهم من بعضهم البعض لنرى ان كانت تدل على التزامهم بوصيته الأخيرة لهم بأن يحبوا بعضهم بعضاً.
موقف التلاميذ من معجزات يسوع
إن أعظم الصفات التي اكتسبها التلاميذ والتي لا تحتاج الى جهد شخصي هي مشاهدة معجزات يسوع التي كان يعملها، والمعجزات من أهم الوسائل التي تساعد على زيادة الايمان عند من يشاهدها وهي كذلك من أهم الأعمال التي تُظهر صدق من يقوم بها فيما يقوله من عقائد وتعاليم وأقوال حتى أن يسوع نفسه استشهد بها وطلب من تلاميذه الايمان به لأن تلك المعجزات تشهد له كما في النص التالي:
- صدقوني أني في الأب والأب فيّ،
والا فصدقوني لسبب الأعمال نفسها،
الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو ويعمل أعظم منها، لأني ماض الى أبي،
ومهما سألتم شيئاً باسمي فاني أفعله. (يوحنا 14: 8-14)
فهل كانت تلك المعجزات عاملاً في زيادة إيمان التلاميذ أم ان إيمان التلاميذ ظل قليلاً على الرغم من المعجزات التي كان يسوع يقوم بعملها؟
كتب يوحنا في انجيله (يوحنا 2: 1-11) أن أول معجزات يسوع التي عملها هي تحويل الماء الى خمر في عرس كان في قانا الجليل وهنا لن أكتبها بل أكتفي بتعقيب يوحنا عليها فيقول:
1- هذه بداية الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل وأظهر مجده،
فآمن به تلاميذه. (يوحنا 2: 11)
في هذا النص نقرأ أن التلاميذ آمنوا بيسوع لأنه حوّل الماء الى خمر وهي معجزة تستحق الايمان بمن يقوم بها اذ انه ليس في مقدور الانسان العادي أن يحول الماء الى خمر جيد.
وأما لوقا فقد كتب، بعد أن شفى يسوع حماة بطرس من الحمّى، وشفاء بعض المرضى وإخراج بعض الشياطين، أن يسوع أمر بطرس وأندراوس ويوحنا ويعقوب بعد أن ركب معهم السفينة بإنزال شباكهم فاصطادوا سمكاً كثيراً، فكانت ردة فعل التلاميذ مفاجئة اذ كتب قائلاً:
2- فلما رأى سمعان بطرس ذلك خرّ عند ركبتي يسوع قائلاً اخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطئ،
إذ اعترته وجميع الذين معه دهشة على صيد السمك الذي أخذوه،
وكذلك ايضا يعقوب ويوحنا ابنا زبدي اللذان كانا شريكي سمعان فقال يسوع لسمعان لا تخف من الآن تكون تصطاد الناس. (لوقا 5: 8-10)
المهم في هذه المعجزة هو ردة فعل التلاميذ على مشاهدتهم لها، فهم بدلاً من الايمان بيسوع وشكره على هذا الصيد الكثير طلبوا منه مغادرة السفينة!
فهل كانت ردة فعل بطرس والذين معه من المعجزة بسبب حداثتهم بمعرفة يسوع وصفاته وأن ايمانهم سيزيد مع الأيام وكثرة مخالطتهم له؟
لنعطي التلاميذ فرصة، أو فرص، لزيادة ايمانهم حتى تزول دهشتهم وهم يشاهدون يسوع يعمل معجزاته وتكون عاملاً لزيادة ايمانهم، ولنقرأ النص التالي:
3- ولما جاءوا إلى الجمع تقدم إليه رجل جاثياً له، وقائلاً يا سيد ارحم ابني فإنه يُصرع ويتألم شديداً، ويقع كثيراً في النار وكثيراً في الماء،
وأحضرته إلى تلاميذك فلم يقدروا أن يشفوه،
فأجاب يسوع وقال أيها الجيل غير المؤمن الملتوي،
إلى متى أكون معكم،
إلى متى احتملكم،
قدموه إليّ ههنا، فانتهره يسوع فخرج منه الشيطان، فشُفي الغلام من تلك الساعة،
ثم تقدم التلاميذ إلى يسوع على انفراد وقالوا لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه،
فقال لهم يسوع  لعدم إيمانكم،
فالحق أقول لكم لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم،
وأما هذا الجنس فلا يخرج إلا بالصلاة والصوم. (متى 17: 14-21) و(مرقس 9: 14-29) و(لوقا 9: 37-42)
في هذا النص لم يستطع التلاميذ شفاء ذلك الانسان، مع أن يسوع أعطاهم القدرة على شفاء المرضى واخراج الشياطين، ولما قام هو بإخراج الشيطان تساءل التلاميذ عن سبب عدم قدرتهم على اخراج الشيطان، فقال لهم يسوع لعدم إيمانكم، أي إن التلاميذ غير مؤمنين على الرغم مما كتبه يوحنا عنهم في المعجزة الأُولى أنهم آمنوا!
4- ولما دخل السفينة تبعه تلاميذه، وإذا اضطراب عظيم قد حدث في البحر حتى غطت الأمواج السفينة، وكان هو نائماً،
فتقدم تلاميذه وأيقظوه قائلين يا سيد نجّنا فإننا نهلك،
فقال لهم ما بالكم خائفين يا قليلي الايمان،
ثم قام وانتهر الرياح والبحر فصار هدوء عظيم،
فتعجب الناس قائلين أي انسان هذا فان الرياح والبحر جميعا تطيعه. (متى 8: 23-27)
وهنا نرى أن التلاميذ خائفين من الغرق، مع أن متّى قال ان يسوع هو عمانوئيل الذي تفسيره الإله معنا! ومع هذا كانوا خائفين حتى أن يسوع استهجن خوفهم فقال لهم ما بالكم خائفين يا قليلي الايمان! ولكن الأغرب من خوفهم هو قولهم بعد مشاهدة يسوع وهو ينتهر الرياح والبحر فتطيعه أي انسان هذا مع التعجب!
وهو ما يشير الى أن التلاميذ لم يكونوا عارفين يسوع أصلاً فضلاً عن الايمان به.
5- فصرفوا الجمع وأخذوه كما كان في السفينة، وكانت معه أيضاً سفن أُخرى صغيرة،
فحدث نوْء ريح عظيم فكانت الأمواج تضرب الى السفينة حتى صارت تمتلئ،
وكان هو في المؤخر، على وسادة نائماً،
فأيقظوه وقالوا يا معلم أما يهمُّك أننا نهلك،
فقام وانتهر الريح وقال للبحر اسكت، ابكم،
فسكنت الريح وصار هدوء عظيم،
وقال لهم ما بالكم خائفين هكذا،
كيف لا إيمان لكم،
فخافوا خوفاً عظيماً،
وقالوا بعضهم لبعض من هو هذا،
فإن الريح أيضاً والبحر يطيعانه. (مرقس 4: 36-41)
في هذا النص ولعله ذات القصة السابقة الا أن مرقس كتب فقرات تُضيء على قلة ايمان التلاميذ بيسوع لم يكتبها متّى في قصته، فمرقس كتب ان يسوع كان نائماً على وسادة وأما متّى فكتب أنه كان نائماً فقط!
وأنه عندما أيقظه التلاميذ قال لهم ما بالكم خائفين وتعجب منهم إذ كان يظن انهم مؤمنون به والذي يؤمن به لا داعي لأن يخاف لأنه برفقة الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد كما تقول قوانين الايمان للكنائس كلها، وهذا القول والفعل ليسوع جعل التلاميذ يتساءلون فيما بينهم من هو هذا؟!
وتتكرر القصة في انجيل لوقا ولكن بسؤال جديد ليسوع وتساؤل التلاميذ ذاته عن يسوع من هو هذا، كما في النص التالي:
6- وفي احد الايام دخل سفينة هو وتلاميذه،
فقال لهم لنعبر الى عبر البحيرة ، فأقلعوا وفيما هم سائرون نام،
فنزل نوء ريح في البحيرة،
وكانوا يمتلئون ماء وصاروا في خطر،
فتقدموا وايقظوه قائلين يا معلم يا معلم اننا نهلك،
فقام وانتهر الريح وتموّج الماء فانتهيا وصار هدوء،
ثم قال لهم أين ايمانكم،
فخافوا وتعجبوا قائلين فيما بينهم من هو هذا، فإنه يأمر الرياح أيضاً والماء فتطيعه. (لوقا 8: 22-25)
من النصوص السابقة نخرج بثلاثة مواقف ليسوع من التلاميذ، الأول هو إعلانه انهم قليلي الايمان فقال لهم ما بالكم خائفين يا قليلي الايمان.
والثاني هو استغرابه من عدم ايمانهم كيف لا إيمان لكم.
والثالث هو تساؤله عن ايمانهم أين هو، على الرغم من مشاهدتهم كل معجزاته ثم قال لهم أين إيمانكم.
كما نحصل على ثلاثة مواقف للتلاميذ ليس من بينها واحد يظهر إيمانهم بيسوع سواء باعتباره المسيح الذي كتبت عنه أسفار العهد القديم أو باعتباره الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد كما تقول قوانين الايمان للكنائس المختلفة، ففي النص الأول يقول التلاميذ أي انسان هذا، متعجبين من قدرته على تسكين الرياح والبحر وخافوا خوفاً عظيماً، ولو كانوا مؤمنين لما خافوا ولما تعجبوا ولما تساءلوا فتعجب الناس قائلين أي انسان هذا فإن الرياح والبحر جميعا تطيعه.
وفي النص الثاني فخافوا خوفا عظيماً، وقالوا بعضهم لبعض من هو هذا، وهو كذلك لا يشير الى ايمانهم!
وفي النص الثالث كتب لوقا مجمل موقف التلاميذ فقال فخافوا وتعجبوا قائلين فيما بينهم من هو هذا!
7- وفي الهزيع الرابع من الليل مضى إليهم يسوع ماشيا على البحر، 
فلما أبصره التلاميذ ماشياً على البحر اضطربوا قائلين انه خيال، ومن الخوف صرخوا،
فللوقت كلمهم يسوع قائلاً تشجّعوا، أنا هو، لا تخافوا،
فأجابه بطرس وقال يا سيد إن كنت أنت هو فمُرني أن آتي اليك على الماء،
فقال تعال،
فنزل بطرس من السفينة ومشى على الماء ليأتي الى يسوع،
ولكن لما رأى الريح شديدة خاف، وإذ ابتدأ يغرق صرخ قائلاً يا رب نجني، ففي الحال مد يسوع يده وأمسك به،
وقال له يا قليل الايمان لماذا شككت،
ولما دخلا السفينة سكنت الريح. (متّى 14: 25-32)
ومرقس ذكر القصة قائلاً:
فلما رأوه ماشياً على البحر ظنوه خيالاً فصرخوا،
لأن الجميع رأوه واضطربوا، فللوقت كلمهم وقال لهم ثقوا أنا هو لا تخافوا،
فصعد إليهم الى السفينة فسكنت الريح فبهتوا وتعجبوا في أنفسهم جداً الى الغاية،
لأنهم لم يفهموا بالأرغفة، إذ كانت قلوبهم غليظة. (مرقس 6: 49: 52)
وفي انجيل يوحنا مكتوب:
- فلما كانوا قد جدّفوا خمس وعشرين غلوة أو ثلاثين غلوة نظروا يسوع ماشياً على البحر مقترباً من السفينة فخافوا،
فقال لهم أنا هو لا تخافوا،
فرضوا ان يقبلوه في السفينة وللوقت صارت السفينة الى الارض التي كانوا ذاهبين اليها. (يوحنا 6: 19-21)
هذه النصوص، سواء كانت قصة واحدة أم ثلاث قصص، تشير الى أن التلاميذ لم يكونوا مؤمنين بيسوع ولا بصفاته، وهذا الأمر واضح في قول يسوع لبطرس وقال له يا قليل الايمان لماذا شككت، كما في قول كتبة الأناجيل فلما أبصره التلاميذ ماشياً على البحر اضطربوا قائلين انه خيال، ومن الخوف صرخوا، لأن الجميع رأوه واضطربوا، فصعد إليهم الى السفينة فسكنت الريح فبهتوا وتعجبوا في أنفسهم جداً إلى الغاية. نظروا يسوع ماشياً على البحر مقتربا من السفينة فخافوا، وأخيراً قول مرقس عن التلاميذ لأنهم لم يفهموا بالأرغفة إذ كانت قلوبهم غليظة، فهم بعد أكلهم وأكل آلاف الناس من الطعام القليل لم يفهموا صفات يسوع لأن قلوبهم كانت غليظة، أي ان المعجزات لم تكن تفيد في زيادة ايمانهم بل كانت تسبب لهم الخوف والاضطراب والشك!
والشيء الذي يثير الشك والاضطراب والتعجب والبهوت والخوف في وجود هؤلاء التلاميذ حقيقة هو استمرار قسوة قلوبهم وغلظها حتى الى ما بعد قيامة يسوع من القبر ونفخه تلك النفخة التي أعطاهم بموجبها الروح المقدس، مع أنه كان من المفترض أن يكونوا قد أخذوه عندما تعمّدوا وعندما كانوا هم يعطونه لغيرهم عندما كانوا يُعمّدوا في ساليم في عين نون لأنه يوجد مياه كثيرة!
8- وامرأة بنزف دم منذ اثنتي عشرة سنة، وقد تألمت كثيراً من أطباء كثيرين، وأنفقت كل ما عندها ولم تنتفع شيئاً بل صارت إلى حال أردأ، لما سمعت بيسوع جاءت في الجمع من وراء ومسّت ثوبه، لأنها قالت ان مسست ولو ثيابه شفيت،
فللوقت جفّ دمها وعلمت في جسمها أنها قد برئت من الداء،
فللوقت التفت يسوع بين الجمع شاعراً في نفسه بالقوة التي خرجت منه، وقال من لمس ثيابي،
فقال له تلاميذه أنت تنظر الجمع يزحمك وتقول من لمسني،
وكان ينظر حوله ليرى التي فعلت هذا، واما المرأة فجاءت وهي خائفة ومرتعدة عالمة بما حصل لها فخرّت وقالت له الحق كله،
فقال لها يا ابنة إيمانك قد شفاك اذهبي بسلام وكوني صحيحة من دائك. (مرقس 5: 25-34)
- وامرأة بنزف دم منذ اثنتي عشرة سنة، وقد أنفقت كل معيشتها للأطباء ولم تقدر أن تشفى من أحد، جاءت من ورائه ولمست هدب ثوبه، ففي الحال وقف نزف دمها،
فقال يسوع من الذي لمسني،
وإذ كان الجميع ينكرون،
قال بطرس والذين معه يا معلم الجموع يضيقون عليك ويزحمونك وتقول من الذي لمسني،
فقال يسوع قد لمسني واحد لأني علمت أن قوة قد خرجت مني،
فلما رأت المرأة أنها لم تختف جاءت مرتعدة وخرّت له وأخبرته قدام جميع الشعب لأي سبب لمسته وكيف برئت في الحال،
فقال لها ثقي يا ابنة إيمانك قد شفاك، اذهبي بسلام. (لوقا 8: 43-48)
كنت قد ناقشت هذه المعجزة في كتاب يسوع بن يوسف النجار.. أسئلة حائرة، وما يهم هنا هو تعامل التلاميذ مع يسوع وعمّا اذا كان هذا التعامل يدل على أنهم مؤمنون بصفاته سواء المذكورة في الاناجيل أو في قوانين ايمان الكنائس المختلفة، ففي النص الأول كتب مرقس فقال له تلاميذه أنت تنظر الجمع يزحمك وتقول من لمسني، وفي النص الثاني كتب لوقا قال بطرس والذين معه يا معلم الجموع يضيقون عليك ويزحمونك وتقول من الذي لمسني، والمتأمل في النصين بعيداً عن الخوف والاضطراب والتعجب والشك أيضاً يرى بكل وضوح أن إجابة التلاميذ لا تدل على أنهم يتعاملون مع يسوع كإله من الآلهة الثلاث الذين هم واحد، وإلا فما معنى أن يقول التلاميذ ليسوع ومعهم بطرس أنت تنظر الجمع يزحمونك وتقول من لمسني سوى أن التلاميذ غير راضين عن سؤال يسوع ويعتبرونه غير منطقي!
ولو كانوا يؤمنون به كإله من الآلهة الثلاث الذين هم واحد لما تجرؤوا على هذا القول، ونحن نجد أن أتباع الكنائس المختلفة، منذ مجمع نيقية الذي اجتمع سنة 325 بعد الميلاد والى الآن، قد كتبوا عشرات الآلاف من الكتب في سبيل الدفاع عن عدم وجود تناقض بين الأناجيل بكل الوسائل ليثبتوا أن يسوع هو الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد، وليثبتوا أيضاً أن كل الأقوال التي في الأناجيل صحيحة وأن يسوع لم يقل قولاً غير منطقي بما فيها هذين النصين، في حين نجد أن التلاميذ يستنكرون عليه هذا القول ويقولون له فقال له تلاميذه أنت تنظر الجمع يزحمك وتقول من لمسني، قال بطرس والذين معه يا معلم الجموع يضيقون عليك ويزحمونك وتقول من الذي لمسني!!!
9 - وفي الصبح إذ كان راجعاً الى المدينة جاع،
فنظر شجرة تين على الطريق،
وجاء إليها فلم يجد فيها شيئاً إلا ورقاً فقط،
فقال لها لا يكن منك ثمر بعد الى الأبد، فيبست التينة في الحال،
فلما رأى التلاميذ ذلك تعجبوا قائلين كيف يبست التينة في الحال،
فأجاب يسوع وقال لهم الحق أقول لكم إن كان لكم إيمان ولا تشكون فلا تفعلون أمر التينة فقط بل إن قلتم لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر فيكون، وكل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه. (متّى 21: 18-22)
- وفي الغد لما خرجوا من بيت عنيا جاع،
فنظر شجرة تين من بعيد عليها ورق، وجاء لعله يجد فيها شيئاً،
فلما جاء إليها لم يجد شيئاً إلا ورقاً، لأنه لم يكن وقت التين،
فأجاب يسوع وقال لها لا يأكل أحد منك ثمراً بعد الى الأبد،
وكان تلاميذه يسمعون. (مرقس 11: 12-14)
- وفي الصباح إذ كانوا مجتازين رأوا التينة قد يبست من الأصول،
فتذكر بطرس وقال له يا سيدي انظر التينة التي لعنتها قد يبست،
فأجاب يسوع وقال لهم ليكن لكم إيمان بالإله،
لأني الحق أقول لكم إن من قال لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر ولا يشك في قلبه بل يؤمن ان ما يقوله فمهما قال يكون له. (مرقس 11: 20-23)
في الحقيقة إنني في هذا المقام لا أرغب في الحديث عن الاختلافات الظاهرة بين النصين فهو من جهة لا يقنع الكنائس، فهي تؤمن بما هو أشد من كل هذه الاختلافات، ومن جهة أخرى فأنا أتحدث عن موقف التلاميذ من معجزات يسوع الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد بحسب جميع قوانين الإيمان للكنائس المختلفة.
فلو قلنا لهم كيف يجوع يسوع الإله الثاني، أو الآلهة الثلاث باعتبار الوحدة بينهم، لقالوا ان الذي جاع ليس هو الإله الثاني أو الآلهة الثلاثة وانما الجسد البشري الذي يحوي هؤلاء الثلاثة أو أحدها!
واذا قلنا انه يوجد فرق في موضع الشجرة فمتّى يقول انها كانت على الطريق ومرقس يقول انه نظر شجرة من بعيد.
لقالوا ان الشجرة كانت على الطريق وان متّى كتب القصة منذ لحظة وصول يسوع إليها ومرقس كتب ويسوع يمشي في الطريق.
ولو قلنا إن مرقس كتب وجاء لعله يجد فيها شيئاً، فلما جاء إليها لم يجد شيئاً إلا ورقاً، لأنه لم يكن وقت التين، وكلمة لعلّ تفيد الرجاء والظن، ويفترض بالآلهة الثلاث أو الإله الثاني أن يعلموا أو يعلم الغيب وبالتالي يعلموا أو يعلم انه لا يوجد ثمر في التينة، أو على الأقل يذهب الإله الثالث من الآلهة الثلاث فيرى ان كان في التينة ثمر أم لا ثم يأتي ويُخبر الإله الثاني، وخاصة أن مرقس كتب ان ذلك الوقت لم يكن وقت التين.
لقالت الكنائس إن السبب في القول بعدم علم يسوع الغيب هو إظهار هذه المعجزة!
ولو قلنا انه يوجد اختلاف في وقت تعجب التلاميذ لتيبّس الشجرة، فمتّى يقول ان التلاميذ تعجبوا عند حدوث المعجزة، ومرقس يقول ان التلاميذ في صباح اليوم التالي رأوا التينة قد يبست من أُصولها فتذكر بطرس وقال له يا سيدي انظر التينة التي لعنتها قد يبست.
لقالت الكنائس المختلفة لعلّ بطرس لم يكن معهم في اليوم السابق!
ولكن لا الكنائس ولا الاناجيل ولا كل الرسائل التي كتبها تلاميذ يسوع تستطيع أن تخبرنا قصة واحدة عن تحقيق الوعد الذي أطلقه يسوع في هذه القصة كما كتب متّى على لسان يسوع بقوله الحق أقول لكم ان كان لكم ايمان ولا تشكون فلا تفعلون أمر التينة فقط بل ان قلتم لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر فيكون، ولا بما كتب مرقس إذ قال فأجاب يسوع وقال لهم ليكن لكم ايمان بالإله،
لأني الحق أقول لكم ان من قال لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر ولا يشك في قلبه بل يؤمن ان ما يقوله فمهما قال يكون له.
فهل عدم قدرة تلاميذ يسوع على نقل الجبال من أماكنها وطرحها في البحار والمحيطات يدل على عدم إيمانهم؟
أو ان عدم نقل التلاميذ للجبال من أماكنها وطرحها في البحار يدل على ان هذا الوعد وهذه القصة ليست من وحي السماء؟
أكتفي بهذه النصوص التي تظهر موقف التلاميذ من معجزات يسوع والتي كما تبين لنا أنهم لم يكونوا يستفيدون منها في زيادة إيمانهم به بل ما زادتهم إلا شكاً وحيرة وخوفاً واضطراباً وبهوتاً وتعجباً!
وأنتقل لنقرأ موقف التلاميذ من الأمثال التي كان يقولها يسوع.
موقف التلاميذ من أمثال يسوع
تعتبر الكنائس أن من أهم صفات يسوع هي التكلم بالأمثال وقد كنت أفردت فصلاً في كتاب يسوع ابن يوسف النجار اسئلة حائرة ناقشت فيه كل الأمثال التي ذكرتها الأناجيل عنه وهي لا تتجاوز الخمسين مثلاً، مع ملاحظة أن العهد القديم يذكر أن سليمان قال ثلاثة آلاف مثل وان لم تكتب كلها!
ويتبين لقارئ الأناجيل ان الإكثار من الأمثال جاء لسببين الأول وهو تطبيقاً لنص في العهد القديم قال متّى أنه يتحدث عن يسوع كما في النص التالي:
- هذا كله كلم به يسوع الجموع بأمثال،
وبدون مثل لم يكن يُكلمهم لكي يتم ما قيل بالنبي القائل سأفتح بمثال فمي وانطق بمكتومات منذ تأسيس العالم. (متّى 13: 34-35)
ومن يقرأ نص العهد القديم يعلم انه لا يقصد يسوع ولا يتحدث عنه، كما بينت ذلك في كتاب مصادر الأناجيل، ولكن يبقى السؤال عن مضمون النص قائماً، وهو ما هي المكتومات التي نطق بها يسوع منذ تأسيس العالم ونحن نراه وهو يريد أن يتحدث عمّا سيحدث في آخر الزمان يستشهد بما كتبه دانيال عن رجسة الخراب؟!
والسبب الثاني لإكثار يسوع من الأمثال وهو منع اليهود من الإيمان به! كما في النص التالي:
- فتقدم التلاميذ وقالوا له لماذا تكلمهم بأمثال،
فأجاب وقال لهم لأنه قد أُعطي لكم أن تعرفوا أسرار مملكة السماء،
وأما لأولئك فلم يُعط، فإن من له سيُعطى ويُزاد،
وأما من ليس له فالذي عنده سيُؤخذ منه،
من أجل هذا أُكلمهم بأمثال،
لأنهم مُبصرين لا يُبصرون، وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون.
(متّى 13: 10-13) و(مرقس 4: 10-20) و(لوقا 8: 9-15)
وفي لوقا ومن ليس له فالذي يظنه له يؤخذ منه، وهذا التبرير من قبل يسوع كما كتب متّى ومرقس ولوقا من أكثر الأقوال غرابة التي يمكن للإنسان أن يسمعها من صاحب دعوة، فجميع الدعاة سواء كانوا أنبياء أو فلاسفة أو سياسيين أو اجتماعيين يبذلون كل ما في وسعهم ليشرحوا للناس الوحي أو نظرياتهم حتى يؤمنوا بها، إلا يسوع كما كتبت الأناجيل فانه كان حريصاً على عدم توضيح دعوته للناس حتى كما يقول أن الذي معه شيئ من الحق مما أخذه من الأنبياء السابقين فإنه سيُؤخذ منه!
وهذا الأمر على غرابته ليس هو المهم هنا ولكن المهم هو موقف التلاميذ من الأمثال التي كان يقولها يسوع، فكما هو ظاهر من النصوص السابقة أن يسوع يقول لتلاميذه انه أُعطي لهم معرفة أسرار مملكة السماء ولهذا فهو يُكلم غيرهم بالأمثال مما يعني انه لا يُكلمهم بالأمثال وان لديهم القدرة على فهم ما يتكلم به مباشرة ودون الحاجة لتفسير معاني أقواله!
فهل قول يسوع كان صحيحاً أم إن تلاميذه لم يكونوا يفهمون الأمثال التي كان يقولها وأن معرفة أسرار مملكة السماء لم تعط لهم، وأنهم باعتبارهم يهوداً كانوا داخلين ضمن النص الذي قال فيه عن اليهود من أجل هذا أُكلمهم بأمثال، لأنهم مبصرين لا يبصرون، وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون؟!
لنقرأ النصوص التالية:
- ونسوا أن يأخذوا خبزاً ولم يكن معهم في السفينة إلا رغيف واحد،
وأوصاهم قائلاً انظروا وتحرّزوا من خمير الفريسيين وخمير هيرودس،
ففكروا قائلين بعضهم لبعض ليس عندنا خبز،
فعلم يسوع وقال لهم لماذا تفكرون أن ليس عندكم خبز،
ألا تشعرون بعد ولا تفهمون،
أحتى الآن قلوبكم غليظة،
ألكم أعين ولا تبصرون،
ولكم أذان ولا تسمعون ولا تذكرون،
حين كسّرت الأرغفة الخمسة للخمسة الآلاف كم قفة مملوءة كِسَراً رفعتم، قالوا له اثنتي عشرة، وحين السبعة للأربعة الآلاف كم سلّ كِسَر مملوءاً رفعتم، قالوا سبعة،
فقال لهم كيف لا تفهمون. (مرقس 8: 14-21)
كما نقرأ في هذا النص فإن التلاميذ لم يفهموا قول يسوع عندما حذرهم من تعاليم الفريسيين وأتباع هيرودس عندما قاله لهم بمثل وشبّه تعاليم هؤلاء بالخميرة!
كما نلاحظ أنه وصفهم بذات الأوصاف التي وصف بها اليهود سابقاً.
- ولما جاء تلاميذه إلى العَبَر نسوا أن يأخذوا خبزاً،
وقال لهم يسوع انظروا وتحرزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين،
ففكروا في أنفسهم قائلين إننا لم نأخذ خبزاً،
فعلم يسوع وقال لهم لماذا تفكرون في أنفسكم يا قليلي الأيمان أنكم لم تأخذوا خبزاً،
أحتى الآن لا تفهمون ولا تذكرون خمس خبزات الخمسة الآلاف وكم قفة أخذتم،
ولا سبع خبزات الأربعة الآلاف وكم سلاً أخذتم،
كيف لا تفهمون أني ليس عن الخبز قلت لكم أن تتحرزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين،
حينئذ فهموا أنه لم يقل أن يتحرّزوا من خمير الخبز بل من تعليم الفريسيين والصدوقيين. (متّى 16: 5-12)
في هذا النص، وقد يكون ذات القصة في النص السابق، نلاحظ ان يسوع وصف تلاميذه بقلة الايمان!
وقلة الايمان لا تدل على أن التلاميذ أُعطوا معرفة أسرار مملكة السماء أو على الأقل هم لم يقبلوا معرفة أسرار مملكة السماء التي أعطاهم إياها يسوع!
كما نلاحظ أن هذه القصة حدثت بعد قيام يسوع بإطعام آلاف الناس من طعام قليل مما يؤكد كما قال يسوع عنهم أنهم قليلو الايمان وأنهم لا يفهمون!
- فقال يسوع الحق أقول لكم إنه يعسر أن يدخل غني إلى مملكة السماء، وأقول لكم إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى مملكة الإله،
فلما سمع تلاميذه بهتوا جداً قائلين إذن من يستطيع أن يخلص. (متّى 19: 23-25)
- فنظر يسوع حوله وقال لتلاميذه ما أعسر دخول ذوي الأموال إلى مملكة الاله،
فتحيّر التلاميذ من كلامه،
فأجاب يسوع أيضا وقال لهم يا بَنيّ ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى مملكة الإله،
مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى مملكة الإله،
فبهتوا إلى الغاية،
قائلين بعضهم لبعض فمن يستطيع أن يخلص. (مرقس 10: 23-26) و(لوقا 18: 24-26)
في هذا المثل نرى أن التلاميذ بُهتوا جداً وتحيّروا من كلامه، وان كان هذا لا يدل على عدم فهمهم للمثل الا انه يشير الى موقفهم من كلامه وعدم ايمانهم به سواء ما قاله مباشرة أو بمثل.
- ثم دعا الجمع وقال لهم اسمعوا وافهموا،
ليس ما يدخل الفم يُنجس الإنسان بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان، حينئذ تقدم تلاميذه وقالوا له أتعلم أن الفريسيين لما سمعوا القول نفروا،
فأجاب وقال كل غرس لم يغرسه أبي السماوي يُقلع، اتركوهم هم عميان قادة عميان، وإن كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة،
فأجاب بطرس وقال له فسر لنا هذا المثل،
فقال لهم يسوع هل أنتم أيضا حتى الآن غير فاهمين،
ألا تفهمون بعد أن كل ما يدخل الفم يمضي إلى الجوف ويندفع إلى المخرج، وأما ما يخرج من الفم فمن القلب يصدر، وذاك يُنجس الإنسان، لأن من القلب تخرج أفكار شريرة قتل زنى فسق سرقة شهادة زور تجديف، هذه هي التي تنجس الإنسان، وأما الأكل بأيد غير مغسولة فلا يُنجس الإنسان. (متّى 15: 10-20)
في هذا النص يؤكد يسوع أن تلاميذه لا يفهمون ما يقوله لهم مما يؤكد عدم معرفتهم بأسرار مملكة السماء!
وعندما قال لهم مثل المزارع الذي سقط منه الحب فجاءت الطيور فأكلته قال له التلاميذ:
- ولما كان وحده سأله الذين حوله مع ألاثني عشر عن المثل،
فقال لهم قد أُعطي لكم أن تعرفوا سرّ مملكة الإله،
وأما الذين هم من الخارج فبالأمثال يكون لهم كل شيء، لكي يُبصروا مُبصرين ولا ينظروا ويسمعوا سامعين ولا يفهموا لئلا يرجعوا فتغفر لهم خطاياهم،
ثم قال لهم أما تعلمون هذا المثل،
فكيف تعلمون جميع الأمثال. (مرقس 4: 10-13)
في هذا النص يحاول يسوع أن يقول لتلاميذه أنهم أُعطوا معرفة سرّ مملكة الإله، ولكن هيهات هيهات!
مما أضطره لمصارحتهم بالحقيقة قائلاً أنهم اذا كانوا لا يعلمون هذا المثل فكيف يعلمون جميع الأمثال، فإعطاء المعرفة شيء وقبولها شيء آخر!
ولكن مرقس يكتب انه على الرغم من إعطاء التلاميذ معرفة أسرار مملكة السماء وبالتالي معرفة الأمثال التي يقولها، كان يفسر لهم تلك الأمثال كما في النص التالي:
- وبأمثال كثيرة مثل هذه كان يُكلمهم حسبما كانوا يستطيعون أن يسمعوا، وبدون مثل لم يكن يكلمهم وأما على انفراد فكان يُفسر لتلاميذه كل شيء. (مرقس 4: 33-34)
ولكن على الرغم من تفسير يسوع للأمثال التي كان يقولها للتلاميذ هل آمن التلاميذ بأقوال يسوع أو بأمثاله؟
قد كلمتكم بهذا بأمثال ولكن تأتي ساعة حين لا أُكلمكم أيضا بأمثال بل أُخبركم عن الأب علانية،
في ذلك اليوم تطلبون باسمي ولست أقول لكم إني أنا أسأل الأب من أجلكم، لأن الأب نفسه يُحبكم لأنكم قد أحببتموني وآمنتم أني من عند الإله خرجت، خرجت من عند الأب وقد أتيت الى العالم وأيضاً أترك العالم وأذهب الى الأب،
قال له تلاميذه هوذا الآن تتكلم علانية ولست تقول مثلاً واحداً،
الآن نعلم انك عالم بكل شيء ولست تحتاج أن يسألك احد،
لهذا نؤمن الآن أنك من الإله خرجت،
أجابهم يسوع آلآن تؤمنون،
هوذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته،
وتتركوني وحدي وأنا لست وحدي لأن الأب معي. (يوحنا 16: 25-32)
هذا النص كنت قد ناقشت ما فيه سابقاً ولكن ما يهم هنا هو قول التلاميذ ليسوع أنهم يعلمون أنه عالم بكل شيء وأنهم الآن يؤمنون بأنه خرج من الإله، وأنه يتكلم علانية وليس بأمثال، مع ان من يقرأ النص كاملاً يجد انهم لم يفهموا ما كان يقوله قبل لحظات، كما في النص التالي:
- فقال قوم من تلاميذه بعضهم لبعض ما هو هذا الذي يقوله لنا بعد قليل لا تبصرونني ثم بعد قليل أيضاً ترونني ولأني ذاهب الى الأب،
فقالوا ما هو هذا القليل الذي يقول عنه،
لسنا نعلم بماذا يتكلم. (يوحنا 16: 17-18)
كما أن النص لا يذكر وكذلك الاناجيل الاربعة أي قول قاله يسوع للتلاميذ سواء علانية أو بمثل عن الأب، لأنه بعد قوله هذا يُلقى القبض عليه ومن ثم تجري محاكمته ويُعلق على الصليب.
ولكن على الرغم من هذه الملاحظات الا اننا نجد ان التلاميذ قالوا انهم يؤمنون بيسوع وأنه يعلم كل شيء، فماذا كانت ردة فعل يسوع على قول التلاميذ انهم آمنوا به وانه يعلم كل شيء؟
كما يُخبرنا النص فإن يسوع لم يُصدق قول التلاميذ من أنهم يؤمنون بانه خرج من الإله وانه يعلم كل شيء، أجابهم يسوع آلآن تؤمنون، هو ذا تأتي ساعة وقد أتت ألان تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته، وتتركوني وحدي.
أكتفي بقول يسوع للتلاميذ لمعرفة مدى ايمان التلاميذ بيسوع وبأمثاله وأنتقل للحديث عن موقفهم من أقواله وتعاليمه لعلهم كانوا مؤمنين بها أكثر من ايمانهم بأمثاله لأن الأمثال صعب عليهم فهمها والإيمان بها حتى لو أعطاهم يسوع معرفة أسرار مملكة السماء.
موقف التلاميذ من أقوال وتعاليم يسوع
كما هو ظاهر في الصفات التي وهبها يسوع للتلاميذ والتي ذكرتها سابقاً أن معظم تلك الصفات كانت مشروطة بشروط لا بد من توافرها في الإنسان ليحصل عليها، ومن أهمها الالتزام بوصاياه وحفظ كلامه وحبهم له وحبهم لبعضهم البعض، وللتذكير بها سأستعرض بعض تلك النصوص ثم نتحدث عن موقف التلاميذ من تعاليمه وأقواله:
- إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي وأنا أطلب من الأب فيُعطيكم مُعزياً آخر ليمكث معكم الى الأبد. (يوحنا 14: 15)
في هذا النص يربط يسوع حقيقة محبته بحفظ وصاياه، وأنه سيطلب من أبيه أن يُعطي من يُحبه ويحفظ وصاياه معزيّاً يمكث معهم الى الأبد.
- لا أترككم يتامى إني آتي إليكم،
بعد قليل لا يراني العالم أيضاً وأما أنتم فترونني،
إني أنا حيّ فأنتم ستحيون،
في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي وأنتم فيّ وأنا فيكم،
الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يُحبني،
والذي يُحبني يُحبه أبي وأنا أُحبه وأُظهر له ذاتي. (يوحنا 14: 18-21)
وهذا النص كسابقه نقرأ فيه أن يسوع يربط محبته بحفظ وصاياه وأن من يحفظ وصاياه فانه سيُظهر له ذاته ويستطيع أن يراه.
- أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرّام، كل غصن فيّ لا يأتي بثمر ينزعه وكل ما يأتي بثمر يُنقيه ليأتي بثمر أكثر،
أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به،
اثبتوا فيّ وأنا فيكم، كما أن الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته إن لم يثبت في الكرمة كذلك أنتم أيضاً إن لم تثبتوا فيّ،
أنا الكرمة وأنتم الأغصان، الذي يثبت فيّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير،
لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً،
إن كان أحد لا يثبت فيّ يُطرح خارجاً كالغصن فيجف ويجمعونه ويطرحونه في النار فيحترق،
إن ثبتم فيّ وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم،
بهذا يتمجّد أبي أن تأتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي،
كما أحبني الأب أحببتكم أنا، اثبتوا في محبتي،
إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما أني أنا قد حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته،
كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم. (يوحنا 15: 1-11)
وهذا النص الطويل كسابقيه نقرأ فيه أن يسوع يربط بين ثبات تلاميذه فيه وتحقيق كل ما يريدون وبين حفظهم لوصاياه، وان حفظهم لوصاياه يجعلهم يثبتون في محبته، كما أن حفظه لوصايا أبيه جعله يثبت في محبة أبيه له، وهذا وان كان ليس مجال بحثنا الآن إلا أنه ينقض قانون ايمان الكنائس المختلفة لأنه يؤكد أن يسوع ليس مساوياً لأبيه، لأنه لو كان مساوياً له لما كان بحاجة لحفظ وصاياه.
- ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل مملكة السماء،
بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماء،
كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا الشياطين وباسمك صنعنا قوّات كثيرة،
فحينئذ أُصرّح لهم أني لم أعرفكم قط، اذهبوا عني يا فاعلي الإثم. (متّى 7: 21-23)
في هذا النص نقرأ كيف يحذر يسوع التلاميذ من انه ليس لمجرد قولهم له يا رب يا رب سيدخلون مملكة السماء حتى لو عملوا كل المعجزات، بل الذي يدخل مملكة السماء هو من يفعل إرادة أبيه، ومعلوم للجميع أن إرادة أب يسوع هي حفظ كلامه والعمل بوصاياه ومن أهم وصاياه حب يسوع وسماع أقواله كما ذكر متّى ومرقس ولوقا في قصة التجلي وهي صعود يسوع على جبل وسماع التلاميذ لصوت من السحابة يقول هذا ابني الحبيب الذي به سُررت، له اسمعوا!
فهل سمع التلاميذ وحفظوا وصايا يسوع وعملوا إرادة أبيه؟
- ثم مد يده نحو تلاميذه وقال ها أُمي وإخوتي،
لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السماء هو أخي وأُختي وأُمي. (متّى 12: 49-50)
- ثم نظر حوله إلى الجالسين وقال ها أُمي وإخوتي،
لأن من يصنع مشيئة الإله هو أخي وأُختي وأُمي. (مرقس 3: 34-35)
- فاخبروه قائلين أُمك وإخوتك واقفون خارجاً يريدون أن يروك،
فأجاب وقال لهم أُمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الإله ويعملون بها. (لوقا 8: 20-21)
في هذه النصوص يقول يسوع ان التلاميذ كانوا في منزلة أمه وإخوته وأخواته في المحبة لأنهم يصنعون مشيئة الإله ويسمعون كلمته ويعملون بها.
فهل كان التلاميذ وهم يهربون عنه ليلة القبض عليه ويتركونه وحده وينكرونه ويشكون فيه ويزيد عليهم بطرس بلعنه يصنعون مشيئة الإله ويعملون بكلام الإله؟!
- قال له يهوذا ليس الاسخريوطي يا سيد ماذا حدث حتى أنك مزمع أن تُظهر ذاتك لنا وليس للعالم،
أجاب يسوع وقال له إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويُحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً،
الذي لا يُحبني لا يحفظ كلامي،
والكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للأب الذي أرسلني، بهذا كلمتكم وأنا عندكم، وأما المُعزّي الذي سيُرسله الأب باسمي فهو يُعلمكم كل شيء ويُذكركم بكل ما قلته لكم. (يوحنا 14: 22-26)
في هذا النص يقول يسوع ان الذي لا يحفظ كلامه لا يحبه، وأن من يحبه يحفظ كلامه، وأن من يحبه فان أب يسوع يحبه ويأتي الى ذلك الانسان مع يسوع ويصنعا عنده منزلاً.
وأما قوله ان كلام يسوع ليس له بل لأبيه، فهذا القول ينقض قانون إيمان الكنائس المختلفة والقائل أن يسوع وأبيه واحد مع الروح المقدس، لأنه كما هو ظاهر يفرق بين شخصيته وشخصية أبيه.
- أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني من العالم،
كانوا لك وأعطيتهم لي،
وقد حفظوا كلامك،
والآن علموا أن كل ما أعطيتني هو من عندك،
لأن الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتهم وهم قبلوا وعلموا يقيناً أني خرجت من عندك وآمنوا أنك أنت أرسلتني،
من أجلهم أنا أسأل، لست أسأل من أجل العالم بل من أجل الذين أعطيتني لأنهم لك. (يوحنا 17: 6-9)
في هذا النص يقول يسوع عن التلاميذ أنهم حفظوا كلام أبيه وانهم قبلوا وعلموا يقيناً أنه من عنده خرج وأنهم آمنوا انه هو من أرسله، وأنه يسأل من أجل التلاميذ ولا يسأل من أجل العالم، وفي هذا النص أيضاً ينقض يسوع قوانين إيمان الكنائس كلها اذ يفرق بين نفسه وأبيه بما لا يدع مجالاً للشك من انهما شخصيتان منفصلتان وغير متساويتان!
من النصوص السابقة نرى أن يسوع يشترط على كل من يقول انه يحبه أن يحفظ أقواله ووصاياه وأن يفعل إرادة أبيه ووصاياه.
فهل حفظ التلاميذ هذه الأقوال والوصايا وفعلوا إرادة أب يسوع؟
لنقرأ النصوص التالية:
- كل ما للأب هو لي، لهذا قلت إنه يأخذ مما لي ويُخبركم،
بعد قليل لا تبصرونني، ثم بعد قليل أيضاً ترونني لأني ذاهب الى الأب،
فقال قوم من تلاميذه بعضهم لبعض ما هو هذا الذي يقوله لنا بعد قليل لا تبصرونني ثم بعد قليل أيضاً ترونني لأني ذاهب الى الأب،
فقالوا ما هو هذا القليل الذي يقول عنه،
لسنا نعلم بماذا يتكلم. (يوحنا 16: 15-19)
في ليلة القبض على يسوع يقول التلاميذ لسنا نعلم بماذا يتكلم! لسنا نعلم بماذا يتكلم قالها التلاميذ في آخر ليلة ليسوع معهم فكيف قال عنهم في نص سابق أنهم حفظوا كلامه؟
أم كيف سيعملون بوصاياه ان كانوا لا يعلمون بماذا كان يتكلم؟
واذا كانوا لا يعلمون بماذا يتكلم يسوع وهو قد بقي معهم قرابة الثلاث سنوات فكيف سيعلمون بماذا تكلم أبيه والأناجيل الأربعة لا تذكر له سوى جملتين واحدة هذا ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا، والثانية مجّدت وأُمجّد؟!
واذا كانوا لا يعلمون بماذا تكلم يسوع وهو معهم فكيف سيعلمون بماذا سيتكلم المعزي الذي سيأتي بعد الصلب؟
- ودعا الجمع مع تلاميذه وقال لهم من أراد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني،
فإن من أراد أن يُخلص نفسه يُهلكها،
ومن يُهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يُخلصها،
لأنه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه،
أو ماذا يُعطي الانسان فداء عن نفسه،
لأن من استحى بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ فإن ابن الانسان يستحي به متى جاء بمجد أبيه مع الملائكة القديسين. (مرقس 8: 34-38)، وقال لهم الحق أقول لكم إن من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا مملكة الإله قد أتت بقوة. (مرقس إصحاح 9: 1)
الفقرة الأخيرة في هذا النص مكتوبة بشكل منفصل بين الاصحاح الثامن والتاسع ولست أدري سبب كتابتها هكذا، لهذا جعلتها ضمن النص مع الإشارة إلى ما كتب بجوارها فاقتضى التنويه!
في هذا النص يطلب يسوع من تلاميذه أن يبرهنوا عن حبهم له وللإنجيل وذلك بحمل صلبانهم وإتباعه وإنكار أنفسهم حتى لو أدى الأمر إلى هلاك أنفسهم لأنه في إهلاك أنفسهم من أجله ومن أجل الإنجيل خلاص لهم، ويتابع فيقول لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم وخسر نفسه، أو ماذا يُعطي الإنسان فداء عن نفسه، وهو الذي قال في نص سابق ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه. (يوحنا 15: 13)
فالانسان الذي يريد أن يُخلص نفسه يُهلكها، إضافة إلى أن من أعظم الحب أن يضع الإنسان نفسه عن محبوبه، ولم يكتف يسوع في هذا النص بالإرشاد والوعظ والتوجيه بل ووجه تهديداً شديداً للتلاميذ إن هم لم يحملوا صلبانهم ويهلكوا أنفسهم من أجله ومن أجل الانجيل فقال لأن من استحى بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ فإن ابن الانسان يستحي به متى جاء بمجد أبيه مع الملائكة القديسين.
فهل استجاب التلاميذ لأقواله وحملوا الصلبان وتبعوه؟
وهل هم أهلكوا أنفسهم من أجله ومن أجل الانجيل، ولم يستحوا منه ومن الانجيل؟
الجواب على هذه الأسئلة هو بالتأكيد ما تعرفه الكنائس المختلفة وما هو مكتوب في الأناجيل وهو أن التلاميذ لم يستجيبوا لأي قول من هذه الأقوال!
فالتلاميذ بحسب ما هو مكتوب في الأناجيل الأربعة لم يحملوا صلبانهم ويتبعوه بل هربوا كلهم وتركوه وحيداً يواجه المحاكمة ومن ثم الصلب، وأنكروه وشكوا فيه جميعاً وزاد عليهم بطرس بأن لعنه!
واستحوا منه ومن الإنجيل بأن كذبوا كل من قال لهم أنه قام من القبر مع أنه أخبرهم مرات كثيرة عن قيامته من الأموات!
والنص التالي يحمل ذات المعاني وأحببت أن أكتبه ليعلم القارئ أن ما قلته عن النص السابق كتبه لوقا زيادة في التأكيد على أن يسوع سيستحي من كل من لم يحمل صليبه ويتبعه ويُهلك نفسه من أجله ومن أجل الإنجيل، كما فعل التلاميذ عندما لم يحملوا صلبانهم ويتبعوه ويهلكوا أنفسهم من أجله!
كما أنه يحمل ذات الوعد الذي لم يتحقق وهو قول يسوع ان تلاميذه لن يموتوا جميعاً حتى يروا مملكة الإله، وهم في الحقيقة قد ماتوا جميعاً منذ أكثر من تسعة عشر قرناً وحتى الآن لم يأت ابن الانسان بمجده ولا بمجد أبيه ولا أتى مع الملائكة القديسين!
- وقال للجميع إن أراد أحد أن يأتي ورائي فليُنكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني،
فإن من أراد أن يُخلص نفسه يُهلكها، ومن يُهلك نفسه من أجلي فهذا يُخلصها، لأنه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وأهلك نفسه أو خسرها،
لأن من استحى بي وبكلامي فبهذا يستحي ابن الانسان متى جاء بمجده ومجد الأب والملائكة القديسين،
حقاً أقول لكم إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا مملكة الإله. (لوقا 9: 23-27)
وبعد منعه الطلاق قال له تلاميذه:
- قال له تلاميذه إن كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوج، فقال لهم ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أُعطي لهم. (متّى 19: 10-11)
في هذا النص نقرأ أن التلاميذ قد استغربوا قوله عن منع الطلاق وهذا لا يُشير الى أنهم يعتبرونه الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد وإلا لما استغربوا هذا القول من الآلهة المتحدة مع بعضها البعض، كما لم يستغرب بنو اسرائيل من شريعة الرب التي أنزلها على موسى مع أنها تحمل أحكاماً شديدة جداً كقتل من يشتم أباه وأُمه وغيرها من الأحكام لأنهم يعلمون ان الرب خالق السموات والارض هو من أنزلها.
- حينئذ خاطب يسوع الجموع وتلاميذه قائلاً على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون، فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه،
ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون. (متّى 23: 1-3)
وفي هذا النص لم يلتزم التلاميذ بقول يسوع لهم بأن يحفظوا كل ما قاله لهم الكتبة والفريسيين وأن يعملوا بها، فنجدهم بعد يسوع قد قاموا باستباحة كل الحيوانات النجسة ومنها الخنازير بسبب حلم بطرس المكتوب في أعمال الرسل، وبعض أقوال بولس التي أحلّ فيها أكل اللحوم النجسة، كما قاموا بإلغاء الختان الشريعة الثابتة عند الكتبة والفريسيين، ولم ينتبهوا أن يسوع نفسه كان قد خُتن، كما لم يلتزموا بالسبت وغيروه الى يوم الشمس الذي يعني باللغة العربية يوم الأحد!
- وأما يسوع فدعا تلاميذه وقال إني أُشفق على الجمع لأن الآن لهم ثلاثة أيام يمكثون معي وليس لهم ما يأكلون، ولست أُريد أن أصرفهم صائمين لئلا يخوروا في الطريق،
فقال له تلاميذه من أين لنا في البريّة خبز بهذا المقدار حتى يُشبع جمعاً هذا عدده،
فقال لهم يسوع كم عندكم من الخبز فقالوا سبعة وقليل من صغار السمك. (متّى 15: 32-34) و(مرقس 8: 1-10)
في هذا النص، وهو يتحدث عن معجزة إطعام خمسة آلاف رجل عدا النساء والأطفال وهي المرة الثانية التي يُطعم فيها يسوع أعداداً كبيرة من الناس بطعام قليل، نجد أن يسوع يريد أن يختبر إيمان التلاميذ به سواء كمسيح أو كإله ثان من الآلهة الثلاث الذين هم واحد كما تقول قوانين إيمان الكنائس المختلفة، فيقول لهم انه لا يريد أن يصرف الجموع، وهذه إشارة لمعرفة ان كانوا مؤمنين به أم لا، فيجيب التلاميذ باستغراب ودهشة من أين لنا في البرية خبز بهذا المقدار حتى يُشبع جمعاً هذا عدده!
ونسي هؤلاء التلاميذ أنهم بحضرة من يقولون أنهم مؤمنون به وأنه كما كتبت الأناجيل كان قد أطعم مثلهم بقليل من الخبز قبل عدة أيام، وأنهم كانوا قد عادوا من رحلتهم التي أرسلهم فيها وجاءوا بفرح عظيم وهم يقولون ان الشياطين كانت تطيعهم وأنهم كانوا يشفون المرضى، كما ان هؤلاء التلاميذ نسوا كل الوعود التي وعدهم بها يسوع من استجابة أبيه لهم بأي طلب يطلبونه!
فهل هذا الجواب دليل على حفظهم لأقواله ووصاياه وحبهم له وأنهم ثابتون فيه وأنهم جميعاً مع أبيه واحد؟!
وهنا قد تسارع الكنائس لتقول ان هذا الاستنتاج غير صحيح وأنه لا معنى لهذا الكلام سوى التهجم على التلاميذ لأنه لا يُفهم من كلامه ما استنتجت منه.
ولكن ماذا عساي أن أردّ عليهم سوى بذكر ما قاله التلميذ الذي كان يحبه يسوع، لنقرأ ما كتب يوحنا في انجيله حول استنتاجي هذا:
- بعد هذا مضى يسوع الى عبر بحر الجليل وهو بحر طبرية وتبعه جمع كثير لأنهم أبصروا آياته التي كان يصنعها في المرضى،
فصعد يسوع الى جبل وجلس هناك مع تلاميذه، وكان الفصح، عيد اليهود قريباً، فرفع يسوع عينيه ونظر أنّ جمعاً كثيراً مقبل إليه فقال لفيلبس من أين نبتاع خبزاً ليأكل هؤلاء،
وإنما قال هذا ليمتحنه لأنه هو علم ما هو مزمع أن يفعل،
أجابه فيلبس لا يكفيهم خبز بمئتي دينار ليأخذ كل واحد منهم شيئاً يسيراً،
قال له واحد من تلاميذه وهو أندراوس أخو سمعان بطرس هنا غلام معه خمسة أرغفة شعير وسمكتان،
ولكن ما هذا لمثل هؤلاء. (يوحنا 6: 1-9)
كما نقرأ فان يوحنا كتب ان يسوع قال لفيلبس من أين نبتاع الخبز ليمتحنه، فهل نجح فيلبس في الامتحان؟!
وأما أندراوس فقال انه يوجد غلام معه خمسة أرغفة خبز شعير وسمكتان ولكنه تساءل أيضاً هل يكفي هذا لمثل هذا العدد.
ونسي فيلبس وأندراوس انهما من تلاميذ يسوع المسيح الذي كتب عنه موسى في الناموس والانبياء يسوع بن يوسف الذي من الناصرة كما قال فيلبس عنه لنثنائيل عندما دعاه كما هو مكتوب في انجيل يوحنا:
- فيلبس وجد نثنائيل وقال له وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والأنبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة،
فقال له نثنائيل أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح،
قال له فيلبس تعال وانظر. (يوحنا 1: 45-46)
كما أن سؤالاً يطرح نفسه هنا وهو أين كتب موسى في الناموس يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة وأين مكتوب هذا القول في كتب الأنبياء، وهل حقاً ان يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة؟!
- وخرجوا من هناك واجتازوا الجليل ولم يُرد أن يعلم أحد،
لأنه كان يُعلم تلاميذه ويقول لهم إن ابن الإنسان يُسلم إلى أيدي الناس فيقتلونه،
وبعد أن يُقتل يقوم في اليوم الثالث،
وأما هم فلم يفهموا القول وخافوا أن يسألوه. (مرقس 9: 30-32)
في هذا النص نقرأ أن التلاميذ لم يفهموا قول يسوع أنه يُقتل وفي اليوم الثالث يقوم، وهذا يطرح مسألتين الأولى وهي حول قيام يسوع بالكرازة أو التبشير بما أُرسل به، ونحن نرى أن التلاميذ لا يفهمون أنه سيُقتل ويقوم في اليوم الثالث.
والثانية وهي مدى حفظ هؤلاء التلاميذ لأقواله، وهل نستطيع أن نعتبر أن موقفهم من الصلب حدث لأنهم لم يكونوا يفهموا كلام يسوع؟
واذا كانوا لا يفهمون كلامه فكيف سيؤمنون به؟
واذا كانوا هم لم يفهموا كلامه عن الموت والقيامة وهم رُسُله الذين اختارهم فكيف فهمت الكنائس؟!
وهل فِهْم الكنائس أكبر من فِهمْ تلاميذ يسوع الذين شاهدوا كل معجزاته وسمعوا كل أقواله، وهو الذي اختارهم ليكونوا رُسُله!
- وأما أنتم فلا تدعوا سيدي، لأن معلمكم واحد المسيح وأنتم جميعاً إخوة، ولا تدعوا لكم أباً على الأرض، لأن أباكم واحد الذي في السماء، ولا تدعوا معلمين لأن معلمكم واحد المسيح،
وأكبركم يكون خادماً لكم. (متّى 23: 8-11)
في هذا النص يطلب يسوع من التلاميذ عدم الانتساب الى آبائهم وهو ما يفعله رؤساء بعض الكنائس عند توليهم مركز رئاسة الكنيسة التزاماً منهم بهذا النص ولكن المستغرب أن التلاميذ لم يلتزموا به!
فنجد ان الأناجيل الأربعة مليئة بالفقرات التي تقول بطرس بن يونا ويوحنا بن زبدي ويعقوب بن حلفي وغيرها من أسماء التلاميذ الذين يُنسبون الى آبائهم فهم بهذا يخالفون هذه الوصية مما يعني أن محبتهم ليسوع غير كاملة ولا ثابتة!
- وها أنا أُرسل إليكم موعد أبي،
فأقيموا في مدينة أُورشليم، إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي. (لوقا 24: 49)
كما أكد لوقا هذه الوصية في كتاب أعمال الرسل بقوله:
 - الذين أراهم نفسه حياً ببراهين كثيرة بعدما تألم،
وهو يظهر لهم أربعين يوما ويتكلم عن الأُمور المختصة بمملكة الرب،
وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أُورشليم بل ينتظروا موعد الأب الذي سمعتموه مني. (أعمال الرسل 1: 3-4)
في هذا النص نقرأ وصية يسوع للتلاميذ بأن يبقوا في أُورشليم ولا يغادرونها وينتظروا موعد أبيه، وهذه الوصية كذلك لم يلتزم بها هؤلاء التلاميذ، فنجدهم بعد عدة أيام وقبل صعود يسوع الى السماء قد تركوا أُورشليم وعادوا الى الجليل وذهبوا لصيد السمك، وهناك ظهر لهم يسوع آخر مرة كما كتب يوحنا في انجيله،. وبعد ذلك نجد انهم انتشروا في عدة أماكن، فيوحنا استقر به المقام في انطاكية وجوارها وتوما التلميذ الشكاك استقر في الهند كما تذكر بعض مصادر الكنائس التاريخية وباقي التلاميذ أو معظمهم استقروا في مواضع خارج أُورشليم، ولعل هذا الخروج من أُورشليم كان مرده الى أن التلاميذ وبعد قيامهم بالكرازة في جميع مدن اسرائيل التي وعدهم يسوع انهم لن يكملوها حتى يكون قد عاد ولم يعد، كما في النص التالي:
- ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا الى الأخرى، فإني الحق أقول لكم لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان. (متّى 10: 23)
إعتقدَ التلاميذ أن وصايا يسوع ليست ملزمة لهم وبالتالي قاموا بمخالفتها، كما في هذه الوصية التي أمرهم فيها بالبقاء في أورشليم.
وإن كان لوقا ذكر في أعمال الرسل أن خروج أكثر التلاميذ من أورشليم جاء بعد مقتل استفانوس شهيد الكنائس الأول وقيام السلطات الرومانية بحملة شديدة ضد التلاميذ، إلا أن هذا الأمر لا يُبرر مخالفة وصايا وتعاليم يسوع لأنه أخبرهم بهذه الحملة كما في النص السابق وأخبرهم أنه سيعود قبل اكمالهم الكرازة والدعوة في جميع مدن إسرائيل.
فهل يمكن اعتبار مخالفة التلاميذ لوصايا وكلام يسوع كان نتيجة لعدم تحقيق وعوده لهم، كعودته قبل اكمال الكرازة في مدن إسرائيل وعدم موتهم جميعاً قبل عودته، ووعده لهم بأخذ مائة ضعف لأي شيء يتركونه من أجله؟
أم نقول إن مخالفة التلاميذ لوصايا يسوع هو ما منع من تحقيق وعوده لهم وخاصة عودته قبل إكمالهم الكرازة في مدن إسرائيل وبالتالي فان هذه المخالفة تدل على عدم إيمانهم وحفظهم لوصاياه وكلامه؟
- هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً إلى طريق أُمم لا تمضوا والى مدينة للسامريين لا تدخلوا،
بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. (متّى 10: 5-6)
- فأجاب وقال لم أُرسل إلا الى خراف بيت اسرائيل الضالة. (متّى 15: 24)
هذان النصان من أوضح النصوص في الأناجيل التي تُبين أن يسوع ليس مرسل لغير اليهود، ولكن الكنائس المختلفة ترد هذا القول، وخاصة أنهم جميعاً ليسوا من بني إسرائيل، وتقول إن يسوع قال في آخر إنجيل متّى ما نصه:
- وأمّا الأحد عشر تلميذاً فانطلقوا إلى الجليل إلى الجبل حيث أمرهم يسوع،
ولمّا رأوه سجدوا له،
ولكن بعضهم شكوا،
فتقدم يسوع وكلمهم قائلاً دُفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض،
فاذهبوا وتلمذوا جميع الأُمم،
وعمّدوهم باسم الأب والابن والروح المقدس،
وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به،
وها أنا معكم كل الأيام الى انقضاء الدهر. (متّى 28: 16-20)
هذا النص هو الذي تستشهد به الكنائس على أن دعوة يسوع للناس كافة، ولكن لو أمعنوا النظر فيه لوجدوا أنه يحمل في ثناياه من التناقضات والأخطاء ما يجعلهم يفكرون مليّاً قبل اعتقادهم بأن يسوع جاء للناس كافة!
فإذا قلنا ان كلامه هذا يقصد به الناس كلهم فهذا يعني أنه نقض قوله انه لم يُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. والذي يدل على أن يسوع لم يُرسل إلا إلى بني إسرائيل هو عدم ذكر الأناجيل لأي قصة تظهره وهو يدعو غير اليهود، إلا قصة المرأة السامرية التي تنقض قوله للتلاميذ بعدم دخول مدن السامريين، والأهم من كل ما سبق هو أن العادة كانت في ذلك الزمان وصف اليهود ونسبتهم إلى المدن التي يعيشون فيها وبالتالي فهم كانوا يقولون عن اليهود الذين يعيشون في روما مثلاً انهم رومان مع أنهم يهود، والدليل على ذلك النصوص التالية:
- ويوسف الذي دُعي من الرسل برنابا الذي يُترجم ابن الوعظ وهو لاوي قبرسي الجنس إذ كان له حقل باعه وأتى بالدراهم ووضعها عند أرجل الرسل. (أعمال الرسل 4: 36-37)
في هذا النص يقول لوقا أن برنابا لاوي أي من سبط لاوي أحد أسباط إسرائيل، ومع هذا يقول عنه انه قبرسي الجنس، أي من قبرس الجزيرة المعروفة.
- ثم أقبل إلى أفسس يهودي اسمه أبلوس اسكندري الجنس. (أعمال الرسل 18: 24)
وفي هذا النص يقول لوقا ان هذا الرجل يهودي واسكندري الجنس!
- وكان في دمشق تلميذ اسمه حنانيا فقال له الرب في رؤيا يا حنانيا، فقال هاأنذا يا رب،
فقال له الرب قم واذهب إلى الزقاق الذي يقال له المستقيم واطلب في بيت يهوذا رجلاً طرسوسياً اسمه شاول. (أعمال الرسل 9: 10-11)
في هذا النص يقول ان شاول، أي بولس، طرسوسي أي من طرسوس مع أنه يهودي فرّيسي كما في النصوص التالية:
فقال بولس أنا رجل يهودي طرسوسي من أهل مدينة غير دنيّة من كيليكية.
(أعمال الرسل 21: 39)
- أيها الرجال الإخوة والآباء اسمعوا احتجاجي الآن لديكم،
فلما سمعوا أنه يُنادي لهم باللغة العبرانية أعطوا سكوتاً أحرى،
فقال أنا رجل يهودي ولدت في طرسوس كيليكية. (أعمال الرسل 22: 1-3)
فجاء الأمير وقال له قل لي أنت روماني، فقال نعم. (أعمال الرسل 22: 27)
- ولمّا علم بولس أن قسماً منهم صدوقيون والآخر فريسيون صرخ في المجمع أيها الإخوة أنا فريسي ابن فريسي. (أعمال الرسل 23: 7)
فهذا بولس يعترف ويقول انه يهودي وطرسوسي وروماني أيضاً، مما يدل على أن عادة انتساب اليهود لمدنهم وأوطانهم كانت منتشرة في ذلك الوقت.
- وبعد هذا مضى بولس من أثينا وجاء الى كورنثوس،
فوجد يهودياً اسمه أكيلا بُنطي الجنس كان قد جاء حديثاً من ايطالية وبريسكلا امرأته. (أعمال الرسل 18: 1-2)
في هذا النص يقول لوقا ان أكيلا يهودي وبنطي الجنس.
والنص التالي يُظهر بكل وضوح أن اليهود كانوا ينتسبون الى الأماكن التي كانوا يعيشون فيها:
- وكان يهود رجال أتقياء من كل أُمة تحت السماء ساكنين في أورشليم،
فبُهت الجميع وتعجبوا قائلين بعضهم لبعض أترى ليس جميع هؤلاء المتكلمين جليليين،
فكيف نسمع نحن كل واحد منا لغته التي ولد فيها، فرتيون وماديون وعيلاميون والساكنون ما بين النهرين واليهودية وكيدوكية وبنتس وأسيا وفريجية وبمفلية ومصر ونواحي ليبية التي نحو القيروان والرومانيون المستوطنون يهود ودخلاء، كريتيون وعرب نسمعهم يتكلمون بألسنتنا بعظائم الرب،
فوقف بطرس مع الأحد عشر ورفع صوته وقال لهم أيها الرجال اليهود والساكنون في أورشليم أجمعون. (أعمال الرسل 2: 5-14)
فهذا النص يُظهر ان المجتمعين كانوا يهوداً من كل أماكن الشتات التي كانوا يعيشون فيها، وليس كما يقول البعض انهم كانوا من غير اليهود، فما الذي يفعله غير اليهود من القيروان أو من جزيرة كريت في أورشليم في ذلك الوقت!
والدليل الأخير على أن هؤلاء كانوا يهوداً النص التالي:
أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من الرب بقوّات وعجائب وآيات صنعها الرب بيده في وسطكم كما أنتم أيضاً تعلمون. (أعمال الرسل 2: 22)
فهنا يؤكد لوقا على لسان بطرس أن المجتمعين كانوا يهوداً إسرائيليين من مناطق الشتات!
وأما محاولة احتجاج الكنائس على شمول دعوة يسوع للناس بقصة الخصي الحبشي الذي التقى فيلبس وعمّده، (أعمال الرسل 8: 26-39)، فهي من هذا الباب فلا يعدو أن يكون هذا الخصي ان صحت القصة سوى يهودي هاجر الى الحبشة، وهم فيها الى هذا الوقت، وإلا لو كان من غير اليهود فما الذي يجعله يقطع هذه المسافات الطويلة ليأتي إلى الهيكل ليقدم القرابين وهو غير مدعو للإيمان بالناموس كما يذكر العهد القديم لأن الناموس خاص لليهود، وما الذي يجعله يمتلك العهد القديم إذا لم يكن يهودياً!
وأما النص التالي فيصرح فيه بطرس بعد قيامة يسوع أن الموعد لليهود ولأولادهم ولكل اليهود الذين يعيشون بعيداً عن أورشليم، ولا يظن أحد أن هذا الخطاب لباقي الناس لأن هذا النص قاله بطرس قبل أن يحلم حلمه المشهور الذي استباح فيه أكل اللحوم النجسة والخنازير ودعوة غير اليهود.
لأن الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين على بعد كل من يدعوه الرب إلهنا. (أعمال الرسل 2: 39)
من هذا الشرح نرى أن التلاميذ خالفوا أقوال يسوع بتوجههم لدعوة غير اليهود.
وأقول لو أن يسوع عاد ورأى أتباع الكنائس كلهم من غير اليهود وقالوا له إننا آمنا بك فأجابهم يسوع وقال لهم ألم أقل إنني لم أُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة، فماذا ستجيب الكنائس عن أتباعها؟
نأتي الآن على ذكر موقف التلاميذ في قصة التجلي وصعودهم مع يسوع إلى جبل عال للقاء موسى وإيليا وسماعهم لصوت جاء من سحابة يقول هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا.
وقد كنت بينت مصدر هذه القصة في كتاب مصادر الأناجيل، وكيف أن كتبة الأناجيل اقتبسوها من قصة موسى وذهابه إلى جبل سيناء لأخذ وصايا الرب للقول أنها حدثت مع يسوع أيضاً!
وهذه بعض نصوص العهد القديم التي تحدثت عن قصة موسى وذهابه الى جبل سيناء:
وأما موسى فاقترب الى الضباب حيث كان الرب. (خروج 20: 21)
- وحلّ الرب على جبل سيناء وغطّاه السحاب ستة أيام وفي اليوم السابع دُعيَ موسى من وسط السحاب. (خروج 24: 16)
- وكان لما نزل موسى من جبل سيناء ولوحا الشهادة في يد موسى عند نزوله من الجبل ان موسى لم يعلم ان جلد وجهه صار يلمع في كلامه معه،
فنظر هارون وجميع بني اسرائيل موسى وإذا جلد وجهه يلمع فخافوا أن يقتربوا إليه. (خروج 34: 29-30)
- ولما فرغ موسى من الكلام معهم جعل على وجهه بُرقعاً. (خروج 34: 33)
وإذا مجد الرب قد ظهر في السحاب. (خروج 16: 10)
فنزل الرب في السحاب. (خروج 34: 5)
كما نقرأ في هذه النصوص فإن موسى عندما نزل من الجبل صار جلد وجهه يلمع الى آخر أيامه، حتى اضطر الى وضع برقعاً على وجهه كي يخفي لمعانه في حين أن كتبة الأناجيل قالوا ان وجه يسوع أضاء كالشمس ولكن هذه الإضاءة انتهت وهم نازلون من الجبل، وهنا لا بد من توجيه سؤال عن السبب في عدم بقاء النور في وجه يسوع في حين بقي في وجه موسى حتى اضطر لوضع برقعاً؟!
كما نلاحظ أيضاً ان موسى في هذا اللقاء أُعطي الوصايا في حين ان يسوع لم يأخذ شيئاً، وما تكلم به مع موسى وإيليا لم يكتب كتبة الأناجيل أي شيء عنه سوى هذه الفقرة وتكلما عن خروجه الذي كان عتيداً أن يُكمله في أُورشليم!
وأما ما سمعه موسى من الرب فكان كلاماً كثيراً، وأما ما سمعه يسوع، أو بمعنى أدق ما كتبه كتبة الأناجيل، هو جملة واحدة هي هذا ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا.
ونحن في هذا القسم كله نحاول ان نرى مدى سماع التلاميذ لهذا القول والتزامهم بوصايا وتعاليم وأقوال يسوع وحفظهم لها، وهنا لا يهم مصدر القصة، بل سنوافق كتبة الأناجيل والكنائس على أنها وقعت حقيقة مع يسوع، بل المهم هو معرفة موقف تلاميذ يسوع من وصاياه وأقواله ووصايا أبيه، اذاً لنقرأ القصة كما كتبت في الأناجيل:
- وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه وصعد بهم الى جبل عال منفردين،
وتغيرت هيئته قدّامهم وأضاء وجهه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور، وإذا موسى وإيليا قد ظهرا لهم يتكلمان معه،
فجعل بطرس يقول ليسوع يا رب جيد أن نكون ههنا،
فإن شئت نصنع هنا ثلاث مظال،
لك واحدة ولموسى واحدة ولإيليا واحدة،
وفيما هو يتكلم إذا سحابة نيرة ظللتهم وصوت من السحابة قائلاً هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا،
ولما سمع التلاميذ سقطوا على وجوههم وخافوا جداً،
فجاء يسوع ولمسهم وقال قوموا ولا تخافوا،
فرفعوا أعينهم ولم يروا أحداً إلا يسوع وحده. (متّى 17: 1-8)
القصة كما كتبها متّى بسيطة ولا تحمل أي شيء غريب حتى في موقف التلاميذ عندما خافوا جداً وسقطوا على وجوههم، فهذا الخوف مبرر لأنهم سمعوا صوتاً من السحابة يقول هذا ابني الحبيب الذي به سررت له اسمعوا.
ولكن الغريب ان هؤلاء التلاميذ ذاتهم ومعهم الباقين خافوا أيضاً عندما أُلقي القبض على يسوع وهربوا وتركوه وحده وأنكروه وشكوا فيه جميعاً وكان أكثرهم شكاً بطرس الذي لم يكتف بالإنكار فقط بل زاد عليه الحلف واللعن، فأين هؤلاء التلاميذ من سماعهم للصوت القادم من السحابة الذي يقول لهم ان هذا ابني الوحيد الذي به سررت، له اسمعوا؟
وأين هم من قول يسوع ان أباه يحبهم، وإنهم حفظوا كلام أبيه، وأنهم كانوا لأبيه فأعطاهم له، وأنهم رأوا أباه عندما رأوه، وأنه ذاهب لأبيه كي يُعدّ لهم منازل عنده؟!
- وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا وصعد بهم إلى جبل عال منفردين وحدهم، وتغيرت هيئته قدامهم، وصارت ثيابه تلمع بيضاء جداً كالثلج لا يقدر قصّارٌ على الارض أن يُبيض مثل ذلك،
وظهر لهم إيليا مع موسى، وكانا يتكلمان مع يسوع،
فجعل بطرس يقول ليسوع يا سيدي جيد أن نكون ههنا،
فلنصنع ثلاث مظال، لك واحدة ولموسى واحدة ولإيليا واحدة،
لأنه لم يكن يعلم ما يتكلم به، إذ كانوا مرتعبين،
وكانت سحابة تظللهم فجاء صوت من السحابة قائلاً هذا هو ابني الحبيب، له اسمعوا،
فنظروا حولهم بغتة ولم يروا أحداً غير يسوع وحده معهم،
وفيما هم نازلون من الجبل أوصاهم أن لا يُحدّثوا أحداً بما أبصروا إلا متى قام ابن الإنسان من الأموات،
فحفظوا الكلمة لأنفسهم يتساءلون ما هو القيام من الأموات. (مرقس 9: 2-10)
في هذا النص يكتب مرقس القصة كما كتبها متّى ولكن يضيف عليها فقرتين تثيران الاستغراب، إذ يكتب ان يسوع أمر التلاميذ أن لا يُحدِّثوا أحداً بما أبصروا حتى يقوم ابن الإنسان من الأموات، وهو يقصد نفسه، وهذا أمر غير مستغرب فللإنسان أن يأمر أتباعه بما شاء، ولكن الأمر المستغرب هو ما كتبه مرقس من أن التلاميذ كانوا يتساءلون ما هو القيام من الأموات!
وهذا يعني أن يسوع لم يكن يُعلم تلاميذه بما أُرسل به وكان يخفي الكثير منه، ومن أهم ما أُرسل به هو تعليم الناس أن هناك قيامة للأموات، فماذا كان يُعلم يسوع خلال السنوات الماضية اذا لم يكن يُعلم تلاميذه انه يوجد قيامة من الأموات؟
أم نقول ان التلاميذ لم يكونوا يفهمون ما كان يقوله يسوع، وأنهم لم يقبلوا معرفة أسرار مملكة السماء الذي أعطاه يسوع لهم، وهذا الأمر يُشكك في إيمانهم، إذ أنهم قبل الصلب ببضعة أيام لم يكونوا يعرفون القيامة من الأموات؟
وليس هذا فحسب، بل ان هذا النص يدل على حالة مزمنة من عدم الفهم، فالتلاميذ كانوا حاضرين يوم حدثت مناقشة بين يسوع والصدوقيين منكري القيامة كما كتب لوقا وغيره وهناك استشهد يسوع على الصدوقيين بهذا النص:
- فأجاب وقال يسوع  لهم أبناء هذا الدهر يُزوِّجون ويُزوَّجون،
ولكن الذين حُسبوا أهلاً للحصول على ذلك الدهر والقيامة من الأموات لا يُزوِّجون ولا يُزوَّجون،
إذ لا يستطيعون أن يموتوا أيضاً لأنهم مثل الملائكة،
وهم أبناء الإله إذ هم أبناء القيامة. (لوقا 20: 34-36)
مما يدل على أن التلاميذ لم يكونوا يفهمون ما كان يقوله يسوع فكيف حصل لهم هذا الفِهم بعد قيامته؟
هنا قد يقول البعض ان هذا حدث بعد قيامته من الأموات وإعطائهم الروح بالنفخة التي ذكرها يوحنا في إنجيله، ودون الدخول في مجادلات حول حقيقة هذه النفخة الآن، فقط أود التذكير بأن هؤلاء التلاميذ ظلوا مع يسوع ثلاث سنوات وهم يعيشون معه وشاهدوا كل معجزاته وسمعوا كل أقواله وتنشقوا الكثير من أنفاسه وفي نهاية الأمر أكلوا جسده وشربوا دمه في العشاء الأخير فما هو الفرق بين كل هذه الأمور والنفخة الأخيرة، حتى يصبحوا بعدها يفهمون ويتذكرون؟!
- وبعد هذا الكلام بنحو ثمانية أيام أخذ بطرس ويوحنا ويعقوب وصعد إلى جبل ليُصلي،
وفيما هو يُصلي صارت هيئة وجهه متغيرة ولباسه مبيضاً لامعاً،
وإذا رجلان يتكلمان معه وهما موسى وإيليا،
اللذان ظهرا بمجد وتكلما عن خروجه الذي كان عتيداً ان يُكمله في أُورشليم،
وأما بطرس واللذان معه فكانوا قد تثقلوا بالنوم،
فلما استيقظوا رأوا مجده والرجلين الواقفين معه،
وفيما هما يفارقانه قال بطرس ليسوع يا معلم جيد أن نكون ههنا،
فلنصنع ثلاث مظال، لك واحدة ولموسى واحدة ولإيليا واحدة،
وهو لا يعلم ما يقول،
وفيما هو يقول ذلك كانت سحابة فظللتهم فخافوا عندما دخلوا في السحابة،
وصار صوت من السحابة قائلاً هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا،
ولما كان الصوت وُجد يسوع وحده،
وأما هم فسكتوا ولم يُخبروا أحداً في تلك الأيام بشيء مما أبصروه. (لوقا 9: 28-36)
في هذا النص يُعيد لوقا صياغة القصة بطريقة مختلفة كلياً بحيث توجب التوقف عندها ومقارنتها بما كتب متّى ومرقس.
أول هذه الاختلافات وهو تحديد الوقت الذي حدثت فيه القصة فلوقا يقول انها حدثت بعد نحو ثمانية أيام في حين ان متّى ومرقس كتبا انها حدثت بعد ستة أيام، ولا أظن ان الكنائس تؤمن أن ثمانية أيام تساوي ستة أيام على الرغم من إيمانها أن ثلاثة تساوي واحد! كما لا أظن أن وقت حدوثها يمكن أن يخفى عن الروح المقدس الذي كان يسوق كتبة الأناجيل بحيث لا يعلم إن كانت حدثت بعد ستة أيام أو ثمانية أيام.
الاختلاف الثاني وهو الوقت الذي تكلم فيه بطرس عن المظال الثلاث، ففي حين كتب متّى ومرقس انه كان عندما كان يسوع يتكلم مع موسى وإيليا، كتب لوقا أنه كان بعد ان أنهى يسوع حديثه معهما وهما يفارقانه بعد أن استيقظ من نومه!
الاختلاف الثالث وهو عدم ذكر لوقا لقول يسوع الذي حذر فيه التلاميذ من التصريح بما شاهدوه!
هذه ثلاث اختلافات بين ما كتبه متّى ومرقس ولوقا، وزاد عليها بعض التفاصيل التي لا تدخل في الاختلاف لأنهما لم يذكراها ولكنها تشير إلى صفات التلاميذ وتثير أسئلة حول قوانين إيمان الكنائس التي تقول إن يسوع هو الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد ومن نفس الجوهر.
لوقا كتب ان التلاميذ عندما وصلوا الى الجبل تثقلوا بالنوم وهي صفة مثيرة للشفقة إذ أنها تشعرك وكأن هؤلاء التلاميذ يعملون في مهن شاقة حتى ما يكادون يصلون الى مكان هادئ حتى يغطوا ويتثقلوا بنوم عميق مع أنهم كما تخبرنا الأناجيل لم يكونوا يعملون أي شيء حتى أن حاجاتهم اليومية كانت تتكفل بها النسوة اللواتي تبعن يسوع، فهن كنّ ينفقن عليه وعلى التلاميذ!
وحالة التثقل بالنوم نراها ملازمة للتلاميذ في أغلب القصص التي تذكرها عنهم الأناجيل حتى في أشد الحالات الحرجة التي ينسى الإنسان العادي فيها النوم، فنحن نراهم يغطون في نومهم في آخر ليلة ليسوع معهم وهو يُصلي لأبيه كي ترفع عنه تلك الكأس ولا يُصلب على الرغم من طلب يسوع  منهم السهر معه، حتى استغرب يسوع من نومهم فقال لهم أهكذا لم تصبروا لتسهروا ساعة واحدة معي، ولكن هذا الأمر ليس بيدهم فهم دائماً يشعرون بالنعاس!
كما كتب لوقا ان يسوع صعد الى جبل ليُصلي، وعندما صعد بدأ يُصلي، يسوع الجسد الذي حلّت فيه الآلهة الثلاث يصعد الى الجبل ليصلي! لمن يُصلي يسوع الجسد الذي حلت فيه الآلهة الثلاث؟
هنا قد تقول بعض الكنائس ان الذي صلى هو الجسد أو الإله الثاني وليس الآلهة الثلاث.
ولكن حتى لو كان الجسد أو الكلمة المتجسدة أو الإله الثاني وحده يصلي ألا يدل هذا على أن الآلهة الثلاث ليست متساوية، وإلا فما حاجة أحدهم للصلاة للآخر إذا كانوا متساوين ومن نفس الجوهر؟ هذه الأسئلة بحاجة إلى توضيح من الكنائس حتى تستطيع الاستمرار في دعوة أتباعها الطيبين للإيمان بقوانينها التي قالت فيها إن الآلهة الثلاث متحدة مع بعضها البعض وأنها من نفس الجوهر ولها نفس الصفات والقدرات!
خلاصة القول في هذه القصة التي يشوبها الكثير من الغموض اننا لو تساهلنا وقلنا أنها حدثت كما تقول الأناجيل، فإننا نجد أن موقف التلاميذ كان مناقضاً للصوت الذي سمعوه من السحابة والقائل أن يسمعوا ليسوع، لأننا نجدهم بعد عدة أيام ينامون عندما قال لهم يسوع أن يسهروا ويصلوا معه، وبعدها يهربون عنه ويتركونه وحيداً مع أنه طلب منهم حمل صلبانهم وإتباعه، وبعد ذلك نجدهم لا يصدقون من قال لهم إن يسوع قد قام من الأموات!
وهنا قد يندهش البعض ويظن أنني أتحامل بشدة كبيرة على التلاميذ ويقول في نفسه ألا يوجد قول واحد قام بتنفيذه أو فهمه هؤلاء التلاميذ!
وهذه الملاحظة في مكانها ولكن واقع حال التلاميذ كما كتبت الأناجيل هو هذا الذي كتبته هنا، وحتى لا يظن أحد أنني أُخفي بعض النصوص فقد وجدت نصاً التزم التلاميذ بتنفيذه وليس التلاميذ فقط بل والكنائس حتى يومنا هذا!
- يسوع عالم أن الأب قد دفع إليه كل شيء إلى يديه وأنه من عند الإله خرج والى الإله يمضي،
قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ منشفة واتزر بها،
ثم صب ماء وابتدأ يغسل أرجُل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان مُتزراً بها،
فجاء الى سمعان بطرس فقال له ذاك يا سيد أنت تغسل رجليّ،
أجاب يسوع وقال له لست تعلم أنت الآن ما أصنع، ولكنك ستفهم فيما بعد،
قال له بطرس لن تغسل رجليّ أبداً،
أجابه يسوع إن كنت لا أغسلك فليس لك معي نصيب،
قال له سمعان بطرس يا سيد ليس رجليّ فقط بل أيضاً يديّ ورأسي،
قال له يسوع الذي قد اغتسل ليس له حاجة إلا الى غسل رجليه بل هو طاهر كله، وأنتم طاهرون ولكن ليس كلكم،
لأنه عرف مُسلمه، لذلك قال لستم كلكم طاهرين. (يوحنا 13: 1-11)
هذا العمل كما قلت لا تزال بعض الكنائس تمارسه، ففي بعض المناسبات يقوم بابا الفاتيكان وهو رأس الكنيسة الكاثوليكية بغسل أرجل بعض أتباعه دليلاً على تمسكهم بعمل يسوع.
ولكن ما يُثير الدهشة هو رفض بطرس الالتزام بهذا العمل حتى هدده يسوع بأنه سيعتبره مرتداً عنه ولن يكون له نصيب معه مما دفع بطرس للخضوع أخيراً كي يغسل يسوع رجليه!
نأتي الآن على ذكر قول آخر ليسوع ولكن الغريب ان الذي لم يلتزم به هو يسوع نفسه، في حين نجد أن التلاميذ حاولوا الالتزام به وخاصة بطرس الذي رأيناه كثيراً لا يلتزم بأقوال يسوع.
- ثم قال لهم حين أرسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا أحذية هل أعوَزكم شيء، فقالوا لا،
فقال لهم لكن الآن من له كيس فليأخذه ومزود كذلك،
ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفاً،
لأني أقول لكم إنه ينبغي أن يتمّ فيّ أيضاً هذا المكتوب،
وأُحصي مع أثمة، لأن ما هو من جهتي له انقضاء،
فقالوا يا رب هو ذا سيفان، فقال لهم يكفي. (لوقا 22: 35-38)
في هذا النص نقرأ أن يسوع يطلب من تلاميذه أن يستعدوا لمواجهة الشر بالقوة، فيأمرهم بشراء السيوف حتى لو اضطروا لبيع ثيابهم التي يلبسونها، وذلك عملاً بقول سابق كتبه متّى في انجيله.
لا تظنوا أني جئت لأُلقي سلاماً على الارض،
ما جئت لأُلقي سلاماً بل سيفاً. (متّى 10: 34)
 فقال له التلاميذ انه يوجد عندهم سيفان فقال لهم هذا يكفي!
هذا موقف جديد ليسوع إذ ان الاناجيل تقول انه جاء بالحب والمسامحة وغفران الخطايا، ولكن لا بأس، فهذا القول يتوافق مع الطبيعة الانسانية التي ترفض الخضوع للظلم والعدوان، على الرغم مما كتبه لوقا مستشهداً بنص من العهد القديم وهو وأُحصي مع أثمة الذي يظهر لمن يقرأه كاملاً في العهد القديم أنه لا يتحدث عن يسوع.
ولكن ما حقيقة التزام يسوع والتلاميذ بهذا القول؟
عندما نطالع قصة إلقاء القبض على يسوع نجد النصوص التالية:
- وإذا واحد من الذين مع يسوع مدّ يده واستلّ سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أُذنه،
فقال له يسوع رُدّ سيفك الى مكانه،
لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون،
أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب الى أبي فيقدم لي أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة،
فكيف تُكمل الكتب أنه هكذا ينبغي أن يكون. (متّى 26: 51-54) 
في هذا النص نقرأ أن التلاميذ قد استعدوا للمواجهة فيستل أحدهم سيفه ويضرب عبد رئيس الكهنة فيقطع أُذنه وقبل أن يُجهز على هذا الشرير القادم لإلقاء القبض على يسوع، تقع مفاجئة فيسمع هذا التلميذ قول يسوع له رُدّ سيفك مكانه، اذاً لماذا طلب يسوع منهم شراء السيوف حتى لو باع أحدهم ثيابه؟!
ويتابع متّى كتابة ما قاله يسوع فيقول لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون، وهذا القول وان كان يُعتبر دليلاً على أن دعوة يسوع لا تدعو للعنف حتى انه قال لا تقاوموا الشر، وقال من ضربك على خدك فأدر له الآخر، إلا أنه يدل على زوال أقواله السابقة التي طلب فيها شراء السيوف، وأنه ما جاء ليُلقي السلام بل السيف، وهو الذي قال السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول، وهنا نجده يُزيل كلامه السابق حتى قبل أن يصعد إلى السماء وليس زوالها!
ثم يتابع متّى كلامه فيقول على لسان يسوع أتظن أني لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي فيُقدّمُ لي أكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة، وهذا القول كتبه متّى كي يُوحي أن يسوع يعلم أنه سيُصلب لأنه ما جاء إلى هذا العالم إلا لهذا الأمر كي ترتفع خطيئة آدم عن ذريته التي توارثتها آلاف السنين!
وهذا القول يكون صحيحاً لولا ما كتبه يوحنا على لسان يسوع عندما كان بيلاطس يحاكمه إذ قال لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يُجاهدون لكي لا أُسلم إلى اليهود. (يوحنا 18: 36)
فيسوع يقول انه لا يستطيع أن يحضر خدّامه الآن للدفاع عنه لأن مملكته ليست من هذا العالم!
كما أن قول متّى يكون صحيحاً من أن يسوع كان عالماً بصلبه وأنه جاء الى الأرض كي يُصالح البشرية ويفتديها من خطيئة تلك الأكلة لولا أن صراخه ملأ آذاننا وهو يقول إلهي إلهي لماذا تركتني وهذا بحسب ما كتبه متّى في إنجيله!
ولست أدري إن كان هذا هو السبب الذي من أجله أغفل مرقس ذكر هذه التفاصيل كما في النص التالي:
- فاستل واحد من الحاضرين السيف وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أُذنه. (مرقس 14: 47)
وأما لوقا الذي كتب أمر شراء السيوف فتجاهل ما كتبه متّى من أن من يأخذ السيف بالسيف يهلك وكتب النص كما يلي:
- فلما رأى الذين حوله ما يكون قالوا يا رب أنضرب بالسيف،
وضرب واحد منهم عبد رئيس الكهنة فقطع أُذنه اليمنى،
فأجاب يسوع وقال دعوا إلى هذا، ولمس أُذنه وأبرأها. (لوقا 22: 49-51)
هنا يوحي لنا لوقا ان التلاميذ كانوا مدججين بالسلاح ومستعدين للمواجهة بانتظار أمر يسوع، فعندما رأوا القادمين لإلقاء القبض عليه قالوا يا رب أنضرب بالسيف، وكان من شدة حماستهم وحبهم ليسوع أن أحدهم لم ينتظر قول يسوع لأنه كان عنده الأمر سابقاً، عندما فهم أن قول يسوع لهم بشراء السيوف يعني مباشرة الدفاع دون الحاجة لأمر جديد، فيستل هذا سيفه ويضرب عبد رئيس الكهنة، ولكن المفاجئة تكون هنا أشد وقعاً عليهم مما كتبه متّى إذ يكتب لوقا أن يسوع أبرأ أُذن العبد بدلاً من الدخول في المعركة معهم ضد الأعداء!
وأما يوحنا فكتب عن هذه الواقعة كما يلي:
- ثم إن سمعان بطرس كان معه سيف فاستله وضرب عبد رئيس الكهنة، فقطع أُذنه اليمنى،
وكان اسم العبد ملخس،
فقال يسوع لبطرس اجعل سيفك في الغمد،
الكأس التي أعطاني الأب ألا أشربها. (يوحنا 18: 10-11)
كما هو ظاهر فاننا نجد أن يوحنا يُركز على إظهار معرفة يسوع وقبوله بالصلب ويُعبر عن ذلك بقوله الكأس التي أعطاني الأب ألا أشربها! وكما قلت سابقاً ان قبوله لشرب الكأس التي أعطاها له أبوه يكون صحيحاً لولا صراخه وهو معلق على الصليب إلهي إلهي لماذا تركتني!
من خلال قراءة النصوص السابقة نجد أن يسوع أمر تلاميذه بشراء السلاح، وعندما التزموا بهذا الأمر وجاء الوقت لتنفيذه قام يسوع بنقض أمره السابق وطلب منهم أن لا يستعملوا السيف للدفاع عنه بحجج غير واضحة ويشوبها الكثير من التناقضات، مما يشير الى أن ما تقوله الكنائس عن سوق الروح المقدس لكتبة الأناجيل أثناء كتابتهم لها بحاجة الى مراجعة دقيقة قبل إعادة التصريح بهذا القول.
علاقة التلاميذ مع بعضهم البعض
ذكرتُ عند الحديث عن الصفات والوعود التي منحها يسوع لتلاميذه عدداً من النصوص التي يأمرهم فيها بأن يحبوا بعضهم بعضاً كدليل على حبهم له والتزامهم بوصاياه وللتذكير بها سأستعرض النصين التاليين:
وصية جديدة أنا أُعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضاً،
كما أحببتكم أنا تحبون أنتم بعضكم بعضاً،
بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضاَ لبعض. (يوحنا 13: 34-35)
هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم،
ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه،
أنتم أحبائي إن فعلتم ما أُوصيكم به،
لا أعود أُسميكم عبيداً لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده،
لكني قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي،
ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم،
لكي يُعطيكم الأب كل ما طلبتم باسمي،
بهذا أُوصيكم حتى تُحبوا بعضكم بعضاً. (يوحنا 15: 12-17)
في هذين النصين نقرأ أن يسوع يُوصي تلاميذه بأن يُحبوا بعضهم، فهل استجابوا لهذه الوصية، أم انهم لم يلتزموا بها كما لم يلتزموا بالكثير من وصاياه كما مرّ معنا سابقاً؟
لنقرأ النصوص التالية:
- في تلك الساعة تقدم التلاميذ الى يسوع قائلين فمن هو أعظم في مملكة السماء،
فدعا يسوع إليه ولداً وأقامه في وسطهم،
وقال الحق أقول لكم إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا مملكة السماء،
فمن وضع نفسه مثل هذا الولد فهو الأعظم في مملكة السماء. (متّى 18: 1-4)
في هذا النص يتقدم التلاميذ ويسألون يسوع عمن هو الأعظم في مملكة السماء، فهم حريصون على معرفة الأعظم في مملكة السماء، ولكنهم لا يسألونه عن معنى القيامة من الأموات ويظلوا الى ما بعد صلبه وقيامته من الأموات لا يعلمون أنه سيقوم مما جعلهم لا يُصدقون من قالوا لهم انه قام من الأموات! فيجيبهم بالفعل ولا يكتفي بالقول فيقوم بإقامة ولد صغير ويقول لهم ان لم ترجعوا وتصيروا مثل هذا الولد فلن تدخلوا مملكة السماء، وكان يقصد بالولد رمز الانسان البريء المحب الذي لا يعرف الحقد والحسد والبغض وحذرهم من أنهم إن لم يكونوا مثل الأطفال في حبهم وبراءتهم فلن يدخلوا مملكة السماء، فهل التزم التلاميذ بهذا القول؟
- وجاء إلى كفر ناحوم، وإذ كان في البيت سألهم بماذا كنتم تتكالمون فيما بينكم في الطريق، فسكتوا،
لأنهم تحاجّوا في الطريق بعضهم مع بعض في من هو أعظم،
فجلس ونادى الاثني عشر وقال لهم إذا أراد أحد أن يكون أولاً فيكون آخر الكل وخادماً للكل.
(مرقس 9: 33-35)
وهنا يتكرر المشهد السابق فالتلاميذ كانوا مشغولين في معرفة من هو الأعظم فيهم، فناداهم يسوع وأوضح لهم معنى العظمة وكيف يمكن لأحدهم أن يكون أعظم الكل، فقال ان أراد أحد أن يكون أولاً فيكون آخر الكل وخادماً للكل، هذا كلام واضح ولا يحتاج الى تفسير ولكن يحتاج الى تنفيذه من رجال قادرين على التخلص من شهوات نفوسهم في حبّ العظمة والسيادة، فهل سارعوا لتنفيذ هذه الوصية؟
- وداخلهم فكر من عسى أن يكون أعظم فيهم،
فعلم يسوع فكر قلبهم وأخذ ولداً وأقامه عنده،
وقال لهم من قبِلَ هذا الولد باسمي يقبلني ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني،
لأن الأصغر فيكم جميعاً هو يكون عظيماً. (لوقا 9: 46-48)
في هذا النص نقرأ انهم لم يسألوا مباشرة بل داخَلَ نفوسهم فكر فهم مهمومون من عسى أن يكون الأعظم فيهم!
فيحاول يسوع أن يخفف من أفكار نفوسهم المشغولة في من يكون الأعظم فيهم، فنراه يُهدّئ من فكرهم ويقول لهم ان الذي يعتبرونه الأصغر فيهم جميعاً يكون هو الأعظم، وهنا كأني بهم يحرص كل واحد منهم على إظهار نفسه أنه الأصغر، ولكن ما يجول في فكرهم يبقى هو المسيطر عليهم حتى جاءت لحظة لم يعودوا يسيطرون على مشاعرهم كما في النص التالي:
- وكانت بينهم أيضاً مشاجرة من منهم يُظنُّ أنه يكون أكبر،
فقال لهم ملوك الأُمم يسودونهم والمتسلطون عليهم يُدعون مُحسنين،
وأما أنتم فليس هكذا بل الكبير فيكم ليكن كالأصغر، والمتقدم كالخادم،
لأن من هو أكبر، الذي يتكئ أم الذي يخدم، أليس الذي يتكئ، ولكني أنا بينكم كالذي يخدم،
أنتم الذين ثبتم معي في تجاربي،
وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبي مملكة،
لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في مملكتي،
وتجلسوا على كراسي تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر. (لوقا 22: 24-30)
وهنا تتكشف مكنونات نفوسهم فتحدث مشاجرة بينهم من منهم يظن أنه يكون أكبر وهذه المشاجرة وقعت قبل إلقاء القبض على يسوع بدقائق معدودة مما يعني ان مسألة العَظمة والكِبر ظلت تراودهم حتى آخر لحظة كان يسوع يعيش بينهم!
ولكن على الرغم من انشغال يسوع فيما سيحدث معه إلا انه يعود ليهدّئ من روعهم ومن أفكار نفوسهم ويعيد التذكير بالأجر الذي ينتظرهم ان هم التزموا بالتواضع والبعد عن التفكير في العظمة فيقول لهم ان الكبير فيهم يجب أن يكون كالصغير ومن يفعل هذا فانه سيجعل له مملكة كما جعل له أبوه مملكة وهناك يأكلون ويشربون على مائدته، ويزيدهم عظمة فيقول لهم انه سيُجلسهم على كراسي كي يدينوا أسباط إسرائيل الاثني عشر.
وهنا أود الإشارة إلى أن جميع الكنائس تنقض قوله هذا لأنها تقول انه لا يوجد في مملكة يسوع أكل ولا شرب مع أن يسوع وعد تلاميذه بالأكل والشرب معه على مائدته، الا اذا اعتبرت الكنائس انه لا علاقة لها بهذا القول، وانها وأتباعها لن يكونوا على مائدة يسوع في مملكته يأكلون ويشربون!
نأتي الآن على ذكر موقف آخر للتلاميذ لنرى مدى حبهم لبعضهم البعض تنفيذاً لوصية يسوع التي ذكرتها سابقاً.
- حينئذ تقدمت إليه أُم ابني زبدي مع ابنيها وسجدت وطلبت منه شيئاً،
فقال لها ماذا تريدين،
قالت له قل أن يجلس ابناي هذان واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في مملكتك،
فأجاب يسوع وقال لستما تعلمان ما تطلبان أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها أنا وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا، قالا له نستطيع،
فقال لهما أما الكأس فتشربانها وبالصبغة التي أصطبغ بها أنا تصطبغان،
وأما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أُعطيه إلا للذين أُعد لهم من أبي،
فلما سمع العشرة اغتاظوا من أجل الأخوين. (متّى 20: 20-24)
قرأنا سابقاً بعض الوعود التي وعدها يسوع للتلاميذ والتي من ضمنها أنه سينفذ لهم كل ما يطلبوه منه مهما كان الطلب، ولكن في هذا النص كما هو واضح فإنه لم يستجب لطلب أُم يوحنا ويعقوب في جلوس ولديها عن يمينه ويساره في مملكته! والغريب أنه حاول أن يتخلص من الاستجابة للطلب باختبارهما إن كانا يستطيعان أن يشربا الكأس التي سوف يشربها وأن يصطبغا بالصبغة التي سوف يصطبغها، فلما أجابا وقالا انهما يستطيعان، وأقرهما على هذه الاستطاعة بما يوحي أنها نبوءة له، فاجأهما بقوله انه لا يستطيع أن يُجلسهما عن يمينه ويساره لأن هذا الأمر لأبيه الذي يُجلس من يشاء!
وهنا لا بد من التوقف أمام ما هو مكتوب بخصوص الكلام عن الكأس والصِبغة التي تحدث عنهما يسوع فالنص يشير الى أن نهاية يوحنا ويعقوب ستكون مثل نهاية يسوع أي الصلب على الخشبة وهذا لم يتحقق لأن يعقوب مات بالسيف ويوحنا مات بالسم فكيف قال يسوع أنهما سيشربان الكأس ويصطبغان بتلك الصبغة؟! وهنا قد يقول البعض انه لا يقصد المعنى الحرفي لنهايتهما بل يقصد الموت عموماً.
وجواباً على هذا أقول ان كلامه اذا كان يقصد الموت فقط فانه لا يحمل أي معنى فضلاً عن الإيحاء بأنه يتنبأ بنهايتهما، لأن الجميع يعلم أن الناس جميعاً يموتون، الا اذا كان الناس زمن يسوع لا يموتون لهذا كان التنبؤ بموت يوحنا ويعقوب شيء عظيم!
كما أنه يجدر بنا الإشارة الى أن يسوع في هذا النص لا يستطيع أن يفعل الأشياء التي يرغب فيها اذا كانت تتعارض مع مشيئة أبيه، مما يعني أنه غير مساو لأبيه وهذا ينقض قوانين إيمان الكنائس التي تقول انهما متساويان في كل شيء ومن نفس الجوهر.
ولكن ما يهم هنا ونحن نتحدث عن موقف التلاميذ من وصية يسوع لهم بأن يحبوا بعضهم البعض، أن التلاميذ العشرة الذين اختارهم يسوع وقال انهم رسله إغتاظوا من يوحنا ويعقوب وهذا يدلّ على انهم لم يلتزموا بوصيته، والأغرب من عدم التزام التلاميذ بوصية يسوع، فهم قلما التزموا بوصاياه كما قرأنا سابقاً، انهم اغتاظوا منهما مع انهما لم يأخذا ما طلبا فهو لم يقل لهما انهما سيجلسان عن يمينه ويساره فلماذا اغتاظ التلاميذ لو كانوا يفهمون كلام يسوع فضلاً عن الالتزام به؟!
ويكتب مرقس في انجيله ذات القصة كما في النص التالي:
- وتقدم إليه يعقوب ويوحنا ابنا زبدي قائلين يا معلم نريد أن تفعل لنا كل ما طلبنا،
فقال لهما ماذا تريدان أن أفعل لكما،
فقالا له أعطنا أن نجلس واحد عن يمينك والآخر عن يسارك في مجدك،
فقال لهما يسوع لستما تعلمان ما تطلبان،
أتستطيعان أن تشربا الكأس التي أشربها أنا وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا،
فقالا له نستطيع،
فقال لهما يسوع أما الكأس التي أشربها أنا فتشربانها وبالصبغة التي أصطبغ بها أنا تصطبغان،
وأما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أُعطيه إلا للذين أُعد لهم،
ولما سمع العشرة ابتدأوا يغتاظون من أجل يعقوب ويوحنا. (مرقس 10: 35-40)
كما هو ملاحظ فان مرقس لم يذكر أن أُم يوحنا ويعقوب طلبت منه هذا الأمر وكذلك لم يتحدث مرقس عن أب يسوع بل ترك أمر الجلوس عن يمينه ويساره للذين يستحقونه، وهذا كلام واضح الا ان مرقس استرسل في ذكر موقف التلاميذ من يوحنا ويعقوب كما في النص التالي:
- ولما سمع العشرة ابتدأوا يغتاظون من أجل يعقوب ويوحنا،
فدعاهم يسوع وقال لهم أنتم تعلمون أن الذين يُحسبون رؤساء الأُمم يسودونهم وأن عظمائهم يتسلطون عليهم فلا يكون هكذا فيكم، بل من أراد أن يصير فيكم عظيماً يكون لكم خادماً ومن أراد أن يصير فيكم أولاً يكون للجميع عبداً. (مرقس 10: 41-44)
مرقس يكتب ان التلاميذ العشرة ابتدأوا يغتاظون من أجل يعقوب ويوحنا، لماذا يغتاظ التلاميذ العشرة من يعقوب ويوحنا، ويسوع لم يعطهما ما طلبا، بل أرجع ذلك الى المستقبل وقت حدوثه والى الذين يستحقونه، واذا قلنا ان التلاميذ كعادتهم لا يفهمون كلام يسوع فما معنى أن يدعو يسوع التلاميذ ويقول لهم أن الذين يحسبون رؤساء الأمم يسودونهم وأن عظمائهم يتسلطون عليهم فلا يكون هكذا فيكم، فهو لم يُعط يوحنا ويعقوب ما طلبا! وهنا قد يقول البعض ان هذا الكلام دليل على انه أعطاهما ما طلبا، وأقول لهؤلاء فما معنى ما كتبه متّى في النص الأول؟
هل يعني أنه أزال كلامه في انجيل متّى وهو القائل السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول؟
أم انه علم أن أبيه أعطى يوحنا ويعقوب الجلوس عن يمينه وعن يساره بعد أن قال ما كتبه متّى في انجيله؟! أم ان يسوع أعطاهما تلك المكانة دون علم أبيه؟!
وهذه القصة لم يكتبها لوقا في إنجيله ولعل السبب في عدم كتابتها هو ما كتبه عنهما في النص التالي:
- وحين تمّت الأيام لارتفاعه ثبّت وجهه لينطلق الى أُورشليم،
وأرسل أمام وجهه رسلاً،
فذهبوا ودخلوا قرية للسامريين حتى يُعِدّوا له، فلم يقبلوه لأن وجهه كان مُتجهاً نحو أُورشليم،
فلما رأى ذلك التلميذان يعقوب ويوحنا قالا يا رب أتريد أن تقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل إيليا أيضاً،
فالتفت وانتهرهما وقال لستما تعلمان من أي روح أنتما،
لأن ابن الانسان لم يأت ليُهلك أنفس الناس بل ليُخلص، فمضوا الى قرية أُخرى. (لوقا 9: 51-56)
في هذا النص يكتب لوقا ان يسوع قال ليعقوب ويوحنا لستما تعلمان من أي روح أنتما عندما حاولا أن يُغيّرا منهج دعوته بإهلاك الناس، فكيف يكتب عنهما انهما سيجلسان عن يمينه ويساره؟!
ولو عاد يسوع ورأى ما عمل التلاميذ والكنائس في منهجه ودعوته ماذا سيقول لهم؟
ماذا سيقول يسوع للكنيسة الكاثوليكية وهو يسمع انهم كانوا يحرقون معارضيهم، لا بل وصل الأمر بهذه الكنيسة الى استخراج عظام جون ويكليف، أول من ترجم الأناجيل للغة الانجليزية، وحرقها كي تشفي هذه الكنيسة روحها.
نأتي الآن على ذكر موقف آخر للتلاميذ من بعضهم البعض ومدى حبهم ليسوع والتزامهم بوصاياه.
- وفيما كان يسوع في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص تقدمت إليه امرأة معها قارورة طيب كثير الثمن، فسكبته على رأسه وهو متكئ،
فلما رأى تلاميذه ذلك اغتاظوا قائلين لماذا هذا الإتلاف،
لأنه كان يمكن أن يُباع هذا الطيب بكثير ويُعطى للفقراء،
فعلم يسوع وقال لهم لماذا تزعجون المرأة فإنها قد عملت بي حسناً،
لأن الفقراء معكم في كل حين، وأما أنا فلست معكم في كل حين،
فإنها إذ سكبت هذا الطيب على جسدي إنما فعلت ذلك لأجل تكفيني،
الحق أقول لكم حيثما يُكرز بهذا الانجيل في كل العالم يُخبر أيضاً بما فعلته هذه تذكاراً لها. (متّى 26: 6-13) و (مرقس 14: 3-9)
هذا النص يتحدث عن موقف التلاميذ من المرأة التي قامت بسكب قارورة العطر على يسوع الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد كما تقول الكنائس وقوانينها، فماذا نقرأ عن هؤلاء التلاميذ الذين اختارهم يسوع ليكونوا رُسُله؟
نقرأ أن هؤلاء اغتاظوا من عمل تلك المرأة الطيبة التي سكبت الطيب على رأس يسوع، لماذا اغتاظ التلاميذ وهي لم تعمل أمراً سيئاً؟
هل يستطيع أحد ان يعتبر أن التلاميذ في هذا الموقف كانوا مؤمنين بيسوع كمسيح فضلاً عن الايمان به كإله من الآلهة الثلاث الذين هم واحد كما تقول الكنائس؟!
وأما ما كتبه متّى ومرقس على لسان يسوع بقوله وأما أنا فلست معكم في كل حين، ألا يعلم متّى ومرقس أنهما بهذا القول يُزيلان عدة أقوال ليسوع قال فيها انه سيبقى مع تلاميذه الى الأبد ومنها قول كتبه متّى نفسه؟!
وها أنا معكم كل الأيام الى انقضاء الدهر. (متّى 28: 20)
لا أترككم يتامى إني آتي إليكم،
بعد قليل لا يراني العالم أيضاً وأما أنتم فترونني،
إني أنا حيّ فأنتم ستحيون،
في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي وأنتم فيّ وأنا فيكم،
الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يُحبني،
والذي يُحبني يُحبه أبي وأنا أُحبه وأُظهر له ذاتي. (يوحنا 14: 18-21)
وأما قول يسوع فانها إذ سكبت هذا الطيب على جسدي إنما فعلت لأجل تكفيني، فهذا يرد على مرقس ولوقا اللذين قالا ان النسوة اللواتي ذهبن الى القبر انما ذهبن لتكفين يسوع.
فهو يقول هنا ان هذا الطيب يغني عن تكفينه، مع أن يوحنا كتب ان يوسف الذي من الرّامة ونيقوديموس قاما بتكفين يسوع كما هي عادة اليهود في التكفين. (يوحنا 19: 38-40)
- ثم قبل الفصح بستة أيام أتى يسوع الى بيت عنيا حيث كان لعازر الميت الذي أقامه من الأموات فصنعوا له هناك عشاء،
وكانت مرثا تخدم وأما لعازر فكان أحد المتكئين معه،
فأخذت مريم منّا من طيب ناردين خالص كثير الثمن ودهنت قدمي يسوع ومسحت قدميه بشعرها، فامتلأ البيت من رائحة الطيب،
فقال واحد من تلاميذه وهو يهوذا سمعان الاسخريوطي المُزمع أن يُسلمه، لماذا لم يُبع هذا الطيب بثلاث مئة دينار ويعط للفقراء،
قال هذا ليس لأنه كان يُبالي بالفقراء، بل لأنه كان سارقاً وكان الصندوق عنده وكان يحمل ما يُلقى فيه،
فقال يسوع اتركوها، إنها ليوم تكفيني قد حفظته،
لأن الفقراء معكم في كل حين،
وأما أنا فلست معكم في كل حين. (يوحنا 12: 3-8)
في هذا النص قصة أُخرى عن مسح قدمي يسوع بالطيب وفيه ذكر لإسم المرأة واسم التلميذ المعترض على عملية المسح، وقد يظن البعض ان هذه النصوص تتحدث عن واقعة واحد وانه ليس كل التلاميذ كانوا مغتاظين بل يهوذا السارق وحده!
ولكنني استطيع القول ان نص يوحنا يتحدث عن قصة أُخرى فمتّى ومرقس كتبا ان قصتهما وقعت قبل يومين من عيد الفصح وكانت في بيت سمعان الأبرص والمرأة قامت بسكبه على رأسه، وأما يوحنا فكتب أن قصته وقعت قبل الفصح بستة أيام ووقعت في بيت مريم المجدلية وقامت بمسح رجليه بالطيب، فالقصتان مختلفتان الأولى أغاظت جميع التلاميذ والثانية أغاظت يهوذا السارق.
ويبقى شيء مهم لا بد من التذكير به في قصة يوحنا وهو استخدام يسوع لصيغة الجمع عند مخاطبته يهوذا وهو فرد، فقال يسوع اتركوها انها ليوم تكفيني قد حفظته، لأن الفقراء معكم في كل حين، وأما أنا فلست معكم في كل حين.
مما يعني أن على الكنائس التوقف عن القول ان صيغ الجمع التي ذكرتها أسفار العهد القديم عن الرب تعني الثالوث لأن يسوع هنا يخاطب يهوذا وهو فرد بصيغة الجمع، إلا اذا قالت الكنائس ان يهوذا عبارة عن ثلاثة أشخاص أو أكثر لأن يسوع خاطبه بصيغة الجمع!
أنتقل الآن لذكر موقف للتلاميذ بعد صعود يسوع الى السماء لنرى إن كانت علاقتهم ببعضهم البعض قد تغيرت أم استمرت في التشاحن والبغضاء مخالفين بذلك وصية يسوع لهم بحب بعضهم البعض، فنقرأ النص التالي:
- ولكن لما أتى بطرس الى أنطاكية قاومته مواجهة لأنه كان ملوماً،
لأنه قبلما أتى قوم من عند يعقوب كان يأكل مع الأُمم،
ولكن لما أتوا كان يُؤخر ويُفرِزُ نفسه خائفاً من الذين هم من الختان،
وراءى معه باقي اليهود أيضاً،
حتى برنابا أيضاً انقاد الى ريائهم،
لكن لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الانجيل قلت لبطرس قدّام الجميع إن كنت وأنت يهودي تعيش أُممياً لا يهودياً فلماذا تلزم الأُمم أن يتهودوا. (غلاطية 2: 11-14)
كما نقرأ في النص فإن بولس يتهم بطرس بالرياء والملامة وكذلك برنابا وهذا يُبين أن التلاميذ لم يلتزموا بوصية يسوع التي أمرهم فيها بحب بعضهم البعض.
وقبل أن أختم الحديث عن موقف التلاميذ من أقوال يسوع سأذكر نصوصاً غريبة جداً من وصاياه لم يلتزم بها أحد من التلاميذ وهي كما يلي:
- فإن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك،
لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كله في جهنم. (متّى 5: 29)
وإن أعثرتك عينك فاقلعها عنك وألقها عنك،
خير لك أن تدخل الحياة أعور من أن تلقى في جهنم النار ولك عينان. (متّى 18: 9)
وإن أعثرتك عينك فاقلعها،
خير لك أن تدخل مملكة الإله أعور من أن تكون لك عينان وتُطرح في جهنم النار. (مرقس 9: 47)
وإن كانت يدك اليمنى تعثرك فاقطعها وألقها عنك،
لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كله في جهنم. (متّى 5: 30)
- فإن أعثرتك يدك أو رجلك فاقطعها وألقها عنك، خير لك أن تدخل الحياة أعرج أو أقطع من أن تلقى في النار الأبدية ولك يدان أو رجلان. (متّى 18: 8)
- وإن أعثرتك يدك فاقطعها،
خير لك أن تدخل الحياة أقطع من أن تكون لك يدان وتمضي الى جهنم الى النار التي لا تُطفأ.
(مرقس 9: 43)
وإن أعثرتك رجلك فاقطعها،
خير لك أن تدخل الحياة أعرج من أن تكون لك رجلان وتطرح في جهنم في النار التي لا تُطفأ، حيث دودهم لا يموت والنار لا تُطفأ. (مرقس 9: 45-46)
في هذه النصوص يأمر يسوع تلاميذه بأن يقلعوا عيونهم ويقطعوا أيديهم وأرجلهم ان هي أعثرتهم لأنه خير لهم أن يدخلوا مملكته مقطوعي الأيدي والأرجل ومقلوعة عيونهم من أن يدخلوا جهنم بكامل أعضائهم، وهذا أمر واضح من يسوع للتلاميذ ولا يحتاج الى تفسير.
وأظن ان الكنائس لا تخالفني الرأي في أن نوم التلاميذ وعدم السهر معه كما طلب منهم ذلك في الصلاة الأخير له هو من إعثار العيون، كما أن هروب جميع التلاميذ عن يسوع وتركه وحيداً يواجه مصيره هو من إعثار الأرجل، وكذلك فإن إنكار التلاميذ وشكهم فيه وعدم تصديقهم لمن قال لهم ان يسوع قام من الأموات هو من إعثار العيون فضلاً عن إعثار العقول!
ومع كل هذا الإعثار الا ان الأناجيل وباقي رسائل العهد الجديد لم تخبرنا قصة واحدة عن قيام أي واحد من التلاميذ بالالتزام بهذه الوصايا.
فلماذا لم يلتزم التلاميذ بوصايا يسوع ويقوم على الأقل بعضهم بقلع عيونهم وقطع أيديهم وأرجلهم اذا كانوا مؤمنين بيسوع حافظين لوصاياه آكلين جسده وشاربين دمه ومتعمّدين بالروح المقدس؟؟؟؟!!!!
أكتفي بهذا الشرح لموقف التلاميذ من وصايا وأقوال يسوع وأنتقل للحديث عن موقفهم من الصلب والقيامة لعلّ التلاميذ كانوا في موقفهم من الإيمان بهذه المسائل أفضل مما كانوا فيه من الالتزام بأقواله، لأن الصلب والقيامة هما ما قامت عليه قوانين إيمان الكنائس المختلفة، فالكنائس لا تعير اهتماماً لأقواله ووصاياه بقدر ما تعير الاهتمام لعملية الصلب والقيامة.
موقف التلاميذ من صلب يسوع
يُعتبر صلب يسوع وقيامته من الأموات، أهم ركيزتان ترتكز عليها قوانين إيمان الكنائس المختلفة، فصَلب يسوع يُعتبر الأساس لقانون الفداء الذي قام به يسوع وحمل فيه خطيئة البشرية التي توارثتها من أبيها آدم، عندما أكل من الشجرة التي نُهي عن الأكل منها قبل آلاف السنين، حتى جاء يسوع وخلص البشرية من تلك الخطيئة، على الرغم من إرسال الرب لمئات الأنبياء والرسل، وتبليغه لهم عن عشرات الطرق لمغفرة خطايا الانسان، وإبلاغ الرب أنه لا يؤاخذ انسان بذنب أبيه كما جاء في العهد القديم، فالكنائس تقول ان تلك الخطيئة ظل يحملها أبناء آدم حتى جاءت كلمة الإله متجسدة في هيئة بشرية من نسل داؤد فقام اليهود والرومان بعد ثلاثة وثلاثين سنة بإلقاء القبض عليه ومن ثم قام اليهود بمحاكمته، ثم أرسلوه الى بيلاطس الوالي الروماني وهناك حكموا عليه بالموت على الصليب وقبل أن يُعلقوه قاموا بجلده ولطمه والبصق عليه والاستهزاء به ثم علقوه على الصليب فارتفعت خطيئة آدم من أكله تلك الثمرة التي نُهي عنها وتصالحت الآلهة الثلاث الذين هم واحد مع آدم وذريته!
وقيامة يسوع من الأموات تعتبرها الكنائس من أهم الأدلة على أن يسوع إله وابن إله، لأنه من يستطيع أن يموت ثم يقوم من الأموات إلا من كان إلهاً!
وتعتبر الكنائس أن الإنسان الذي لا يؤمن بالصلب والقيامة سيبقى يحمل خطيئة آدم حتى لو كان غير حاضر عندما أكل آدم، ولا كان راضياً عن فِعلة آدم ويعتبرها مخالفة للأمر الذي نهاه عن الأكل، ويبقى الإنسان خاطئاً، أي إنسان، حتى لو جاء بعد مليون سنة ولو لم يكن قد سمع بآدم ولا بيسوع.
والكنائس المختلفة تقول ان من لا يؤمن بهذين الحدثين فانه لن يدخل مملكة يسوع، وأن التلاميذ الذين اختارهم يسوع واعتبرهم رسلاً وقديسين كما مرّ معنا في نصوص الصفات التي تميز بها هؤلاء والوعود التي منحهم إياها، هم من أبلغوا عن وقوع الصلب والقيامة وأنهم كتبوها في الأناجيل مسوقين من الروح المقدس الإله الثالث من الآلهة الثلاث الذين هم واحد وبالتالي فلا مجال للشك والتوهّم في وقوعهما.
وفي الصفحات التالية سأستعرض موقف التلاميذ الرسل القديسين المساقين من الروح المقدس والذين حملوا عشرات الصفات والتي كتبتها سابقاً، وربما يكون لهم صفات أُخرى غفلت عن ذكرها، من حادثي الصلب والقيامة وكيف استقبلوا هذين الحدثين، غير ناسٍ بالطبع بعض الصفات التي منحها إياهم يسوع ومن أهمها في هذا الموقف معرفة أسرار مملكة السماء وحلول الروح المقدس فيهم وفهمهم للكلام بحيث لا يحتاجون لتفسير كلامه وغيرها من الصفات التي يمكن للقارئ أن يرجع إليها في أول هذا الفصل، وسأبدأ بذكر النصوص التي أخبر بها يسوع تلاميذه عن الصلب والقيامة كي يهيئهم لتقبل الحدثين ويؤمنوا به.
1- من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يُظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أُورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل، وفي اليوم الثالث يقوم،
فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلاً حاشاك يا رب، لا يكون لك هذا،
فالتفت وقال لبطرس اذهب عني يا شيطان،
أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما للإله لكن بما للناس. (متّى 16: 21-23)
في هذا النص يقول يسوع بكل وضوح أنه ينبغي أن يذهب الى أُورشليم وهناك يتألم كثيراً ومن ثم يُقتل على أيدي الشيوخ ورؤساء الكهنة وفي اليوم الثالث يقوم، وهذا الكلام معناه واضح ولا يحتاج لتفسير مما دفع بطرس الى انتهار يسوع قائلاً حاشاك يا رب، لا يكون لك هذا!
وهذا الانتهار دفع يسوع الى وصف بطرس بالشيطان، لأن بطرس معثرة ليسوع ولا يهتم بما للإله بل بما للناس!
2- وفيما هم يترددون في الجليل قال لهم يسوع ابن الإنسان سوف يُسلم إلى أيدي الناس، فيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم،
فحزنوا جداً. (متّى 17: 22-23)
في هذا النص يقول يسوع لتلاميذه ان ابن الإنسان سوف يُسلم الى أيدي الناس ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم، فكانت ردة فعلهم هو الحزن الشديد وعبّر عنها بقوله فحزنوا جداً، أي ان التلاميذ فهموا معنى كلام يسوع بكل وضوح، فلنتذكر هذا الكلام.
3- وفيما كان يسوع صاعداً إلى أُورشليم أخذ الاثني عشر تلميذاً على انفراد في الطريق وقال لهم، ها نحن صاعدون إلى أُورشليم وابن الإنسان يُسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت، ويسلمونه إلى الأُمم لكي يهزؤوا به ويجلدونه ويصلبونه وفي اليوم الثالث يقوم. (متّى 20: 17-19)
في هذا النص يُخبر يسوع تلاميذه بكل وضوح أيضاً أن ابن الإنسان سوف يُسلم الى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويُسلمونه الى الأُمم لكي يهزؤوا به ويجلدوه ويصلبوه وفي اليوم الثالث يقوم، وأظن ان الكلام واضح جداً ولا يحتاج للروح المقدس كي يفسره ولا لصفة معرفة أسرار مملكة السماء لشرحه.
4- ولما أكمل يسوع هذه الأقوال كلها قال لتلاميذه،
تعلمون انه بعد يومين يكون الفصح وابن الإنسان يُسلّم ليُصلب. (متّى 26: 1-2)
وهذا النص يشير الى أن يسوع أبلغ تلاميذه بالصلب قبل حدوثه بيومين ولم يذكر متّى في هذا النص ردة فعل التلاميذ ولكن الكلام واضح ولا يحتاج الى شرح ولا تفسير.
5- وخرجوا من هناك واجتازوا الجليل ولم يُرد أن يعلم أحد،
لأنه كان يُعلم تلاميذه ويقول لهم إن ابن الانسان يُسلم الى أيدي الناس فيقتلونه، وبعد أن يُقتل يقوم في اليوم الثالث،
وأمّا هم فلم يفهموا القول وخافوا أن يسألوه. (مرقس 9: 30-32) 
في هذا النص نقرأ أن مرقس يذكر نفس القصة التي ذكرها متّى في النص الأول ولكننا نجد أنه كتب عن ردة فعل التلاميذ بالقول أنهم لم يفهموا القول، مع ان القول واضح بدون الصفات التي يتمتع بها التلاميذ وهو ما عبّر عنه متّى بقوله انهم حزنوا جداً!
وأما قوله انهم خافوا أن يسألوه فهذا ينقضه انتهار بطرس ليسوع عندما صرح بهذا القول ذاته كما كتب هو نفسه كما في النص التالي:
6- وابتدأ يُعلمهم أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيرا ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويُقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم، وقال القول علانية،
فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره،
فالتفت وأبصر تلاميذه، فانتهر بطرس قائلاً،
اذهب عني يا شيطان،
لأنك لا تهتم بما للإله لكن بما للناس. (مرقس 8: 31-33)
7- وكانوا في الطريق صاعدين إلى أُورشليم ويتقدمهم يسوع،
وكانوا يتحيّرون، وفيما هم يتبعون كانوا يخافون،
فأخذ الاثني عشر أيضاً وابتدأ يقول لهم عما سيحدث له،
ها نحن صاعدون إلى أُورشليم وابن الإنسان يُسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم، فيهزؤون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم. (مرقس 10: 32-34)
في هذا النص يقول مرقس ان التلاميذ كانوا في رحلة صعودهم الى أُورشليم يتحيرون ويخافون وهي من الصفات التي لا تدل على ايمانهم اذ كيف يخاف من كان معه يسوع، والذي كتب عنه متّى أن اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الإله معنا!
أم كيف يحتار اذا كان مؤمناً حقاً؟
ونقرأ فيه كما في النصوص السابقة أن يسوع يُخبر تلاميذه بأوضح العبارات أنه سوف يُسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويُسلمونه إلى الأمم فيهزؤون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم.
8- فقال لهم وأنتم من تقولون إني أنا فأجاب بطرس وقال مسيح الإله،
فانتهرهم وأوصى أن لا يقولوا ذلك لأحد،
قائلاً إنه ينبغي أن ابن الانسان يتألم كثيراً ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة،
ويُقتل وفي اليوم الثالث يقوم. (لوقا 9: 20-22)
وهذا النص أيضاً واضح في ابلاغ يسوع للتلاميذ أنه سيتألم ويُرفض ويُقتل وفي اليوم الثالث يقوم، وهذا القول قد يصعب على الانسان العادي في ذلك الوقت فهمه ولكن الانسان الذي أُعطي معرفة أسرار مملكة السماء والذي حلّ فيه الروح المقدس ويتكلم بلسانه لا أظن انه يصعب عليه فهم هذا الكلام، هذا اذا كان اعطاء معرفة أسرار مملكة السماء وحلول الروح المقدس صحيحاً!
9- وأخذ الاثني عشر وقال لهم ها نحن صاعدون الى أُورشليم،
وسَيَتمّ كل ما هو مكتوب بالانبياء عن ابن الانسان،
لأنه يُسلم الى الأمم ويُستهزأ به، ويُشتم ويُتفل عليه ويجلدونه
ويقتلونه،
وفي اليوم الثالث يقوم،
وأما هم فلم يفهموا من ذلك شيئاً،
وكان هذا الأمر مُخفىً عنهم، ولم يعلموا ما قيل. (لوقا 18: 31-34)
في هذا النص الواضح جداً يقول يسوع انه سيُسلم الى الأُمم ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم، ولكن لوقا يقول أن التلاميذ لم يفهموا من هذا الكلام شيئاً ولم يعلموا ما قيل لان هذا الأمر كان مخفياً عنهم!
ولست أدري السبب في عدم فهمهم لكلام يسوع مع أن أي انسان في هذا العالم سواء كان من أتباع الكنائس أو من غيرهم عندما يقرأ أن انساناً يقول انه سيُسلم الى أعداءه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم سيفهم على الأقل فقرتين من الفقرات الثلاثة، وهما التسليم والقتل وقد يُشكِل عليه مسألة وفي اليوم الثالث يقوم، هذا بالنسبة للانسان العادي ولكن الكلام موجه الى التلاميذ الذين تعتبرهم الكنائس أعظم من أنبياء العهد القديم والذين أُعطوا معرفة أسرار مملكة السماء والذين حلّ فيهم الروح المقدس!
فكيف يكتب لوقا وأما هم فلم يفهموا من ذلك شيئاً، وكان هذا الأمر مُخفىً عنهم، ولم يعلموا ما قيل؟
وما الذي يريد أن يقوله لوقا عن هؤلاء التلاميذ؟
واذا كان التلاميذ الرسل القديسون الذي حلّ فيهم الروح المقدس والذين أُعطوا معرفة أسرار مملكة السماء لم يفهموا شيئاً من كلام يسوع فكيف سيفهم باقي الناس كلام يسوع؟!
أم كيف فهمت الكنائس كلام يسوع؟
هل هم أعظم من تلاميذ يسوع؟!
ويتكرر الكلام الذي كتبه لوقا عن التلاميذ من عدم فهمهم لكلام يسوع كما في النص التالي:
10- فأجاب يسوع وقال أيها الجيل غير المؤمن والملتوي،
الى متى أكون معكم وأحتملكم، قدّم ابنك الى هنا،
وبينما هو آتٍ مزّقه الشيطان وصرعه فانتهر يسوع الروح النجس وشفى الصبي وسلمه الى أبيه،
فبُهت الجميع من عظمة الإله وإذ كان الجميع يتعجبون من كل ما فعل يسوع،
قال لتلاميذه، ضعوا أنتم هذا الكلام في آذانكم،
إن ابن الانسان سوف يُسلم إلى أيدي الناس،
وأما هم فلم يفهموا هذا القول،
وكان مُخفىً عنهم لكي لا يفهموه،
وخافوا أن يسألوه عن هذا القول. (لوقا 9: 41-45)
في هذا النص نجد أن يسوع يقوم بعمل معجزة عجز عن القيام بها التلاميذ الذين أعطاهم القدرة على عملها فيصفهم يسوع بأنهم غير مؤمنين، وأنه يتمنى أن يرحل عنهم، وأنه ما عاد يحتملهم من كثرة إلتوائهم على وصاياه وكلامه، ثم توجه لهؤلاء التلاميذ بالقول لهم بصيغة تحذيرية فقال لتلاميذه ضعوا أنتم هذا الكلام في آذانكم، أي إن يسوع طلب من تلاميذه أن يفهموا هذا الكلام وهو يدل على أنه سيتكلم بكلام واضح وإلا كيف يضع الإنسان كلاماً غير واضح في أُذنيه؟!
ثم بدأ يسوع يقول ان ابن الانسان سوف يُسلم إلى أيدي الناس،
وهذا الكلام لا غموض فيه فهو يشير الى أن ابن الانسان سوف يُسلم الى أيدي الناس فقط ولا يُشير الى القيامة التي قد لا يفهمها بعض الناس حتى لو كان قد أُعطي معرفة أسرار مملكة السماء وحلّ فيه الروح المقدس بالتعميد، فما هو الشيء غير الواضح في هذا الكلام؟!
ولكن لوقا يعقب على هذا الكلام الواضح والبسيط فيصف موقف تلاميذ يسوع ورسله وقديسيه الذي يُقدس نفسه كي يكونوا مقدسين كما جاء في إنجيل يوحنا، فيقول وأما هم فلم يفهموا هذا القول، وكان مُخفىً عنهم لكي لا يفهموه، ما هو الكلام غير المفهوم في كلمات يسوع السابقة؟!
بعيداً عن كل صفات التلاميذ هل يعلم لوقا أنه يتكلم عن تلاميذ يسوع؟ كيف يصفهم بهذه الصفات؟
قد تقول الكنائس انه وصفهم بهذه الصفات بالروح المقدس.
وأنا أقول ألم يكن الروح المقدس مع التلاميذ وحالاً فيهم كما كان حالاً في لوقا!
ألم يكونوا يسمعون كلام يسوع الذي تقول الاناجيل والكنائس أنه كلام يُعطي الحياة الأبدية؟
ألم يختارهم يسوع ولم يختاروه هم؟
لنقرأ هذا النص الذي كتبه يوحنا بعد أن ارتدّ عنه كثير من تلاميذه على لسان بطرس:
- فقال يسوع للاثني عشر ألعلكم أنتم أيضاً تريدون أن تمضوا،
فأجابه سمعان بطرس يا رب الى من نذهب،
كلام الحياة الأبدية عندك،
ونحن قد آمنا وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الإله الحي،
أجابهم يسوع أليس أني اخترتكم الاثني عشر وواحد منكم شيطان،
قال هذا عن يهوذا سمعان الاسخريوطي،
لأن هذا كان مزمعاً أن يُسلمه وهو واحد من الاثني عشر. (يوحنا 6: 67-71)
في هذا النص يقول بطرس انهم آمنوا وعرفوا ان يسوع هو المسيح، ولوقا يقول عنهم انهم لم يفهموا وأنهم غير مؤمنين!
أنني وأنا غير مؤمن بيسوع لا بصفته كمسيح الذي جاء ذكره في العهد القديم ولا بصفته كإله ثان من الآلهة الثلاث الذين هم واحد أجد حرجاً شديداً عندما أنقل هذه الكلمات التي تصف التلاميذ بأنهم لم يفهموا وغير مؤمنين، لأنني أظن أن جهد يسوع في إبلاغ رسالته كان يجب أن يؤتي ثماراً غير التي نقرأها عنهم في الأناجيل وهو القائل من ثمارهم تعرفونهم فهل ما هو مكتوب عن هؤلاء التلاميذ يدل على ثمار يسوع؟!
وأخيراً كيف يكتب لوقا أن التلاميذ كان مخفياً عنهم أن يفهموا قيامة يسوع من الأموات وهو يكتب في نهاية انجيله أن يسوع قال للتلاميذ أنه كلمهم وهو معهم عن كل ما حدث معه في قصة الصلب والقيامة؟ كما في النص التالي:
- وقال لهم هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم،
أنه لا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير. (لوقا 24: 44)
11- لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات، فمضى التلميذان أيضاً الى موضعهما. (يوحنا 20: 9-10)
هنا يكتب يوحنا ان التلاميذ لم يكونوا يعرفون أنه ينبغي أن يقوم يسوع من الأموات وهذا الكلام قاله بعد صلب يسوع وذهاب النسوة الى القبر ولم يجدن الجسد، فاذا كان التلاميذ لا يعرفون القيامة من الأموات، والمعرفة أول درجات الايمان، وكان التلاميذ غير مؤمنين بقيامة يسوع بعد قيامته فكيف يؤمن باقي الناس؟
من هذا الاستعراض للنصوص السابقة نجد أن موقف التلاميذ من أقوال يسوع عن صلبه يتردد ما بين فهم تلك الأقوال وحزنهم الشديد على ذلك وانتهار بطرس ليسوع، وعدم فهم تلك الأقوال لأنه كان مُخفىً عنهم لكي لا يفهموها ولأنهم لم يكونوا يعرفون أن العهد القديم تكلم عن الصلب والقيامة، وهذا الاختلاف بين النصوص السابقة سيكون له أثره في صياغة كتبة الأناجيل لقصة الصلب والتي هي بدورها مليئة بالاختلافات والتناقضات وهذا ما سيظهر لنا من خلال استعراض مواقف التلاميذ فيها، وأبدأ بإعلان يسوع عن شكّ التلاميذ فيه.
- حينئذ قال لهم يسوع كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة،
لأنه مكتوب أني اضرب الراعي فتتبدد الرعية،
ولكن بعد قيامي أسبقكم إلى الجليل. (متّى 26: 31-32)
في هذا النص يكتب متّى على لسان يسوع أنه قال للتلاميذ أنهم كلهم سيشكون فيه، وأنه بعد قيامته سيسبقهم الى الجليل وسوف يظهر لنا بعد قليل أنهم لم يذهبوا الى الجليل بل ظهر لهم في أُورشليم!
- ثم سبّحوا وخرجوا الى جبل الزيتون، وقال لهم يسوع إن كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة، لأنه مكتوب أني أضرب الراعي فتتبدد الخراف،  ولكن بعد قيامي أسبقكم الى الجليل. (مرقس 14: 26-28)
ومرقس يكتب ذات الكلام الذي كتبه متّى عن يسوع بقوله عن شكّ التلاميذ كلهم فيه، وأنه سيسبقهم الى الجليل!
كما نقرأ أيضاً أن متّى ومرقس استشهدا على قول يسوع بنص من العهد القديم مكتوب أني أضرب الراعي فتتشتت الغنم وقد أظهرت أن هذا النص لا يتحدث عن يسوع في كتاب مصادر الأناجيل.
- وقال الرب سمعان سمعان هو ذا الشيطان طلبكم لكي يُغربلكم كالحنطة، ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك،
وأنت متى رجعت ثبّت إخوتك. (لوقا 22: 31-32)
في هذا النص نلاحظ أن لوقا لم يتحدث عن شكّ التلاميذ وإنما تحدث عن سعي الشيطان لغربلة التلاميذ وأن يسوع طلب من أجل بطرس لكي لا يفنى ايمانه، ومع هذا الاختلاف في القصة إلا أنها تنتهي بشك التلاميذ كلهم بيسوع وإنكاره.
وجدير بالملاحظة هنا هو قول يسوع أنه طلب من أجل بطرس لكي لا يفنى إيمانه.
ممن طلب يسوع الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر؟
ألا يشير هذا الطلب الى عدم المساواة بين الأقانيم بعكس ما تقوله قوانين إيمان الكنائس المختلفة؟
وأما يوحنا فأخذ منحى آخر بعيداً عن الثلاثة وان كانت النتيجة ستوصل الى أن التلاميذ سيشكون في يسوع، وان كان لم يُصرّح الا بشكّ بطرس وحده!
- ستطلبونني وكما قلت لليهود حيث أذهب أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا أقول لكم، وصية جديدة أنا أُعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم أنا تحبون أنتم بعضكم بعضاً،
بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حبّ بعضاً لبعض،
قال له سمعان بطرس يا سيد الى أين تذهب،
أجابه يسوع حيث أذهب لا تقدر الآن أن تتبعني، ولكنك ستتبعني أخيراً،
قال له بطرس يا سيد لماذا لا أقدر أن أتبعك الآن، إني أضع نفسي عنك،
أجابه يسوع أتضع نفسك عني،
الحق الحق أقول لك لا يصيح الديك حتى تنكرني ثلاث مرات. (يوحنا 13: 33-38)
ان القارئ يُصاب بالدهشة والحيرة من علاقة يسوع بتلاميذه، فالكنائس تقول أنه جاء ليُعطي النور والحق والحياة الأبدية والخلاص للناس وأن تعاليمه هي آخر التعاليم، وعندما يبدأ الانسان بقراءة الاناجيل يجد أُموراً كثيرة بحاجة الى توضيح عن حقيقة الصفات المكتوبة عن يسوع، ووعوده للتلاميذ والصفات التي منحهم إياها، وهذا النص مثال على الشكّ والحيرة فليس وحدهم التلاميذ الرسل القديسين لهم نصيب في الشك والحيرة وعدم الايمان بل كل من يقرأ الأناجيل!
فأنت عندما تتأمل في هذا النص تجد أن يسوع في آخر ليلة له مع التلاميذ وهو يُخبرهم حقيقة مذهلة لم تكن تخطر على قلوبهم فيقول وكما قلت لليهود حيث أذهب أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا، فهو يقول لهم انهم لن يستطيعوا أن يأتوا الى حيث هو ذاهب، إذاً ماذا كان يعمل خلال هذه المدة، هل ليتركهم في نهاية الأمر ويذهب عنهم بحيث لا يستطيعوا أن يلحقوا به؟!
وماذا سيقول التلاميذ لأهلهم وأقربائهم الذين تركوهم من أجله؟!
وماذا سيقول بطرس لأبيه وهو الذي ترك السفينة وذهب مع يسوع؟!
وكذلك يوحنا ويعقوب فهما تركا أبيهما وسفينتهما وتبعا يسوع ليصبحا صيادي الناس، وها هو يسوع يقول لهم في نهاية حياته أنه سيذهب عنهم ولن يستطيعوا أن يأتوا وراءه!
وكأني انظر إليهم كأن على رؤوسهم الطير من هول المفاجئة ولكن بطرس يكسر الصمت فيقول: قال سمعان بطرس يا سيد الى أين تذهب، وفي هذا السؤال دليل على المشاعر التي كانت تجول في خاطر بطرس، إلا ان يسوع لم يقم بالإجابة المباشرة على السؤال الذي طرح عليه، فبدلاً من أن يقول لبطرس الى أين يذهب، وجّه الكلام مباشرة لبطرس وأعاد نفس الكلام السابق فقال له: أجابه يسوع حيث أذهب لا تقدر الآن أن تتبعني، ولكنك ستتبعني أخيراً، وهذا القول يُنسي بطرس السؤال الأول فيتوجه بسؤال جديد فيقول: قال له بطرس يا سيد لماذا لا أقدر أن أتبعك الآن، إني أضع نفسي عنك، فبطرس له ثلاث سنوات تاركاً أهله وأعماله وتابعاً ليسوع فما الذي يضير بطرس أن يتبع يسوع في الأيام التالية، ولكن يسوع يجيب بطرس بشكل تهكمي فيقول له: أجابه يسوع أتضع نفسك عني،
الحق الحق أقول لك لا يصيح الديك حتى تنكرني ثلاث مرات.
وهذا الجواب يدل على أحد أمرين لا ثالث لهما، إما ان هذه المحادثة تدل على حقيقة بطرس وأنه غير مؤمن بيسوع وانما تبعه لأمر لم يُكشف عنه، أو أن هذه المحادثة لم تقع أصلاً، وهذا هو الصحيح.
وأما قول يسوع ولكنك ستتبعني أخيراً، فهو ان كان يقصد ان بطرس سيتبعه بالموت فلا معنى لقوله للتلاميذ ولا لليهود أنهم لن يقدروا على الذهاب الى حيث يذهب هو! لأن كل من على الأرض يعلم أن نهاية الانسان هي الموت، وبالتالي فالجميع قادرون على الذهاب حيث يذهب يسوع.
وأمّا ان كان يقصد أن بطرس سيلحق به في مملكته فهذا لا يعلمه أحد من الناس لأننا الآن وبعد أكثر من تسعة عشر قرناً لم يأت أحد من الموت وقال انه شاهد يسوع في مملكته ولا شاهد بطرس معه، مع أن يسوع وعد تلاميذه بالمجيء قبل موتهم جميعاً ولم يأت كما وعد.
هذا بالنسبة لإعلان يسوع عن شك التلاميذ فيه ، فماذا كان جواب التلاميذ ليسوع؟
كتب متّى جواب التلاميذ في النص التالي:
- فأجاب بطرس وقال له وإن شكّ فيك الجميع فأنا لا أشكّ أبداً،
قال له يسوع الحق أقول لك إنك في هذه الليلة قبل أن يصيح ديك تنكرني ثلاث مرات،
قال له بطرس ولو اضطررت أن أموت معك لا أُنكرك،
وهكذا قال أيضاً جميع التلاميذ. (متّى 26: 33-35)
وأمّا مرقس فكتب:
- فقال له بطرس وإن شكّ الجميع فأنا لا أشكّ،
فقال له يسوع الحق أقول لك إنك اليوم في هذه الليلة قبل أن يصيح الديك مرّتين تنكرني ثلاث مرات،
فقال بأكثر تشديد ولو اضطررت أن أموت معك لا أُنكرك،
وهكذا قال أيضاً الجميع. (مرقس 14: 29-31)
ولوقا كتب فقط جواب بطرس ليسوع كما في النص التالي:
- فقال له يا رب إني مستعد أن أمضي معك حتى الى السجن والى الموت،
فقال أقول لك يا بطرس لا يصيح الديك اليوم قبل أن تنكر ثلاث مرات أنك تعرفني. (لوقا 22: 33-34)
كما هو نلاحظ فانه يوجد اختلاف في تحديد الوقت الذي سيُنكر بطرس فيه يسوع، فمتّى حدد الوقت بقوله قبل أن يصيح ديك تنكرني ثلاث مرات، ومرقس كتب قبل أن يصيح الديك مرّتين تنكرني ثلاث مرات،
ولوقا قال لا يصيح الديك اليوم قبل أن تنكر ثلاث مرات أنك تعرفني، وأمّا يوحنا فقال الحق الحق أقول لك لا يصيح الديك حتى تنكرني ثلاث مرات. (يوحنا 13: 38)
فمتى ولوقا ويوحنا حددوا الإنكار ثلاث مرات قبل صياح الديك ومرقس قال ان الإنكار سيكون  قبل صياح الديك مرتين! فمن نصدق متّى ولوقا ويوحنا أم نصدق مرقس، والأربعة كتبوا أناجيلهم وهم مساقون من الروح المقدس؟!
ولتوضيح الاختلافات والتناقضات بين الاناجيل الأربعة في هذه القصة سأذكر موقف بطرس بعد إلقاء القبض على يسوع.
- أما بطرس فكان جالساً خارجاً في الدار،
فجاءت إليه جارية قائلة وأنت كنت مع يسوع الجليلي،
فأنكر قدّام الجميع قائلاً لست أدري ما تقولين،
ثم إذ خرج الى الدهليز رأته أُخرى فقالت للذين هناك وهذا كان مع يسوع الناصري،
فأنكر أيضاً بقسم إني لست أعرف الرجل،
وبعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس حقاً أنت أيضاً منهم فإن لغتك تظهرك،
فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف إني لا أعرف الرجل،
وللوقت صاح الديك، فتذكر بطرس كلام يسوع الذي قال له إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات فخرج الى خارج وبكى بكاء مُرّاً. (متّى 26: 69-75)
كما نقرأ فإن من قال لبطرس أنه مع يسوع في المرة الأُولى كانت امرأة وفي المرة الثانية امرأة أُخرى وفي الثالثة مجموعة من الموجودين هناك، كما نلاحظ أيضاً أن بطرس لم يكتف بالانكار بالقسم والحلف بل في المرة الثالثة ابتدأ يلعن يسوع!
- وبينما كان بطرس في الدار أسفل جاءت إحدى جواري رئيس الكهنة،
فلما رأت بطرس يستدفئ نظرت إليه وقالت وأنت كنت مع يسوع الناصري،
فأنكر قائلاً لست أدري ولا أفهم ما تقولين،
وخرج خارجاً إلى الدهليز،
فصاح الديك،
فرأته الجارية أيضاً وابتدأت تقول للحاضرين إن هذا منهم،
فأنكر أيضاً،
وبعد قليل أيضاً قال الحاضرون لبطرس حقاً أنت منهم لأنك جليلي أيضاً ولغتك تشبه لغتهم،
فابتدأ يلعن ويحلف أني لا أعرف هذا الرجل الذي تقولون عنه،
وصاح الديك ثانية،
فتذكر بطرس القول الذي قاله له يسوع إنك قبل أن يصيح الديك مرتين تنكرني ثلاث مرات، فلما تفكر به بكى. (مرقس 14: 66-72)
في هذا النص يؤكد مرقس قول يسوع ان بطرس سيُنكره قبل صياح الديك، ولكن ليس كما قال متّى، بل قال هناك مرتين وهنا أثبت أن الديك صاح مرتين! وهذا الاختلاف بين القصتين من المسؤول عنه، هل الروح المقدس الذي كان يسوق الكتبة عند كتابة الأناجيل؟
أم ان متّى كتب هذه القصة من المعلومات التي توفرت له ومرقس كتب من مصادر أُخرى بعيداً عن الروح المقدس؟ وهنا قد يتبادر الى عقل الانسان سؤالاً وهو أين المعزّي الروح المقدس الذي وعد يسوع تلاميذه أنه سيمكث معهم الى الأبد ويُخبرهم بالحق كله وبكل كلام يسوع؟
لماذا لم يقم المعزّي بإصلاح هذا الاختلاف، أم إن المعزي موافق على ما جاء في القصتين؟!
فهو يقول أن بطرس أنكر يسوع ثلاث مرات ومن ثم صاح الديك، وفي نفس الوقت يقول ان بطرس أنكر يسوع أول مرة فصاح الديك ومن ثم أنكره المرة الثانية والثالثة فصاح الديك للمرّة الثانية!
- ولما أضرموا النار في وسط الدار وجلسوا معاً جلس بطرس بينهم،
فرأته جارية جالساً عند النار فتفرّست فيه وقالت وهذا كان معه،
فأنكره قائلاً لست أعرفه يا امرأة،
وبعد قليل رآه آخر وقال أنت منهم، فقال بطرس يا انسان لست أنا،
ولما مضى نحو ساعة واحدة أكد آخر قائلاً بالحق إن هذا أيضاً كان معه لأنه جليلي أيضاً،
فقال بطرس يا انسان لست أعرف ما تقول،
وفي الحال بينما هو يتكلم صاح الديك،
فالتفت الرب ونظر الى بطرس، فتذكر بطرس كلام الرب كيف قال له إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات،
فخرج بطرس الى خارج وبكى بكاء مرّاً. (لوقا 22: 55-62)
وأما لوقا فقد وافق متّى في وقت صياح الديك ولكنه خالف متّى ومرقس فيمن وجه السؤال الثاني والثالث فهو يقول ان من وجه السؤالين هما رجلان، والآخران يقولان ان من وجه السؤال الثاني كانت امرأة ومن وجه السؤال الثالث كانوا مجموعة من الحاضرين، وأنا لن أُشدد على السؤال الثالث لأنه يمكن أن يكون أحد الحاضرين هو من وجه السؤال ويمكن أن يكونوا جميعاً فهذا له وجه معقول فيما كتب لوقا ولكن الشيء غير المعقول هو أن يُخطئ لوقا في معرفة جنس من وجه السؤال الثاني، فهذا الخطأ بحاجة الى شرح وتفسير من الكنائس حتى يقتنع أتباعها الطيبين أن الأناجيل مكتوبة بسوق من الروح المقدس!
- وأمّا بطرس فكان واقفاً عند الباب خارجاً،
فخرج التلميذ الآخر الذي كان معروفاً عند رئيس الكهنة وكلم البوّابة فأدخل بطرس،
فقالت الجارية البوابة لبطرس ألست أنت أيضاً من تلاميذ هذا الانسان،
قال ذاك لست أنا،
وكان العبيد والخدّام واقفين وهم قد أضرموا جمراً، لأنه كان برد، وكانوا يصطلون وكان بطرس واقفاً معهم يصطلي. (يوحنا 18: 16-18)
- وسمعان بطرس كان واقفاً يصطلي فقالوا له ألست أنت أيضاً من تلاميذه،
فأنكر ذاك وقال لست أنا،
قال واحد من عبيد رئيس الكهنة وهو نسيب الذي قطع بطرس أُذنه أما رأيتك أنا معه في البستان،
فأنكر بطرس أيضاً وللوقت صاح الديك. (يوحنا 18: 25-27)
في هذا النص يُخالف يوحنا متّى ومرقس في جنس من وجه السؤال الثاني فهو يقول أنهم مجموعة من الناس وليس امرأة، أو ان متّى ومرقس خالفا يوحنا فيمن وجه السؤال الثاني وكما قلت فهذا الاختلاف يشكك في قول الكنائس أن الاناجيل مكتوبة بسوق من الروح المقدس، الا اذا كانت الكنائس تقول ان الروح المقدس يُمكن أن يُخطئ مثل هذه الأخطاء.
من هذه النصوص وبعيداً عن الاختلافات التي بينها إلا أننا نجد أن بطرس قام بإنكار يسوع ولم يكتفي بهذا بل قام بلعنه، وهذا العمل لا يدل على إيمان بطرس أو التلاميذ الذين شاركوه الإنكار.
أنتقل الآن للحديث عن إعلان يسوع عن خيانة يهوذا الاسخريوطي وموقف التلاميذ منه.
وفيما هم يأكلون قال الحق أقول لكم إن واحداً منكم يسلّمني،
فحزنوا جداً، وابتدأ كل واحد منهم يقول له هل أنا هو يا رب،
فأجاب وقال الذي يغمس يده معي في الصحفة هو يسلمني،
إن ابن الانسان ماض كما هو مكتوب عنه،
ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يُسلّم ابن الانسان، كان خيراً لذلك الرجل لو لم يُولد،
فأجاب يهوذا مسلّمه وقال هل أنا هو يا سيدي،
قال له أنت قلت. (متّى 26: 21-25)
- ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر،
وفيما هم متكئون يأكلون قال يسوع الحق أقول لكم إن واحداً منكم يُسلمني، الآكل معي،
فابتدأوا يحزنون ويقولون له واحداً فواحداً هل أنا، وآخر هل أنا،
فأجاب وقال لهم هو واحد من الاثني عشر الذي يغمس معي في الصحفة. (مرقس 14: 17-20)
- ولكن هو ذا يد الذي يسلمني هي معي على المائدة، وابن الانسان ماض كما هو محتوم ولكن ويل لذلك الانسان الذي يُسلمه،
فابتدأوا يتساءلون فيما بينهم من ترى منهم هو المزمع أن يفعل هذا. (لوقا 22: 21-23)
في هذه النصوص نقرأ أن التلاميذ حزنوا عندما أبلغهم يسوع أن واحداً منهم سيسلمه وتساءلوا من هو، ولم يُظهروا أيّة ردّة فعل لحماية يسوع وهذا أمر غير مستغرب لأن يسوع لم يُبين شخصية الفاعل، وأما يوحنا فقد كتب قصة مختلفة عن الباقين وإن أثبت للتلاميذ صفة الحيرة التي لا تكاد تفارقهم كما في التص التالي:
- لما قال يسوع هذا اضطرب بالروح وشهد وقال الحق الحق أقول لكم إن واحداً منكم سيُسَلّمني،
فكان التلاميذ ينظرون بعضهم الى بعض وهم محتارون في من قال عنه،
وكان متكئاً في حضن يسوع واحد من تلاميذه كان يسوع يُحبه،
فأومأ إليه سمعان بطرس أن يسأل من عسى أن يكون الذي قال عنه،
فاتكأ ذاك على صدر يسوع وقال له يا سيد من هو،
أجاب يسوع هو الذي أغمس أنا اللقمة وأُعطيه،
فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا سمعان الاسخريوطي،
فبعد اللقمة دخله الشيطان، فقال له يسوع ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة،
وأمّا هذا فلم يفهم أحد من المتكئين لماذا كلمه به،
لأن قوماً إذ كان الصندوق مع يهوذا ظنوا أن يسوع قال له اشتر ما نحتاج إليه للعيد، أو أن يُعطي شيئاً للفقراء. (يوحنا 13: 21-29)
في هذا النص يقول يوحنا أن يسوع قال عن الذي سيسلمه هو الذي أغمس أنا اللقمة وأُعطيه، فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا، وهذا يعني أن يوحنا عرف من الذي سيُسلم يسوع، فماذا فعل لإظهار حبه وحب التلاميذ ليسوع الذي قال ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه. (يوحنا 15: 13)؟
لم يفعل يوحنا ولا التلاميذ الآخرين شيئاً لحماية يسوع وهذا الأمر يُشكك في حبهم ليسوع وإلتزامهم بوصاياه وتعاليمه وإيمانهم به.
بعد العشاء الأخير يخرج يسوع مع تلاميذه ليُصلي ويطلب منهم السهر معه والصلاة، فماذا كان موقف التلاميذ وهم يرون معلمهم يُصلي؟
لنقرأ ما كتبته الأناجيل عن موقف التلاميذ مع ملاحظة أن يوحنا لم يكتب شيئاً عن هذه القصة وهو الذي كان حاضراً كما هو مكتوب في الأناجيل الثلاثة، في حين أن كتبة الأناجيل الآخرين لم يكونوا حاضرين في ذلك الوقت.
- حينئذ جاء معهم يسوع إلى ضيعة يقال لها جثسيماني فقال للتلاميذ اجلسوا ههنا حتى أمضي وأُصلي هناك،
ثم أخذ معه بطرس وابني زبدي وابتدأ يحزن ويكتئب فقال لهم نفسي جداً حزينة حتى الموت،
امكثوا ههنا واسهروا معي،
ثم تقدم قليلاً وخرّ على وجهه وكان يُصلي قائلاً يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس،
ولكن ليس كما أُريد بل كما تريد أنت،
ثم جاء إلى التلاميذ فوجدهم نياماً،
فقال لبطرس أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة،
اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة،
أمّا الروح فنشيط وأمّا الجسد فضعيف،
فمضى أيضاً ثانياً وصلى قائلاً يا أبتاه إن لم يمكن أن تعبر عني هذه الكأس إلا أن أشربها فلتكن مشيئتك،
ثم جاء فوجدهم أيضاً نياماً،
إذ كانت أعينهم ثقيلة،
فتركهم ومضى أيضاً وصلى ثالثة قائلاً ذلك الكلام بعينه،
ثم جاء إلى تلاميذه وقال لهم ناموا الآن واستريحوا،
هو ذا الساعة قد اقتربت وابن الانسان يُسلم الى أيدي الخطاة. (متّى 26: 36-45)
- وجاءوا الى ضيعة اسمها جثسيماني فقال لتلاميذه اجلسوا ههنا حتى أُصلي،
ثم أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا وابتدأ يدهش ويكتئب،
فقال لهم نفسي حزينة جداً حتى الموت،
امكثوا هنا واسهروا،
ثم تقدم قليلاً وخرّ على الارض وكان يُصلي لكي تعبر عنه الساعة إن أمكن،
وقال يا أبا الأب كل شيء مستطاع لك،
فأجز عني هذه الكأس ولكن ليكن لا ما أُريد أنا بل ما تريد أنت،
ثم جاء ووجدهم نياماً،
فقال لبطرس يا سمعان أنت نائم،
أما قدرت أن تسهر ساعة واحدة،
اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة،
أما الروح فنشيط وأمّا الجسد فضعيف،
ومضى أيضاً وصلى قائلاً ذلك الكلام بعينه،
ثم رجع ووجدهم أيضاً نياماً،
إذ كانت أعينهم ثقيلة،
فلم يعلموا بماذا يجيبونه،
ثم جاء ثالثة وقال لهم ناموا الآن واستريحوا،
يكفي،
قد أتت الساعة هوذا ابن الانسان يُسلم الى أيدي الخطاة. (مرقس 14: 32-41)
- وخرج ومضى كالعادة إلى جبل الزيتون وتبعه أيضاً تلاميذه،
ولما صار الى المكان قال لهم صلوا لكي لا تدخلوا في تجربة،
وانفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلى،
قائلاً يا أبتاه إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس، ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك،
وظهر له ملاك من السماء يُقوّيه،
وإذ كان في جهاد كان يُصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض،
ثم قام من الصلاة وجاء إلى تلاميذه فوجدهم نياماً من الحزن،
فقال لهم لماذا أنتم نيام،
قوموا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة،
وبينما هو يتكلم إذا جمع والذي يدعى يهوذا احد الاثني عشر يتقدمهم فدنا من يسوع ليُقبله،
فقال له يسوع أبقبلة تسلم ابن الانسان. (لوقا 22: 39-48)
هذه القصة عليها الكثير من الملاحظات، سواء فيما يتعلق بصلاة يسوع لأبيه وطلبه تحقيق مشيئة أبيه التي تنقض الوحدة والمساوة بينهما، أو في طلبه أن تعبر عنه تلك الكأس والذي ينقض قول الكنائس أنه ما جاء إلا ليُصلب كي تتصالح الآلهة الثلاث مع آدم وذريته وترتفع خطيئة آدم نتيجة لأكله من الشجرة، أو في الاختلاف في طريقة الصلاة وعدد المرات التي صلى فيها والتي تشكك في مصداقية كتبة الأناجيل وسوقهم من الروح المقدس، وغيرها من الملاحظات، وقد قمت ببحثها بالتفصيل في كتاب يسوع ابن يوسف النجار أسئلة حائرة، والمهم في هذا الموضع هو موقف التلاميذ فيها، فنجد أنهم ظهروا غير مكترثين بيسوع ولا مُلتزمين بوصاياه، فهم ناموا على الرغم من رؤيته يحزن ويكتئب كما كتب متّى ويدهش ويكتئب كما كتب مرقس، وسماعهم له يقول لهم نفسي حزينة جداً حتى الموت، أو كما كتب لوقا وإذ كان في جهاد كان يُصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض، وطلبه منهم السهر والصلاة معه أو كما كتب متّى امكثوا ههنا واسهروا معي، اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة، أو كما كتب مرقس امكثوا هنا واسهروا، اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة، أو كما كتب لوقا ولما صار الى المكان قال لهم صلوا لكي لا تدخلوا في تجربة، فقال لهم لماذا أنتم نيام، قوموا صلوا لئلا تدخلوا في تجربة، وهذا الأمر استدعى منه الطلب من سمعان بطرس، أو الصخرة كما هو معنى كلمة بطرس، بصفة شخصية ليحضهم على الإلتزام بأمره لهم بالسهر والصلاة معه ولكن بصيغة استنكارية كما كتب متّى فقال لبطرس أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة، أو كما كتب مرقس فقال لبطرس يا سمعان انت نائم أما قدرت أن تسهر ساعة واحدة، ومع هذا فلم يؤثر كل هذا فيهم واستمروا في نومهم، إن هذا العمل من التلاميذ يدل بكل وضوح على أنهم لم يكونوا مؤمنين بيسوع سواء كمسيح أو كإله من الآلهة الثلاث الذين هم واحد، ولا ملتزمين بوصاياه وهو الذي قال ان الدليل على محبته والإيمان به هو الإلتزام بوصاياه وحفظ كلامه، كما في النصوص التالية:
كما أحبني الأب أحببتكم أنا، اثبتوا في محبتي،
إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما أنا قد حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته،
كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم. (يوحنا 15: 5-11)
ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه،
أنتم أحبائي إن فعلتم ما أُوصيكم به،
لا أعود أُسميكم عبيداً لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده،
لكني قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي،
ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم،
لكي يُعطيكم الأب كل ما طلبتم باسمي،
بهذا أُوصيكم حتى تُحبوا بعضكم بعضاً. (يوحنا 15: 12-17)
الذي عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يُحبني،
والذي يُحبني يُحبه أبي وأنا أُحبه وأُظهر له ذاتي. (يوحنا 14: 18-21)
فأين التلاميذ من هذا الكلام؟!
التلاميذ غافلون عن هذه الكلمات وغيرها، لأنهم نيام وأعينهم ثقيلة أو كما كتب متّى ثم جاء فوجدهم أيضاً نياماً، إذ كانت أعينهم ثقيلة، أو كما كتب مرقس ثم رجع ووجدهم أيضاً نياماً، إذ كانت أعينهم ثقيلة، وهنا يطلب منهم يسوع أن يناموا ويستريحوا، كما كتب متّى ثم جاء إلى تلاميذه وقال لهم ناموا الآن واستريحوا، أو كما كتب مرقس ثم جاء ثالثة وقال لهم ناموا الآن واستريحوا يكفي، وهذا أمر من يسوع يجب على التلاميذ تنفيذه فهل استجابوا له ؟
هذا الأمر سنعرفه من خلال موقف التلاميذ لحظة إلقاء القبض على يسوع كما في النصين التاليين:
- حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا. (متّى 26: 56)
فتركه الجميع وهربوا، وتبعه شاب لابساً ازاراً على عُيريِّه فأمسكه الشبان، فترك الإزار وهرب منهم عرياناً. (مرقس 14: 50-52)
التلاميذ كلهم تركوا يسوع وهربوا، لا بل إن أحدهم هرب عرياناً من شدة الخوف والهلع الذي أصابهم ونسوا يسوع وجميع أقواله ووعوده ومنها قوله ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر ان يكون لي تلميذاً (لوقا 14: 27)، فالوقت الآن للنجاة بالنفس!
ولكن ما هو موقف التلاميذ وأين كانوا خلال عملية الصلب التي استمرت ست ساعات؟
لا تذكر الاناجيل عن أي ظهور للتلاميذ الأحد عشر خلال عملية الصلب باستثناء ما كتبه يوحنا عن نفسه أنه كان هناك! إلا انها تشير الى حضور بعض النسوة كما في النصوص التالية:
- وكانت هناك نساء كثيرات ينظرن من بعيد وهنّ كنّ قد تبعن يسوع من الجليل يخدمنه، وبينهن مريم المجدلية ومريم أُم يعقوب ويوسي  وأُم ابني زبدي. (متّى 27: 55-56)
- وكانت أيضاً نساء ينظرن من بعيد بينهن مريم المجدلية ومريم أُم يعقوب الصغير ويوسي وسالومة، وأُخر كثيرات صعدن معه الى أُورشليم. (مرقس 15: 40-41)
وأما يوحنا فكتب عمن حضر عملية الصلب كما يلي:
- وكانت واقفات عند صليب يسوع أُمه وأُخت أُمه ومريم زوجة كلوبا ومريم المجدلية،
فلما رأى يسوع أُمه والتلميذ الذي كان يُحبه واقفاً قال لأُمه يا امرأة هو ذا ابنك، ثم قال للتلميذ هو ذا أُمك، ومن تلك الساعة أخذها التلميذ الى خاصته. (يوحنا 19: 25-27)
كما نقرأ فان يوحنا ذكر ثلاث نساء كن حاضرات، ثم يبدأ يوحنا بأخذنا إلى قصة لم يتحدث عنها أحد غيره، فكتب ان يسوع عندما رأى أُمه والتلميذ الذي يحبه يسوع قال لأُمه يا امرأة!
يا امرأة وكأنه لا يعرف اسمها، ولكن ماذا يريد أن يقول يسوع لأُمه؟
قال لها يا امرأة هو ذا ابنك، أي ان يوحنا الذي قال له يسوع انه لا يعرف من أي روح هو أصبح الآن في منزلة يسوع، ثم يتابع كلامه فيقول ليوحنا هو ذا أُمك، ومن تلك الساعة أخذها يوحنا الى خاصته!
فالتلاميذ الرجال كانوا مُختفين عند صلب يسوع ولم يحضر أحد منهم ولم يحملوا صلبانهم ويتبعوه ولم يُهلكوا أنفسهم من أجله ومن أجل الإنجيل كما طلب منهم ذلك مِن قبل، والرجل الوحيد الذي حضر حادثة الصلب هو يوحنا الذي أخذ مريم إلى خاصته كما قال هو وحده لأن الأناجيل الأُخرى لم تذكر هذا الأمر، وقد أظهرت خطأ هذا القول في فصل شخصية مريم.
وبعد الصلب تذكر الاناجيل الثلاثة ان الذي قام بتكفين يسوع ودفنه في القبر هو يوسف الذي من الرّامة وأضاف يوحنا في انجيله رجلاً آخر هو نيقوديموس، كما في النصوص التالية:
- ولما كان المساء جاء رجل غني من الرّامة اسمه يوسف وكان هو أيضاً تلميذاً ليسوع،
فهذا تقدم إلى بيلاطس وطلب جسد يسوع،
فأمر بيلاطس حينئذ أن يُعطى الجسد،
فأخذ يوسف الجسد ولفه بكتان نقي،
ووضعه في قبره الجديد الذي كان قد نحته في الصخرة،
ثم دحرج حجراً كبيراً على باب القبر ومضى. (متّى 27: 57-60)
- ولما كان المساء إذ كان الاستعداد أي ما قبل السبت جاء يوسف الذي من الرّامة مشير شريف وكان هو أيضاً منتظراً مملكة الإله فتجاسر ودخل الى بيلاطس وطلب جسد يسوع،
فتعجب بيلاطس أنه مات كذا سريعاً،
فدعا قائد المئة وسأله هل له زمان قد مات،
ولما عرف من قائد المئة، وهب الجسد ليوسف،
فاشترى كتاناً فانزله وكفنه ووضعه في قبر كان منحوتاً في صخرة ودحرج حجراً على باب القبر،
وكانت مريم المجدلية ومريم أُم يوسي تنظران أين وُضِع. (مرقس 15: 42-47)
- وإذا رجل اسمه يوسف وكان مشيراً ورجلاً صالحاً بارّاً، هذا لم يكن موافقاً لرأيهم وعملهم وهو من الرّامة مدينة لليهود، وكان هو أيضاً ينتظر مملكة الاله،
هذا تقدم الى بيلاطس وطلب جسد يسوع، وأنزله ولفه بكتان ووضعه في قبر منحوت حيث لم يكن أحد وُضع قط. (لوقا 23: 50-53)
- ثم إن يوسف الذي من الرّامة وهو تلميذ يسوع ولكن خفية لسبب الخوف من اليهود، سأل بيلاطس أن يأخذ جسد يسوع،
فأذن بيلاطس فجاء وأخذ جسد يسوع،
وجاء أيضاً نيقوديموس الذي أتى أولاً الى يسوع ليلاً،
وهو حامل مزيج مرّ وعود نحو مئة مناً،
فأخذا جسد يسوع ولفاه بأكفان مع أطياب كما لليهود عادة أن يكفنوا، وكان في الموضع الذي صلب فيه بستان وفي البستان قبر جديد ولم يوضع فيه أحد قط،
فهناك وضعا يسوع لسبب استعداد اليهود لأن القبر كان قريباً. (يوحنا 19: 38-42)
كما نقرأ في هذه النصوص فإن مَن كفّن يسوع ودفنه هو يوسف الذي من الرّامة وأضاف يوحنا نيقوديموس ولا نجد أي ذكر لمساهمة التلاميذ الأحد عشر في التكفين والدفن فأين حبهم ليسوع وحملهم لصلبانهم واتباعه وإهلاكهم لأنفسهم بدلاً عنه؟
لا أثر لكل هذا فهم مُختبؤون خوفاً من اليهود ونسوا أن يسوع اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الإله معنا، هذا موقف التلاميذ خلال قصة الصلب فهل سيتغير هذا الموقف في قصة القيامة؟
موقف التلاميذ من قيامة يسوع
نأتي الآن للحديث عن موقف التلاميذ من قيامة يسوع فهذا الموقف قد يغير الصورة عن هؤلاء التلاميذ بعد كل هذه المواقف الغريبة التي بدأت بعد أن أكلوا جسد يسوع وشربوا دمه، ونحن الناس العاديين نظن أنهم أكلوا خبزاً وشربوا قليلاً من الخمر! فلعلهم بعد صلبه وقيامته حلّ يسوع فيهم، وأما قبل ذلك فلم يكن حالاً! وحلول الروح المقدس بالتعميد لم يكن كافياً للايمان بيسوع واتخاذ مواقف غير التي قرأناها سابقاً، ونظراً لأهمية هذه القصة سواء في الأناجيل أو في قوانين إيمان الكنائس فسأذكرها بالتفصيل الذي من خلاله سنلاحظ موقف التلاميذ من القيامة وكذلك مدى التناقض بين الأناجيل فيما كتبته عن قيامة يسوع من الأموات.
- وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر،
وإذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه،
وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج،
فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات،
فأجاب الملاك وقال للمرأتين لا تخافا أنتما،
فإني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب،
ليس هو ههنا لأنه قام كما قال،
هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعاً فيه،
واذهبا سريعاً قولا لتلاميذه إنه قد قام من الأموات،
ها هو يسبقكم الى الجليل، هناك ترونه،
ها أنا قد قلت لكما،
فخرجتا سريعاً من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين لتخبرا تلاميذه،
وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما وقال سلام لكما،
فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له،
فقال لهما يسوع لا تخافا، اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل وهناك يرونني. (متّى 28: 1-10)
هذا النص بحسب ترتيب الاناجيل في الطباعة يُعتبر الأول الذي تحدث عن موقف التلاميذ من قيامة يسوع، وكما نقرأ في النص فإنه وبعد السبت عند فجر أول الاسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر.
ومع أن متّى يحدد الوقت بقوله عند الفجر ويحدد السبب بقوله لتنظرا القبر إلا أنه لم يذكر أي شيء عن الحنوط ولا الطيب، ثم يقول واذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه، وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج.
وهذه الوصف الدقيق لما حدث عند وصول مريم المجدلية ومريم الأُخرى من حدوث زلزلة عظيمة لدحرجة ملاك الرب لحجر، ووصفه للملاك بدقة متناهية فهو بعد دحرجة الحجر جلس عليه وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج، يدل على علم متّى الذي لا يلابسه شك.
ولكنني أتساءل هل دحرجة حجر من باب قبر يمكن أن يسبب زلزال! ونحن نقرأ في إنجيل يوحنا أنه عندما أحيا يسوع لعازر أمر بعض الرجال بدحرجة الحجر الذي على قبر لعازر ولم يحدث زلزال؟!
ثم جلوس ملاك الرب على الحجر وهو كما يصفه متّى كالبرق فكيف سيسعه الحجر الا اذا كان برقاً صغيراً.
ثم يكتب متّى فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات، وهذا الحديث عن الحراس هو استكمال لقصة طلب اليهود من بيلاطس وضع حراس على القبر خوفاً من قيام التلاميذ بسرقة الجسد والقول ان يسوع قام من الأموات، مع أن التلاميذ في ذلك الوقت لم يكونوا يفكرون سوى بتخليص أنفسهم من اليهود لأنهم كانوا خائفين منهم.
ولو فُقد جسد من قبر هل يعني هذا قيامة صاحب الجسد حياً من القبر؟
هذا سنعرفه من خلال ردة فعل التلاميذ على من قالوا لهم ان يسوع لا يوجد في قبره؟
ثم يتحدث متّى عن الكلام الذي قاله الملاك لمريم المجدلية ومريم الأُخرى فأجاب الملاك وقال للمرأتين لا تخافا أنتما، فإني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب،
ليس هو ههنا لأنه قام كما قال، هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعاً فيه، انه قد قام من الأموات.
في هذا الكلام تأكيد من ملاك الرب على أن يسوع كان قد قال لتلاميذه بكلام واضح أنه سيقوم من الأموات مما يعني أن الأقوال المنسوبة للتلاميذ أنهم لم يكونوا يعلمون ان يسوع سيقوم من الأموات غير صحيحة، وبحاجة الى تفسير من الكنائس التي تقول ان الروح المقدس كان يسوق كتبة الأناجيل وهذه النصوص جاءت في انجيل مرقس ولوقا ويوحنا، أو تستطيع الكنائس أن تقول لا، بل الذي كتبه متّى هو غير صحيح وأن التلاميذ لم يكونوا يفهمون ويعرفون أن يسوع سيقوم من الأموات كما كتب مرقس ولوقا ويوحنا!
ثم يُكمل متّى كلامه فيقول على لسان الملاك ها هو يسبقكم الى الجليل، هناك ترونه، ها أنا قد قلت لكما، أظن أن الكلام واضح ودقيق، وينهي ملاك الرب بقوله ها أنا قد قلت لكما لتأكيد أنه يتكلم مع مريم المجدلية ومريم الأُخرى.
ثم يتابع متّى سرد تفاصيل القصة فيقول فخرجتا سريعاً من القبر بخوف وفرح عظيم راكضتين لتخبرا تلاميذه، وهنا يقول متّى انهما ذهبتا لتخبرا التلاميذ بما سمعتاه من ملاك الرب وأن يسوع قام من الأموات وأنه سيسبقهم الى الجليل وهناك يرونه، ولكن في الطريق تحدث مفاجئة، فيكتب متّى وفيما هما منطلقتان لتخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهما وقال سلام لكما، فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له، متّى يكتب أن يسوع نفسه ظهر لهما في الطريق قبل أن يظهر للتلاميذ في الجليل كما قال ملاك الرب وهذا الظهور أظنه لتأكيد كلام الملاك لأن يسوع يعلم قلة إيمان التلاميذ فهم من الممكن أن لا يصدقوا مريم المجدلية ومريم الأخرى اذا قالتا أنهما شاهدتا ملاكاً وقال لهما أن يسوع سيلتقي بهم في الجليل، فظهر يسوع نفسه للمرأتين وقال لهما تقريباً ذات الكلام الذي كتبه متّى على لسان ملاك الرب، فكتب قائلاً: فقال لهما لا تخافا، اذهبا وقولا لإخوتي أن يذهبوا الى الجليل وهناك يرونني، وباختصار شديد فإن يسوع يقول انه سيلتقي بالتلاميذ في الجليل ولهذا عليهم الذهاب هناك لملاقاته، وهذا يُعتبر أمر ووصية من يسوع، فماذا ستكون ردة فعل هؤلاء على قول ملاك الرب وقول يسوع نفسه على الطلب منهم الذهاب الى الجليل؟
وبعد هذا الكلام ينتقل متّى بالحديث عن الحراس ورشوة اليهود لهم بالفضة كي يقولوا ان التلاميذ جاءوا وسرقوه ليلاً، فشاع هذا القول عند اليهود الى هذا اليوم. (متّى 28: 11-15)
أي إن القصة الغير مبنية على أحداث حقيقية تعتبر إشاعة، لنتذكر هذا القول جيداً.
ثم كتب متّى قصة لقاء التلاميذ بيسوع فقال:
وأما الأحد عشر تلميذاً فانطلقوا إلى الجليل إلى الجبل حيث أمرهم يسوع ولما رأوه سجدوا له ولكن بعضهم شكّوا،
فتقدم يسوع وكلمهم قائلاً دُفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الأب والابن والروح المقدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به وها أنا معكم كل الأيام الى انقضاء الدهر. (متّى 28: 16-20)
النص واضح وكلماته بسيطة ولا يحتاج الى شرح وتعليق، سوى التذكير بأنه لم يُبيّن المكان الذي التقى يسوع بهم وكيفية ظهوره لهم هل بالجسد أم بهيئة أُخرى كما ذكر مرقس في إنجيله، كما أنه لم يُبين من هم التلاميذ الذين شكوا فيه وسبب هذا الشك، ثم يكتب متّى الفقرات الأخيرة والتي شرحتها سابقاً، وهنا ينتهي ظهور يسوع للتلاميذ فهو ظهر لهم مرة واحدة كما ينتهي انجيل متّى، وأنتقل الى انجيل مرقس لنقرأ ما كتب عن موقف التلاميذ من قيامة يسوع وظهور لهم.
وبعدما مضى السبت اشترت مريم المجدلية ومريم أُم يعقوب وسالومة حنوطاً ليأتين ويدهنه، وباكراً جداً في أول الاسبوع أتين الى القبر إذ طلعت الشمس،
مرقس في هذا النص يزيد امرأة جديدة اسمها سالومة حضرت الى القبر، كما انه يُحدد السبب الذي من أجله جاءت النسوة، فيقول إنهن جئن ليدهنّ يسوع بالحنوط، وهنا لا بد من وقفة أمام هذا الأمر ونتخيل مدى ايمان تلك النسوة بقانون الكنائس القائل أن يسوع هو الجسد الذي حلّت فيه الأقانيم الثلاثة، أو أحدها، بحسب إيمان كل كنيسة من الكنائس اللمختلفة، وأنهن أحضرن حنوطاً لدهنه، وكنّ على أمل أن يَجدنه ميتاً ومسجّى في أكفانه كي يُدفن بحسب شريعة اليهود!
كما يحدد مرقس الوقت الذي وصلن فيه الى القبر بدقة أكثر من متّى فيقول انه كان وقت طلوع الشمس أو بتعبيره أذ طلعت الشمس، ثم يقول:
- وكن يقلن فيما بينهن من يدحرج لنا الحجر عن باب القبر،
فتطلعن ورأين أن الحجر قد دُحرج، لأنه كان عظيماً جداً،
وهنا يخالف مرقس متّى أو على الأقل لا يذكر من الذي دحرج الحجر ولا يتحدث عن الزلزلة التي حدثت ولا عن جلوس ملاك الرب الذي هو كالبرق على الحجر، بل يكتفي بوصف الحجر فيقول عنه انه كان عظيماً جداً، وينسى أنه كتب أن يوسف الذي من الرّامة هو من دفن يسوع وبالتالي فان الحجر لم يكن أكبر من قدرة رجل واحد على حمله أو دحرجته ووضعه على باب القبر!
كما أنه ينسى، أو لا يعلم، أن مريم المجدلية كان أخوها لعازر قد مات وأحياه يسوع ولم يحتاج الى معجزة لدحرجة الحجر الذي على باب القبر بل أمر بعض الحاضرين بدحرجته.
ولكن مرقس يزيد الشك والحيرة في مصداقية قصته اذ لم يقل من الذي دحرج هذا الحجر العظيم جداً وينتقل للحديث عن موقف النسوة وهن داخل القبر فيقول:
- ولما دخلن القبر رأين شاباً جالساً عن اليمين لابساً حلة بيضاء،
فاندهشن، فقال لهن لا تندهشن،
ونحن مندهشون معهن فمتّى، وهو من التلاميذ الاثني عشر، لم يخبرنا أن مريم المجدلية ومريم الأخرى وجدتا شاباً لابساً حلة بيضاء في القبر!
ثم يبدأ كلام هذا الشاب، ولم يقل لنا مرقس ان كان هذا الشاب ملاكاً أو إنساناً أو من المخلوقات الأُخرى، عن قيامة يسوع من الأموات فيكتب مرقس قائلاً:
- أنتن تطلبن يسوع الناصري المصلوب، قد قام، ليس هو ههنا،
هو ذا الموضع الذي وضعوه فيه،
إن الشاب يُعلن للنسوة أن يسوع قام وأنه ليس ههنا ولتأكيد كلامه يقول لهن هو ذا الموضع الذي وضعوه فيه، وهذا القول ينقض ما تحاول الكنائس ان تثبته عن الثالوث في العهد القديم وذلك بالقول ان استخدام صيغ الجمع في الحديث عن الرب تفيد التثليث، لان مرقس هنا استخدم صيغة الجمع مع انه كتب أن يوسف وحده هو من قام بدفن يسوع!
ثم يكتب مرقس كلاماً على لسان الشاب الذي يلبس حلة بيضاء مشابهاً لما قاله ملاك الرب لمريم المجدلية ومريم الأخُرى في انجيل متّى فيقول:
- لكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس إنه يسبقكم الى الجليل،
هناك ترونه كما قال لكم،
وفي هذا النص تأكيد لما كتبه متّى مِن أن يسوع سيلتقي بتلاميذه في الجليل وهناك يرونه، وهذا الكلام من الممكن تقبله من متّى عندما قال ليس هو ههنا لأنه قام كما قال، لأن متّى لم يكتب أن التلاميذ لم يفهموا ما قاله يسوع عن قيامته بل ذكر أن بطرس انتهره عندما قال ذلك تأكيداً منه على فهم التلاميذ لقيامة يسوع، ولكنه مستغرب من مرقس هذا القول لأنه كتب وبعد أن يُقتل يقوم في اليوم الثالث، وأمّا هم فلم يفهموا القول وخافوا أن يسألوه. (مرقس 9: 31-32). فكيف يكتب أن الشاب لابس الحلة البيضاء كالثلج يستشهد بكلام يسوع اذا كان التلاميذ غير فاهمين.
- فخرجن سريعاً وهربن من القبر،
لأن الرعدة والحيرة أخذتاهن،
ولم يقلن لأحد شيئاً لأنهن كن خائفات. (مرقس 16: 1-8)
وهنا يقول مرقس أن مريم المجدلية ومريم أُم يعقوب وسالومة لم يُخبرن التلاميذ بما رأينه في القبر بخلاف متّى الذي قال ان مريم المجدلية ومريم الأُخرى خرجتا سريعاً لتخبرا التلاميذ، كما أنه لم يذكر لنا عن ظهور يسوع للنسوة كما قال متّى ان يسوع ظهر لمريم المجدلية ومريم الأُخرى في الطريق فأمسكتا بقدميه وسجدتا له.
وهنا ينتهي إنجيل مرقس، ولكن بعض رجال الكتبة أضافوا عليه الفقرات التالية الى نهاية الإنجيل، ووافقت الكنائس على اعتبار أن الفقرات التالية هي قانونية ويجب قبولها!
وأنا سأُوافق على ما تقوله الكنائس وأُكمل الحديث بإعتبارها جزءاً من إنجيل مرقس.
وبعدما قام باكراً في أول الأُسبوع ظهر أولاً لمريم المجدلية التي كان قد أخرج منها سبعة شياطين،
في هذه الفقرة يقول مرقس، أو من أضاف الفقرات الى إنجيل مرقس، ان يسوع قام باكراً في أول الأسبوع وظهر لمريم المجدلية، وهنا لا ندري هل هو يُشير الى ظهور يسوع لمريم قبل قدومها الى القبر مع مريم أُم يعقوب وسالومة أم انه يقصد أنه ظهر عندما حضرن الى القبر؟
فهو يقول في أول النص أنهن حضرن اذ طلعت الشمس وهنا يقول ان يسوع قام باكراً، فمتى ظهر يسوع لمريم؟ واذا ظهر لمريم المجدلية وهي مع مريم أُم يعقوب وسالومة فلماذا لم يظهر لهما؟
وبعد هذا الظهور يقول مرقس:
- فذهبت هذه وأخبرت الذين كانوا معه وهم ينوحون ويبكون،
فلمّا سمع أُولئك أنه حيّ وقد نظرته،
فلم يُصدقوا. (مرقس 16: 9-11)
فموقف التلاميذ من قيامة يسوع هو عدم التصديق، فإذا كان التلاميذ لم يصدقوا بقيامة يسوع فمن يُصدق؟!
بعد هذا الظهور نقرأ في إنجيل مرقس عن ظهور آخر ليسوع ولكنه لا يُحدد مكان الظهور مع أنه كتب سابقاً ان يسوع سيلتقي بالتلاميذ في الجليل كما في النص التالي:
- وبعد ذلك ظهر بهيئة أُخرى لاثنين منهم وهما يمشيان منطلقين الى البرية،
وذهب هذان واخبرا الباقين، فلم يصدقوا ولا هذين. (مرقس 16: 12-13)
في هذا النص مكتوب أن يسوع ظهر بهيئة أُخرى ولم يُبين طبيعة هذه الهيئة وسبب ذلك، ولماذا ظهر يسوع بهيئة أُخرى وهو لم يعد خائفاً من اليهود الذين قاموا بقتله وقام هو من الأموات، أم ان يسوع يعتقد أن لليهود سلطاناً على تهديده وإخافته على الرغم من قيامته من الأموات؟!
والظهور الثالث ليسوع والأخير المكتوب في إنجيل مرقس نقرأه في النص التالي:
- وأخيراً ظهر للأحد عشر وهم متكئون،
ووبخ عدم ايمانهم وقساوة قلوبهم،
لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام. (مرقس 16: 14)
في هذا النص يؤكد يسوع أن التلاميذ غير مؤمنين به ولا بقيامته من الأموات!
وفي ختام هذه الفقرات وبعد أن وصف يسوع التلاميذ بعدم الإيمان وقسوة القلوب يكتب من أضاف هذه الفقرات أن يسوع أعطى التلاميذ بعض الآيات والقدرات كما في النص التالي:
- وقال لهم اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالانجيل للخليقة كلها،
من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يُدن،
وهذه الآيات تتبع المؤمنين،
1- يخرجون الشياطين باسمي،
2- ويتكلمون بألسنة جديدة،
3- ويحملون حيات وإن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم،
4- ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون. (مرقس 16: 17-18)
هل هذه الآيات حقاً تتبع التلاميذ، والتاريخ يذكر أن يوحنا مات بالسم؟
ثم كيف تحول يسوع من توبيخ التلاميذ لعدم ايمانهم وقسوة قلوبهم إلى إرسالهم للكرازة بالانجيل؟
فإذا كانوا وهو حيّ بينهم يخالفون أوامره ووصاياه وينكرونه ويشكون فيه وينامون وهو يدعوهم للسهر معه ولو لساعة واحدة ومن ثم يهربون عنه ويتركونه وحيداً وينتهره بطرس، وعند إلقاء القبض عليه لا يكتفي بطرس بإنكاره بل يلعنه، كل هذه الأمور حدثت ويسوع بينهم ثم وبعد لحظة واحدة يطلب منهم الكرازة بالانجيل!
ولا يكتفي بالطلب منهم بالتبشير والكرازة بل يُعطيهم آيات تتبع المؤمنين به وبهم، فيعطيهم القدرة على شفاء المرضى ولو كانت هذه العطية صحيحة لما كان هناك مرضى ولا أمراض في العالم، ولاستطاع رجال الكنائس أن يعالجوا أنفسهم بدل أن يبقى الواحد منهم مريضاً بعدة أمراض ولعدة سنوات.
وقبلها يعطيهم القدرة على شرب السموم ولا أظن أن أحداً من أتباع الكنائس الطيبين سيفرح بمحاولة التحقق من صحتها فيتناول كأساً من السم، أو انه سيوافق على طلب احدهم منه أن يشرب سمّاً كي يُظهر إيمانه بما يؤمن به.
 وقبل تناول السم يعطيهم القدرة على التكلم باللغات المختلفة ولو كانت هذه الآية صحيحة لما احتاجت الكنائس إلى ترجمة الأناجيل إلى الفي لغة وهي تفتخر بذلك ولما كان مبشرو الكنائس يدخلون معاهد تعليم اللغات للدول التي سيذهبون إليها، ولما تمت كتابة الأناجيل أصلاً باللغة اليونانية التي لم يكن يتكلمها يسوع بل كان يتكلم الأرامية كما هو معروف!
وأما لوقا فقد كتب عن موقف التلاميذ من قيامة يسوع من القبر وظهوره للتلاميذ كما يلي:
وتبعته نساء كن قد أتين معه من الجليل ونظرن القبر وكيف وُضع جسده،
فرجعن وأعددن حنوطاً وأطياباً،
وفي السبت استرحن حسب الوصية. (لوقا 23: 55-56)
يبدأ لوقا بالتمهيد لقصة قيامة يسوع من الأموات فيتحدث عن النسوة اللواتي تبعنه وأتين معه من الجليل وكن عند القبر ونظرن كيف وضُع جسده فيه، ثم يقول انهن رجعن من عند القبر وأعددن حنوطاً وأطياباً، وفي السبت استرحن!
وهذا الكلام وان كان يدل على تناسق ما يكتبه لوقا الا أنه للأسف يتناقض مع ما كتبه مرقس، لأن مرقس قال انهن اشترين الحنوط بعد السبت وليس قبله!
وفي أول الاسبوع أول الفجر أتين الى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه ومعهن أُناس،
متّى يقول أن من ذهب الى القبر مريم المجدلية ومريم الأُخرى وهو من التلاميذ الإثني عشر، ومرقس أضاف امرأة مع الذاهبات لرؤية القبر وهذا الخطأ لا نستطيع أن نقول عنه أنه خطأ كبير، وأما لوقا فيقول ان الذاهبين الى القبر صاروا مجموعة من النساء، فماذا نعمل لتتوافق القصص مع بعضها البعض؟
- فوجدن الحجر مُدحرجاً عن القبر،
وهنا يوافق لوقا مرقس في عدم الحديث عن ملاك الرب الذي كان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج وأحدث زلزلة عظيمة عند دحرجته للحجر ثم جلس عليه كما كتب متّى.
- فدخلن ولم يجدن جسد الرب يسوع،
وفيما هن محتارات في ذلك إذا رجلان وقفا بهن بثياب براقة،
وإذ كن خائفات ومنكسات وجوههن الى الارض، قالا لهن لماذا تطلبن الحي بين الاموات،
من يقرأ هذه الفقرات يشعر كأن لوقا كان حاضراً في القبر من دقة أوصافه لما يجري هناك فهو يقول ان النسوة بعد أن دخلن القبر ولم يجدن جسد يسوع تحيّرن، وهذه الحيرة تدل قلة إيمان التلاميذ من النساء أيضاً!
وخلال حيرة النساء يكتب لوقا: اذا رجلان وقفا بهن، ولزيادة إثبات صحة وصدق ما يقول يصف ثياب الرجلين فيقول ان ثيابهما كانت براقة، وهذا الوصف يكون دليلاً على صحة قائله لولا أنه يُخالف ما قاله مرقس الذي تحدث عن رجل واحد وزيادة في إثبات صحة قوله قال ان ذلك الشاب كان لابساً حلة بيضاء ولم يكتف مرقس بهذا بل حدد موضعه فقال انه كان جالساً عن اليمين!
فمن هو المسؤول عن هذا الاختلاف وكم شخصاً كانوا في القبر وكم امرأة ذهبت إلى القبر؟
- ليس هو ههنا لكنه قام،
اذكرن كيف كلمكن وهو بعد في الجليل، قائلاً إنه ينبغي أن يُسلم ابن الانسان في أيدي أُناس خطاة ويُصلب وفي اليوم الثالث يقوم،
فتذكرن كلامه،
في هذه الفقرات وكي يلتزم لوقا بما كتب سابقاً من ان التلاميذ لم يفهموا ما كان يقوله يسوع لهم عن قيامته من القبر كما في النصين التاليين:
- لأنه يُسلم الى الأُمم ويُستهزأ به ويُشتم ويُتفل عليه،
ويجلدونه ويقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم،
وأما هم فلم يفهموا من ذلك شيئاً، وكان هذا الأمر مُخفىً عنهم،
ولم يعلموا ما قيل. (لوقا 18: 32-34)
إن ابن الانسان سوف يُسلم الى أيدي الناس،
وأما هم فلم يفهموا هذا القول، وكان مُخفىً عنهم لكي لا يفهموه،
وخافوا أن يسألوه عن هذا القول. (لوقا 9: 45)
كتب ان الرجلين وجها كلامهما للنساء مباشرة وذكراهن بما قاله يسوع لهن مباشرة عن صلبه وقيامته وحددا المكان في الجليل، فتذكرن كلام يسوع!
مع ان لوقا وباقي كتبة الاناجيل لم يكتبوا أيّة قصة عن توجيه يسوع كلامه مباشرة للنساء يخبرهن فيه عن قيامته لا في الجليل ولا في غير الجليل!
- ورجعن من القبر وأخبرن الأحد عشر وجميع الباقين بهذا كله،
وكانت مريم المجدلية ويونا ومريم أُم يعقوب والباقيات معهن اللواتي قلن هذا للرسل،
فتراءى كلامهن لهم كالهذيان، ولم يصدقوهن،
هذه الفقرات تظهر حقيقة إيمان التلاميذ بقيامة يسوع من الأموات، فكما نقرأ فهم لم يؤمنوا أن يسوع قام من الأموات واعتبروا أن من يقول ذلك يهذي ولم يُصدقوا أنه قام!
فهل بعد هذا الكلام يستطيع أحد أن يقول أن التلاميذ مؤمنون بيسوع أو مُحبون له، أو ملتزمون بوصاياه وتعاليمه وأقواله؟
- فقام بطرس وركض إلى القبر فانحنى ونظر الأكفان موضوعة وحدها،
فمضى متعجباً في نفسه مما كان. (لوقا 24: 1-12)
نلاحظ هنا أن لوقا لم يذكر ظهور يسوع لا للنسوة، ولا لمريم المجدلية ومريم الأخرى كما كتب متّى، ولا ظهوره لمريم المجدلية وحدها كما كتب مرقس قبل إخبارهن التلاميذ، وإنما تحدث عن ذهاب بطرس راكضاً نحو القبر ورؤيته للأكفان وتعجبه، ولم يكتب عن إيمانه!
ثم ينتقل لوقا بعد هذا للحديث عن أول ظهور ليسوع للتلاميذ كما في النص التالي:
وإذا اثنان منهم كانا منطلقين في ذلك اليوم الى قرية بعيدة عن أُورشليم ستين غلوة اسمها عمواس،
وكانا يتكلمان بعضهما مع بعض عن جميع هذه الحوادث، وفيما هما يتكلمان اقترب إليهما يسوع نفسه وكان يمشي معهما،
ولكن أُمسكت أعينهما عن معرفته،
في هذه الفقرات يذكر لوقا ان التلاميذ بدؤوا بالعودة إلى الى مدنهم وقراهم بعد صلب يسوع، ويذكر قصة التلميذين الذاهبين الى عمواس، ويقول ان يسوع ظهر لهما وهما في الطريق وكان يمشي معهما ولكن أُمسكت أعينهما عن معرفته.
لماذا أُمسكت أعينهما وكيف أُمسكت؟!
- فقال لهما ما هذا الكلام الذي تتطارحان به وأنتما ماشيان عابسين،
فأجاب أحدهما الذي اسمه كليوباس وقال له هل أنت متغرّب وحدك في أُورشليم ولم تعلم الأُمور التي حدثت فيها في هذه الأيام،
فقال لهما وما هي،
فقالا المختصة بيسوع الناصري الذي كان إنساناً، نبياً، مقتدراً في الفعل والقول أمام الإله وجميع الشعب، كيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت وصلبوه،
الكلام واضح ولا يحتاج الى شرح ولكن نلاحظ ان التلميذين قالا عن يسوع انه كان انساناً ونبياً مقتدراً في الفعل والقول أمام الإله وجميع الشعب، ولا أُريد الحديث عن معنى الانسان ولا معنى النبي ولا معنى الاقتدار في الفعل والقول أمام الإله وجميع الشعب، ولكن لنقرأ ما كتب لوقا بعد هذا.
- ونحن كنا نرجوا أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل ولكن مع هذا كله له ثلاثة أيام منذ حدث ذلك،
هذه الفقرة تبين حقيقة ايمان التلاميذ فهم كانوا يرجون أن يكون يسوع هو المزمع أن يفدي اسرائيل!
ويسوع عندما لم يفد اسرائيل ومات على الصليب، عاد التلاميذ الى مدنهم وقراهم وإن انتظروا عدة أيام للتأكد من موته ومن عدم قيامه بفداء اسرائيل.
- بل بعض النساء منّا حيرننا إذ كن باكراً عند القبر،
ولما لم يجدن جسده أتين قائلات أنهن رأين منظر ملائكة وقالوا إنه حي،
ومضى قوم من الذين معنا الى القبر فوجدوا هكذا كما قالت أيضاً النساء وأما هم فلم يروه،
في هذه الفقرات يقول لوقا على لسان التلميذين ان بعض النسوة حيّرن التلاميذ عندما لم يجدن جسده في القبر وأنهن رأين منظر ملائكة في القبر وقالوا انه حيّ.
وهذا يدل على ان التلاميذ لم يكونوا يؤمنون بقيامة يسوع وان صفة الحيرة تحيط بهم وهي ليست من صفات الايمان.
- فقال لهما أيها الغبيان،
والبطيئا القلوب في الايمان بجميع ما تكلم به الانبياء، أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل مجده،
في هذه الفقرة يكتب لوقا ان يسوع وصف التلميذين بأوصاف لا تدل على معرفتهما بأسرار مملكة السماء ولا بحلول الروح المقدس فيهما بالتعميد، ولا بحفظهما لكلامه ووصاياه، فيصفهما بأنهما غبيان وبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء.
وهنا كما نقرأ يرجع لوقا للحديث عن العهد القديم، وكما قلت فإن العهد القديم يتحدث عن رجل وليس عن ثلاثة آلهة تحلّ في جسد، وإلا لو كان العهد القديم يتحدث عن ثلاثة آلهة تحلّ في جسد إنسان لعرف الكتبة والفريسيون واليهود ذلك، ولما واجهوا صعوبة في الإيمان بيسوع، لأنهم يقرؤون العهد القديم قبل ولادة يسوع بمئات السنين، فهم لم يفهموا ولم يخبرهم أحد من الأنبياء عن وجود ثلاث آلهة أصلاً فضلاً عن حلولها في جسد أو في أي شيء!
- ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب. (لوقا 24: 13-27)
يقول لوقا للتأكيد على أن يسوع تحدثت عنه أسفار العهد القديم كلها، ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأُمور المختصة به في جميع الكتب، في جميع الكتب!
ومع أن لوقا لم يكتب ما هي الأمور التي فسرها يسوع لهما والمختصة به، إلا انني كنت قد جمعت معظم تلك النصوص وناقشت محتوياتها وأظهرت انها جميعا لا تتحدث عن يسوع من قريب ولا بعيد في كتاب مصادر الاناجيل، وهنا لا أُريد تكرار ما قلته هناك فهو طويل جداً ولكنني سأذكر مثلين قال كتبة الاناجيل انهما في العهد القديم وتتحدثان عنه، وهم يعلمون أنهما ليسا في أي سِفر من أسفار العهد القديم.
- فيلبس وجد نثنائيل وقال له وجدنا الذي كتب عنه موسى في الناموس والانبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة. (يوحنا 1: 45)
أين وجد فيلبس كما كتب يوحنا أن موسى كتب في الناموس والانبياء يسوع ابن يوسف الذي من الناصرة؟
وهل صحيح أن يسوع هو ابن يوسف الذي من الناصرة؟
- وأتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة،
لكي يتم ما قيل بالأنبياء إنه سيدعى ناصرياً. (متّى 2: 23)
أين وجد متّى هذا النص مكتوباً في الانبياء لكي يتمّ؟
ثم يُكمل لوقا ذكر القصة فيكتب قائلاً:
فقاما في تلك الساعة ورجعا الى أُورشليم، ووجدا الأحد عشر مجتمعين هم والذين معهم،
وهم يقولون إن الرب قام بالحقيقة وظهر لسمعان،
في هذا النص يقول لوقا ان التلميذين رجعا الى أُورشليم ليخبرا باقي التلاميذ وعندما وصلا هناك وجدا التلاميذ يقولون ان الرب قام بالحقيقة وظهر لبطرس!
وبالحقيقة لم تذكر لنا أي من الاناجيل الاربعة ان يسوع ظهر لبطرس وحده!
فكيف ظهر ومتى وأين؟
لا أحد يملك الجواب سوى قول لوقا ان الرب ظهر بالحقيقة لبطرس ولست أدري ما الذي منع لوقا من كتابة ظهور يسوع بالحقيقة لبطرس وهو الذي كتب انجيله مساقاً من الروح المقدس، كما انني لست أدري بالحقيقة ما الذي منع الروح المقدس من كتابة قصة ظهور يسوع لبطرس وهو الذي كما قال يسوع عنه أنه سيخبر التلاميذ بكل ما نسوا من أقواله؟
- وأما هما فكانا يُخبران بما حدث في الطريق وكيف عرفاه عند كسر الخبز. (لوقا 24: 33-35)
وأما قول لوقا في هذه الفقرة بأن التلميذين عرفاه عند كسر الخبز فهذا مما يحوم عليه كثير من الشك لأن كسر الخبز لو كان ينفع في فتح الأعين ومعرفة يسوع لنفع بطرس ويعقوب ويوحنا في فتح أعينهم وعدم نومهم عندما ذهبوا مع يسوع للصلاة، مع ان يسوع طلب منهم البقاء ساهرين معه ولو لساعة من الزمن والصلاة معه لعل أب يسوع يعبر عنه الكأس ولا يصلبه، وهم كانوا قبل أقل من ساعة يأكلون الخبز المُكسّر ويشربون الخمر من يد يسوع شخصياً!
ثم يكمل لوقا كتابة القصة فيقول:
وفيما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال لهم سلام لكم،
فجزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحاً،
في هذه الفقرات يقول لوقا إن يسوع ظهر للتلاميذ في أُورشليم وليس في الجليل كما هو مكتوب في إنجيل متّى وإنجيل مرقس، وهذا يُشكك في مصداقية المعلومات التي تذكرها الأناجيل إذ كيف يختلف كتبة الأناجيل في المكان الذي ظهر يسوع فيه للتلاميذ؟!
كما يُبين لوقا أيضاً حقيقة التلاميذ وصفاتهم التي تتناقض مع الصفات التي وهبها يسوع لهم، ولم ينفعهم تكسير الخبز الذي تتفتح العيون به كما قال لوقا عن التلميذين، فهُمْ جزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحا!
ولكن كيف نعرف ان التلاميذ الخائفين والجزعين لم ينظروا روحاً بل نظروا يسوع؟
يُجيب على هذا السؤال لوقا بقوله على لسان يسوع أنه قال لهم:
- فقال لهم ما بالكم مضطربين ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم،
انظروا يديّ ورجليّ إني أنا هو،
جُسّوني وانظروا،
قال لوقا ان يسوع قال لهم انظروا يديّ، وانظروا رجليّ، إني أنا هو!
انظروا يديّ ورجلي، إني أنا هو، وهذا يعني أنه قام بجسده الذي دُفن فيه وأن جسده لم يتحلل ولم ينتقض كما حاول يوحنا أن يُبرر قول يسوع عندما طلب من اليهود أن ينقضوا الهيكل وفي ثلاثة أيام يقيمه فقال انه كان يقصد هيكل جسده. (يوحنا 2: 18-21)
كلا! هو لم يقصد هيكل جسده لأنه هنا يقول لهم انظروا إلى يديّ ورجلي إني أنا هو، أي إن الجسد الذي دُفن هو ذات الجسد الذي قام!
- فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي،
وأما هذه الفقرة فلو لم يوجد في الاناجيل ورسائل العهد الجديد غيرها لكفت في نقض قوانين إيمان الكنائس المختلفة كلها والقائلة انه يوجد ثلاث آلهة وأنها حلّت في جسد يسوع!
ان لوقا يكتب هنا بأبسط عبارة وأوضحها ان الروح ليس جسد وان الروح ليس له لحم وعظام وهم يقولون ان يسوع لحم وعظم وهم أيضاً يقولون ان الإله روح فكيف يقولون ان الإله أصبح لحم وعظم؟
ولزيادة التأكيد على أنه إنسان وليس روح طلب منهم طعاماً فناولوه جزءاً من سمك مشوي وشيئاً من شهد عسل فأخذ وأكل قدّامهم، كما في النص التالي:
- وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه،
وبينما هم غير مصدقين من الفرح ومتعجبون،
قال لهم أعندكم ههنا طعام،
فناولوه جزءاً من سمك مشويّ وشيئاً من شهد عسل،
فأخذ وأكل قدّامهم. (لوقا 24: 36-43)
من خلال ما كتبه لوقا عن قيامة يسوع وبعيداً عن الاختلافات مع الأناجيل الأُخرى نجد أن موقف التلاميذ منها هو عدم التصديق والتعجب والحيرة والخوف والاضطراب واعتبار أن من يقول ان يسوع قام كأنه يهذي!
أنتقل الآن للحديث عن موقف التلاميذ من قيامة يسوع وظهوره لهم كما كتبها يوحنا في إنجيله.
- وفي أول الاسبوع جاءت مريم المجدلية الى القبر باكراً والظلام باق،
فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر،
فركضت وجاءت الى سمعان بطرس والى التلميذ الآخر الذي كان يسوع يُحبه وقالت لهما أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه،
فخرج بطرس والتلميذ الآخر وأتيا الى القبر،
وكان الاثنان يركضان معاً، فسبق التلميذ الآخر بطرس وجاء أولاً الى القبر،
وانحنى فنظر الأكفان موضوعة ولكنه لم يدخل،
ثم جاء سمعان بطرس يتبعه ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة،
والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان بل ملفوفاً في موضع وحده،
فحينئذ دخل أيضاً التلميذ الآخر الذي جاء أولاً الى القبر ورأى فآمن،
لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات،
فمضى التلميذان أيضاً الى موضعهما. (يوحنا 20: 1-8)
في هذا النص وباقي قصة قيامة يسوع وظهوره للتلاميذ يُعيد يوحنا صياغة القصة بطريقة مختلفة وبعيدة كل البعد عن باقي الأناجيل سواء من ناحية الأحداث أو من ناحية الأسباب، بحيث يشعر كل من يقرأ القصة ان ما كتبه يوحنا انما هو قصة جديدة وانه لو تم استبدال بعض الأسماء فانه لن يتعرف عليها في الأناجيل الثلاثة الأخرى، فهو يبدأ النص كما قرأنا بقوله:
- وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً والظلام باق، فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر،
يبدأ يوحنا بالحديث عن ذهاب مريم المجدلية وحدها دون ذكر لمريم الأخرى ولا مريم أم يعقوب ولا ذكر يونا ولا ذكر نساء غيرهنّ كما ذكر هؤلاء الثلاثة كل في قصته، فهو يقول ان مريم جاءت الى القبر والظلام باق وكان الحجر مرفوعاً!
وهنا يخالف متّى وهو الوحيد الذي تحدث عن ملاك الرب الذي كان كالبرق ولباسه أبيض كالثلج عندما نزل ودحرج الحجر وأحدث بدحرجته زلزلة عظيمة ثم جلس عليه.
كما انه يخالف مرقس ولوقا في السبب، أو على الأقل لا يذكره، الذي من أجله ذهبت مريم المجدلية لتنظر القبر، فمرقس ولوقا ذكرا ان النسوة اللواتي ذهبن الى القبر كان من أجل تحنيط يسوع حسب الشريعة، واذا لم يكن هناك سبباً وجيهاً لذهاب مريم المجدلية الى قبر يسوع فلماذا تذهب باكراً والظلام باق!
وهنا قد يرد أحدهم فيقول انها كانت تحب يسوع وانها اشتاقت لذكراه وخاصة أن يوحنا يذكر ان التلاميذ لم يكونوا يعلمون عن قيامة يسوع من القبر لأنهم لم يكونوا يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات.
وهذا التبرير يُرد عليه بالقول أنه اذا كانت لا تعرف ان يسوع سيقوم لماذا لم تذهب يوم السبت، اذا كانت مشتاقة كثيراً لذكرى يسوع، ولن يستطيع أحد الاحتجاج بالالتزام بالسبت، لأن التلاميذ لم يكونوا يتشددون في الالتزام بالسبت كما قرأنا سابقاً، كما ان السبت ينتهي مع مغيب الشمس فلماذا لم تذهب بعد غروب الشمس يوم السبت وليس قبل شروق الشمس يوم الأحد!
- فركضت وجاءت الى سمعان بطرس والى التلميذ الآخر الذي كان يسوع يحبه وقالت لهما أخذوا السيد من القبر ولسنا نعلم أين وضعوه،
في هذه الفقرة يذكر يوحنا عودة مريم المجدلية لإخبار بطرس ويوحنا انهم أخذوا يسوع من القبر، وانها لا تعلم أين وضعوه، وهنا يستخدم مترجمو الأناجيل صيغة الجمع وكان الأُحرى بهم استخدام صيغة الإفراد، وهذا يرد على الكنائس التي تحاول الاستشهاد ببعض الصيغ التي يتكلم فيها الرب في العهد القديم بصيغة الجمع كدليل على التثليث، فها هو يوحنا يستخدم صيغة الجمع مع ان المتكلم امرأة واحدة!
وفي هذه الفقرة أيضاً رد على متّى الذي قال ان اليهود كانوا يخافون من قيام التلاميذ بسرقة الجسد والقول للناس أنه قام، فهنا نقرأ أن مريم تخاف ان يكون اليهود هم من قاموا بسرقة الجسد، وهذه الفقرة وغيرها لا تشير الى أن مريم المجدلية كانت تؤمن بيسوع كأُقنوم ثاني من الاقانيم الثلاثة الذين حلوا في جسد يسوع وإلا كيف تفكر مريم المجدلية أنه بإمكان اليهود سرقة الاقانيم الثلاثة أو على الأقل الجسد الذي سكنوا فيه؟!
- فخرج بطرس والتلميذ الآخر وأتيا الى القبر،
وكان الاثنان يركضان معاً، فسبق التلميذ الآخر بطرس وجاء أولاً الى القبر، وانحنى فنظر الأكفان موضوعة ولكنه لم يدخل،
في هذه الفقرات يتفق يوحنا مع لوقا في ذهاب بطرس للتأكد من اختفاء يسوع من القبر وان كان متّى ومرقس لم يذكرا هذه الحادثة الا ان يوحنا يزيد على ما كتبه لوقا بإدخال نفسه في هذا المشهد بقوله إن بطرس خرج والتلميذ الآخر، ويقصد نفسه، ولكنه يُظهر تواضعه فلا يذكر اسمه مباشرة بل يقول التلميذ الآخر، ولكنه يكتب انه سبق بطرس ونظر إلى الأكفان موضوعة ولكنه لم يدخل!
- ثم جاء سمعان بطرس يتبعه ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة،
والمنديل الذي كان على رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان بل ملفوفاً في موضع وحده،
في هذه الفقرات أيضاً يتفق يوحنا مع لوقا في القول ان الأكفان كانت موضوعة في القبر وان زاد عليه تحديد مكان المنديل الذي كان على رأس يسوع، فهو ليس مع الأكفان بل ملفوفاً في موضع وحده لتأكيد صدق ما يقول.
وهنا لا بد من وقفة مع هذه الفقرات ومع ما كتبه لوقا، ماذا يعنيان بقولهما ان الأكفان كانت في القبر؟
هل يعني هذا أن يسوع قام من القبر عرياناً؟
واذا كان قد قام حقاً من القبر فهذا وحده أعظم معجزة يمكن ان يراها الانسان فما فائدة تركه للأكفان في القبر والقيام من القبر عريان؟
- فحينئذ دخل أيضاً التلميذ الآخر الذي جاء أولاً الى القبر، ورأى فآمن، لأنهم لم يكونوا يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات،
فمضى التلميذان أيضاً الى موضعهما. (يوحنا 20: 1-8)
في هذه الفقرات يكتب يوحنا أن التلاميذ لم يكونوا يعرفون أن يسوع ينبغي أن يقوم من الأموات، أي ان يسوع لم يُخبر تلاميذه عن الحدث الأهم في حياته والذي تستند عليه قوانين إيمان الكنائس بإثبات الصفة الإلهية له واعتباره الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد!
كما إن هذا القول يُخالف أقوال يسوع التي صرّح فيها أنه سيقوم من الأموات، وكنت قد ذكرتها سابقاً ولأهميتها في هذا الموضع سأذكرها مرة ثانية:
1- من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يُظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب الى أُورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل، وفي اليوم الثالث يقوم،
فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلاً حاشاك يا رب، لا يكون لك هذا،
فالتفت وقال لبطرس اذهب عني يا شيطان،
أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما للإله لكن بما للناس. (متّى 16: 21-23)
2- وفيما هم يترددون في الجليل قال لهم يسوع ابن الإنسان سوف يُسلم إلى أيدي الناس، فيقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم،
فحزنوا جداً. (متّى 17: 22-23)
3- وفيما كان يسوع صاعداً إلى أُورشليم أخذ الاثني عشر تلميذاً على انفراد في الطريق وقال لهم، ها نحن صاعدون إلى أُورشليم وابن الإنسان يُسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويُسلمونه إلى الأُمم لكي يهزؤوا به ويجلدونه ويصلبونه وفي اليوم الثالث يقوم. (متّى 20: 17-19)
4- ولما أكمل يسوع هذه الأقوال كلها قال لتلاميذه،
تعلمون انه بعد يومين يكون الفصح وابن الإنسان يُسلّم ليُصلب. (متّى 26: 1-2)
5- وخرجوا من هناك واجتازوا الجليل ولم يُرد أن يعلم أحد،
لأنه كان يُعلم تلاميذه ويقول لهم إن ابن الانسان يُسلم الى أيدي الناس فيقتلونه، وبعد أن يُقتل يقوم في اليوم الثالث،
وأمّا هم فلم يفهموا القول وخافوا أن يسألوه. (مرقس 9: 30-32)
6- وابتدأ يُعلمهم أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيراً ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويُقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم، وقال القول علانية،
فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره،
فالتفت وأبصر تلاميذه، فانتهر بطرس قائلاً،
اذهب عني يا شيطان،
لأنك لا تهتم بما للإله لكن بما للناس. (مرقس 8: 31-33)
7- وكانوا في الطريق صاعدين إلى أُورشليم ويتقدمهم يسوع،
وكانوا يتحيرون، وفيما هم يتبعون كانوا يخافون،
فأخذ الاثني عشر أيضاً وابتدأ يقول لهم عما سيحدث له،
ها نحن صاعدون إلى أُورشليم وابن الإنسان يُسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم، فيهزؤون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه، وفي اليوم الثالث يقوم. (مرقس 10: 32-34)
8- فقال لهم وأنتم من تقولون إني أنا فأجاب بطرس وقال مسيح الإله،
فانتهرهم وأوصى أن لا يقولوا لأحد،
قائلاً إنه ينبغي أن ابن الانسان يتألم كثيراً ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، وفي اليوم الثالث يقوم. (لوقا 9: 20-22)
9- وأخذ الاثني عشر وقال لهم ها نحن صاعدون إلى أُورشليم،
وسيتم كل ما هو مكتوب بالأنبياء عن ابن الإنسان،
لأنه يُسلم الى الأُمم ويُستهزأ به، ويُشتم ويُتفل عليه ويجلدونه ويقتلونه،
وفي اليوم الثالث يقوم،
وأما هم فلم يفهموا من ذلك شيئاً،
وكان هذا الأمر مُخفىً عنهم، ولم يعلموا ما قيل. (لوقا 18: 31-34)
10- وإذ كان الجميع يتعجبون من كل ما فعل يسوع،
قال لتلاميذه ضعوا أنتم هذا الكلام في آذانكم،
إن ابن الانسان سوف يُسلم الى أيدي الناس،
وأما هم فلم يفهموا هذا القول،
وكان مُخفىً عنهم لكي لا يفهموه،
وخافوا أن يسألوه عن هذا القول. (لوقا 9: 43-45)
كما انه يخالف قول ملاك الرب الذي نزل ودحرج الحجر وأحدثت دحرجته زلزلة وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج ثم جلس على الحجر:
- فأجاب الملاك وقال للمرأتين لا تخافا أنتما،
فإني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب،
ليس هو ههنا لأنه قام كما قال، هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعاً فيه. (متّى 28: 5-6)
وهو يخالف أيضاً قول مرقس الذي كتبه على لسان الشاب الذي كان جالساً عن اليمين لابساً حلة بيضاء:
لكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس انه يسبقكم الى الجليل،
هناك ترونه كما قال لكم. (مرقس 16: 7)
وأخيراً فهو يخالف قول لوقا الذي كتبه على لسان الرجلين اللذين رأتهما النسوة داخل القبر وهما يلبسان ثياباً براقة:
ليس هو ههنا لكنه قام،
اذكرن كيف كلمكن وهو بعد في الجليل، قائلاً إنه ينبغي أن يُسلم ابن الانسان في أيدي أُناس خطاة ويُصلب وفي اليوم الثالث يقوم،
فتذكرن كلامه. (لوقا 24: 6-8)
فهذه ثلاثة عشر نصاً في الاناجيل الثلاثة يخالفها يوحنا بقوله لأنهم لم يكونوا يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات، أو ان الاناجيل الثلاثة تكتب ثلاثة عشر نصاً تخالف ما كتبه يوحنا!
وبعد ذهاب بطرس والتلميذ الذي كان يحبه يسوع تبقى مريم المجدلية وحدها واقفة عند القبر كما كتب يوحنا:
أما مريم فكانت واقفة عند القبر خارجاً تبكي،
وفيما هي تبكي انحنت الى القبر فنظرت ملاكين بثياب بيض جالسين واحداً عند الرأس والآخر عند الرجلين حيث كان جسد يسوع موضوعاً،
فقالا لها يا امرأة لماذا تبكين،
قالت لهما إنهم أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه،
في هذه الفقرات يؤكد يوحنا وجود اثنين من الملائكة داخل القبر وهو يوافق لوقا في وجود اثنين في القبر ولكنه يخالفه في صفاتهما فهو يقول ملاكين يلبسان ثياباُ بيضاء ولوقا يقول رجلين يلبسان ثياب برّاقة، والفرق واضح بين ملاكين ورجلين حتى يخفى على أحدهما!
كما يُخالفه في الداخلين الى القبر فيوحنا يقول مريم المجدلية وهي لم تدخل حقيقة بل انحنت فقط فرأت الملاكين، وأما لوقا فكتب ان مريم المجدلية ومن معها من النساء كن داخل القبر وذكر منهن مريم أُم يعقوب ويونّا والباقيات معهن، ومع هذه الاختلافات بينهما إلا أنهما يختلفان كلياً مع ما كتبه متّى ومرقس!
فمتّى يذكر ان مريم المجدلية ومريم الاخرى نظرتا القبر ولم يكن أحد بالداخل لان من أمرهما بالنظر فيه هو ملاك الرب الذي نزل من السماء وكان كالبرق وهو من دحرج الحجر فاحدث زلزلة وجلس على الحجر كما قرأنا سابقاً.
وأما مرقس فقد تحدث عن ثلاث نساء وهن مريم المجدلية ومريم أُم يعقوب وسالومة، ولم تكن مريم المجدلية وحدها!
كما ان مرقس يقول ان من كان في القبر شاباً جالساً عن اليمين لابساً حلة بيضاء وليس ملاكين ولا رجلين كما كتب يوحنا ولوقا!
وأما ما كتبه يوحنا عن مكان جلوس الملاكين واحد عند الرأس والآخر عند الرجلين، وإن كان ليؤكد صحة قصته وصدق ما يقول إلا أنه يخالف الاناجيل الثلاثة.
وأما الدور الذي لعبه الملاكان اللذين كانا جالسين واحد عند الرأس والآخر عند الرجلين ويلبسان ثياب بيضاء فهو سؤال مريم المجدلية لماذا تبكين يا امرأة؟
وهذا الدور والسؤال يتناقض مع ما كتبه متّى عن دور ملاك الرب الذي نزل من السماء ودحرج الحجر اذ كان دور ملاك الرب هو طمأنة مريم المجدلية ومريم الأُخرى فقال لهما لا تخافا أنتما، فاني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب، ومن ثم دعوته لهما بالذهاب واخبار التلاميذ عن قيامة يسوع المصلوب من الأموات!
كما يتناقض مع دور الشاب الذي كان في القبر وجالساً عن اليمين لابساً حلة بيضاء كما كتب مرقس، اذ ان ذلك الشاب قال لمريم المجدلية ومريم أُم يعقوب وسالومة لا تندهشن وهذا من باب تهدئتهن وطمأنتهن وبعد هذا أخبرهن ان يسوع قد قام فهو ليس ههنا ومن ثم طلب منهن ان يذهبن ويقلن لتلاميذه ولبطرس انه يسبقكم الى الجليل وهناك ترونه.
كما ان ما كتبه يوحنا عن سؤال الملاكين لمريم المجدلية يتناقض مع ما كتبه لوقا عندما ذكر ان النساء، وكانت مريم المجدلية ويونّا ومريم أُم يعقوب والباقيات معهن، لمّا دخلن القبر ولم يجدن جسد يسوع وقف في القبر رجلان بثياب برّاقة وسألاهن لماذا تطلبن الحيّ بين الأموات، ليس هو ههنا لكنه قام، وذكّر الرجلان النساء كيف ان يسوع قال لهن وهو في الجليل انه ينبغي أن يسلم ابن الانسان في أيدي خطاة ويصلب وفي اليوم الثالث يقوم!
كل هذه النصوص يخالفها يوحنا، وهي تخالف بعضها البعض، ليقول لنا ان الملاكين قالا لمريم المجدلية لماذا تبكين يا امرأة!
وينتهي دور الملاكين بعد هذا السؤال، واذا كان دورهما فقط إثبات بكاء مريم فلماذا كانا في القبر؟
ألم يكن من الممكن ان يكتب يوحنا ان مريم المجدلية كانت تبكي طوال الوقت دون الحديث عن الملاكين الذين كانا في القبر ويخالف بهذه القصة الاناجيل الثلاثة وخاصة انه لم يكن لهما دور لا في إثبات قيامة يسوع ولا في الطلب من مريم القول للتلاميذ أنه سيلتقي بهم ويرونه لا في الجليل ولا في أُورشليم؟
- ولما قالت هذا التفتت الى الوراء فنظرت يسوع واقفاً،
ولم تعلم أنه يسوع،
قال لها يسوع يا امرأة لماذا تبكين، من تطلبين،
فظنت تلك أنه البستاني فقالت له يا سيد إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته وأنا آخذه،
في هذه الفقرات يتحدث يوحنا عن أول ظهور ليسوع بعد قيامته من الأموات، وكان في أُورشليم وهذا يتناقض مع ما كتبه متّى ومرقس عن ظهور يسوع للتلاميذ في الجليل، كما انه يتناقض مع ما كتبه متّى الذي قال ان يسوع ظهر أول مرة  لمريم المجدلية ومريم الأُخرى في الطريق وهما ذاهبتان لإبلاغ التلاميذ انه قام.
- قال لها يسوع يا مريم، فالتفتت تلك وقالت له ربوني، الذي تفسيره يا معلم،
قال لها يسوع لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد الى أبي،
ولكن اذهبي الى اخوتي وقولي لهم إني أصعد الى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم، فجاءت مريم المجدلية وأخبرت التلاميذ أنها رأت الرب وأنه قال لها هذا. (يوحنا 20: 17-18)
في هذه الفقرات يطلب يسوع من مريم المجدلية ان لا تلمسه وهذا يتناقض مع ما كتبه متّى من ان مريم المجدلية ومريم الأُخرى عندما رأتا يسوع في الطريق أمسكتا بقدميه وسجدتا له!
كما ان قول يوحنا على لسان يسوع لا تلمسيني يخالف ما كتبه هو شخصياً عندما كتب ما سنقرئه بعد قليل من أن يسوع طلب من توما التلميذ الشكاك أن يضع أصابعه في جراحه ويده في جنبه مع أنه لم يكن قد صعد الى أبيه بعد!
ثم يتابع كلامه فيقول ولكن اذهبي وقولي لإخوتي أني أصعد لأبي وأبيكم وإلهي وإلهكم! وهذا القول يُشير إلى ان يسوع، أو بالأحرى الرجل الذي قال لمريم يا مريم فالتفتت وقالت له ربوني، لا علاقة له بالأقانيم الثلاثة، هذا إذا كانت موجودة، وهي ليست بموجودة، لأنه يتحدث عن أبيه وأبيهم وإلهه وإلههم!
ثم ينتقل يوحنا بالحديث عن أول لقاء ليسوع وظهوره للتلاميذ وهم مجتمعون في منزل في أُورشليم وليس في الجليل كما كتب متّى ومرقس، فيكتب قائلاً:
- ولما كانت عشية ذلك اليوم، وهو أول الاسبوع، وكانت الأبواب مغلقة حيث كان التلاميذ مجتمعين لسبب الخوف من اليهود،
في هذه الفقرة يؤكد يوحنا ان التلاميذ كانوا خائفين من اليهود وهذا يُشكك فيما كتبه متّى من قول رؤساء الكهنة اليهود من انهم وضعوا حراسة على القبر كي لا يأتي التلاميذ فيسرقوه، فهم كانوا خائفين وكذلك لم يكونوا يعرفون الكتاب انه ينبغي ان يقوم من الاموات!
فاذا كانوا لا يعرفون انه ينبغي ان يقوم من الاموات فكيف سيفكرون بسرقة الجسد ليقولوا انه قام من الاموات؟!
ثم يتابع يوحنا كتابة القصة فيقول:
- جاء يسوع ووقف في الوسط،،
وقال لهم سلام لكم،
ولما قال هذا أراهم يديه وجنبه،
ففرح التلاميذ اذ رأوا الرب،
في هذه الفقرات يكتب يوحنا أن التلاميذ فرحوا إذ رأوا يسوع، ولم يكتب كما كتب لوقا وفيما هم يتكلمون بهذا وقف في وسطهم وقال سلام لكم، فجزعوا وخافوا وظنوا انهم نظروا روحاً! أو كما كتب مرقس ان يسوع قال لهم ما بالكم مضطربين ولماذا تخطر أفكاراً في قلوبكم!
اذاً التلاميذ كما كتب يوحنا فرحوا عندما رأوا يسوع في وسطهم ولم يجزعوا ولم يخافوا ولم يظنوه روحاً!
ثم يتابع يوحنا ذكر الاحداث فيقول:
- فقال لهم يسوع أيضاً سلام لكم،
كما أرسلني الأب أُرسلكم أنا،
ولما قال هذا نفخ وقال لهم اقبلوا الروح المقدس،
من غفرتم خطاياه تغفر له،
ومن أمسكتم خطاياه أُمسكت. (يوحنا 20: 19-23)
كما نقرأ فإن يسوع أرسل التلاميذ كما أرسله أبوه، وأبوه لم يُرسله الا الى خراف بيت اسرائيل الضالة.
كما ان يوحنا يُحدد الوقت الذي تلقى فيه التلاميذ الروح المقدس وليس كما يُفهم من باقي الاناجيل انهم تلقوا الروح المقدس بالتعميد قبل هذا الوقت، ولهذا فهو لم يتحدث عن تعميد يوحنا المعمدان ليسوع ولا تعميد يسوع للتلاميذ، اذ كيف يكتب ان الكلمة المتجسدة تعمّدت من يوحنا المعمدان!
مع ان التلاميذ كما كتب هو نفسه  كانوا يُعمّدون في ساليم في عين نون لأنه يوجد هناك مياه كثيرة والذي يُعمّد بالروح المقدس كيف لا يكون الروح المقدس حالاً به؟
ثم يذكر يوحنا ان يسوع أعطى لتلاميذه سلطة غفران الخطايا وهنا لا أُريد الدخول في نقاش حول هذه القدرة فهي من الأمور الغيبية التي لم تظهر حقيقتها إلى الآن ولكن سأتحدث عن أثر هذا القول على الكنائس وأتباعها عبر التاريخ فهذا مما يعلمه الجميع.
فنجد ان الكنائس أخذت هذا القول بحرفيته وأقامت الطقوس والصلوات للقيام بغفران خطايا أتباعها، مع ان المفروض ان أتباعها لا يخطئون لأن الروح المقدس يحلّ فيهم بالتعميد، فأي خطأ وخطيئة يمكن ان يرتكبها من حلّ فيه الروح المقدس بالتعميد!
كما قامت الكنيسة الكاثوليكية بإعطاء رئيسها أعظم سلطان لغفران الخطايا حتى وصل به الأمر إلى بيع المغفرة لمن يستطيع الدفع، وقام بكتابة صكوك غفران جاهزة للبيع وكل بحسب مكانة الدافع وقدرته المالية!
ثم يكتب يوحنا عن الظهور الثاني ليسوع كما في النص التالي:
أما توما أحد الاثني الذي يقال له التوأم، فلم يكن معهم حين جاء يسوع،
فقال له التلاميذ الآخرون قد رأينا الرب،
فقال لهم إن لم أُبصر في يديه أثر المسامير،
وأضع اصبعي في أثر المسامير وأضع يدي في جنبه، لا أُؤمن. (يوحنا 20: 24-25)
توما هذا كان مع التلاميذ عندما أحيا يسوع لعازر وشاهد المعجزة فكيف شك في قدرة يسوع على القيامة من الأموات؟!
وهذه الحالة العنيفة من الشك التي حدثت بعد يومين من صلب يسوع التي يقول فيها انه لن يؤمن حتى يُبصر في يدي يسوع أثر المسامير ولم يكتفِ بالنظر بل قال انه ان لم يضع اصبعه في اثر المسامير ويضع يده في جنبه فلن يؤمن!
وهذه الاقوال وان كانت تدل على عدم ايمان هذا التلميذ فهي تدل على جهله أيضاً، إذ من يقول ان المسمار الذي يُدَقّ في اليد يترك ثقباً في اليد حتى يمكن للانسان ان يضع اصبعه فيه، أو ان طعنة الحربة تحدث فجوة في جسم الانسان حتى يمكن ليد رجل ان تدخل فيها؟!
ولكن يوحنا يكتب لنا ان يسوع أجّل صعوده الى أبيه ثمانية أيام من أجل هذا التلميذ الشكاك وغير المؤمن فكتب قائلاً:
وبعد ثمانية أيام كان تلاميذه أيضاً داخلاً وتوما معهم،
فجاء يسوع والأبواب مغلقة،
ووقف في الوسط وقال سلام لكم،
ثم قال لتوما هات إصبعك إلى هنا وأبصر يديّ وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن بل مؤمناً،
أجاب توما وقال له ربي وإلهي،
قال له يسوع لأنك رأيتني يا توما آمنت،
طوبى للذين آمنوا ولم يروا. (يوحنا 20: 26-29)
هذا النص من أغرب ما يمكن ان يقرأه الإنسان، فالكنائس تقول ان آدم وقع في الخطيئة الابدية لمجرد مخالفته لأمر واحد وأكله من الشجرة، وهنا نجد ان توما، الذي كان شاهداً على كل معجزات يسوع وحاضراً إحياء لعازر وسامعاً لكل أقوال يسوع وبعد أقل من يومين يُصاب بهذه الحالة الغريبة من الشك وعدم الإيمان، فبدلاً من وقوعه في خطيئة أعظم من خطيئة آدم نجد يوحنا يقول ان يسوع أجّلَ صعوده لأبيه والجلوس عن يمين أبيه ثمانية أيام ليجعل هذا التلميذ الشكاك يضع اصبعه في الثقوب التي أحدثتها المسامير ويضع يده في الحفرة التي أحدثتها الحربة التي طعن بها وهو مُعلق على الخشبة!
وفات يوحنا ان الجراح ومكان الطعنة تلتئم في أقل من هذه المدة وهي عشر أيام هذا بالنسبة للانسان العادي، فكيف اذا كانت جراح الاقنوم الثاني من الاقانيم الثلاثة الذين هم واحد، إلا إذا قال يوحنا أو الكنائس ان يسوع أبقى جراحه نازفة وجنبه مثقوباً لأجل توما، حتى عندما يأتي يسوع إليه يضع اصبعه في اثر المسامير ويضع يده في جنبه فيؤمن ويقول له ربي وإلهي!
هذا كان الظهور الثاني ليسوع كما كتب يوحنا وهو أيضاً في أُورشليم وليس في الجليل كما كتب متّى ومرقس، ثم يكتب عن ظهور ثالث عند بحيرة طبريا، كما في النص التالي:
- بعد هذا أظهر أيضاً يسوع نفسه للتلاميذ على بحيرة طبرية،
كان سمعان بطرس وتوما ونثنائيل وابنا زبدي واثنان آخران مع بعضهم، قال لهم سمعان بطرس أنا أذهب لأتصيد، قالوا له نذهب نحن أيضاً معك، فخرجوا ودخلوا السفينة للوقت وفي تلك الليلة لم يمسكوا شيئاً،
في هذه الفقرات نجد ان التلاميذ قد تركوا أُورشليم وعادوا الى الجليل وقبل مقتل استفانوس الذي تقول الكنائس ان التلاميذ تركوا أُورشليم بعد مقتله وتعتبره الشهيد الأول، وهو ما يُخالف قول يسوع لهم بان يبقوا في أُورشليم كما كتب لوقا في انجيله:
- فأقيموا في مدينة أُورشليم الى أن تلبسوا قوة من الأعالي. (لوقا 24: 49)
- ولما كان الصبح وقف يسوع على الشاطئ،
ولكن التلاميذ لم يكونوا يعلمون أنه يسوع،
فقال لهم يسوع يا غلمان ألعل عندكم إداماً، أجابوه لا، فقال لهم ألقوا الشبكة الى جانب السفينة الأيمن فتجدوا، فألقوا ولم يعودوا يقدرون أن يجذبوها من كثرة السمك،
في هذه الفقرات يكتب يوحنا أن التلاميذ لم يعلموا أن يسوع هو الذي ظهر لهم، وكيف علم يوحنا أنه يسوع؟!
ثم يُكمل يوحنا قصته فيقول:
- فقال ذلك التلميذ الذي كان يسوع يحبه لبطرس هو الرب،
فلما سمع بطرس إتّزر بثوبه لأنه كان عرياناً وألقى نفسه في البحر،
وأما التلاميذ الآخرون فجاءوا بالسفينة لأنهم لم يكونوا بعيدين عن الارض إلا نحو مئتي ذراع وهم يجرون شبكة السمك،
فلما خرجوا الى الأرض نظروا جمراً موضوعاً وسمكاً موضوعاً عليه وخبزاً،
قال لهم يسوع قدّموا من السمك الذي أمسكتم الآن،
فصعد سمعان بطرس وجذب الشبكة الى الأرض ممتلئة سمكاً كبيراً مئة وثلاثاً وخمسين، ومع هذه الكثرة لم تتخرق الشبكة،
كما نقرأ في هذه الفقرات الدقة الشديدة من يوحنا في ذكر أعداد السمك، فهي مئة وثلاث وخمسون سمكة كبيرة، ومع هذه الكثرة لم تتخرق الشبكة.
ولكن يوحنا لم يكتب إن كان يسوع أكل معهم أم لا، كما كتب لوقا عندما ظهر لهم وطلب ان يأكل فأعطوه جزءاً من سمك مشوي وشيئاً من شهد عسل!
وفي النهاية وبعد أن جهّز الطعام قال لهم:
- قال لهم يسوع هلموا تغدوا،
ولكن كيف عرف يوحنا ان هذا الظاهر لهم هو يسوع؟
- ولم يجسر أحد من التلاميذ أن يسأله من أنت،
فاذا لم يجسروا وخافوا ان يسألوه، فكيف عرفوا انه يسوع؟
يقول يوحنا:
- إذ كانوا يعلمون أنه الرب،
إذاً يوحنا لم يقل لنا ان يسوع اخبرهم انه هو هذا الظاهر لهم بل هم علموا، كيف علموا؟
لا جواب، هم علموا وكفى!
ثم يكتب عن قيام يسوع بإعطائهم خبزاً وسمكاً:
- ثم جاء يسوع وأخذ الخبز وأعطاهم وكذلك السمك،
ثم يختم يوحنا حديثه عن ظهور يسوع للتلاميذ بقوله:
هذه مرة ثالثة ظهر يسوع لتلاميذه بعدما قام من الأموات. (يوحنا 21: 1-14)
من هذه الدراسة لموقف التلاميذ من قيامة يسوع من الأموات في الأناجيل الأربعة نستطيع أن نخلص الى أن التلاميذ لم يكونوا مؤمنين بقيامة يسوع ولا عارفين أنه سيقوم من الأموات، ولهذا نجد أنهم كتبوا كل هذه التناقضات والاختلافات عند الحديث عنها مما يُشكك في مصداقية القصة كلها وليس فقط في إيمان التلاميذ!
بهذا نكون قد اطلعنا على معظم مواقف التلاميذ من يسوع سواء موقفهم منه شخصياً كمسيح أو كإله من الآلهة الثلاث الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، وموقفهم من معجزاته وتعاليمه، وموقفهم من صلبه وقيامته، وهي كلها تشير إلى عدم إيمانهم وعدم فهمهم لما تقوله الأناجيل وقوانين إيمان الكنائس، ومن هنا يتبين لنا أن الأناجيل لم تنجح في عرض ما تقوله عن يسوع من صفات من خلال الشخصيات التي قالت انهم أعظم من أنبياء العهد القديم، مما يطرح صدق هذه الصفات والافعال للمناقشة الجدية، فكيف يؤمن الناس بيسوع سواء كإله أو كمسيح إذا كانت خاصته لم تؤمن به، وكيف يؤمنوا انه صلب إذا كان تلاميذه لم يحضروا الصلب، أم كيف يؤمن الناس بقيامته إذا كان تلاميذه الذين قال عنهم أنهم رُسُله لم يصدقوا هذا الأمر واعتبروه هذيان؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق