الاثنين، 8 مارس 2010

شخصية يهوذا الاسخريوطي ونهايته في الاناجيل ونهايته عرض ونقد

الفصل السابع شخصية يهوذا الاسخريوطي

يهوذا الاسخريوطي الشخصية التي ترمز للشر والخيانة في الأناجيل وقوانين إيمان الكنائس فمن هو وما هي ملامح شخصيته وما هي علاقته بيسوع؟
- ثم دعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطاناً على أرواح نجسة حتى يخرجوها، ويشفوا كل مرض وكل ضعف، وأما أسماء الاثني عشر فهي هذه الأول سمعان الذي يُقال له بطرس وأندراوس أخوه يعقوب بن زبدي ويوحنا أخوه، فيلبس وبرثولماوس توما ومتّى العشّار يعقوب بن حلفى ولبّاوس الملقب تدّاوس، سمعان القانوي ويهوذا الاسخريوطي الذي أسلمه،
هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً إلى طريق أُمم لا تمضوا والى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة،
وفيما أنتم ذاهبون اكرزوا قائلين إنه قد اقتربت مملكة السماء،
اشفوا مرضى، طهّروا بُرصاً، أقيموا موتى، أخرجوا شياطين،
مجاناً أخذتم مجان أعطوا،
لا تقتنوا ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقكم،
ولا مزوداً للطريق، ولا ثوبين، ولا أحذية ولا عصا. (متّى 10: 1-10)
في هذا النص أول مرة يُذكر فيها يهوذا بالاسم، كما ان مرقس كتب في إنجيله قصة قريبة من هذا النص ذكر فيها اسم يهوذا الاسخريوطي أيضاً كما في النص التالي:
- ثم صعد إلى الجبل ودعا الذين أرادهم فذهبوا إليه، وأقام اثني عشر ليكونوا معه وليُرسلهم ليكرزوا،
ويكون لهم سلطان على شفاء الأمراض، وإخراج الشياطين، وجعل لسمعان اسم بطرس،
ويعقوب بن زبدي ويوحنا أخاه وجعل لهما اسم بوانرجس أي ابني الرعد، واندراوس وفيلبس وبرثولماوس ومتّى وتوما ويعقوب بن حلفى وتداوس وسمعان القانوني،
ويهوذا الاسخريوطي الذي أسلمه ثم أتوا الى بيت. (مرقس 3: 13-19)
وكذلك ذكر لوقا اسم يهوذا في إنجيله بقصة مماثلة فكتب قائلاً:
- وفي تلك الأيام خرج إلى الجبل ليُصلي،
وقضى الليل كله في الصلاة للإله،
ولما كان النهار دعا تلاميذه واختار منهم اثني عشر الذين سماهم أيضاً رُسُلاً،
سمعان الذي سمّاه أيضاً بطرس وأندراوس أخاه يعقوب ويوحنا فيلبس وبرثولماوس، متّى وتوما، يعقوب بن حلفى وسمعان الذي يُدعى الغيور، يهوذا أخا يعقوب،
ويهوذا الاسخريوطي الذي صار مُسَلماً أيضاً. (لوقا 6: 12-16)
أما يوحنا كاتب الإنجيل الرابع فلم يذكر يهوذا بالاسم إلا بعد إحياء يسوع لعازر عندما قام يسوع بزيارته في بيته وقبل إلقاء القبض عليه بعدة أيام، في ذلك الوقت أتت أخت لعازر المعروفة بمريم المجدلية ودهنت قدمي يسوع بالطيب كما في النص التالي:
- ثم قبل الفصح بستة أيام أتى يسوع إلى بيت عنيا حيث كان لعازر الميت الذي أقامه من الأموات،
فصنعوا له هناك عشاء، وكانت مرثا تخدم وأما لعازر فكان أحد المتكئين معه، فأخذت مريم منّا من طيب ناردين خالص كثير الثمن ودهنت قدمي يسوع ومسحت قدميه بشعرها، فامتلأ البيت من رائحة الطيب، فقال واحد من تلاميذه وهو يهوذا الاسخريوطي المزمع أن يُسَلمه لماذا لم يُبع هذا الطيب بثلاثمئة دينار ويُعط للفقراء، قال هذا ليس لأنه كان يُبالي بالفقراء بل لأنه كان سارقاً وكان الصندوق عنده وكان يحمل ما يُلقى فيه، فقال يسوع اتركوها، إنها ليوم تكفيني قد حفظته،
لأن الفقراء معكم في كل حين وأما أنا فلست معكم في كل حين. (يوحنا 12: 1-8)
كما نقرأ فإن يهوذا الاسخريوطي من تلاميذ يسوع الأوائل باعتراف كتبة الأناجيل الأربعة وباعتراف الروح المقدس الذي كان يسوق كتبة الأناجيل كما تقول الكنائس المختلفة، كما ان هذه الكنائس تقرّ بهذه الحقيقة ولا تنكرها!
ومن خلال هذه النصوص التي تقول ان يهوذا الاسخريوطي كان من التلاميذ الأوائل ليسوع، لا بل من التلاميذ الاثني عشر الذين سماهم يسوع رُسُلاً، كما في نص لوقا، فهو بهذه المكانة والأسبقية يكون قد اكتسب كل الصفات التي أعطاها يسوع لتلاميذه ومنها:
1- وأعطاهم سلطاناً على أرواح نجسة حتى يخرجوها.
2- ويشفوا كل مرض وكل ضعف.
3- طهِّروا برصاً.
4- أقيموا موتى.
5- فقال لهم قد أُعطي لكم أن تعرفوا سرّ مملكة الإله. (مرقس 4: 11)
6- ورفع عينيه إلى تلاميذه وقال طوباكم أيها المساكين لأن لكم مملكة الإله.(لوقا 6: 20)
7- ها أنا أُعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات والعقارب، وكل قوة العدو،
ولا يضركم شيء. (لوقا 10: 20)
فهذه الصفات وغيرها اكتسبها يهوذا كما اكتسبها باقي التلاميذ بقول يسوع نفسه، فيهوذا لديه القدرة على إخراج الأرواح النجسة، أي الشياطين من الناس، فكيف دخله الشيطان ولم يستطع ان يخرجه من نفسه إذا كانت وعود يسوع لتلاميذه حقيقية؟!
كما أن يهوذا قد أُعطي معرفة سِرّ مملكة السماء، ولم يكتف كتبة الأناجيل بإعطاء يهوذا معرفة سِرّ المملكة بل أعطوه مملكة السماء نفسها كما قال لوقا، طبعاً باعتبار يهوذا أحد التلاميذ الاثني عشر!
كما اكتسب يهوذا القدرة على دوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو حتى انه لا يضره شيء، وأيضاً كما قال لوقا في النص السابق!
وآخر الصفات التي اكتسبها يهوذا من يسوع كما  قال متّى باعتباره أحد التلاميذ الاثني عشر هو إقامة الموتى من قبورهم وإحيائهم!
كما ان يهوذا خلال مرافقته ليسوع شاهد كل ما قام به يسوع من معجزات وسمع كل ما قاله يسوع من تعاليم وأمثال ونبوءات.
كل هذه الصفات والأحداث تكفي لوضعه كما وضعته الكنائس والاناجيل في أعلى مراتب الايمان، باعتباره احد التلاميذ الاثني عشر وزاد عليهم جميعاً وظيفته التي أوكلها له يسوع وهي حفظ الصندوق الذي يضع يسوع فيه المال، فهل كانت هذه الأموال من القلة بحيث جعلت يهوذا السارق كما يصفه يوحنا أن يستبدلها بثلاثين من الفضة مقابل تسليم يسوع لليهود كي يجلدوه ويستهزئوا به ومن ثم يعلقوه على الخشبة مصلوباً وصارخاً إلى إلهه إلهي إلهي لماذا تركتني؟
أقول إن يهوذا كانت له وظيفة خاصة به متميزاً بها عن التلاميذ وهي حفظ الصندوق الذي يحتفظ به يسوع بالأموال التي يتبرع بها المؤمنون كما كتب يوحنا في إنجيله.
وأما قول يوحنا عن يهوذا انه كان سارقاً فهذا ينقضه يوحنا نفسه في إنجيله عندما كتب مُعقباً على معجزة تحويل الماء الى خمر كما في النص التالي:
- هذه بداية الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل واظهر مجده، فآمن به تلاميذه. (يوحنا 2: 11)
فقول يوحنا في هذا النص يُظهر ان التلاميذ ومن ضمنهم يهوذا كانوا مؤمنين به، كما ان اختيار يسوع له ليكون احد التلاميذ الاثني عشر هو دليل على ان قول يوحنا ليس صحيحاً اذ كيف يرضى ان يكون احد تلاميذه سارقاً وهو الذي سماهم رُسُلاً؟
وقول يوحنا عن يهوذا انه كان لصاً هل يمكن القول انه قاله متأثراً بالروح التي كانت تتملكه احياناً وتظهر في كلماته حتى استنكر يسوع هذه الروح التي كانت في يوحنا؟ كما في النص التالي:
- وحين تمّت الأيام لارتفاعه ثبّت وجهه لينطلق الى أُورشليم،
وأرسل أمام وجهه رسلاً،
فذهبوا ودخلوا قرية للسامريين حتى يُعدّوا له، فلم يقبلوه لأن وجهه كان مُتجهاً نحو أُورشليم،
فلما رأى ذلك التلميذان يعقوب ويوحنا قالا يا رب أتريد أن تقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل إيليا أيضاً،
فالتفت وانتهرهما وقال لستما تعلمان من أي روح أنتما،
لأن ابن الانسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليُخلص، فمضوا الى قرية أُخرى. (لوقا 9: 51-56)
فيسوع يقول عن يوحنا كاتب الإنجيل انه من روح لا يعرفها، كما هو الحال مع التلميذ يعقوب شقيق يوحنا، أي انه ليس من روح طيبة!
ومن الصفات التي اكتبسها يهوذا هو تعميده من يسوع وهذا التعميد بمفهوم قانون إيمان الكنائس يعني حلول الروح المقدس في المتعمّد، أي ان الروح المقدس حلّ في يهوذا، لا بل ان يوحنا كاتب الانجيل قال ان تلاميذ يسوع كانوا يُعمّدون، وفي هذه القصة لم يستثن يهوذا من التعميد! ولو كان يهوذا لا يُعمّد لأظهر هذه الحقيقة كما قال عن يهوذا في مداخلته على القصة انه كان سارقاً.
وبعد هذا جاء يسوع وتلاميذه إلى أرض اليهودية ومكث معهم هناك وكان يُعمّد،
وكان يوحنا أيضاً يُعمّد في عين نون بقرب ساليم لأنه كان هناك مياه كثيرة،
وكانوا يأتون ويعتمدون، لأنه لم يكن يوحنا قد أُلقي بعد في السجن. (يوحنا 3: 22-24)
- فلما علم الرب أن الفريسيين سمعوا أن يسوع يُصيّر ويُعمّد تلاميذ أكثر من يوحنا،
مع أن يسوع نفسه لم يكن يُعمّد بل تلاميذه. (يوحنا 4: 1-2)
كما ان الأناجيل لم تكتب عن أي مشكلة حدثت بين يسوع ويهوذا، سوى حادثة تسليمه والتي سأُناقشها لاحقاً، بعكس المشاكل والاعتراضات والمجادلات، لا بل ووصل الأمر ببطرس إلى انتهار يسوع نفسه، وفي النصوص التالية سأستعرض بعض جوانب العلاقة بين يسوع والتلاميذ الآخرين.
من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يُظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أُورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل وفي اليوم الثالث يقوم،
فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلاً حاشاك يا رب لا يكون لك هذا،
فالتفت وقال لبطرس اذهب عني يا شيطان، أنت معثرة لي،
لأنك لا تهتم بما للإله ولكن بما للناس. (متّى 16: 21-23)
في هذا النص نقرأ أن بطرس قام بانتهار يسوع الجسد الذي حلت فيه آلهة الكنائس الثلاث أو أحدها بحسب إيمان كل كنيسة!
فيقول يسوع عن بطرس انه شيطان وانه لا يهتم بما للإله بل يهتم بما للناس، فلو قال كتبة الأناجيل إن الذي قام بتسليم يسوع هو بطرس الذي انتهر يسوع لكان أقرب للصواب، لان بطرس بقول يسوع نفسه عنه انه  شيطان، بدلاً من إلصاق هذه التهمة بيهوذا حافظ صندوق الأموال التي ينفق يسوع منها على نفسه وعلى تلاميذه!
- فللوقت التفت يسوع بين الجمع شاعراً في نفسه بالقوة التي خرجت منه وقال من لمس ثيابي،
فقال له تلاميذه أنت تنظر الجمع يزحمك وتقول من لمسني. (مرقس 5: 30-31)
في هذا النص يستنكر التلاميذ قول يسوع من لمسني في قصة المرأة التي لمست هدب ثوبه فشُفيت من نزف الدم الذي كان معها، وهذا القول من التلاميذ لا يُقبل ان يوجه إلى زعيم من الزعماء او نبي من الأنبياء فكيف يوجهه التلاميذ الى يسوع الذي تقول عنه الكنائس انه أحد الآلهة الثلاث الذين هم واحد، لو كانوا يؤمنون بما تقوله قوانين إيمان الكنائس عن يسوع.
والأعجب من قول التلاميذ هو أن لوقا كتب في إنجيله أن من قال هذا القول استنكاراً على يسوع هو بطرس الذي قال عنه يسوع انه شيطان.
- فقال يسوع من الذي لمسني وإذ كان الجميع يُنكرون،
قال بطرس والذين معه يا معلم الجموع يُضيّقون عليك ويزحمونك وأنت تقول من الذي لمسني،
فقال يسوع قد لمسني واحد لأني علمت أن قوة قد خرجت مني. (لوقا 8: 45-46)
ثم نقرأ قصة تتحدث عن علاقة يسوع بيوحنا الذي قال إن يهوذا كان سارقاً هذا نصها:
- وحين تمّت الأيام لارتفاعه ثبّت وجهه لينطلق الى أُورشليم، وأرسل أمام وجهه رُسُلاً فذهبوا ودخلوا قرية للسامريين حتى يُعدّوا له، فلم يقبلوه لأن وجهه كان مُتّجهاً نحو أُورشليم،
فلما رأى ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا قالا يا رب أتريد أن تقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل إيليا أيضاً،
فالتفت وانتهرهما وقال لستما تعلمان من أي روح أنتما،
لان ابن الإنسان لم يأت ليُهلك أنفس الناس بل ليُخلص فمضوا الى قرية أُخرى. (لوقا 9: 51-56)
في هذا النص نقرأ أن يوحنا وأخيه يعقوب يحاولان تغيير طبيعة منهج يسوع وكرازته!
وهذه القصة وقعت قبل الصلب بأقل من شهر، أي ان يوحنا كاتب الإنجيل ويعقوب لم يعرفا طبيعة منهج يسوع إلى آخر زمن يسوع على الأرض، حتى حاولا ان يقترحا عليه ان يفني تلك القرية السامرية التي لم تقبله، ولكن يوحنا هنا وهو يحاول تغيير طبيعة دعوة يسوع ينسى أيضاً أن يسوع لم يُرسَل للسامريين كما قال يسوع عن نفسه انه لم يُرسل الا الى خراف بيت إسرائيل الضالة كما انه منع تلاميذه من دخول مدن السامريين ودعوتهم كما تذكر الأناجيل الأُخرى، وإن كان يوحنا وباقي التلاميذ والكنائس من بعدهم قد نجحوا في تغيير طبيعة دعوة يسوع فيما بعد وتوجهوا لدعوة الشعوب من غير اليهود وتركوا دعوة اليهود الذين لم يُرسل يسوع إلا إليهم!
لهذا نجد ان يسوع ينتهر يوحنا ويعقوب ويقول لهما إنهما لا يعرفان من أي روح، وأظن أن يسوع لا يقصد أنهما من روح طيبة بهذا الكلام بل يقصد أنهما من روح شريرة!
والذي يقول عنه يسوع انه من روح شريرة يكون أقرب في السعي إلى تسليمه لليهود مقابل الثلاثين من الفضة!
فلو قال كتبة الأناجيل أن يوحنا أو يعقوب هو من قام بتسليم يسوع لكان اقرب للواقع من القصة التي كتبوها ونسبوها ليهوذا حافظ خزائن يسوع، أو لو نسبوا تلك القصة للتلميذ توما الذي شكّ ولم يؤمن في قيامة يسوع حتى وضع أصابعه في جراح يسوع والذي تذكر الأناجيل انه كان حاضراً وقت إحياء يسوع لعازر!
- قال هذا وبعد ذلك قال لهم لعازر حبيبنا قد نام لكني اذهب لأُوقظه، فقال تلاميذه يا سيد  إن كان قد نام فهو يُشفى، وكان يسوع يقول عن موته وهم ظنوا أنه يقول عن رقاد النوم، فقال لهم يسوع حينئذ علانية لعازر مات، وأنا افرح لأجلكم إني لم أكن هناك لتؤمنوا ، ولكن لنذهب إليه،
فقال توما الذي يُقال له التوأم للتلاميذ رفقائه لنذهب نحن أيضاً لكي نموت معه.
(يوحنا 11: 11-16)
في هذا النص نقرأ أن توما كان متحمساً للذهاب ليس لمشاهدة يسوع وهو يقوم بمعجزة إحياء لعازر بل للموت معه أيضاً! ثم نجده بعد عدة أيام يسأل يسوع أسئلة لا تدل على إيمانه بيسوع كما في النصوص التالية:
قال له توما يا سيد لسنا نعلم أين تذهب فكيف نقدر أن نعرف الطريق،
قال له يسوع أنا هو الطريق، والحق، والحياة، ليس أحد يأتي الأب إلا بي. (يوحنا 14: 5-6) 
في هذا النص يقول توما انه لا يعرف أين يذهب يسوع ولا يقدر أن يعرف الطريق الذي يُوصل إلى الحق، وهذا القول قاله توما قبل يوم واحد من إلقاء القبض على يسوع، فهل هذا التلميذ الذي لا يعرف أين يذهب يسوع ولا يعرف الطريق الموصلة إليه، يمكن أن يُقارن بالتلميذ الذي يحفظ صندوق أموال يسوع؟!
ألم يكن كتابة قصة تسليم يسوع في الأناجيل ونسبتها لتوما هو أولى من كتابتها ونسبتها ليهوذا؟!
ثم بعد أن سمع توما قول يسوع له بأنه هو الطريق والحق والحياة وانه لا يأتي أحد إلى الأب إلا به كما في النص السابق فهل اقتنع بهذا الكلام وآمن بان يسوع هو الطريق والحق والحياة؟
لنقرأ ردة فعل توما على قول التلاميذ ان يسوع قام من الأموات:
- أما توما أحد الاثني الذي يُقال له التوأم، فلم يكن معهم حين جاء يسوع، فقال له التلاميذ الآخرون قد رأينا الرب،
فقال لهم إن لم أُبصر في يديه اثر المسامير،
وأضع أُصبعي في اثر المسامير وأضع يدي في جنبه لا أُؤمن. (يوحنا 20: 24-25)
في هذا النص نقرأ أن توما لم يؤمن بقول التلاميذ الذين أعطاهم يسوع مملكة السماء وجعلهم رُسُلاً له أنهم رأوا يسوع، لا بل انه أجابهم بطريقة غريبة لا تدل على الإيمان مما دفع يوحنا إلى كتابة نص آخر يصور كيف أن يسوع أظهر نفسه للتلاميذ وكان توما معهم فقال له ضع اصبعك ويدك في جراحي!
- وبعد ثمانية أيام كان تلاميذه أيضاً داخلا وتوما معهم، فجاء يسوع والأبواب مُغلقة، ووقف في الوسط وقال سلام لكم،
ثم قال لتوما هات اصبعك إلى هنا وأبصر يديّ وهات يدك وضعها في جنبي، ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا، أجاب توما وقال له ربي وإلهي،
قال له يسوع لأنك رأيتني يا توما آمنت طوبى للذين آمنوا ولم يروا. (يوحنا 20: 26-29)
فيسوع كما في النص نزل عند رغبة التلميذ الشكاك في قوله انه لن يؤمن حتى يضع اصبعه في أثر الجروح ويضع يده في جنبه، والأغرب من كل هذا أن الأناجيل وغيرها من الكتب التي تتحدث عن التلاميذ لم تذكر أي أثر لهذا التلميذ في نشر دعوة يسوع، فهل بقي توما على طريقته في الشك وعدم الإيمان؟!
أو لو اختار كتبة الأناجيل احد التلاميذ بالقرعة ليقوم بتسليم يسوع، كما اختاروا التلميذ الذي أخذ مكان يهوذا بعد رفع يسوع كما كتب لوقا في كتاب أعمال الرسل لكان أنسب في تصديق القصة، وخاصة أن الأناجيل الأربعة تتحدث عن هروب التلاميذ كلهم عن يسوع وقت إلقاء القبض عليه! كما في النصين التاليين:
- حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا. (متّى 26: 56)
- فتركه الجميع وهربوا، وتبعه شاب لابساً إزاراً على عُيريه فأمسكه الشبان، فترك الإزار وهرب منهم عُرياناً. (مرقس 14: 50-52)
كما يقول النص الثاني ان التلاميذ جميعاً تركوه وهربوا حتى ان احدهم هرب وهو عريان!!!
سبب تسليم يهوذا ليسوع
ولكن كيف ومتى ولماذا فكر يهوذا في تسليم يسوع؟
لنقرأ النصوص التالية:
- حينئذ ذهب واحد من ألاثني عشر الذي يُدعى يهوذا الاسخريوطي إلى رؤساء الكهنة، وقال ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلمه إليكم،
فجعلوا له ثلاثين من الفضة،
ومن ذلك الوقت كان يطلب فرصة ليسلمه. (متّى 26: 14-16)
- ثم إن يهوذا الاسخريوطي واحد من ألاثني عشر مضى إلى رؤساء الكهنة ليُسلمه إليهم، ولما سمعوا فرحوا ووعدوه ان يعطوه فضة وكان يطلب كيف يُسلمه في فرصة موافقة. (مرقس 14: 10-11)
- وقرب عيد الفطير الذي يقال له الفصح، وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يقتلونه لأنهم خافوا الشعب،
فدخل الشيطان في يهوذا الذي يُدعى الاسخريوطي وهو من جملة الاثني عشر، فمضى وتكلم مع رؤساء الكهنة وقوّاد الجند كيف يُسلمه إليهم، ففرحوا وعاهدوه ان يعطوه فضة. (لوقا 22: 1-5)
- فحين كان العشاء وقد ألقى الشيطان في قلب يهوذا الاسخريوطي أن يُسلمه. (يوحنا 13: 2)
هذه النصوص هي التي ذكرتها الأناجيل الأربعة عن الزمن الذي فكر فيه يهوذا بتسليم يسوع كما أنها تتحدث عن السبب الذي دفعه لعمل هذه الفِعلة، وكما نلاحظ فإن كل إنجيل يُعطي قصة مختلفة عن الاخرى.
فنقرأ ان متّى جعل السبب في قيام يهوذا بهذا العمل هو سعيه وراء ثلاثين من الفضة اعتماداً منه على ما جاء في سِفر زكريا الذي ذكر قصة الثلاثين من الفضة وكنت قد أظهرت أن هذه القصة لا تتحدث عن يسوع في كتاب مصادر الأناجيل.
وأما مرقس ولوقا فقد اعتمدا في قصتهما على نص من سِفر عاموس لهذا لم يتحدثا عن الثلاثين من الفضة بل اكتفيا بالحديث عن الفضة دون عدد كما في النص التالي:
- هكذا قال الرب من أجل ذنوب اسرائيل الثلاثة والأربعة لا أرجع عنه،
لأنهم باعوا البار بالفضة والبائس لأجل نعلين. (عاموس 2: 6)
وأما يوحنا فقد كتب القصة دون ذكر للفضة أصلاً، وكيف يكتب يوحنا ان يهوذا قام بتسليم يسوع مقابل ثلاثين من الفضة أو مقابل فضة دون عدد، وهو الذي كتب عن يهوذا انه كان سارقاً في القصة التي تذكر ان مريم المجدلية دهنت رجلي يسوع بطيب ثمنه أكثر من ثلاثمائة دينار، فإذا كان بعض الناس يدهنون قدمي يسوع بطيب يساوي ثلاثمائة دينار فكيف سيكتب ان يهوذا سلم يسوع من أجل فضة دون عدد أو من أجل ثلاثين منها؟!
ويهوذا كما يصفه يوحنا كان حافظ صندوق المال وكان يسرق منه، فيهوذا كان يمكن ان يسرق أكثر من هذا المبلغ الزهيد بكثير دون الحاجة لتسليم يسوع، لهذا لم يذكر يوحنا قصة الفضة مطلقاً!
كما ان الأناجيل تختلف في الوقت الذي دخل الشيطان في يهوذا فمتّى ومرقس لم يذكرا ان الشيطان دخل في يهوذا، وأما لوقا فذكر ان الشيطان دخل في يهوذا قبل الفصح، وإما يوحنا فيقول إن الشيطان دخل وقت عشاء الفصح، وهذا يطرح سؤالاً كبيراً على مصداقية القصة كلها، لأن الأناجيل تخبرنا كما في النصوص التي ذكرتها سابقاً ان يسوع أعطى تلاميذه القدرة على إخراج الشياطين ويهوذا من التلاميذ، فكيف لم يستطع ان يخرج الشيطان من نفسه اذا كانت وعود يسوع لتلاميذه صحيحة؟!
واذا كان يهوذا لم يستطع ان يخرج الشيطان من نفسه، كما حدث مع التلاميذ عندما عجزوا عن اخراج احد الشياطين من إنسان وقال لهم يسوع بعد ان أخرجه أنهم لم يستطيعوا أن يخرجوه لقلة إيمانهم، فلو قلنا إن يهوذا لم يستطع إخراج الشيطان بسبب قلة إيمانه فلماذا لم يخرجه يسوع؟
وهنا تسارع الكنائس بالقول وكيف يخرجه من يهوذا وهو، أي يسوع، ما جاء إلا ليُصلب كي ترتفع الخطيئة الأبدية التي يتوارثها أبناء آدم.
وهذا القول يكون صحيحاً وحقيقياً لو لم يكن يسوع قد أمضى الليلة الأخيرة وهو يُصلي كي تعبر عنه الكأس ولا يُصلب، وكذلك يكون هذا القول صحيحاً لو أن صرخات يسوع لم تملأ آذاننا وهو يصرخ إلى إلهه وهو معلق على الصليب إلهي إلهي لماذا تركتني!
إعلان يسوع عن خيانة يهوذا
فهذه بداية انحراف يهوذا كما كتبتها الأناجيل الأربعة وفيها ما فيها من الاختلافات، فمتى أعلن يسوع عن خيانة يهوذا وهل يمكن ان يكون هناك اختلافات بين الأناجيل في ذكر قصة إعلان خيانة يهوذا؟
لنقرأ النصوص التالية ثم نرى إن اتفقت الأناجيل على ذكر قصة الإعلان عن هذا الخائن الذي سيقوم بتسليم يسوع احد الآلهة الثلاث الذين هم واحد كي يجلده اليهود ومن ثم يصلبوه حتى ترتفع خطيئة آدم وزوجه لأنهما أكلا من الشجرة التي نُهيا عنها، وتتصالح الآلهة الثلاث مع آدم وذريته.
وفيما هم يأكلون قال الحق أقول لكم إن واحداً منكم يُسلّمني،
فحزنوا جداً، وابتدأ كل واحد منهم يقول له هل أنا هو يا رب،
فأجاب وقال الذي يغمس يده معي في الصحفة هو يُسلمني،
إن ابن الانسان ماض كما هو مكتوب عنه،
ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يُسلم ابن الانسان، كان خيراً لذلك الرجل لو لم يُولد،
فأجاب يهوذا مُسلّمه وقال هل أنا هو يا سيدي،
قال له أنت قلت. (متّى 26: 21-25)
- ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر، وفيما هم متكئون يأكلون قال يسوع الحق أقول لكم إن واحداً منكم يُسلمني، الآكل معي،
فابتدأوا يحزنون ويقولون له واحداً فواحداً هل أنا، وآخر هل أنا،
فأجاب وقال لهم هو واحد من الاثني عشر الذي يغمس معي في الصحفة،
إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يُسلم ابن الانسان كان خيراً لذلك الرجل لو لم يُولد. (مرقس 14: 17-21)
- ولكن هوذا يد الذي يسلمني هي معي على المائدة،
وابن الإنسان ماض كما هو محتوم، ولكن ويل لذلك الإنسان الذي يسلمه،
فابتدأوا يتساءلون فيما بينهم من ترى منهم هو المزمع أن يفعل هذا. (لوقا 22: 21-22)
كما نلاحظ من هذه النصوص فان متّى ومرقس ولوقا اتفقوا على الكيفية التي أعلن بها يسوع عن خيانة يهوذا مع اختلاف بسيط في الألفاظ، ولكن ما يُلاحظ على النصوص هو الطريقة في الإعلان، فيسوع على الرغم من صفته التي تقدمها به الكنائس باعتباره الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد لم يُصرح بشكل مباشر عن الخائن، ولكنه قال الذي يغمس يده معي في الصحفة، وفي النص الثاني الآكل معي، وفي النص الثالث قال ولكن هوذا يد الذي يسلمني هي معي على المائدة، ونحن نعلم أن الجميع كان يغمس يده في الصحفة، وكذلك الجميع كانوا يأكلون معه، وأيديهم جميعاً كانت معه على المائدة، فهذه الطريقة لا أظن أنها الطريقة المناسبة لإعلان يسوع أحد الآلهة الثلاث الذين هم واحد عن خائن من مخلوقاته كما تقول الكنائس، فلماذا أعلن يسوع عن خيانة يهوذا بهذه الطريقة؟!
ألم يكن في وسع يسوع أن يفضح يهوذا أمام التلاميذ فيقوم التلاميذ بقتل يهوذا، هذا إذا لم نقل أن يقوم ملاك من الملائكة الذين تقول الأناجيل أنهم من مخلوقاته أيضاً باعتباره أحد الآلهة الثلاث الذين هم واحد كما تقول الكنائس، فلو أعلن يسوع عن خيانة يهوذا مباشرة ألم يكن باستطاعة التلاميذ وهو معهم قتلَ يهوذا؟!
أو على الأقل حجزه حتى يستطيع يسوع الخروج من أُورشليم والذهاب إلى أي مكان يستطيع الاختباء فيه، هذا إذا لم نقل صعوده إلى السماء عند الإله الأول؟!
هنا يأتينا قول الكنائس ان يسوع ما جاء إلا ليُصلب من أجل البشرية وحمل الخطيئة التي أخذوها وتوارثوها من أبيهم آدم.
وأُعيد القول عليهم بان ما ذكرته الأناجيل عن صلاة يسوع طوال الليل من أجل أن لا يُصلب ثم صراخه الى إلهه وهو مُعلق على الصليب إلهي إلهي لماذا تركتني يدل على عدم رضاه عن عملية الصلب كلها.
كما نقرأ أيضاً في النصوص ان متّى ومرقس كتبا ان ابن الانسان ماض كما هو مكتوب عنه، ولوقا كتب وابن الانسان ماض كما هو محتوم، ولست ادري أين قرأ متّى ومرقس ولوقا ويسوع والروح المقدس أن ابن الانسان مكتوب عنه انه سيُصلب ويُجلد ويُستهزأ به؟! ولا يوجد في العهد القديم نص يتحدث عن ابن الانسان سوى النص التالي:
- كنتُ أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان،
أتى وجاء إلى القديم الأيام فقرّبوه قدّامه،
فأُعطي سلطاناً ومجداً ومملكة لتتعبد له كل شعوب الأرض والأمم والألسنة،
سلطانه سلطانٌ أبديّ ما لن يزول،
ومملكته ما لن تنقرض. (دانيال 7: 13-14)
أما يوحنا فقد توسع في ذكر قصة إعلان يسوع خيانة يهوذا كما في النص التالي:
- لست أقول عن جميعكم أنا أعلم الذين اخترتهم لكن ليتم الكتاب الذي يأكل معي الخبز رفع عليّ عقبه، أقول لكم الآن قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون أني أنا هو،
الحق الحق أقول لكم الذي يقبل من أُرسله يقبلني والذي يقبلني يقبل الذي أرسلني،
لما قال يسوع هذا اضطرب بالروح وشهد وقال الحق الحق أقول لكم إن واحداً منكم سيُسلمني،
فكان التلاميذ ينظرون بعضهم إلى بعض وهم مُحتارون في من قال عنه،
وكان متكئاً في حضن يسوع واحد من تلاميذه كان يسوع يحبه،
فأومأ إليه سمعان بطرس أن يسأل من عسى أن يكون الذي قال عنه،
فاتكأ ذاك على صدر يسوع وقال له يا سيد من هو،
أجاب يسوع هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأُعطيه،
فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا سمعان الاسخريوطي،
فبعد اللقمة دخله الشيطان،
فقال له يسوع ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة،
واما هذا فلم يفهم أحد من المتكئين لماذا كلمه به،
لأن قوماً إذ كان الصندوق مع يهوذا ظنوا أن يسوع قال له اشتر ما نحتاج إليه للعيد أو أن يُعطي شيئاً للفقراء، فذاك لما أخذ اللقمة خرج للوقت وكان ليلاً. (يوحنا 13: 18-30)
كما نقرأ في النص فإن يوحنا أخذ القصة في اتجاه مخالف كلياً للقصة المكتوبة في الاناجيل الاخرى، اذ انه في قصته بدأ بالاستشهاد بنص من العهد القديم الذي يقول ان الذي يأكل معي الخبز رفع عليّ عقبه، ومن يقرأ النص كاملاً في العهد القديم يعلم انه لا يتحدث عن يسوع، بل هو جزء من الطريقة التي اتبعها كتبة الاناجيل في اقتباس الكثير من نصوص العهد القديم وقصصه والقول أنها تتحدث عن يسوع، وقد بيت هذه الطريقة وهذا النص في كتاب مصادر الأناجيل.
ثم يقول ان من يقبل من يُرسله يسوع فانه يقبل يسوع ومن يقبل يسوع فانه يقبل من أرسل يسوع، وفي هذا نقض لقانون إيمان الكنائس الذي يقول أن الآلهة الثلاث متساوية وأنها واحد.
ثم يُعطينا يوحنا اشارة أُخرى عن عدم احساس يسوع بموضوع الآلهة الثلاث ووحدتها، بقوله ولما قال يسوع هذا اضطرب بالروح وشهد وقال الحق الحق أقول لكم ان واحداً منكم سيُسلمني، وهذا الاضطراب بالروح يدل على ان الروح ليس كامناً فيه ولا هو جزء منه بل هذا الروح يأتي ليسوع ويذهب كما كان يحدث مع انبياء العهد القديم.
وبعد ان اضطرب يسوع بالروح، كما كتب يوحنا، قال ان واحداً منهم سيُسلمه، وهنا يأتي الاختلاف في القصة مع الكتبة الاخرين اذ انهم قالوا ان جميع التلاميذ حزنوا وسألوا يسوع من يكون مُسَلِّمه حتى ان متّى كتب ان يهوذا الاسخريوطي سأله! واما يوحنا فكتب ان بطرس أومأ اليه ليسأل يسوع عن مسلمه في تفصيل لا يخلو من مدح يوحنا لنفسه، وقال يوحنا ان يسوع أعطى اللقمة ليهوذا فدخله الشيطان، وهنا لا اريد تكرار ما قلته سابقاً عن السبب الذي منع يسوع من اخراج الشيطان من يهوذا، بل اريد التوقف امام محاولة يوحنا في اظهار نفسه انه كان محبوباً من يسوع، فأقول ان كتبة الاناجيل الآخرين كما قرأنا قالوا انهم لم يكونوا يعرفون من الذي سيُسلم يسوع وهذا أمر مقبول لأن يسوع لم يُبين لهم ذلك، ولكن يوحنا يقول ان يسوع أعلمه، أو على الأقل هو علم، أن يهوذا هو من سيُسلمه لانه قال ان يسوع أخذ لقمة وأعطاها ليهوذا وللتدليل على ثقة يوحنا بعلمه قال ان الشيطان دخل في يهوذا بعد اللقمة، فيوحنا يعلم ان يهوذا سيسلم يسوع لليهود.
فماذا فعل يوحنا لمنع هذه الخيانة؟ وخاصة ان الاناجيل تذكر ان جميع التلاميذ لم يؤمنوا ان يسوع قام من الأموات، فلا تستطيع الكنائس القول ان يوحنا كان يعلم ان يسوع جاء ليفتدي البشرية من خطيئتها، فكان الواجب على هذا التلميذ الذي كان يسوع يحبه كما كتب هو عن نفسه ان يحاول منع يهوذا من تسليم يسوع كما حاول بطرس منع الجند من إلقاء القبض على يسوع وقام بقطع أُذن أحد الأشخاص.
لم يعمل يوحنا التلميذ الذي كان يسوع يحبه شيئاً من أجل منع يهوذا من تسليم يسوع!
لا بل ان يوحنا هذا التلميذ الذي كان يسوع يحبه أمضى الليل نائماً وهو يرى يسوع الذي يحبه يُصلي طوال الليل من أجل أن لا يُصلب، وإن كان يوحنا في انجيله قد أغفل ذكر صلاة يسوع هذه كلياً، وزيادة في المحبة نقرأ أن يوحنا وباقي التلاميذ يشكون في يسوع يُنكرونه ولا يُصدقون ولا يؤمنون بقيامة يسوع من الأموات كما هو مكتوب في الاناجيل!
تسليم يهوذا ليسوع
ولكن كيف قام يهوذا بتسليم يسوع؟
لنقرأ النصوص التالية:
- وفيما هو يتكلم إذا يهوذا أحد الاثني عشر قد جاء ومعه جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب،
والذي أسلمه أعطاهم علامة قائلاً الذي أُقبّله هو هو، أمسكوه،
فللوقت تقدم إلى يسوع وقال السلام يا سيدي وقبّله،
فقال له يسوع يا صاحب لماذا جئت،
حينئذ تقدموا وألقوا الأيادي على يسوع وأمسكوه. (متّى 26: 47-50)
- وللوقت فيما هو يتكلم أقبل يهوذا واحد من الاثني عشر ومعه جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ،
وكان مُسلمه قد أعطاهم علامة قائلاً الذي أُقبّله هو هو، أمسكوه وامضوا به بحرص،
فجاء للوقت وتقدم إليه قائلاً يا سيدي يا سيدي وقبّله،
فألقوا أيديهم عليه وأمسكوه. (مرقس 14: 43-46)
- وبينما هو يتكلم إذا جمع والذي يُدعى يهوذا أحد الاثنى عشر يتقدمهم فدنا من يسوع ليُقبّله،
فقال له يسوع يا يهوذا أبقبلة تسلم ابن الانسان. (لوقا 22: 47-48)
في هذه النصوص نجد ان متّى ومرقس ولوقا قد اتفقوا على ذات القصة في الكيفية التي قام بها يهوذا بتسليم يسوع، مع اختلافات يسيرة لا تضرّ بالمضمون، وان كانت تضر بالواقع الذي تخبرنا فيه الاناجيل عن شهرة يسوع وانتشار خبره في كل الارض المقدسة حتى وصل أمره إلى هيرودس، فكيف يكون رجلاً مشهوراُ قام بعشرات المعجزات وبالتعليم في الهيكل خافياً على اليهود حتى يضطر يهوذا إلى إعطائهم تلك العلامة العجيبة وهي القبلة؟
وما أود الإشارة إليه هنا هو قول يسوع ليهوذا أبقبلة تسلم ابن الإنسان، فهذه الجملة من غرائب الجمل التي قيلت على لسان يسوع في الأناجيل.
لأن يهوذا لم يسلم يسوع مقابل القبلة! بل من أجل الفضة دون عدد كما ذكر لوقا ومرقس، وبثلاثين من الفضة كما ذكر متّى، فكيف يقول يسوع ان يهوذا سلمه بقبلة؟
أم إن يسوع أحد الآلهة الثلاث الذين هم واحد لا يعلم أن يهوذا سلمه مقابل الفضة؟
أم إن يهوذا لم يسلم يسوع لا بفضة ولا بقبلة؟!
هذا بالنسبة للأناجيل الثلاثة وأما يوحنا فقد كتب في إنجيله قصة تخالف ما كتبه الآخرون كما في النص التالي:
- قال يسوع هذا وخرج مع تلاميذه الى عبر وادي قدرون حيث كان بستان دخله هو وتلاميذه،
وكان يهوذا مُسلمه يعرف الموضع لأن يسوع اجتمع هناك كثيراً مع تلاميذه،
فأخذ يهوذا الجند وخداماً من عند رؤساء الكهنة والفريسيين وجاء الى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح،
فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه وقال لهم من تطلبون،
أجابوه يسوع الناصري،
قال لهم أنا هو، وكان يهوذا مُسلمه أيضاً واقفاً معهم،
فلما قال إني أنا هو رجعوا الى الوراء وسقطوا على الارض،
فسألهم أيضاً من تطلبون فقالوا يسوع الناصري،
أجاب يسوع قد قلت لكم إني أنا هو،
فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون،
ليتم القول الذي قاله إن الذين أعطيتني لم أُهلك منهم أحداً. (يوحنا 18: 1-9)
- ثم إن الجند والقائد وخدّام اليهود قبضوا على يسوع وأوثقوه ومضوا به إلى حنان أولاً لأنه كان حما قيافا الذي كان رئيساً للكهنة في تلك السنة. (يوحنا 18: 12-13)
كما نلاحظ فان يوحنا لم يذكر القبلة، ولا ذكر فيما بعد هروب التلاميذ ولكنه دافع عن موقف التلاميذ بقول يسوع للجند ان يتركوا التلاميذ ليذهبوا!
وهذه الاختلافات والتناقضات بين الاناجيل في القصة الواحد تطرح أسئلة حائرة جدّية عن أصل هذه الشخصية وعن مصداقية المعلومات المكتوبة في الأناجيل، وهذا ما سيظهر بشكل واضح في القصص التي تحدثت عن نهاية يهوذا.
نهاية يهوذا الاسخريوطي
وأخيراً كيف كانت نهاية الخائن يهوذا كما هي مكتوبة الاناجيل وباقي رسائل العهد الجديد؟
- حينئذ لمّا رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دِينَ ندم،
وردّ الثلاثين من الفضة الى رؤساء الكهنة والشيوخ، قائلا قد أخطأت إذ سلّمتُ دماً بريئاً،
فقالوا ماذا علينا، أنت أبصر،
فطرح الفضة في الهيكل وانصرف، ثم مضى وخنق نفسه،
فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا لا يحلّ أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم، فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاريّ مقبرة للغرباء،
لهذا سمي ذلك الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم،
حينئذ تمّ ما قيل بإرميا النبي القائل وأخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمن الذي ثمنوه من بني إسرائيل وأعطوها عن حقل الفخاري كما أمرني الرب. (متّى 27: 3-10)
في هذا النص يقول متّى ان يهوذا بعد إدانة  يسوع ندم ورد الثلاثين من الفضة التي أخذها مقابل تسليمه وقال انه أخطأ إذ سلّم دماً بريئاً.
فما معنى انه ندم بعد إدانة يسوع سواء قال هذا القول قبل الصلب أو بعده، وانه سلّم دماً بريئاً؟
ان كتابة متّى لهذه الأقوال على لسان يهوذا تدل بكل وضوح على ان يسوع لم يكن يُعلن الصفات التي تقولها الكنائس في قوانين إيمانها عنه من أنه أحد الآلهة الثلاث الذين هم واحد، ولا انه جاء للدنيا ليُصلب كي يرفع خطيئة البشرية، وإلا فما معنى كتابة متّى لهذه الأقوال؟!
إن قول يهوذا أنه سلّم دماً بريئاً يدل على أنه لا يعرف صفة يسوع باعتباره أحد الآلهة الثلاث الذين هم واحد، ولا يعرف كذلك أنه ما جاء إلى الدنيا إلا ليُصلب لترتفع خطيئة البشرية، وهنا قد تعترض الكنائس بالقول إن يهوذا كان غير مؤمن وانه كان لصاً.
وهذا الكلام يُرد عليه بموقف التلاميذ الآخرين من عدم إيمانهم بقيامة يسوع من الأموات كما هو مكتوب في الأناجيل، فلو كان عند التلاميذ المؤمنون علماً بأن يسوع ما جاء إلى الدنيا إلا ليُصلب كي ترتفع الخطيئة، ومن ثم سيقوم باعتباره أحد الآلهة الثلاث الذين هم واحد، لصدّقوا من أخبرهم بقيامة يسوع من الأموات، مع أن الأناجيل تذكر الكثير من أقوال يسوع لتلاميذه بأنه سيُصلب ويُقتل ومن ثم يقوم في اليوم الثالث، ومع هذا لم يصدقوا ولم يؤمنوا!
لا بل إن أحدهم لم يؤمن حتى وضع إصبعه ويده في جراح يسوع أحد الآلهة الثلاث الذين هم واحد والذي ما جاء الى الدنيا إلا ليرفع خطيئة البشرية كما تقول قوانين ايمان الكنائس!
هذا من الناحية الشخصية التي تهمنا في دراسة شخصية يهوذا، وأما بالنسبة لما يحمله النص من أخطاء فمتّى نسب نص الثلاثين من الفضة الى كتاب إرميا في حين انه مكتوب في كتاب زكريا فلو كانت قصة متّى صحيحة لكان قد عرف مكان النص المستشهد به.
فقلت لهم إن حسن في أعينكم فأعطوني أجرتي وإلا فامتنعوا،
 فوزنوا لي أجرتي ثلاثين من الفضة.(زكريا 11: 12)
فلو أراد متّى أن نصدقه في قصته لكان يتوجب عليه أن يكون أكثر دقة في نسبة النصوص إلى مواضعها الصحيحة حتى نقول إن علمه كان كبيراً بحيث استطاع أن يصل إلى نتائج دقيقة في فهم نصوص العهد القديم، بحيث أنه فهم أن هذه القصة، أعني الثلاثين من الفضة، تتحدث عن يسوع، هذا بعيداً عن قول الكنائس أن الروح المقدس كان يسوق كتبة الأناجيل!
لأنه لو وافقنا الكنائس على هذا القول فهو يضع أسئلة كثيرة عن طبيعة هذا الروح المقدس الذي لا يستطيع أن يُفرّق بين كتاب إرميا وكتاب زكريا! وعن السبب الذي جعل الروح المقدس أن لا يُنبه متّى الى هذا الخطأ البسيط، لان أي دارس للعهد القديم والعهد الجديد اذا بحث عن هذا النص فانه سيجده مكتوباً في زكريا وليس في إرميا.
مع كل هذه المشاكل التي تحوم حول قصة هذه الشخصية، إلا أن متّى كتب ان يهوذا شنق نفسه وأنهى قصة هذا الخائن، فهل اتفق معه كتبة الأناجيل على هذه النهاية ليهوذا؟
إن الأناجيل الأخرى لم تذكر شيئاً عن نهاية يهوذا، ولكن لوقا كاتب الإنجيل كتب في رسالة أعمال الرسل نهاية مختلفة ليهوذا الاسخريوطي، فقال:
- وفي تلك الأيام قام بطرس في وسط التلاميذ وكان عدة أسماء معاً نحو مئة وعشرين فقال، أيها الرجال الإخوة كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح المقدس فقال بفم داوُد عن يهوذا الذي صار دليلاً للذين قبضوا على يسوع،
إذ كان معدوداً بيننا وصار له نصيب في هذه الخدمة،
فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها،
وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أُورشليم حتى دُعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما، أي حقل دم،
لانه مكتوب في سِفر المزامير لتصر داره خراباً ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر. (أعمال الرسل 1: 15-20)
كما نقرأ فإن يهوذا أخذ أجرة الظلم وهنا أيضاً لم يُحدد كمية الأجرة ولا نوعها ولكنه يُتابع قائلاً إن يهوذا اقتنى بتلك الأجرة حقلاً، وأنه سقط على وجهه فانشق من الوسط وانسكبت أحشاؤه كلها!
وللتدليل على صدقه يقول إن جميع سكان أورشليم يعلمون هذه القصة حتى أنهم دعوا ذلك الحقل في لغتهم بحقل دما أي حقل دم!
فمن نصدق الآن متّى ومعه الروح المقدس الذي قال إن يهوذا مضى وخنق نفسه، أم لوقا ومعه الروح المقدس كذلك، ومعهما جميع سكان أورشليم، الذي يقول إن يهوذا سقط على وجهه وانشق من الوسط وانسكبت أحشاؤه كلها؟
وإن كنت هنا لا أُريد الخوض في دقائق المعلومات التي أوردها لوقا بسوق من الروح المقدس وشهادة جميع سكان أورشليم، إلا أنني أتساءل عن هذه السقطة التي تجعل الإنسان يسقط على وجهه فينشق وسطه وتنسكب أحشاؤه كلها!
ويأتيك جواب الكنائس الذي يقول إن هذه السقطة ليست طبيعية بل هي معجزة فما هي المشكلة في سقطة معجزة تؤدي إلى شق الإنسان من الوسط وانسكاب الأحشاء؟
وهذا الرد يكون مقبولاً لولا أن متّى قال إن يهوذا مضى وخنق نفسه! ولم يذكر تلك السقطة المعجزة كما ان لوقا لم يذكر أن يهوذا اشترى حقلاً بتلك الفضة، بل قال انه طرح الفضة في الهيكل وان من اشترى الحقل هم رؤساء اليهود وليس يهوذا.
كما إن هذا الرد والقصة كلها التي ذكرها لوقا في كتاب أعمال الرسل تكون صحيحة لولا أن لوقا لم يُخطئ في الاستشهاد بنصوص العهد القديم كعادة كتبة الأناجيل!
إن لوقا استشهد في نهاية قصته على صدق ما كتبه بقوله لأنه مكتوب في سِفر المزامير لتصِر داره خراباً ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر.
فهل حقاً مكتوب في المزامير لتصر داره خراباً ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر؟
لنقرأ المزمور الذي استشهد به لوقا على صحة قصة نهاية يهوذا وعلى صحة اختيار التلميذ الذي حلّ مكان يهوذا ليكتمل عدد التلاميذ الاثني عشر:
لتصر مائدتهم قدّامهم فخّاً وللآمنين شَرَكَاً،
لتُظلِم عيونهم عن البصر،
وقلقل متونهم دائماً،
صُبَّ عليهم سخطك وليُدركهم حموّ غضبك،
لتصر دارهم خراباً وفي خيامهم لا يكن ساكن،
لأن الذي ضربته أنت هم طردوه وبوجع الذين جرَحْتهم يتحدّثون،
اجعل إثماً على إثمهم ولا يدخلون في بِرّك،
ليمحوا من سِفر الأحياء ومع الصديقين لا يكتبوا،
أما أنا فمسكين وكئيب، خلاصك يا إله فليرفعني. (مزمور 69: 22-29)
هذا هو النص الذي استشهد به لوقا لإثبات صحة قصته التي ذكرها عن نهاية يهوذا وعن السبب الذي من أجله اختاروا التلميذ الثاني عشر بدلاً من يهوذا.
وأنا أسأل الكنائس هل كان استشهاد لوقا بهذا النص صحيحاً بغض النظر عما كتب متّى من قصة مخالفة لما كتب لوقا؟
أين هو الكلام الذي يتحدث عن يهوذا، والكلام كله يتحدث عن مجموعة من الناس وليس عن انسان واحد؟
ثم لو تجاهلنا كل هذه الأمور فأين وجد لوقا أو قرأ في هذا النص وليأخذ وظيفته آخر؟!!
الآن سأستعرض المزمور كاملاً لنرى صحة ما استشهد به لوقا على نهاية يهوذا واختيارهم للتلميذ البديل له.
خلّصني يا إله لأن المياه قد دخلت الى نفسي،
غرقت في حمأة عميقة وليس مقرّ، دخلتُ الى أعماق المياه والسَّيلُ غمرني.
يبدأ المزمور بهذه الفقرة ونقرأ فيها أن أحداً يدعو الرب أن يخلصه لأن المياه دخلت إلى نفسه وانه غرق في حمأة عميقة وليس مقر، وهذا الكلام لو قاله إنسان عادي أو لو قاله داوُد، وهو الذي قاله لان المزمور له كما هو مكتوب، لكان أمراً طبيعياً لأنه إنسان وهو بحاجة إلى خلاص الرب ومساعدته على النجاة مما يحدث معه من مشاكل ومعوقات تقف في مواجهته لمنعه من إكمال المهمة التي أوكلها الرب إليه، وسواء كانت هذه المشاكل والمعوقات تأتي من أعدائه الشخصيين كما هو مكتوب في العهد القديم أن داوُد أمضى عشرات السنين وهو يقاوم ويحارب مخالفيه وأعداءه، أو تأتي هذه المشاكل والمعوقات من الحالة النفسية التي يمكن أن يعيشها الإنسان حتى لو كان ملكاً أو نبياً.
أما إن وافقنا كتبة الأناجيل في قولهم ان هذا المزمور يتحدث عن يسوع فهذا يطرح أسئلة حائرة كثيرة، إذ لو كان يسوع هو أحد الآلهة الثلاث الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، هذا إذا كانت موجودة أصلاً، وهي ليست بموجودة، فكيف يطلب من نفسه أن يخلصه؟!
ومما يُخلصه؟
من المياه التي دخلت نفسه، لأنه غرق في حمأة عميقة، الحمأة تعني المياه الضحلة والساخنة!
وأيّة حمأة يمكن أن يغرق فيها الإله الثاني من الآلهة الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر؟!
كما ان كتبة الأناجيل لم يكتبوا أن يسوع غرق في حمأة وان المياه دخلت إلى نفسه كما كتبوا أن الجند سقوه خلاً استناداً لهذا المزمور كما سيظهر بعد قليل!
وهذه الفقرات تثير كذلك أسئلة على قول الكنائس ان يسوع هو المخلص لأنه في هذا النص يطلب الخلاص من الرب كما رأيناه في الأناجيل يطلب الخلاص كي لا يُصلب فإذا كان يسوع لا يستطيع أن يُخلص نفسه فكيف سيُخلص غيره؟!
- تعبت من صراخي، يبس حلقي،
كلّت عيناي من انتظار الهي.
في هذه الفقرة نجد أن المتحدث يقول انه تعب من الصراخ وان حلقه يبس وعيناه كلت من انتظار إلهه، ولنفترض أن المزمور يتحدث عن يسوع كما تقول الكنائس، فأقول إن كتبة الأناجيل كتبوا أن يسوع صرخ وهو معلق على الصليب لإلهه فقال إلهي إلهي لماذا تركتني، ولكنهم لم يكتبوا قصة تقول إن حلق يسوع يبس وان عينيه كلّتا من انتظار إلهه.
- أكثر من شعر رأسي الذين يبغضونني بلا سبب.
هذه الفقرة اقتبسها يوحنا في إنجيله وقال إنها تقصد يسوع، كما في النص التالي:
- لو لم أكن قد عملت بينهم أعمالاً لم يعملها أحد غيري لم تكن لهم خطيئة، وأما الآن فقد رأوا وأبغضوني أنا وأبي، لكن لكي تتم الكلمة المكتوبة في ناموسهم إنهم ابغضوني بلا سبب. (يوحنا 15: 25)
ومع هذا القول إلا أن يوحنا كتب سبباً لبغض اليهود ليسوع فقال:
- أجابه اليهود قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف،
فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً. (يوحنا 10: 33)
فاليهود لم يبغضوا يسوع بلا سبب كما قال في النص الأول بل أبغضوه لانه إدّعى أنه إله!
- اعتز مُستهلكيّ أعدائي ظلماً،
حينئذ رددت الذي لم أخطفه.
وأما هذه الفقرة فان الأناجيل لم تكتب قصة مشابهة لها.
- يا إله أنت عرفت حماقتي وذنوبي عنك لم تخف.
وأما هذه الفقرة فلست ادري كيف ستجيب عنها الكنائس؟
هل الرب يعرف حماقة يسوع؟
وهل يسوع أحد الآلهة الثلاث الذين هم واحد ومن نفس الجوهر أحمق؟!
وهل حقاً ان ذنوب يسوع لا تخفى على الرب، وهل كان يسوع يرتكب الذنوب؟
وما هي الذنوب التي ارتكبها يسوع؟
هذه الأسئلة يُجيب عليها يسوع وينفيها فيقول:
- من منكم يبكتني على خطية (يوحنا 8: 46)
فهو بهذا الجواب يقول انه لا يرتكب الذنوب مما يعني أن هذا المزمور لا يتحدث عنه.
- لا يخز بي منتظروك يا سيد رب الجنود،
لا يخجل بي ملتمسوك يا إله اسرائيل.
وهذه الفقرة تتحدث عن إله إسرائيل، وانه لا يخز ولا يخجل بالمتحدث ملتمسو رب الجنود وإله إسرائيل، في حين تقول الأناجيل أن تلاميذ يسوع هربوا من حوله ليلة إلقاء القبض عليه وأنكروا معرفتهم به وشكوا فيه وخاصة بطرس الذي لم يكتف بإنكار يسوع بل لعنه أيضاً، فهل يوجد أكثر من هذا خزي وخجل! فواقع حال التلاميذ يخالف ما تتحدث عنه الفقرتان.
- لأني من أجلك احتملت العار،
غطّى الخجل وجهي.
في هذه الفقرة يقول المتحدث أنه احتمل العار من أجل إله إسرائيل، ولم يقل أنه احتمل العار من أجل رفع خطيئة آدم التي أورثها لذريته كما تقول الكنائس عن احتمال يسوع للعار وقت الصلب!
- صرت أجنبياً عند اخوتي وغريباً عند بني امي.
هذه الفقرة أظن أن منها اخذ كتبة الأناجيل فكرة وجود إخوة ليسوع!
والأغرب من وجود إخوة ليسوع الاقنوم الثاني من الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، أن هؤلاء الإخوة لم يكونوا مؤمنين بأخيهم كما هو مكتوب في الأناجيل!
- لأن غيرة بيتك أكلتني.
هذه الفقرة اقتبسها يوحنا في قصة دخول يسوع للهيكل وطرده للباعة، وهذا يؤكد ان كتبة الأناجيل يعتبرون ان هذا المزمور يتحدث عن يسوع.
- وتعييرات معيريك وقعت عليّ،
وابكيت بصومٍ نفسي فصار ذلك عاراً عليّ،
جعلت لباسي مِسحاً وصرتُ لهم مَثلاً يتكلم فيّ الجالسون في الباب واغانيُّ شرّابي المسكر.
هذه الفقرات تتحدث عن الاستهزاء والعار الذي وقع على المتكلم في المزمور، وهو يسوع بحسب قول كتبة الأناجيل والكنائس، وأنا لا أُريد التعليق على هذه الأمور التاريخية، ولكنني أود الحديث عن الفقرة التي تقول إن المتكلم أبكى نفسه بالصوم، فهذا القول يتناقض مع ما ذكرته الأناجيل من عدم صوم التلاميذ كما في النص التالي:
- حينئذ أتى إليه تلاميذ يوحنا قائلين لماذا نصوم نحن والفريسيون كثيرا وأما تلاميذك فلا يصومون،
فقال لهم يسوع هل يستطيع بنو العريس ان ينوحوا ما دام العريس معه، ولكن ستأتي أيام حين يُرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون. (متّى 9: 14-15) و(مرقس 2: 18-20) و(لوقا 5: 33-35)
فيسوع يقول إن بني العريس لا يستطيعون أن ينوحوا ما دام العريس بينهم ولكن عندما يرتفع العريس فإنهم سيصومون، فإذا كان التلاميذ لا يصومون في زمن يسوع فهل كان العريس يصوم؟!
- أما أنا فلك صلاتي يا رب في وقت رضىً،
يا إله بكثرة رحمتك استجب لي بحق خلاصك.
في هذه الفقرة يقول قائل المزمور، أو يسوع باعتبار أن المزمور يتحدث عنه كما تقول الأناجيل والكنائس، ان صلاته للرب، ويطلب منه بكثرة رحمته وبحق خلاصه أن يستجيب له.
فهل استجاب له، الأناجيل كتبت ان يسوع قال وهو معلق على الصليب ألوي ألوي لما شبقتني والذي تفسيره إلهي إلهي لماذا تركتني كما كتب مرقس، وايلي ايلي لما شبقتني أي إلهي إلهي لماذا تركتني كما كتب متّى؟!
- نجّني من الطين فلا أغرق، نجّني من مبغضيّ ومن أعماق المياه،
لا يغمرني سيل المياه ولا يبتلعني العُمق ولا تُطبق الهاوية عليّ فاها.
هذه الفقرات تشير بشكل واضح الى أن المزمور لا يتحدث عن يسوع من ناحيتين، الأُولى هو عدم كتابة الأناجيل لقصص تتحدث عن نجاة يسوع من الغرق في الطين ومن أعماق المياه ومن عدم غمره في السَيل، والناحية الثانية أن الأناجيل كتبت أنه لم ينجو من مُبغضيه بل كتبت أن مُبغضيه جلدوه وضربوه وبصقوا عليه وصلبوه، وكذلك كتبت الأناجيل أن الهاوية أطبقت عليه فاها ودُفن في قبر!
- استجب لي يا رب لأن رحمتك صالحة،
ككثرة مراحمك التفت اليّ،
ولا تحجب وجهك عن عبدك،
لأن لي ضيقاً، استجب لي سريعاً.
في هذه الفقرات يقول المتكلم أنه عبد للرب، وهذا يدل على أحد أمرين، إما أن النص لا يتحدث عن يسوع، وأن كتبة الأناجيل أخطأوا فيما اقتبسوه من فقرات منه، وإما أن المزمور يتحدث عن يسوع وأنه عبد للرب، وهذا ينقض كل الأقوال والقوانين التي تتحدث عنه باعتباره أحد الآلهة الثلاث الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، كما أنها تنقض قانون الأقانيم من جذوره، لأن العهد القديم كله قائم على وحدانية الرب الإله الحق خالق السموات والأرض.
- اقترب إلى نفسي فكّها،
بسبب أعدائي افدني،
انت عرفت عاري وخزيي وخجلي،
قدّامك جميع مضايقيّ العار قد كسر قلبي فمرضت،
انتظرت رقّة فلم تكن ومُعزين فلم أجد.
وفي هذه الفقرات يستمر المتكلم في المزمور بالكلام، وهو كما تقول الكنائس يسوع، مخاطباً ربه إله إسرائيل بعد أن طلب منه أن لا يحجب وجهه عن عبده فيقول اقترب إلى نفسي وفُكّها، إن لم يكن بأي سبب فبسبب أعدائي فُكّها وافدني، لأنك عرفت عاري! وخزيي! وخجلي!
وأعدائي ليسوا بعيداً عنك فهم قدامك!
العار قد كسر قلبي فمرضت، وانتظرت رقة فلم تكن ومعزين فلم أجد.
ولم تخبرنا الأناجيل أية قصة عن مرض يسوع!
وأما قوله انه انتظر المعزين ولم يجدهم، فهذه من الفقرات الدالة على أن المزمور لا يتحدث عن يسوع، لأنه لو كان يتحدث عنه لنقض كلام الكنائس عن الفداء والخلاص، وأن يسوع جاء ليُصلب كي تتصالح الآلهة مع البشرية، لأن المتكلم كان ينتظر المعزين ولكنه لم يجدهم.
- ويجعلون في طعامي علقماً،
وفي عطشي يسقونني خلاً.
الفقرة الثانية اقتبسها يوحنا في إنجيله بقوله:
- بعد هذا رأى يسوع أن كل شيء قد كمل فلكي يتم الكتاب قال أنا عطشان، وكان إناء موضوعاً مملوءً خلا فملأوا اسفنجة من الخلّ ووضعوها على زوفا وقدّموها إلى فمه،
فلما أخذ يسوع الخلّ قال قد أُكمل، ونكس رأسه وأسلم الروح. (يوحنا 19: 28-30)
ولكن يوحنا لم يكتب قصة تتحدث عن العلقم الذي جعلوه في طعام يسوع كي تكمل الكتب، أم إن الطعام الذي فيه علقم لا تكمل به الكتب؟
وقد انتبه متّى ومرقس لوجود ذكر العلقم في هذه الفقرات، ولكنهما لم يستطيعا كتابة قصة تتحدث عن إطعام يسوع طعاماً فيه علقماً وهو معلق على الصليب فكتبا أنهم سقوه خلاً ممزوجاً بمرارة قبل الصلب كما قال متّى:
- ولما أتوا إلى موضع يُقال له جلجثة وهو المسّمى موضع الجمجمة،
أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة ليشرب ولما ذاق لم يُرد أن يشرب،
ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها لكي يتم ما قيل بالنبيّ اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي ألقوّا قرعة. (متّى 27: 33-35)
ولكن من يقول إن الخلّ المرّ وحده هو طعام؟!
وأما مرقس فذكر أنهم أعطوا يسوع خمراً ممزوجاً بمرارة بدلاً من الخلّ قبل الصلب، كما في النص التالي:
- وجاءوا به الى موضع جلجثة الذي تفسيره موضع جمجمة، وأعطوه خمراً ممزوجة بمرّ ليشرب فلم يقبل، ولما صلبوه اقتسموا ثيابه مقترعين عليها ماذا يأخذ كل واحد. (مرقس 15: 22-24)
- لتصر مائدتهم قدّامهم فخّاً وللآمنين شَرَكَاً،
لتُظلِم عيونهم عن البصر،
وقلقل متونهم دائماً،
صُبّ عليهم سخطك وليُدركهم حُمُوّ غضبك.
هذه الفقرات وما فيها من دعوات شديدة على أعداء المتكلم كان يجب أن تكون من أهم الأدلة لكتبة الأناجيل على أن هذا المزمور لا يتحدث عن يسوع، لان يسوع كما ذكر لوقا في إنجيله وهو معلق على الصليب قال يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. (لوقا 23: 34)
- لتصر دارهم خراباً وفي خيامهم لا يكن ساكن.
هذه هي الفقرة التي استشهد بها لوقا على لسان بطرس في النص الذي يتحدث عن نهاية يهوذا، وكما نلاحظ فإنها لا تتحدث عن إنسان واحد، بل هذه الفقرة وفقرات المزمور كله تتحدث عن جماعة من الناس، فأين يهوذا في هذه الفقرات؟!
- لأن الذي ضربته أنت هم طردوه وبوجع الذين جَرَحْتهم يتحدثون،
اجعل إثماً على إثمهم ولا يدخلون في بِرّك،
ليمحوا من سِفر الاحياء ومع الصديقين لا يُكتبوا.
وفي هذه الفقرات يستمر المتكلم بالدعاء على أعدائه، وهي دعوات واضحة وشديدة، ولم يكتب أحد في الأناجيل ان يسوع دعا بها على أعدائه، أو حتى أنه دعا بها على يهوذا الذي تقول الكنائس انه قام بتسليم يسوع.
- أما أنا فمسكين وكئيب، خلاصك يا إله فليرفعني.
وهذه الفقرة تتحدث عن المتكلم في المزمور فتقول انه مسكين وكئيب، وأظن أن ما كتبه متّى ومرقس عن اكتئاب يسوع في الصلاة الأخيرة جاء من هذه الفقرة، ولا أريد مناقشة كيف يكون أحد الآلهة الثلاث الذين هم واحد كئيباً أو حزيناً!
ولكنني أرغب بالإشارة إلى أن هذا المتكلم يطلب الخلاص لنفسه من الرب، فإذا كان المُخلص هو الرب فكيف تطلب الكنائس الخلاص من يسوع الذي يطلب من الرب الخلاص ولا يستطيع أن يُخلص نفسه؟!
- أُسبح اسم الإله بتسبيح وأُعظمه بحمد،
فيستطاب عند الرب أكثر من ثور بقر ذي قرون واظلاف،
في هذه الفقرة يسبح المتكلم في المزمور الربّ ويُعظمه ويحمده.
- يرى ذاك الودعاء فيفرحون وتحيا قلوبكم يا طالبي الإله،
لأن الرب سامع للمساكين ولا يحتقر أسراه.
في هذه الفقرات يقول المتكلم إن تسبيح الرب وحده وتعظيمه وحمده هي حياة لقلوب الساعين لعبادة الرب فيفرحوا وتفرح قلوبهم لان الرب يسمع للمساكين ولا يحتقر عبيده.
ولكن الأناجيل تخبرنا أن الرب لم يستمع ليسوع وهو معلق على الصليب حتى أنه صرخ إلهي إلهي لماذا تركتني، فلماذا ترك الرب يسوع ولم يستجب له مع أن الرب يسمع للمساكين؟
- تسبحه السموات والارض والبحار وكل ما يدبّ فيها.
في هذه الفقرة دليل على أن السموات والأرض وكل ما يدب فيها تسبح الرب، ولا يسعنا هنا إلا أن نقول سبحان خالق السموات والأرض الذي يسمع للمساكين ولا يترك عبيده يُحتقرون ويُجلدون ويُعلقون على الصليب.
والفقرات الأخيرة في المزمور تتحدث عن بني إسرائيل وكيف أن الرب يُخلص صهيون ويبني مدن يهوذا فيسكنون هناك، ولم تخبرنا  الأناجيل أن يسوع باعتباره أحد الآلهة الثلاث الذين هم واحد قام بتخليص صهيون أو انه بنى مدن يهوذا وأسكن اليهود فيها!
- لأن الإله يُخلص صهيون ويبني مدن يهوذا فيسكنون هناك ويرثونها،
ونسل عبيده يملكونها ومحبوا اسمه يسكنون فيها. (مزمور 69: 1-36)
كما هو ظاهر فان فقرة وليأخذ وظيفته آخر ليست موجودة ضمن هذا المزمور، فمن أين أخذ لوقا أو بطرس أو الروح المقدس هذه الفقرة؟
لنقرأ هذا النص:
ووظيفته ليأخذها آخر. (مزمور 109: 8)
هذه هي الفقرة التي استشهد بها بطرس كما كتب لوقا في أعمال الرسل مساقاً بالروح المقدس عن نهاية يهوذا واختيار تلميذاً بديلاً عنه وأشهد عليها سكان أُورشليم!
ولكن كما هو ملاحظ فان هذه الفقرة في مزمور آخر غير ما أوحاه من أن الفقرتين في مزمور واحد، والآن لنتجاوز هذه المسألة ونقرأ المزمور الجديد لنرى إن كان ينطبق على يهوذا أم لا.
يا إله تسبيحي لا تسكت،
لأنه قد انفتح عليّ فم الشرير وفم الغشّ،
تكلموا معي بلسان كذب، بكلام بُغض.
يبدأ المتحدث في المزمور كما هو واضح بدعوة إلهه الذي يسبحه إلى عدم السكوت، وهذا يتعارض مع قوانين الإيمان للكنائس كلها إذ أنها تقول إن يسوع أحد الأقانيم الثلاثة الذين هم واحد، وهذا المتكلم يدعو إلهه! ولو وافقنا قوانين الكنائس على ما تقول من أن يسوع تجسد في هيئة بشرية فهي لن تستطيع التخلص من تناقض هذا النص مع قوانينها التي تقول إنهم، أي الأقانيم الثلاثة، متساوون في المكانة والقدرة، فهنا المتكلم يدعو إلهه أن لا يسكت مما يدل على أن قدرة المَدعو أكبر من قدرة الداعي فهما على أقل تقدير غير متساويان وهذا ليس بالأمر البسيط حتى تتجاهله قوانين إيمان الكنائس المختلفة!
- بكلام بغض أحاطوا بي وقاتلوني بلا سبب،
بدل محبتي يُخاصمونني،
أمّا أنا فصلاةٌ، وضعوا عليّ شرّاً بدل خير وبُغضاً بدل حُبي.
في هذه الفقرات يقول المتحدث في المزمور ان الناس أحاطوا به بكلام بغض وقاتلوه بلا سبب، ولم تذكر الأناجيل أن اليهود قاتلوا يسوع، وان كتب يوحنا أن اليهود احتاطوا بيسوع وأظن انه اقتبس الفكرة من هذه الفقرة كما في النص التالي:
فاحتاط به اليهود وقالوا له الى متى تعلق أنفسنا،
ان كنت انت المسيح فقل لنا جهراً. (يوحنا 10: 24)
والفرق كبير بين ما كتب يوحنا وما هو مكتوب في المزمور، فيوحنا كتب أنهم احتاطوا بيسوع ليسألوه إن كان هو المسيح أم لا، والمزمور يتحدث عن إحاطة للمقاتلة.
كما ان الأناجيل لم تكتب أن اليهود قاتلوا يسوع بلا سبب، بل الأناجيل ذكرت السبب الذي من أجله قبض اليهود على يسوع وهو قوله عن نفسه أنه ابن الإله!
- أجابه اليهود لنا ناموس وحسب ناموسنا يجب أن يموت لأنه جعل نفسه ابن الإله. (يوحنا 19: 7)
- فأقم أنت عليه شريراً وليقف شيطان عن يمينه،
إذا حُوكم فليخرج مُذنباً، وصلاته فلتكن خطية،
لتكن أيامه قليلة، ووظيفته ليأخذها آخر.
نأتي الآن إلى الفقرة التي دمجها لوقا أو بطرس في الفقرة الموجودة في المزمور الآخر ليجد مبرراً لاختيار تلميذاً بديلاً ليهوذا وأشهد على ذلك كل سكان أُورشليم!
كما نلاحظ فان هذه الفقرات لا تنطبق على يهوذا بأي شكل من الأشكال، ولا أُريد القول أنها تنطبق على يسوع نفسه أكثر من يهوذا!
فيسوع حوكم وخرج مذنباً وصلاته لم تقبل لا في الليلة التي سبقت الصلب عندما كان تلاميذه يغطون في نوم عميق، ولا وهو ينادي ويصرخ إلى إلهه فيقول الوي الوي لما شبقتني أو إيلي إيلي لما تركتني، والتي تعني إلهي إلهي لماذا تركتني، وكانت أيام يسوع قليلة ولم يُكمل رسالته وأمّا وظيفته فقد أوكلها للمعزي!
ومع كل هذا التشابه بين هذه الفقرات ويسوع إلا أنني لا أقول أنها تنطبق عليه، ولكنها بالتأكيد لا تنطبق على يهوذا، وخاصة أننا نقرأ الاختلافات بين ما كتب لوقا على لسان بطرس وما كتبه متّى عن نهاية يهوذا.
وأظن أن لوقا لو كتب قصة عن محاكمة تمت ليهوذا وأنه خرج مذنباً وقُتل نتيجة للمحاكمة وأشهد على ذلك سكان أُورشليم لكان أقرب للتصديق بدلاً من أن يكتب عن سقطة يهوذا التي سقطها على وجهه فانشق وسطه وانسكبت أحشاؤه كلها، وقام بدمج فقرتين من مزمورين مختلفين وأشهد على ذلك سكان أُورشليم مع أن ما كتبه يتناقض مع متّى الذي كتب إنجيله أيضاً وهو مُساق بالروح المقدس كما تقول الكنائس.
- ليكن بنوه أيتاماً وامرأته أرملة،
لِيَتُه بنوه تيهاناً ويستعطوا ويلتمسوا خبزاً من خِرَبهم،
ليصطد المرابي كل ماله ولينهب الغرباء تعبه،
لا يكن له باسط رحمة ولا يكن مُترأف على يتاماه،
لتنقرض ذريته، في الجيل القادم ليُمح اسمهم،
ليُذكر إثم آبائه لدى الرب ولا تمح خطية أُمه،
لتكن أمام الرب دائماً وليقرض من الأرض ذكرهم.
وأما هذه الفقرات فهي على غرابتها إلا أن الأناجيل وباقي رسائل العهد الجديد لم تذكر أيّة قصة عنها وخاصة أخذ أموال يهوذا من قبل المرابي، أو نهب الغرباء تعبه!
وأما الفقرات الكثيرة والمليئة بالدعوات على ذلك الشخص فهي تتناقض مع ما كتبه لوقا عن يسوع وأنه غفر لليهود قائلاً:
- يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون. (لوقا 23: 34)
- من أجل أنه لم يذكر أن يصنع رحمة بل طرد انساناً مسكيناً وفقيراً والمنسحق القلب ليُميته.
في هذه الفقرة يقول المتكلم في المزمور أنه دعا على ذلك الرجل الشرير لأنه لم يذكر أن يصنع رحمة بل طرد إنساناً مسكيناً وفقيراً ومنسحق القلب!
لماذا دعا المتكلم في المزمور على ذلك الإنسان؟
هل ليسلمه لليهود مقابل ثلاثين من الفضة؟
الجواب واضح كلا، لم يلعن الرجل المتكلم في المزمور ذلك الشرير من أجل الفضة بل لأنه طرد إنساناً مسكيناً وفقيراً ومنسحق القلب، فأين هذا مما تقوله الكنائس عن يهوذا من أنه قام بالإبلاغ عن مكان يسوع وتسهيل عملية إلقاء القبض عليه مقابل ثلاثين من الفضة؟
إن الكنائس من كثرة ما تقول أن المزامير تتحدث عن يسوع تنسى، وفي أحيان كثيرة تنسينا نحن أيضاً، أن هذه المزامير هي في أكثرها لداوُد ونحن نعلم والكنائس تعلم أن شاول الملك، وهو أول من سُمي بالمسيح، قام بطرد داوُد وحاول قتله، فهذه الفقرات تنطبق على داوُد وشاول أكثر من يسوع، وكذلك فهي تنطبق على داوُد لما في هذا المزمور من صفات تتناقض مع قوانين الإيمان التي كتبتها الكنائس كلها، فلا أظن أن الكنائس تقول إن من صفات الآلهة الثلاث الساكنة في جسد يسوع الفقر والذل وانسحاق القلب!
- وأحب اللعنة فأتته ولم يُسَرّ بالبركة فتباعدت عنه،
ولبس اللعنة مثل ثوبه فدخلت كمياه في حشاه، وكزيت في عظامه،
لتكن له كثوب يتعطف به وكمنطقة يتنطق بها دائماً.
في هذه الفقرات يعود المتكلم إلى لعن ذلك الشرير وهو ما لم تكتبه الأناجيل عن يسوع، لا بل إن يسوع عندما سأله يهوذا إن كان هو من سيُسلمه قال له أنت قلت!
- هذه أُجرة مُبغضيّ من عند الرب وأُجرة المتكلمين شرّاً على نفسي،
أما أنت يا رب السيد فاصنع معي من أجل اسمك،
لأن رحمتك طيبة نجني.
في هذه الفقرات يبدأ المتكلم بالحديث عن نفسه فنجده يقول إن رحمة ربه طيبة ويطلب منه أن يُنجّيه، والأناجيل كتبت أن يسوع ظل طوال الليل يدعو ولم يُستجب له حتى انه صرخ وهو مُعلق على الخشبة إلهي إلهي لماذا تركتني.
فالكنائس هنا أمام ثلاث خيارات، أما أن تقول أن هذا المزمور لا يتحدث عن يسوع وبالتالي عليهم القول أن لوقا أخطاً بالاستشهاد بهذه الفقرة والقول إنها تتحدث عن يهوذا.
أو أن تقول إن رحمة رب يسوع ليست طيبة ولهذا لم يُنجيه من الصلب.
وأخيراً أن تقول إن رحمة رب يسوع طيبة ولكن يسوع لا يستحقها لهذا فهو لم يُنجيه!
- فاني فقير ومسكين أنا وقلبي مجروح في داخلي،
كظل عند ميله ذهبتُ،
انتفضت كجرادة.
وهذه الفقرات أتركها دون تعليق حتى يتأملها أتباع الكنائس الطيبين ويُقارنوها بما هو مكتوب في قوانين الإيمان عن يسوع، وخاصة وصف نفسه هنا بأنه جرادة!
- رُكبتاي ارتعشتا من الصوم ولحمي هزل عن سمن،
وأنا صرت عاراً عندهم، ينظرون إليّ وينغضون رؤوسهم،
أعنّي يا رب إلهي.
وهذه الفقرات كسابقاتها ولكن هنا لا بد من طرح سؤال وهو لماذا لم يُعن إله يسوع وهو يصرخ ويقول إلهي إلهي لماذا تركتني؟
هذا إذا كان يسوع إنساناً، فكيف إذا كان هو الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد كما تقول الكنائس المختلفة!!
- خلصني حسب رحمتك،
وليعلموا أن هذه هي يدك،
أنت يا رب فعلت هذا،
أما هم فيلعنون،
وأما أنت فتبارك،
قاموا وخزوا،
أما عبدك فيفرح.
وهنا لا أُريد التوقف سوى عند الفقرة الأخيرة فهي تظهر بشكل واضح أن المتكلم هو عبد للرب وليس كما تقول الكنائس أنه يسوع وأنه الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد ومن نفس الجوهر.
فإذا كان المتكلم عبد للربّ فكيف يستشهد لوقا على لسان بطرس أن هذا المزمور يُقصد به يسوع ويهوذا حتى أنه أشهد سكان أُورشليم على قصته مع أن متّى كتب قصة تخالف قصته؟!
ونهاية المزمور تنتهي بالصراخ بأعلى صوت أنها لا تتكلم عن يسوع ولا عن يهوذا، لأن المتكلم يقول إن ربه يُخلصه من محاولة القاضين عليه في حين أن الأناجيل تقول إن إله يسوع تركه على الصليب كي يُصبح لعنة كما قال بولس، وكما تقول كل قوانين إيمان الكنائس!
- ليَلبِس خُصمائي خجلاً وليتعطفوا بخزيهم كالرداء،
أحمد الرب جداً بفمي وفي وسط كثيرين أُسبّحه،
لأنه يقوم عن يمين المسكين ليُخلصه من القاضين على نفسه. (مزمور 109: 1-31)
من هذا الشرح للمزمورين نجد أنهما لا يتحدثان عن يسوع ولا عن يهوذا الاسخريوطي، بل نجد ان كتبة الأناجيل كانوا يأخذون نصوصاً من أسفار العهد القديم ويضعونها في قصصهم ليقولوا إن العهد القديم ذكر يسوع حتى لو اضطرهم الأمر أن يزيدوا فقرات أو يدمجوها من مزامير مختلفة حتى تتوافق مع القصص التي يكتبونها، على الرغم من أن هذه النصوص تتعارض مع ما كتبه الآخرون، وهو ما أوقعهم في جميع التناقضات التي نقرأها في الأناجيل.
بعد هذا البحث المفصل عن شخصية يهوذا الاسخريوطي نجد أن الكثير من ظلال الشك تحوم حول حقيقة هذه الشخصية التي لم يستطع كتبة الأناجيل الكتابة عنها بشكل متناسق وصحيح، فضلاً عن إظهار صفات يسوع التي تصفه بها قوانين إيمان الكنائس المختلفة، وأستطيع القول أن هذه الشخصية بحاجة الى إعادة البحث عن حقيقتها وخاصة أنه تم اكتشاف إنجيل كتبه يهوذا الاسخريوطي واعتبر نفسه فيه أنه من أحب تلاميذ يسوع له.
فهل يُعقل ان يُفكر إنسان بتسليم أحد الآلهة الثلاث ليُصلب، وبحسب قانون ايمان الكنيسة الأرثوذكسية تسليم الآلهة الثلاث ليُصلبوا، وهو الذي تعمّد بالروح المقدس وأُعطي معرفة أسرار مملكة السماء وبعد ذلك أُعطي المملكة نفسها، وشاهد كل تلك المعجزات التي عملها يسوع ومنها إحياء الموتى، وسمع كل أقوال يسوع، ثم يُقال أنه سلم يسوع بثلاثين من الفضة بحسب رواية متّى وبفضة دون عدد بحسب مرقس ولوقا، وعندما يذكرون نهاية هذا الخائن يختلفون هذا الاختلاف الشديد، ويجمع بطرس او لوقا وبسوق من الروح المقدس جملتين من مزمورين مختلفين كي يستطيعوا ان يختاروا تلميذاً بديلاً ليهوذا؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق