الخميس، 11 مارس 2010

كتاب شخصيات الاناجيل: المقدمة

المقدمة

إن الشخصيات الواردة في أي كتاب سواء كان كتاب تاريخي أو قصصي أو ديني هي من أهم العوامل التي تحدد قيمته ومكانته، كما أنها تحدد حقيقة النتائج التي يرغب صاحبه في قطفها منه والتبشير لها، وقارئ الأناجيل يجد أن كتبتها ومن بعدهم الكنائس قد خرجوا منها بنتائج وعقائد وقوانين إيمان اعتبروا أنها الحق وأنها كلمة الإله للبشرية، فسعوا إلى نشرها بين الناس والتبشير بها على أنه لا خلاص للبشرية دون اعتناق هذه النتائج والعقائد.
ومن أهم تلك النتائج والعقائد التي أخذتها الكنائس من الأناجيل ووضعتها في قوانين إيمانها هي القول بأن يسوع إله وابن إله، وبالتثليث القائم على اتحاد يسوع مع الأب والروح المقدس، الذين يمثلون الاقانيم الثلاثة المتساوية في الطبيعة والجوهر والقدرة والمتحدة مع بعضها البعض كاتحاد الماء والضوء أو الحديد والنار بحيث يُشكل الثلاثة الإله الذي تعبده الكنائس منذ ألفي عام تقريباً.
العقيدة الثانية التي استخلصتها الكنائس من الأناجيل وجعلتها من قانون إيمانها هي عقيدة الفداء من الخطيئة التي اكتسبها آدم وزوجه بأكلهما من الشجرة التي نُهيا عن الأكل منها وأورثاها لذريتهما ألاف السنين حتى جاء أحد الاقانيم الثلاثة، الذين هم واحد كما تقول الكنائس، متجسداً وحالاً في أحد مكونات ذرية آدم من نسل داوُد، ومولوداً من امرأة دون رجل، سُمِّي يسوع وعاش هذا الاقنوم ثلاثة وثلاثون سنة تقريباً، حتى استطاع اليهود في نهاية المطاف من تعليقه على الخشبة وقتله وقبل ذلك جلده ولطمه والاستهزاء به والبصق عليه وعندها ارتفعت خطيئة الأكل من تلك الشجرة!
العقيدة الثالثة التي استوحتها الكنائس من الأناجيل وضمنتها قوانين إيمانها هي القول ان الأناجيل كلمة إلهية وأنها مكتوبة بسوق من الاقنوم الثالث الروح المقدس.
العقيدة الرابعة هي ان التلاميذ الذين عاشوا مع يسوع، باستثناء يهوذا الاسخريوطي الذي خانه وقام بتسليمه، هم رُسُل يسوع الاقنوم الثاني، وان الأُقنوم الثالث قد حلّ فيهم ونطق بألسنتهم، وأنهم أعظم من كل أنبياء بني إسرائيل، وأن عندهم السلطان على التحليل والتحريم وغفران الخطايا وإحياء الموتى.
العقيدة الخامسة هي أن السيدة مريم التي ولدت الاقنوم الثاني، يسوع، هي أُم الإله الذي يعبدونه، ويصفونها بأنها الشفيعة عند الأقانيم، ولهذا يُفردون لها الكثير من الصلوات والطقوس، كما يصنعون لها الكثير من التماثيل والصور.
العقيدة السادسة التي ضمنوها قوانين الإيمان هي أن أتباع الكنائس عندما يتعمّدون بالماء باسم الأب والابن والروح المقدس فإن الأُقنوم الثالث يحلّ فيهم، وهذا ما تعتبره الكنائس أحد أسرارها الخاصة.
العقيدة السابعة هي حلول يسوع في أتباع الكنائس عندما يتناولون قطع الخبز ويشربون القليل من الخمر، ويقولون إن الخبز والخمر يتحولان إلى جسد يسوع ودمه في من يتناولهما، وهذا ما تسميه الكنيسة الكاثوليكية والأُرثوذكسية سرّ التناول أو الافخارستيا، ويقيمون لها الطقوس والصلوات كي يتحول الخبز والخمر إلى جسد يسوع ودمه.
هذه العقائد وغيرها استخلصتها الكنائس، بعض العقائد السابقة لا تؤمن بها الكنائس البروتستنتية لهذا اقتضى التنويه، من الأناجيل سواء من الظروف الشخصية ليسوع من خلال ولادته المعجزة باعتبارها حدثت من امرأة دون رجل أو من خلال المعجزات التي قام بعملها ومنها إحياء بعض الموتى وشفاء العميان والعرج وتطهير البرص وإخراج الشياطين، أو من خلال بعض الأقوال التي قال فيها انه إله أو ابن إله، أو من التعاليم التي كان يدعو تلاميذه للالتزام بها والأمثال التي كان يتحدث بها والنبوءات التي كان يتنبأ بها.
كما أنهم اخذوا هذه العقائد من خلال نصوص العهد القديم التي تتنبأ بظهور رجل من نسل داوُد يُخلص اليهود مما وقع عليهم من ظلم واضطهاد، وكذلك بنت الكنائس تلك العقائد وقوانين الإيمان على بعض الأقوال التي قيلت على لسان شخصيات أخرى في الأناجيل ومنها تلاميذ يسوع ويوحنا المعمدان وزكريا واليصابات وبعض من شفاهم يسوع وخاصة الشياطين الذين كان يخرجهم.
إن الشخصيات التي جاء ذكرها في الأناجيل من أهم العوامل في تقرير حقيقة النتائج والعقائد وقوانين الإيمان التي استخلصتها الكنائس، لان تلك الشخصيات هي التي أُقيمت عليها تلك النتائج والعقائد وقوانين الإيمان، وهي، أعني شخصيات الأناجيل، من تستطيع الفصل بشكل حاسم ومحايد في كل تلك النتائج والعقائد وقوانين الإيمان لهذا كان يجب إفرادها بكتاب مستقل.
إن دراسة الشخصيات في الكتب عامة هي من أهم العوامل التي تحدد القيمة الحقيقية لهذه الكتب، فمثلاً لو أن كاتباً كتب قصة عن رجل متخلف عقلياً وخلال القصة ظهر هذا الرجل عالماً بالفيزياء ومكتشفاً للكثير من النظريات لكانت قيمة هذا الكتاب تضعه في مكانة الكتب الهزلية وليس الواقعية، ولو أن أحدهم كتب كتاباً يتحدث فيه عن السحر والسحرة وكيف أنهم يستخدمون العصي والمكانس للطيران بين الكواكب لاعتبر هذا الكتاب لا قيمة له بين الكتب الواقعية بل قيمته تكون بين الكتب الخيالية على الرغم من أن هذا الكتاب يمكن أن يوزع ملايين النسخ كما حدث مع سلسلة كتب هاري بوتر.
والكتب التي تتحدث عن الأمور الإلهية تحمل نفس المؤثرات فلو نظرنا إلى الكتب التي تتحدث عن موسى والتي تذكر أن الرب اصطفاه لمهمة إخراج بني إسرائيل من مصر وان الرب كلمه مباشرة بهذا الأمر ثم قالت تلك الكتب إن موسى كان يعبد الأصنام من دون الرب لقلنا جميعاً أن ما في هذه الكتب إما أنه محرف أو أن القصة كلها غير صحيحة، لأنه كيف يكون موسى عابداً للأصنام وهو يسمع كلام الرب مباشرة، وكذلك الحال بالنسبة للشخصيات الواردة في الكتب التي تتحدث عن موسى فهي تخبرنا أن تلك الشخصيات كانت في بعض الأوقات تعبد الأصنام ولو أقرّت تلك الكتب عمل هذه الشخصيات لكنا نشك في تلك الكتب جملة أو على الأقل نشك في تلك الفقرات التي تتحدث عن عبادة الأصنام، ولكن ما يزيل هذا الشك ويعطي قيمة علمية وواقعية لتلك الكتب هو أنها تقول إن عبادة تلك الشخصيات للأصنام ترتب عليه عقاباً من الرب، لأن تلك الكتب تتحدث عن عبادة الرب وحده وان من يخالف عبادة الرب وحده سيلقى عقاباً شديداً، فذكر العقاب يجعل لتلك الكتب مصداقية عالية فيما توصله وتذكره لنا من معلومات.
لهذا أقول إن دراسة الشخصيات التي جاء ذكرها في الأناجيل مهمة في الكشف عن صدق ما استنتجت الكنائس منها من عقائد وقوانين إيمان وأسرار، لأنه إذا ثبت تعارض هذه الشخصيات مع العقائد وقوانين الإيمان المأخوذة من الأناجيل فهي تعني أن هذه العقائد وتلك القوانين قد أخذت بطريقة خاطئة وبالتالي فان ما بني على خطأ يكون هو أيضاً خطأ، وأما إذا توافقت تلك الشخصيات مع تلك العقائد وقوانين الإيمان فانه يثبت أن ما استخلصته الكنائس من عقائد وما سجلته من قوانين إيمان كان صحيحاً، وبالتالي فان كل ما تقوله الكنائس عن الأناجيل من انها مكتوبة بإشراف الروح المقدس أو أن كتبة الأناجيل كانوا مساقين بالروح المقدس وانه كلمة الرب الأخيرة للبشرية يكون صحيحاً.
أي إن إثبات أن تلك الشخصيات متوافقة مع العقائد وقوانين إيمان الكنائس يدل على أنها صحيحة وإذا خالفت تلك الشخصيات هذه العقائد وقوانين الإيمان فانه يدل على أنها ليست مأخوذة من الأناجيل بل تكون مأخوذة من مصادر أخرى، وبالتالي فان كل ما تقوله الكنائس عن الأناجيل من أنها كلمة الرب الأخيرة للبشرية وان كتبة الأناجيل كانوا مساقين بالروح المقدس بحاجة إلى مراجعة دقيقة قبل معاودة قول هذه الأقوال.
وفي هذا الكتاب سأستعرض معظم الشخصيات التي جاء ذكرها في الأناجيل بدءاً من يسوع وأب يسوع ومريم والروح المقدس ويوحنا المعمدان وتلاميذ يسوع وانتهاء بالشخصيات التي واجهت يسوع بالشرّ والمقاومة، وأبدأ بالشخصية الأهم في الأناجيل وهي شخصية يسوع.
نادر عيسى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق