الاثنين، 8 مارس 2010

شخصيات اليهود في الاناجيل وعلاقتهم بيسوع ودورهم في محاكمة وصلب يسوع عرض ونقد

الفصل الثامن شخصيات اليهود ورؤساء الكهنة والفريسيون والكتبة

اليهود ورؤساء الكهنة والفريسيون والكتبة من أهم الشخصيات التي اعتمدت عليها الكنائس في كتابة قوانين الإيمان، من قانون تعدد الآلهة، وذلك بالاستشهاد على لسانهم ببعض النصوص التي تتحدث عن ابن للإله في العهد القديم، والتي ظهرت فيما بعد في المجامع المسكونية وخاصة مجمع نيقية الذي عقد سنة 325 بعد الميلاد بشكلها النهائي، وإن كان اعتبار الروح المقدس أنه إله جاء في وقت متأخر بعد مجمع نيقية، إلى قانون الفداء والخلاص من الخطيئة الأبدية بالصلب على الخشبة، وقانون إبطال العهد الإلهي مع اليهود وجعله في أتباع الكنائس تحت مسمّى العهد الجديد، وغيرها من قوانين الكنائس.
وهذا الاعتماد نلاحظه في الدور الذي لعبوه في حياة يسوع كما هو مكتوب في الأناجيل، سواء في دورهم في قصة الصلب أو دورهم في مقاومة يسوع، أو في الطريقة التي اعتمدها كتبة الأناجيل في تصوير هذه الشخصيات وموقفها من يسوع.
وفي هذا الفصل سأستعرض مواقف هذه الشخصيات في الأناجيل لنرى إن كان كتبة الأناجيل قد نجحوا في كتابة شخصياتهم بما يتوافق مع القوانين الكنسية أم أنهم لم ينجحوا كما حدث مع الشخصيات التي سبق الحديث عنها.
ان دراسة هذه الشخصيات ضرورية ومهمة في معرفة حقيقة شخصية يسوع وصفاته من خلال مواقف أهم أعدائه منه وموقفه منهم، لأننا عندما نتحدث عن يسوع كما هو في التصور الكنسي فإننا لا نتحدث عن إنسان عادي أو حتى عن نبي من الأنبياء، لان يسوع في قوانين إيمان الكنائس يمثل الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد، فوجود أعداء شخصيين لهذا الإله، أو الآلهة الثلاث باعتبار الوحدة التي تجمعهم، ليس من السهل تخيله، وخاصة إذا علمنا أن هؤلاء الأعداء في نهاية الأمر استطاعوا التغلب عليه وضربه وجلده وتعليقه على الصليب!
أول ذِكر جاء في الأناجيل للفريسيين والكتبة بحسب الترتيب الزمني كان في إنجيل لوقا في فترة صِبَا يسوع كما في النص التالي:
- وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل جالساً وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم،
وكل الذين سمعوه بُهتوا من فهمه وأجوبته،
فلما أبصراه اندهشا، وقالت له أُمه يا بُني لماذا فعلت بنا هكذا،
هو ذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين،
فقال لهما لماذا كنتما تطلبانني ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون في ما لأبي،
فلم يفهما الكلام الذي قاله لهما،
ثم نزل معهما وجاء إلى الناصرة وكان خاضعاً لهما،
وكانت أُمه تحفظ جميع هذه الأُمور في قلبها. (لوقا 2: 46-49)
هذا النص وإن لم يذكر كلمة الفريسيين أو الكتبة أو رؤساء الكهنة إلا أن كلمة المعلمين تشير إليهم، فالذين يُعلمون في الهيكل لا بد أن يكونوا من هذه الفئات.
وما يُثير الفرح في الكنائس أن يسوع كان مثار إعجاب المعلمين حتى أنهم بُهتوا من فهمه وأجوبته، مع ان لوقا لم يذكر ان المعلمين كانوا يسألون يسوع، بل قال ان يسوع هو من كان يسمع المعلمين ويسألهم، ولكن الجملة التي لا تفرح بها الكنائس هي قول لوقا ان مريم قالت ليسوع هو ذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين!
هل حقاً كانت مريم تعتبر يوسف النجار أب يسوع من الناحية الجسدية؟
كيف لم يلاحظ لوقا انه بهذا القول يهدم ركناً مهماً من أركان إيمان الكنائس، إذ انه قائم على ولادة يسوع من امرأة دون رجل؟
وهنا سؤال يطرح نفسه وهو كيف وافق الروح المقدس، الذي تقول الكنائس عنه انه كان يسوق كتبة الأناجيل، على كتابة هذه الجملة التي تثير الشكوك في كون يسوع وُلِدَ من غير رجل؟
ألم يكن بإستطاعة الروح المقدس تنبيه لوقا إلى خطأ هذا المعنى وكتابة جملة أخرى تؤدي الغرض منها، كأن يكتب لوقا على لسان مريم أنها قالت هو ذا عمك أو خالك أو زوجي وأنا كنا نطلبك معذبين؟!
أم ان الروح المقدس كان موافقاً على كلام لوقا الذي كتبه على لسان مريم، وهو يعتبر أن يسوع ابن يوسف النجار من الناحية الجسدية أيضاً؟
وأما تعقيب لوقا على قول يسوع في جوابه ليوسف ومريم فقال لهما لماذا كنتما تطلبانني ألم تعلما انه ينبغي أن أكون في ما لأبي، فلم يفهما الكلام الذي قاله لهما، فهو يحمل أكثر من علامة استفهام على صدق ما هو مكتوب في الأناجيل، وخصوصاً إنجيل لوقا نفسه، عن ظهور ملاك الرب ليوسف ومريم وإخباره لهما أن الذي حبلت به مريم هو من الروح المقدس وانه ابن الإله! لأنه لو كانت هذه الظهورات والمشاهدات والنبوءات لملاك الرب صحيحة لفهما قصد يسوع من كلامه!
بعد هذه القصة يذكر متّى في إنجيله هؤلاء في حادثة مع يوحنا المعمدان قبل تعميده ليسوع فيقول:
- فلما رأى كثيرين من الفريسيين والصدوقيين يأتون إلى معموديّته قال لهم يا أولاد الأفاعي من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي،
فاصنعوا أثماراً تليق بالتوبة،
ولا تفتكروا أن تقولوا في أنفسكم لنا إبراهيم أباً، لأني أقول لكم إن الإله قادر أن يُقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم،
والآن قد وُضِعَتْ الفأس على أصل الشجر فكل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار. (متّى 3: 7-10)
هذا هو النص الثاني الذي يتحدث عن الفريسيين وهو كما نقرأ كان قبل تعميد يوحنا ليسوع، وأستطيع ان اعتبره تمهيداً لما سيكون عليه موقف كتبة الأناجيل منهم، أو بالمصطلح الحديث هو حملة إعلامية استباقية للموقف المتخذ تجاههم، وإلا ما معنى أن يصفهم يوحنا بأولاد الأفاعي مع أنه لم يظهر منهم أي عمل خاطئ أو مخالف ليوحنا المعمدان؟!
فيوحنا المعمدان كما في النص عندما ظهر في عبر الأردن ودعا اليهود للتعميد من أجل رفع خطاياهم لبّوا دعوته، فلماذا يهاجمهم هذا الهجوم العنيف ويصفهم بأنهم أولاد أفاعي؟
فهذا النص يمكن ان نعتبره أنه يُهيئ الناس للصفات التي ستُلصَق برؤساء الكهنة والفريسيين والكتبة، واليهود عموماً، بحيث يكونوا مُتهمين قبل إقدامهم على أي عمل، وخاصة إذا علمنا أن الأناجيل كُتبت بعد رفع يسوع بعشرات السنين.
أما يوحنا كاتب الإنجيل فانه لم يَنح هذا المنحى، فذكر أول ظهور لرؤساء الكهنة والفريسيين والكتبة بطريقة لا تخلوا من الموضوعية، وهو تقريباً كان في نفس الفترة الزمنية لنص متّى، أي قبل أن يُعمّد يوحنا المعمدان يسوع، إذ كيف يبدأ بالهجوم عليهم وهم لم يروا بعد ما يُريب من يسوع، فكان لا بد من أن يتأكدوا من صفة يسوع أولاً حتى يقرروا موقفهم منه فكتب قائلاً:
- وهذه هي شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه من أنت،
فاعترف ولم يُنكر وأقرّ أني لست أنا المسيح،
فسألوه إذاً ماذا، إيليا أنت، فقال لست أنا، النبي أنت، فأجاب لا،
فقالوا من أنت لنعطي جواباً للذين أرسلونا، ماذا تقول عن نفسك،
قال أنا صوت صارخ في البرية قوّموا طريق الرب كما قال إشعياء النبي،
وكان المرسلون من الفريسيين فسألوه فما بالك تعمّد إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي،
أجابهم يوحنا قائلاً أنا أعمّد بماء ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه، هو الذي يأتي بعدي الذي صار قدّامي الذي لست بمستحق أن أحلّ سيور حذائه، هذا كان في بيت عبرة في عبر الأردن حيث كان يوحنا يُعمّد. (يوحنا 1: 19-28)
في هذا النص نقرأ أن رؤساء الكهنة والفريسيين كانوا ينتظرون المسيح الذي بشرت به كتبهم، فبادروا بسؤال يوحنا عن السبب الذي من أجله يُعمّد، هل هو المسيح أو إيليا أو النبي.
وإن كنت أُشكك في أصل هذه القصة من حيث حدوثها، لان أسفار العهد القديم التي تحدثت عن رجل من ذرية داوُد، والذي سيأتي ليُخلص اليهود من الاضطهاد الذي يتعرضون له، لم تتحدث في أي سفر من الأسفار ان هذا الرجل سيُعمّد سواء بالماء أو بالروح المقدس أو بالروح المقدس ونار كما ذكرت بعض الأناجيل، كما أن التعميد لم يكن من شرائع اليهود فكيف سيكون علامة على المسيح أو إيليا أو النبي؟!
ومما يُعزز شكي في أصل القصة هو وجود فقرات في هذا النص تتناقض مع أقوال أُخرى ليسوع يصف فيها يوحنا المعمدان انه إيليا كما في النصين التاليين:
- لأن جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنا تنبئوا،
وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي. (متّى 11: 13-14)
- ولكني أقول لكم إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا،
حينئذ فهم التلاميذ انه قال لهم عن يوحنا المعمدان. (متّى 17: 12-13)
كما نقرأ فإن متّى كتب على لسان يسوع في النص الاول ان يوحنا هو إيليا، وفي النص الثاني وفهم التلاميذ ان يوحنا هو إيليا، في حين أن يوحنا كتب على لسان يوحنا المعمدان نفسه انه ليس إيليا، فمن نصدق متّى أم يوحنا؟
ان القاعدة التي نحكم بها على النصوص إن كانت بإشراف الروح المقدس أو وحياً مباشراً من الرب، أو أنها من غير هذين المصدرين هو عدم وجود أي خطأ فيها أو تناقض بينها وبين النصوص الأُخرى، لأن العهد القديم يقول إن الإله ليس أنساناً فيكذب ولا ابن آدم فيندم. (عدد 23: 19)، ولا تقبل خبراً كاذباً. (خروج 23: 1)، فهذا التناقض الظاهر بين النصوص هنا كما قلت يعزز شكوكي حول أصل القصة كلها.
ولكن على الرغم من هذا الالتباس، إلا أنه يمكن اعتباره بداية طبيعية لموقف رؤساء الكهنة، وهو موقف أي إنسان عندما يسمع عن دعوة أو نبي فإن أول ما يتبادر الى ذهنه هو السؤال عن صدق هذه الدعوة أو النبي، ويمكن تقسيم علاقة الكتبة والفرسيين واليهود عموماً بيسوع كما هي مكتوبة في الأناجيل الى ثلاثة أقسام، القسم الأول وهو فترة قبولهم له، القسم الثاني فترة بحثهم عن صفات يسوع كمسيح، القسم الثالث وهو فترة العلاقات السيئة بينهم ودورهم في عملية صلبه، وفيما يلي استعراض لهذه الأقسام.
فترة قبول رؤساء الكهنة والفريسيين واليهود ليسوع
بعد هذا النص تتوالى الأحداث بين يسوع ورؤساء الكهنة والفريسيين، إلا أن ما يميزها هو حالة القبول ليسوع من قِبَل رؤساء الكهنة والفريسيين والكتبة وذلك بالسماح له بالتعليم في مجامعهم، وإن كان كتبة الأناجيل حريصين على إظهارهم بالعداء الشديد له من خلال بعض الفقرات التي كانوا يكتبونها عنهم في كل المواقف كما هو منهجهم الذي سبق وأشرت إليه، وحالة القبول يمكن ملاحظتها في النصوص التالية:
- ثم دخلوا كفر ناحوم وللوقت دخل المجمع في السبت وصار يُعلم،
فبهتوا من تعليمه لأنه كان يُعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة. (مرقس 1: 21-22)
- وخرج من هناك وجاء إلى وطنه وتبعه تلاميذه، ولما كان السبت ابتدأ يُعلم في المجمع وكثيرون إذ سمعوا بُهتوا قائلين من أين لهذا وما هذه الحكمة التي أُعطيت له حتى تجري على يديه قوّات مثل هذه. (مرقس 6: 1-2)
- وكان يُعَلم كل يوم في الهيكل وكان رؤساء الكهنة والكتبة مع وجوه الشعب يطلبون أن يُهلكوه، ولم يجدوا ما يفعلون لأن الشعب كله كان متعلقاً به يسمع له. (لوقا 19: 47-48)
- وجاء إلى الناصرة حيث كان قد تربى ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت وقام ليقرأ، فدُفع إليه سِفر إشعياء النبي ولما فتح السِفر وجد الموضع الذي كان مكتوباً فيه. (لوقا 4: 16-17)
في هذه النصوص نلاحظ أن يسوع كان يُعلم في مجامع اليهود، ولولا موافقتهم على ذلك لما استطاع أن يُعلم، وخاصة أنه كان لرؤساء الكهنة سلطة معينة كما تخبر الأناجيل عند الولاة الرومانيين بحيث انه كان في استطاعتهم الضغط على الولاة في محاكمة بعض الناس وإطلاق سجناء على الرغم من عدم قناعة أولئك الولاة كما حدث في محاكمة يسوع، فلولا قبولهم له لما استطاع ان يُعلم في مجامعهم وخاصة في الهيكل.
وكان يسوع أيضاً كما تذكر الأناجيل يُبادل رؤساء الكهنة والفريسيين والكتبة هذا القبول والاستحسان بمثله، فكان يُشيد بأسفار العهد القديم وانها لن تزول ويقول انه لم يأت لنقضها بل ليُكملها وانه يدعو إلى الالتزام بما جاء فيها من أحكام كما في النص التالي:
لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء،
ما جئت لأنقض بل لأُكمّل،
فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل،
فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا
يُدعى أصغر في مملكة السماء،
وأما من عمل وعلم فهذا يُدعى عظيماً في مملكة السماء. (متّى 5: 17-19)
هذا النص اذا لم نعتبره من باب المجاملة وعدم إثارة رؤساء الكهنة ضده فإنه يُمثل مشكلة في قانون إيمان الكناس، إذ أن يسوع بعد قليل سيظهر لنا انه نقض عدداً من شرائع الناموس وأزالها من الوجود، ثم جاءت الكنائس من بعده فأزالت معظم شرائع الناموس، وعلى رأسها الختان والسبت الذي استبدلته بيوم الأحد، والذي كانت تحتفل به الشعوب الوثنية بعيد إلهة الشمس التي كانت تعبدها!
فالقول إن هذا النص قاله يسوع، أو بمعنى أدق كتبه متّى على لسان يسوع، حقيقة وليس مجاملة يدل على أن الكنائس التي قامت بإزالة الكثير من شرائع الناموس ستدعى أصغر في مملكة السماء!
- فجاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون فلما رأى أنه أجابهم حسناً سأله أيّة وصية هي أول الكل، فأجابه يسوع إن أول كل الوصايا هي اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد،
وتحبّ الربّ من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك هذه هي الوصية الأولى، وثانية مثلها هي تحب قريبك كنفسك، ليس وصية أُخرى أعظم من هاتين،
فقال له الكاتب جيداً يا معلم بالحق قلت لأن الإله واحد وليس آخر سواه،
ومحبته من كل القلب والفهم ومن كل النفس ومن كل القدرة ومحبة القريب كالنفس هي أفضل من جميع المحرقات والذبائح،
فلما رآه يسوع أنه أجاب بعقل قال له لست بعيداً عن مملكة الإله،
ولم يجسر أحد بعد ذلك أن يسأله. (مرقس 12: 28-34) و(متّى 22: 34-40)
في هذا النص نقرأ ان يسوع يقول ان أعظم وصية وأول الكل هي الرب إلهنا رب واحد، ولم يقل ان أعظم وصية وأول الكل هي الإيمان بالآلهة الثلاث، أو أن أعظم وصية هي الإيمان بقانون الفداء والخلاص، أو الإيمان بأن يسوع سوف يُصلب ويموت ويقوم من الأموات لأنه أحد الآلهة الثلاث الذين هم واحد، الذين قرروا ان يتصالحوا مع آدم وذريته ويرفعوا الخطيئة التي ورثوها منه بسبب أكله من تلك الشجرة.
كما كان من مظاهر هذا التوافق والقبول المتبادل بين يسوع ورؤساء الكهنة والفريسيين والكتبة هو عدم اعلان يسوع عن معجزاته والطلب من الناس الذين كان يشفيهم الذهاب إلى الكهنة وعدم اظهار أنه هو من شفاهم كما في النصوص التالية:
بعد شفاء الأبرص:
فقال له يسوع انظر أن لا تقول لأحد،
بل اذهب أرِ نفسك للكاهن وقدّم القربان الذي أمر به موسى شهادة لهم. (متّى 8: 4)
ولما شفا أبرص وطهر:
فانتهره وأرسله للوقت، وقال له انظر لا تقل لأحد شيئاً،
بل اذهب أر نفسك للكاهن وقدّم عن تطهيرك ما أمر به موسى شهادة لهم،
وأما هو فخرج وابتدأ يُنادي كثيراً ويذيع الخبر،
حتى لم يعد يقدر أن يدخل مدينة ظاهراً بل كان خارجاً في مواضع خالية وكانوا يأتون إليه من كل ناحية. (مرقس 1: 40-45)
في هذه النصوص نقرأ ان يسوع لم يكن يسعى للتصريح عن معجزاته، بل كان يطلب من الناس الذين شفاهم ان يذهبوا للكهنة ويُقدّموا القرابين التي تحدثت عنها شريعة موسى، وهذا يدل على حالة التوافق والقبول بينه وبين رؤساء الكهنة والفريسيين.
وأما تعقيب مرقس بقوله حتى لم يعد يقدر أن يدخل مدينة ظاهراً بل كان خارجاً في مواضع خالية وكانوا يأتون إليه من كل ناحية، فهو لو لم يكتبه لكان خيراً له، لانه بهذا التعقيب يثير الشكوك الكبيرة، والكبيرة جداً، على الصفة التي تقدم بها الكنائس يسوع باعتباره الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد!
اذ كيف لم يَعُد يسوع، الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد، يقدر؟
هل الآلهة الثلاث تكون في لحظة من الزمان فاقدة لقدرتها؟ هذا اذا كانت عندها قدرة أصلاً!
وهل مكان الآلهة الثلاث عند فقدانها لقدرتها يكون في المواضع الخالية؟
هذه التساؤلات وغيرها الكثير على هذا التعقيب تدل بكل وضوح على ان قول الكنائس ان يسوع أحد الآلهة الثلاث الذين هم واحد يكتنفه الكثير من الشكوك، لأن عدم القدرة لا تدل على صفة من خلق السموات والأرض وما فيهن من ملايين المخلوقات، فصفة الخلق تتناقض مع صفة عدم القدرة لأنه لو لم يكن قادراً لظهر هذا الأمر في مخلوقاته.
ولم تقف هذه المرحلة عند هذا الحد بل وصلت إلى درجة ان رؤساء الكهنة والفريسيين كانوا يسعون عند يسوع كي يشفي بعض المرضى من غير اليهود كما في النص التالي:
- وكان عبد لقائد مئة مريضاً مُشرفاً على الموت وكان عزيزاً عنده،
فلما سمع عن يسوع أرسل إليه شيوخ اليهود يسأله ان يأتي ويشفي عبده،
فلما جاءوا إلى يسوع طلبوا إليه باجتهاد قائلين إنه مستحق أن يُفعل له هذا، لأنه يحب أُمتنا وهو بنى لنا المجمع،
فذهب يسوع معهم وإذ كان غير بعيد عن البيت أرسل إليه قائد المئة أصدقاء يقول له يا سيد لا تتعب لأني لست مُستحقاً أن تدخل تحت سقف بيتي. (لوقا 7: 2-6)
كما نقرأ فإن يسوع كان يقبل شفاعتهم حتى في شفاء غير اليهود ويذهب بنفسه، وهذا الموقف هو عكس موقفه من المرأة الكنعانية أو المرأة الفينيقية الذي لم يشف ابنتيهما حتى أقرّتا أنهما كلاب كما هو مكتوب في الأناجيل!
كما ان يسوع كان يقبل دعوة الفريسيين للأكل عندهم:
- وفيما هو يتكلم سأله فريسي أن يتغدى عنده،
فدخل واتكأ. (لوقا 11: 37)
وهنا لا أُريد أن أتساءل عن حاجة يسوع، الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد، للأكل لو كان هو أو هم من قاموا بخلق السموات والارض!
وكان آخر نص عن العلاقة الهادئة بين يسوع والفريسيين من الناحية الزمنية هو ما كتبه لوقا في إنجيله إذ قال:
- في ذلك اليوم تقدم بعض الفريسيين قائلين له اخرج واذهب من ههنا لأن هيرودس يُريد أن يقتلك،
فقال لهم امضوا وقولوا لهذا الثعلب ها أنا أُخرج شياطين وأشفي اليوم وغداً وفي اليوم الثالث أُكمل،
بل ينبغي أن أسير اليوم وغداً وما يليه لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارجاً عن أُورشليم. (لوقا 13: 31-33)
في هذا النص نقرأ أن الفريسيين ينصحون يسوع بالانتباه لأن هيرودس يُريد أن يقتله وهو ما يدل على ان علاقتهم به كانت حسنة وهادئة.
إلا أن ما يُشكك في صحة هذا النص هو المعلومات الخاطئة التي يقدمها من خلال اظهار هذه العلاقة الهادئة، وكنت قد بينت سابقاً ما يحمل هذا النص من معلومات تنقض قانون إيمان الكنائس القائل ان يسوع هو الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد بقوله انه ذاهب إلى أورشليم لانه لا يمكن ان يهلك نبي خارجاً عن أورشليم فهو يصف نفسه بالنبي لانه ذاهب إلى أورشليم ليموت هناك.
كما أظهرت ما يحمله هذا النص من معلومات خاطئة، لأن أي قارئ للعهد القديم يعلم ان كثيراً من الأنبياء هلكوا أو ماتوا خارجاً عن أورشليم وأشهرهم موسى وهارون وابراهيم ويعقوب!
كما أن قول لوقا على لسان يسوع فقال لهم امضوا وقولوا لهذا الثعلب ها أنا أخرج شياطين وأشفي اليوم وغداً وفي اليوم الثالث أكمل، بل ينبغي ان أسير اليوم وغداً وما يليه لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارجاً عن أورشليم، يُشير إلى أن الصلب سيحدث بعد ثلاثة أيام، وهذا خطأ لأن من يقرأ إنجيل لوقا يجد أن الصلب تمّ بعد أكثر من سبعة أيام.
وأخيراً فإن النص يحمل تناقضاً في المعلومات التي تتحدث عن رغبة هيرودس بقتل يسوع مع النصوص الأخرى التي كتبها لوقا نفسه والتي تقول ان هيرودس فرح جداً عندما رأى يسوع وأنه لم يجد فيه علّة تستوجب الموت. (لوقا 23: 8-15)
إلى هنا تنتهي النصوص التي تتحدث عن مرحلة القبول والعلاقة الهادئة بين يسوع ورؤساء الكهنة والفريسيين والكتبة، وكما نلاحظ فإن يسوع كان في هذه المرحلة بنظر اليهود جزءاً منهم ودعوته تمثل امتداداً لدعوة أنبياء بني اسرائيل الذين كانوا يسعون في دعوتهم لتصحيح حياة اليهود وسلوكهم بما يتوافق مع شريعة الرب، وكان من أواخرهم يوحنا كما تذكر الأناجيل، الذي دعا اليهود للتوبة وطلب مغفرة الرب عما كانوا يرتكبونه من مخالفات.
فترة البحث عن صفات يسوع كمسيح
ولكن تبشير أو كرازة يسوع بقرب مملكة السماء دعت اليهود للبحث عن صفة يسوع إن كان هو المسيح المنتظر أم لا.
وهذا البحث يمكن ان نجعله مرحلة أخرى ومتميزة عن مرحلة العلاقة الهادئة والقبول بيسوع كنبي أو كرجل يُعلم الشريعة ويدعو للعمل بها، وإن كانت هذه المراحل لا تتسم بتميز زمني محدد فهي متداخلة، إلا انه يمكن ان نلاحظها من خلال النصوص المكتوبة في الأناجيل الأربعة.
فلننتقل الآن للحديث عن هذه المرحلة كما ذكرتها الأناجيل وهي محاولة هؤلاء التأكد من صفة يسوع إذا كان هو المسيح الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم، لنرى ان نجحت الأناجيل في إثبات ان يسوع هو المسيح المنتظر لليهود أم لا.
إن رؤساء الكهنة والفريسيين والكتبة وهم في علاقتهم الهادئة مع يسوع كانوا يسعون للكشف عن صفة يسوع إذا كان هو المسيح الموعود الذي ينقذهم من الاضطهاد الذي يعيشون فيه، والذي سيحكم العالم كله ويقيم مملكة الرب ويكونون هم سادة العالم إلى الأبد، كما جاء في بعض نصوص العهد القديم.
وهنا لا بد من التذكير ببعض تلك النصوص:
1 - كنتُ أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان،
أتى وجاء إلى القديم الأيام فقرّبوه قدّامه،
فأُعطي سلطاناً ومجداً ومملكة لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة،
سلطانه سلطانٌ أبديّ ما لن يزول، ومملكته ما لا تنقرض. (دانيال 7: 13-14)
2 - الآن تتجيشين يا بنت الجيوش قد أقام علينا مترسة،
يضربون قاضي إسرائيل بقضيب على خدّه،
أما أنت يا بيت لحم أفراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين أُلوف يهوذا،
فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل،
لذلك يُسلمهم إلى حينما تكون قد ولدت والدة،
ثم ترجع بقية إخوته إلى بني إسرائيل،
ويقف ويرعى بقدرة الرب بعظمة اسم الرب إلهه ويثبتون،
لأنه الآن يتعظّم الى أقاصي الارض. (ميخا 5: 1-4)
3 - ها أيام تأتي يقول الرب وأُقيم الكلمة الصالحة التي تكلمت بها الى بيت اسرائيل والى بيت يهوذا،
في تلك الأيام وفي ذلك الزمان أُنبتُ لداوُد غصن البِرّ،
فيُجري عدلاً وبرّاً في الأرض،
في تلك الايام يخلص يهوذا وتسكن أُورشليم آمنة، وهذا ما تتسمّى به الربّ بِرَّنا،
لأنه هكذا قال الرب،
لا ينقطع لداوُد انسان يجلس على كرسي بيت اسرائيل،
ولا ينقطع للكهنة اللاويين انسان من أمامي يُصعِدُ محرقة ويُحرق تقدمة ويُهيء ذبيحة كل الايام. (إرميا 33: 14-18)
4 - ويخرج قضيب من جذع يسّى، وينبت غصن من أُصوله،
ويحلّ عليه روح الربّ،
روح الحكمة والفهم،
روح المشورة والقوة،
روح المعرفة ومخافة الرب،
ولذته تكون في مخافة الرب،
فلا يقضي بحسب نظر عينيه،
ولا يحكم بحسب سمع أُذنيه،
بل يقضي بالعدل للمساكين،
ويحكم بالانصاف لبائسي الارض،
ويضرب الارض بقضيب فمه،
 ويُميت المنافق بنفخة شفتيه،
ويكون البرُّ منطقة مِتنيه،
والامانة على حقويه،
فيسكن الذئب مع الخروف ويربض النمر مع الجدي والعجل والشِبل والمُسمّن معاً وصبيّ صغير يسوقها، والبقر والدّبّة ترعيان تربض أولادهما معاً والأسد كالبقر يأكل تبناً، ويلعب الرضيع على سَرَبِ الصِّلّ ويمدُّ الفطيم يده على جحر الأفعوان، لا يسوؤون ولا يُفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلئ من معرفة الربّ كما تُغطي المياه البحر،
ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسّى القائم راية للشعوب،
إياه تطلب الأُمم ويكون محلّه مجداً،
ويكون في ذلك اليوم أن السيد يُعيد يده ثانية ليقتني بقية شعبه التي بقيت من أشور، ومن مصر،
ومن فتروس ومن كوش ومن عيلام ومن شنعار ومن حماة ومن جزائر البحر،
ويرفع راية للأُمم ويجمع منفيي اسرائيل ويضم مشتتي يهوذا من أربعة أطراف الأرض،
فيزول حسد أفرايم وينقرض المضايقون من يهوذا،
أفرايم لا يحسد يهوذا ويهوذا لا يضايق أفرايم،
وينقضّان على أكتاف الفلسطينيين غَرباً وينهبون بني المشرق معاً،
يكون على أدوم وموآب امتداد يدهما وبنو عمّون في طاعتهما،
ويُبيد الرب لسان بحر مصر،
ويهزّ يده على النهر بقوةِ ريحه ويضربه الى سبع سواق ويُجيز فيها بالاحذية،
وتكون سكّة لبقية شعبه التي بقيت من أشور،
كما كان لاسرائيل يوم صعوده من أرض مصر. (إشعياء 11: 1-16)
هذه بعض النصوص التي يستند إليها اليهود عموماً ورؤساء الكهنة والفريسيون والكتبة خصوصاً في انتظار الرجل الذي سيُرسله الرب لإنقاذهم!
فظهور يسوع وتبشيره بقرب مملكة السماء وإدّعائه أنه المسيح متسلحاً ببعض المعجزات، لا يجعل هذا الادعاء حقيقة، لأن كل المعجزات التي كان يقوم بها يسوع سواء أخفاها أو أعلنها، بدءاً من إحياء الموتى وانتهاءاً بشفاء الحمّى، لا تعني انه هو الرجل المنتظر الذي سيُخلصهم من الاضطهاد الذي يعيشون فيه منذ مئات السنين، لأن كثيراً من أنبيائهم كانوا يقومون بمعجزات مثل معجزات يسوع أو أعظم منها ولم تجعلهم يدّعون أنهم المسيح المنتظر، لان ذاك الرجل له صفات معينة كما في النصوص السابقة، فالمعجزات وحدها ليست كافية في إثبات ان من يقوم بها هو المسيح المنتظر، فالمسيح المنتظر يحمل صفات المُلك والحُكم والقوة كما تقول النصوص السابقة.
لهذا قاموا بعدة محاولات للتحقق من أن يسوع هو المسيح الذي بشّرت به أسفار العهد القديم، فالادعاء فقط لا يجعل الأمر حقيقة، وخاصة أنهم تحت سيطرة روما وأي خطأ في الحسابات سيكلفهم غالياً لأنهم يعلمون ان من يعارض سلطة روما فان ولاتها يخلطون دمائهم بذبائحهم كما فعل بيلاطس بالجليليين، (لوقا 13: 1)، وهذه المحاولات أخذت عدّة أشكال.
أولها الطلب منه أن يريهم آية:
- فخرج الفريسيون وابتدأوا يُحاورونه طالبين منه آية من السماء لكي يُجرّبوه،
فتنهد بروحه وقال لماذا يطلب هذا الجيل آية،
الحق أقول لكم لن يُعطى هذا الجيل آية. (مرقس 8: 11-12)
في هذا النص نقرأ ان الفريسيين طلبوا منه آية كي يطمئنوا انه هو المسيح المنتظر، وهذا من أبسط حقوقهم على من يطلب منهم ان يؤمنوا انه الانسان الذي بشّرت به أسفار العهد القديم، وهو مطلب كل انسان يسعى للايمان بيسوع، لا بل ان الكنائس تتسابق في ذكر المعجزات التي عملها يسوع للتأكيد على ان يسوع هو المسيح، إلا أن يسوع لم يستجب لهم كما كتب مرقس، فتنهد بروحه وقال لماذا يطلب هذا الجيل آية، ثم يُكمل مرقس كتابة كلام يسوع فيقول الحق أقول لكم لن يُعطى هذا الجيل آية!
هذا الجواب وبعيداً عن مناقشة تنهد يسوع الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد، يحتاج منا نحن الى تنهد إذ كيف يطلب يسوع الايمان به كمسيح من اليهود دون أي دليل أو آية!
وعلى الرغم من هذا الجواب الحاسم الذي يقول انه لن تُعطى لهم آية، فإن استمرار تبشيره بقرب مملكة الإله بين اليهود وعمل معجزات مختلفة، وان كان هو لم يعتبرها كافية كدليل أو آية وهم أيضاً لم يعتبروها، ورغبة اليهود بالخلاص من سيطرة الرومان دفعهم لسؤاله مرة ثانية والطلب منه آية:
- حينئذ أجاب قوم من الكتبة والفريسيين قائلين يا معلم نريد أن نرى منك آية،
فأجاب وقال لهم جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي،
لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال. (متّى 12: 38-40)
- وفيما كان الجموع مزدحمين ابتدأ يقول هذا الجيل شرير،
يطلب آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي،
لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى كذلك يكون ابن الإنسان أيضاً لهذا الجيل. (لوقا 11: 29-30)
هذه الآية عند حساب المدة التي مكث فيها يسوع في القبر نجد انها غير صحيحة، لأن الاناجيل تذكر أنه دُفن مساء ليلة السبت وأمضى تلك الليلة في القبر ويوم السبت وليلة الأحد وقبل بزوغ شمس يوم الأحد كان قد قام من الأموات، فنخرج بحصيلة تقل عن المدة التي حددها بقوله انه سيمكث ثلاثة أيام وثلاث ليال، إذ أنه لم يمكث في القبر سوى يوم وليلتان، والمهم هنا ليس هذا الاختلاف بين النصوص، ولكن جوابه للفريسيين عن طلبهم آية كي يُثبت لهم انه المسيح، فهم طلبوا منه آية تدعوهم للإيمان بأنه هو المسيح وهو يجيبهم بأية يونان الذي مكث في بطن الحوت!
ما وجه الشبه بينه وبين يونان؟
إن يونان لم يكن المسيح الذي يخلصهم من أعدائهم، ولا خلص أهل نينوى وجعلهم يحكمون العالم، ما كان يونان بالنسبة لأهل نينوى سوى نبي دعاهم للإيمان بالرب فاستجابوا له، وأما يسوع فالأناجيل تقدمه بصفته المسيح، وليتهم توقفوا عند هذا الحد، بل قالوا انه ابن الإله، ولم يكتفوا بهذا حتى قالوا إنه أحد الآلهة الثلاث الذين هم واحد، والذين استطاع اليهود في نهاية الأمر تعليقهم على الصليب جميعاً أو أحدهم بحسب قوانين إيمان الكنائس المختلفة!
وتتكرر محاولات رؤساء الكهنة والفريسيون والكتبة في السعي للكشف عن حقيقة يسوع الذي يقول عن نفسه انه المسيح والذي سيُخلصهم من اضطهاد الرومان، فهم كانوا يعيشون حلم الخلاص من الاضطهاد منذ مئات السنين، فلماذا لا يكون يسوع هو المسيح المخلص، فسألوه مرة ثالثة:
- وجاء إليه الفريسيون والصدوقيون ليُجرّبوه فسألوه أن يُريهم آية من السماء،
فأجاب وقال لهم إذا كان المساء قلتم صحوٌ لأن السماء مُحمرّة،
وفي الصباح اليوم شتاء لأن السماء مُحمرّة بعبوسة،
يا مراؤون تعرفون أن تميزوا وجه السماء وأما علامات الأزمنة فلا تستطيعون،
جيل شرير فاسق يلتمس آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي، ثم تركهم ومضى. (متّى 16: 1-4)
في هذا النص يقول يسوع ان علامات الأزمنة تدل على انه هو المسيح، ولكن لو تساءلنا الآن بعد أكثر من عشرين قرناً على ولادته ولم يَظهر خلاصه لا لليهود ولا لغيرهم هل كانت حقاً تلك الأزمنة تدل عليه؟
وهل اليهود الآن سيؤمنون انه هو المسيح المخلص الذي تُظهر علامات الأزمنة انه هو المسيح، أم انهم سيتأكدون ان موقف أسلافهم بعدم الإيمان بيسوع كان صحيحاً، وانه لم يكن الإنسان الذي بشّرت به أسفار العهد القديم، لأن ذاك عندما يأتي فان مُلكه لا يكون له نهاية، وأن يسوع لم يملك في حياته ساعة واحدة، وانه كان خاضعاً لقيصر ودافعاً الجزية لولاته، وهارباً من أتباعه عندما حاولوا ان يجعلوه ملكاً؟!
- وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً إلى الجبل وحده. (يوحنا 6: 15)
ولكن رغبة اليهود في التخلص من اضطهاد الرومان جعلتهم يستمرون في محاولاتهم تلك كما في النص التالي:
- فأجاب اليهود وقالوا له أيّة آية تُرينا حتى تفعل هذا،
أجاب يسوع وقال لهم انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أُقيمه،
فقال اليهود في ست وأربعين سنة بُني هذا الهيكل أفأنت في ثلاثة أيام تُقيمه. (يوحنا 2: 18-20)
في هذا النص نقرأ ان يسوع يُجيب اليهود الذين طلبوا منه آية بالطلب منهم ان ينقضوا الهيكل وهو سيقوم بإعادة بنائه في ثلاثة أيام!
وهذا الجواب من غرائب الأجوبة التي يتوقع إنسان سماعها من يسوع، إذ كيف يطلب من اليهود ان ينقضوا الهيكل ومن ثم سيقوم هو ببنائه في ثلاثة أيام!
لماذا ليس في يوم واحد؟ أو في ساعة؟ أو في لحظة؟
ولماذا لا يقوم يسوع نفسه بنقض الهيكل وإعادة بنائه وحده؟
ما الذي يمنعه من نقض الهيكل بنفسه؟
والأغرب من هذا الجواب هو تعقيب يوحنا كاتب الإنجيل إذ قال:
- وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده،
فلما قام من الأموات تذكر تلاميذه أنه قال هذا فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع. (يوحنا 2: 21-22)
أقول إن هذا الكلام ليس صحيحاً، إذ أن قول اليهود ليسوع إن الهيكل قد تمّ بنائه في ست وأربعين سنة يدل على ان الحديث لا يُقصد به هيكل يسوع، كما ان جسد الانسان لا ينقض في ثلاثة أيام.
والأهم من هذا هو ان يسوع، كما هو مكتوب في الأناجيل، كان من أهم أدلته على خروجه من القبر بجسده الأصلي هو احتجاجه بوجود الجروح التي أصابته أثناء عملية الصلب وقوله للتلاميذ ان الروح لا تكون مجروحة، لا بل انه طلب من توما التلميذ الذي شك فيه ان يضع أصابعه ويده في الجروح ليتأكد من انه قام بجسده الذي دُفِنَ فيه، كما بينت ذلك سابقاً، مما يدل على ان هيكل يسوع لم يُنقض في القبر.
ولكن تلك المحاولات لم تتوقف واستمر اليهود وزعمائهم في البحث عن حقيقة يسوع.
- فقالوا له فأيّة آية تصنع لنرى ونؤمن بك، ماذا تعمل،
آباؤنا أكلوا المنّ في البرية كما هو مكتوب أنه أعطاهم خبزاً من السماء ليأكلوا،
فقال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء، بل أبي يُعطيكم الخبز الحقيقي. (يوحنا 6: 30-32)
- أنا هو خبز الحياة،
أباؤكم أكلوا المنّ في البرية وماتوا،
هذا هو الخبز النازل من السماء لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت،
أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد والخبز الذي أنا أُعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم. (يوحنا 6: 48-51)
- فخاصم اليهود بعضهم بعضاً قائلين كيف يقدر هذا أن يُعطينا جسده لنأكل،
فقال لهم يسوع الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم، من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أُقيمه في اليوم الأخير،
لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق،
من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه. (يوحنا 6: 52-56)
- هذا هو الخبز الذي نزل من السماء ليس كما أكل آباؤكم المنّ وماتوا،
من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا الى الأبد. (يوحنا 6: 58)
هذه فقرات مُختارة من الإصحاح السادس، ونقرأ في أولها طلب اليهود من يسوع ان يصنع لهم آية كي يؤمنوا به انه هو المسيح، وذكروه بآية موسى، الذي أنزل الرب عليهم في زمانه المنّ وظلوا طوال أربعين سنة يأكلون منها دون الحاجة الى بذل أي جهد في البحث عن الطعام، وأظن ان اليهود بهذا التذكير كانوا يريدون ان يطمئنوا الى انهم لن يُتركوا بلا مأوى ولا طعام في حالة ايمانهم بيسوع واعلان الثورة على الرومان حتى يتم لهم النصر عليهم وحكم العالم كما فهموا من أسفار العهد القديم.
ولكن يسوع بدلاً من أن يُعطيهم آية يُثبت لهم فيها أنهم اذا آمنوا به فإنهم سيكونون في مأمن من الجوع، وجدوه يقوم بالتقليل من شأن موسى ومعجزاته، ويقول لهم انه هو خبز الحياة، وان من يأكل جسده ويشرب دمه فإنه لن يموت، ويحيا إلى الأبد!
وهذا القول بالنسبة لليهود لا يُسمن ولا يُغني من جوع!
فهم يريدون التأكد من انه هو المسيح الذي سيُحارب العالم وفي النهاية يحكمه، بما في ذلك الإمبراطورية الرومانية، وهو يقول لهم انهم ان أكلوا جسده وشربوا دمه فإنهم سيحيون إلى الابد!
ولست أدري لماذا لم يكتب يوحنا أو غيره من كتبة الأناجيل قصة عن محاولة لليهود لأكل جسد يسوع وشرب دمه بعد أن صلبوه كي يحيوا إلى الأبد؟!
فكان اليهود يتذمرون عليه لأنه قال أنا هو الخبز الذي نزل من السماء. (يوحنا 6: 41)
فخاصم اليهود بعضهم بعضاً قائلين كيف يقدر هذا أن يعطينا جسده لنأكله. (يوحنا 6: 52)
وان كانت الكنائس، أو بعضها، تقوم بهذا العمل وتعتبره من أسرارها وتسميه سر التناول أو الافخارستيا وذلك بأكل خبز وشرب خمر، وتقول ان الخبز والخمر مع بعض الصلوات يتحولان الى جسد يسوع ودمه، ولكن للأسف فانهم يموتون كما مات اليهود في سيناء، وليس كما كتب يوحنا على لسان يسوع ان من يأكل جسده ويشرب دمه فانه لن يموت ويحيا الى الابد!
ثم وهم يسعون في الكشف عن هذه الحقيقة ذهبوا وسألوا يوحنا المعمدان مرة ثانية:
- وحدثت مباحثة من تلاميذ يوحنا مع يهود من جهة التطهير، فجاءوا الى يوحنا وقالوا له يا معلم هوذا الذي كان معك في عبر الاردن الذي أنت قد شهدت له هو يُعمّد والجميع يأتون إليه،
أجاب يوحنا وقال لا يقدر إنسان أن يأخذ شيئاً إن لم يكن قد أُعطي من السماء، انتم أنفسكم تشهدون لي أني قلت أني لست أنا المسيح، بل إني مرسل أمامه. (يوحنا 3: 25-28)
هذه الفقرات جزء من نص طويل تحدثت عنه بالتفصيل سابقاً والمهم هنا هو ان اليهود وخاصة زعمائهم كانوا يحاولون بشتى الطرق معرفة ان كان يسوع هو المسيح أم لا، لهذا ذهبوا إلى يوحنا المعمدان وبدءوا يحاورونه لمعرفة حقيقة يسوع، ولكنهم لم يقتنعوا بكلام يوحنا المعمدان الذي كتبه يوحنا كاتب الإنجيل لأن الأناجيل الأخرى تذكر أن يوحنا المعمدان كان في السجن عندما بدأ يسوع يكرز أو يبشر!!!!!
وبعد هذا نجد أن اليهود لم يعودوا يسألون يسوع عن الآيات التي يستطيع ان يُظهرها للدلالة على انه المسيح المنتظر لأنه لن يستجيب لطلباتهم!
فلجؤوا للبحث عن صفات المسيح الذي تذكره أسفار العهد القديم، لعلّ يسوع يمتلك تلك الصفات فيؤمنوا به ويتخلصوا من الاضطهاد الذي كانوا يتعرضون له تحت حكم الرومان، وخاصة انهم كانوا يشاهدون الولاة الرومانيين يخلطون دماء إخوتهم بذبائحهم كما فعل بيلاطس، (لوقا 13: 1). وكما كتب يوسيفوس فلافيوس في كتبه عن اليهود في ذلك الزمان.
وقبل الخوض في الموضوع أود الإشارة إلى أنني لم أُرتب هذه المحاولات بحسب الترتيب الزمني، وذلك لأن الاناجيل لا تتفق في الترتيب الزمني للأحداث التي تسجلها، كما ان بعض هذه المحاولات توجد في بعض الأناجيل ولا توجد في أُخرى لهذا اقتضى التنويه.
أول تلك المحاولات بحسب ترتيبي الشخصي هي التأكد من ان يسوع يسعى لمحاربة الإمبراطورية الرومانية، لأنه إذا كان هو المسيح المنتظر فإنه سيحكم العالم وبالتالي سيحكم الإمبراطورية الرومانية وهي لن تستسلم له بسهوله فيجب ان يكون مستعداً لمنع الجزية عنها تهيئة لليهود كي يحاربوها كما في النصوص التالية:
- حينئذ ذهب الفريسيون وتشاوروا لكي يصطادوه بكلمة،
فأرسلوا إليه تلاميذهم مع الهيرودسيين قائلين يا مُعلم نعلم أنك صادق وتُعلّم طريق الإله بالحقّ ولا تُبالي بأحد لأنك لا تنظر الى وجوه الناس،
فقل لنا ماذا تظن، أيجوز أن تعطى جزية لقيصر أم لا،
فعلم يسوع خبثهم وقال لماذا تجربونني يا مُراؤون،
أروني معاملة الجزية، فقدموا له ديناراً،
فقال لهم لمن هذه الصورة والكتابة،
قالوا له لقيصر،
فقال لهم أعطوا إذاّ ما لقيصر لقيصر، وما للإله للإله. (متّى 22: 15-21)
- ثم أرسلوا إليه قوماً من الفريسيين والهيرودسيين لكي يصطادوه بكلمة،
فلما جاءوا قالوا له يا مُعلم نعلم أنك صادق ولا تبالي بأحد لأنك لا تنظر الى وجوه الناس بل بالحقّ تُعلم طريق الإله،
أيجوز أن تعطى جزية لقيصر أم لا، نعطي أم لا نعطي،
فعلم رياءهم وقال لهم لماذا تجربونني، إيتوني بدينار لأنظره،
فأتوا به فقال لهم لمن هذه الصورة والكتابة فقالوا لقيصر،
فأجاب يسوع وقال لهم أعطوا ما لقيصر لقيصر وما للإله للإله، فتعجبوا منه. (مرقس 12: 13-17)
- فراقبوه وأرسلوا جواسيس يتراءون أنهم أبرار لكي يُمسكوه بكلمة حتى يُسلموه الى حكم الوالي وسلطانه،
فسألوه قائلين يا معلم نعلم أنك بالاستقامة تتكلم وتُعلّم ولا تقبل الوجوه بل بالحقّ تُعلّم طريق الإله،
أيجوز لنا أن نُعطي الجزية لقيصر أم لا،
فشعر بمكرهم وقال لهم لماذا تجربونني،
أروني ديناراً، لمن الصورة والكتابة،
فأجابوا وقالوا لقيصر،
فقال لهم أعطوا إذاّ ما لقيصر لقيصر وما للإله للإله،
فلم يقدروا أن يمسكوه بكلمة قدام الشعب،
وتعجبوا من جوابه، وسكتوا. (لوقا 20: 20-26)
هذه النصوص الثلاثة تدل على ان يسوع لم يستجب لرغبة اليهود بإظهار صفته التي يقدم بها نفسه باعتباره المسيح المنتظر الذي سيحكم العالم والذي لا يكون لملكه نهاية كما هي صفة المسيح في أسفار العهد القديم وبدلاً من ذلك يطلب منهم ان يستمروا بالخضوع للرومان بإعطاء الجزية لقيصر، فهو بهذه الأجوبة يُشير إلى أنه ليس هو المسيح، وهذه الصفة تعتبر صفة بسيطة مقارنة بما تصفه به الكنائس باعتباره الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد!
وحتى هذه الصفة فهو ينقضها من جذورها بقوله قال لهم لماذا تجربونني، فشعر بمكرهم وقال لهم لماذا تجربونني، فهذه الأقوال لا تدل على انه هو من خلق السموات والأرض، لأنه لو كان كذلك لأجابهم بكل وضوح بأنه لا يجوز إعطاء الجزية لقيصر، لأن قيصر كان يعبد الأوثان وكان يستعبد اليهود، وهذا يتناقض مع الشريعة التي نزلت على أنبياء اليهود والتي يُفترض اذا كانت صفته صحيحة انه هو من أوحى بها!
ولكن اليهود لم ييأسوا من محاولة الإيمان به ولكنهم قبل الإيمان به يريدون التأكد من انه هو المسيح المنتظر وخاصة انه يقوم بعمل بعض المعجزات التي لا يعملها الإنسان العادي، فانتهزوا فرصة قيامه بإحدى المعجزات وهي إطعام آلاف الناس بقليل الطعام فقاموا بمحاولة لتشجيعه على إظهار انه هو المسيح وتنصيبه ملكاً عليهم كما في النص التالي:
- فلما رأى الناس الآية التي صنعها يسوع قالوا إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلى العالم،
وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً انصرف أيضاً الى الجبل وحده. (يوحنا 6: 14-15)
ولكن يسوع كما هو حاله دائماً، طبعاً بحسب ما هو مكتوب في الأناجيل، يرفض الاستجابة لليهود بالتصريح أنه هو المسيح، وهذا لا يدل على انه كان يشعر انه المسيح، فضلاً عن الصفة التي تصفه بها الكنائس باعتباره الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد، وإلا لو كان يشعر بهذه الصفات ما الذي يدفعه للانصراف من أتباعه والذهاب الى الجبل وحده؟
ممن كان يخاف يسوع، الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد، ليُعلن نفسه ملكاً على عشرة آلاف كيلو متر مربع إذا كان هو من خلق السموات والارض، والتي يقول العلماء ان مساحتها تتجاوز الخيال العقلي والقياس المادي إذ ان المسافة بين بعضها البعض تتجاوز مليارات السنين الضوئية، والسنة الضوئية تساوي مسيرة الضوء لمدة سنة والضوء يسير بالثانية الواحدة مائة وخمسون ألف كيلو متراً؟!
ولكن محاولات رؤساء الكهنة والفريسيين والكتبة لا تتوقف فيكتب لوقا قصة ذلك الرجل الذي يطلب من يسوع ان يطلب من أخيه ان يقاسمه الميراث فماذا سيكون جواب يسوع؟
لنقرأ هذا النص:
وقال له واحد من الجمع يا معلم قل لأخي أن يُقاسمني الميراث،
فقال له يا إنسان من أقامني عليكما قاضياً أو مقسماً. (لوقا 12: 13-14)
في الحقيقة ان الانسان يُصاب بالدهشة عندما يستمع لرؤساء الكنائس وهم يتحدثون عن يسوع باعتباره الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد ويستحضرون عشرات النصوص من العهد القديم للتدليل على ذلك عندما يقرأ هذا النص، إذ أن يسوع في هذا النص يقول أنه ليس قاضياً، وهذا يدل على عدم وجود أيّة علاقة ليسوع بخالق السموات والارض سوى علاقة العبودية، لان أسفار العهد القديم تُصرح بكل وضوح ان الرب هو القاضي، فقول يسوع انه ليس قاضياً يدل على انه لا علاقة له بالرب سوى العبودية فقط، كما في النصوص التالية:
- لا تنظروا إلى الوجوه في القضاء للصغير كالكبير تسمعون،
لا تهابوا وجه إنسان لأن القضاء للإله، والأمر الذي يعسر عليكم تقدمونه إليّ لأسمعه. (تثنية 1: 17)
- فأنا لم أُخطئ إليك وأما أنت فإنك تفعل بي شرّاً بمُحاربتي،
ليقض الرب القاضي اليوم بين بني إسرائيل وبني عمون. (قضاة 11: 27)
يقضي الرب بيني وبينك، وينتقم لي الربّ منك ولكن يدي لا تكون عليك. (صموئيل الأول 24: 13)
- فيكون الرب الديّان ويقضي بيني وبينك ويرى ويُحاكم محاكمتي وينقذني من يدك. (صموئيل الاول 24: 15)
- الإله قاض عادل وإله يسخط في كل يوم. (مزمور 7: 11)
- أما الرب فإلى الدهر يجلس، ثبَّتَ للقضاء كرسيّه،
وهو يقضي للمسكونة بالعدل يدين الشعوب بالاستقامة. (مزمور 9: 8)
- ويقول الإنسان إن للصّدّيق ثمراً إنه يوجد إله قاض في الأرض. (مزمور 58: 11)
ولكن الرب هو القاضي هذا يضعه وهذا يرفعه. (مزمور 75: 7)
فإن الرب قاضينا، الرب شارعنا، الرب ملكنا هو يخلّصنا. (إشعياء 33: 22)
كما نقرأ فإن هذه النصوص وغيرها تقول ان الرب هو القاضي، فقول يسوع انه ليس قاضياً يدل بكل وضوح على انه لا علاقة له بالرب سوى العبودية، فهذه المحاولة فشلت كما فشلت المحاولات السابقة.
ولكن رؤساء الكهنة والفريسيين لا يُصيبهم اليأس في محاولاتهم للكشف عن حقيقة يسوع، لأنهم كانوا توّاقين للخروج من تحت الاحتلال الروماني، فنجدهم يقومون بمحاولة أُخرى كما في النص التالي:
- ثم حضر أيضاً إلى الهيكل في الصبح وجاء إليه جميع الشعب فجلس يُعلّمُهُم،
وقدّم إليه الكتبة والفريسيون امرأة أُمسكت في زنا، ولما أقاموها في الوسط،
قالوا له يا معلم هذه المرأة أُمسكت وهي تزني في ذات الفعل،
وموسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه تُرجم فماذا تقول أنت،
قالوا هذا ليُجربوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه،
وأما يسوع فانحنى الى أسفل وكان يكتب بإصبعه على الأرض،
ولما استمروا يسألونه انتصب وقال لهم من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر،
ثم انحنى أيضاً إلى أسفل وكان يكتب على الأرض. (يوحنا 8: 1-8)
في هذه المحاولة كما هي عادة يسوع يرفض ان يُعطي للكتبة والفريسيين أي علامة تدل على أنه هو المسيح، لأنه برفضه أن يقول حكم الشريعة على المرأة الزانية يدل على انه ليس هو المسيح المنتظر، لان ذاك عندما يأتي سيحكم بالشريعة، ويسوع يرفض حتى أن ينطق بحكم الشريعة!
وأما تعقيب يوحنا الذي كتبه بسوق من الروح المقدس كما تقول الكنائس، بقوله قالوا هذا ليُجرّبوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه، فهو يدل على خوف يسوع من التصريح بحكم الزنا في شريعة موسى التي هي، بحسب إيمان الكنائس عن يسوع، هو من أوحى بها، فكيف يخاف يسوع من التصريح بالشريعة التي أوحى بها، لو كان هو من أوحى بها؟!
وممن يخاف يسوع لو كان هو حقاً الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد، لو كانت أصلاً موجودة، وهي ليست بموجودة؟!
هل يخاف من بيلاطس أو من قيصر أو من الناس كافة أو من كل مخلوقات السموات والأرض وهو كما تقول الكنائس انه خلقها من العدم، لو كان هذا القول صحيحاً فلماذا يخاف يسوع من الشكوى عليه؟!
ان العهد القديم يحدثنا في عدة مواضع أن الانبياء والصالحين لا يخافون من أي شيء إذا كان الرب معهم فكيف يخاف يسوع وهو الذي تقول الكنائس انه الإله الثاني!
وانا سأكتفي بذكر نص واحد من المزامير، التي كثيراً ما تستشهد بنصوصها الكنائس والاناجيل على انها تتحدث وتتنبأ عن يسوع، للتدليل على ان من كان الرب معه فلا معنى لخوفه، فكيف يخاف يسوع الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد كما تقول قوانين ايمان الكنائس لو كان هذا القول صحيحاً.
الرب نوري وخلاصي ممن أخاف،
الرب حصن حياتي ممن أرتعب،
عندما اقترب الأشرار ليأكلوا لحمي مُضايقيّ وأعدائي عثروا وسقطوا،
إن نزل عليّ جيش لا يخاف قلبي، إن قامت عليّ حربٌ ففي ذلك أنا مُطمئن. (مزمور 27: 1-3)
ولما لم يستجب يسوع بشكل واضح عن إمكانية تطبيقه للشريعة حتى بالكلام فقط، مما يعني انه ليس المسيح الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم، نجد انه كانت هناك محاولة أُخرى منهم لمعرفة إن كان هو المسيح أم لا، فسألوه متى تأتي مملكة الرب لعله بهذا يُعطيهم إشارة ولو ليست واضحة على أنه المسيح المنتظر كما في النص التالي:
- ولما سأله الفريسيون متى تأتي مملكة الإله،
أجابهم وقال لا تأتي مملكة الإله بمراقبة،
ولا يقولون هوذا ههنا أو هوذا هناك لأن ها مملكة الإله داخلكم. (لوقا 17: 20-21)
والسؤال والجواب كما نقرأ لا يزيد اليهود إلا حيرة بشأن يسوع لأنه قال لهم ان مملكة الرب داخلكم!
فكيف يؤمن اليهود بيسوع انه هو المسيح وهم يقرؤون أن المسيح يكون ملكاً ويحكم بالشريعة ويُزيل الظلم عنهم ولا يكون لحكمه نهاية وهو في جوابه لهم يقول ان مملكة الرب في داخلكم!
وكيف سيُسيطر يسوع على العالم ولا يكون لملكه نهاية، واليهود مع ان مملكة الرب في داخلهم يدفعون الجزية للرومان كما كان يسوع صاحب المملكة يدفع الجزية، وكل من كان يُحاول ان يحكم بالشريعة فإما ان يُقطع رأسه كما حدث مع يوحنا المعمدان، أو يخلط الوالي دمائهم بذبائحهم التي يحضرونها حسب الشريعة كما حدث مع الجليليين. (لوقا 13: 1-3)!
والغريب أن الكنائس المختلفة تستشهد بعشرات النصوص التي تتحدث عن المسيح المنتظر والمَلك وابن داوُد وتقول إن تلك النصوص تتحدث عن يسوع وهو الذي عاش ومات ولم يحكم دقيقة واحدة وكان يدفع الجزية للوثنيين.
كما نقرأ أيضاً أن اليهود قاموا بمحاولة أُخرى للكشف عن حقيقة يسوع كما في النص التالي:
- وقالوا أليس هذا هو يسوع بن يوسف الذي نحن عارفون بأبيه وأُمه،
فكيف يقول هذا إني نزلت من السماء،
فأجاب يسوع وقال لهم لا تتذمروا فيما بينكم،
لا يقدر أحد أن يُقبل إليّ إن لم يجتذبه الأب الذي أرسلني،
وأنا أُقيمه في اليوم الأخير. (يوحنا 6: 42-44)
كما نلاحظ فإن يسوع لم يعترض على قول اليهود أنه ابن يوسف وانهم يعرفون أباه وأمه، وعدم الاعتراض يدل على أمرين، الأول أن يسوع يُقرّ انه ابن يوسف من الناحية الجسدية وأن كل ما كتب عن ولادته المعجزة ليس صحيحاً.
والثاني أن يسوع ليس هو المسيح لأن يسوع نفسه قال إن المسيح ليس ابن داوُد وبالتالي فهو ليس ابن يوسف، فإقرار يسوع انه ابن يوسف يعني انه ليس المسيح!
- وفيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع قائلاً ماذا تظنون في المسيح،
ابن من هو،
قالوا له ابن داوُد،
قال لهم فكيف يدعوه داوُد بالروح رباً قائلاً، قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فإن كان داوُد يدعوه رباً فكيف يكون ابنه،
فلم يستطع أحد أن يُجيبه بكلمة، ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله بتة. (متّى 22: 41-46)
- ثم أجاب يسوع وقال وهو يُعلم في الهيكل كيف يقول الكتبة أن المسيح ابن داوُد، لأن داوُد نفسه قال بالروح المقدس قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فداوُد نفسه يدعوه رباً فمن أين هو ابنه،
وكان الجمع الكثير يسمعه بسرور. (مرقس 12: 35-37)
- وقال لهم كيف يقولون إن المسيح ابن داوُد،
وداوُد نفسه يقول في كتاب المزامير قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك،
فإذاً داوُد يدعوه رباً فكيف يكون ابنه. (لوقا 20: 41-44)
وأما محاولة كتبة الأناجيل والكنائس الاستشهاد بهذه النصوص على ان يسوع هو ربّ داوُد، فإقرار يسوع انه ابن يوسف وبالتالي ابن داوُد يدل على انه ليس هو المقصود في المزمور، ونسبته الى داوُد قام بذكرها متّى ولوقا في الأنساب التي كتباها في إنجيليهما بكل وضوح مما يدل على ان يسوع ابن داوُد وبالتالي ليس رباً له؟!
ولكن على الرغم من فشل هذه المحاولات إلا أن رؤساء الكهنة والفريسيين والكتبة استمروا في محاولاتهم للتحقق إن كان يسوع هو المسيح أم لا، كما في النص التالي:
- قال لهم يسوع أيضاً أنا أمضي وستطلبونني وتموتون في خطيتكم،
حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا، فقال اليهود ألعَله يقتل نفسه حتى يقول حيث أمضي أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا،
فقال لهم أنتم من أسفل وأما انا فمن فوق، أنتم من هذا العالم أما أنا فلست من هذا العالم،
فقلت لكم إنكم تموتون في خطاياكم لأنكم إن لم تؤمنوا أني أنا هو تموتون في خطاياكم،
فقالوا له من أنت،
فقال لهم يسوع أنا من البدء ما أُكلمكم أيضاً به،
إن لي أشياء كثيرة أتكلم وأحكم بها من نحوكم، ولكن الذي أرسلني هو حق،
وأنا ما سمعته منه فهذا أقوله للعالم،
ولم يفهموا أنه كان يقول لهم عن الأب،
فقال لهم يسوع متى رفعتم ابن الانسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو ولست أفعل شيئاً من نفسي، بل أتكلم بهذا كما علمني أبي،
والذي أرسلني هو معي ولم يتركني الأب وحدي لأني في كل حين أفعل ما يُرضيه. (يوحنا 8: 21-29)
في هذه المحاولة نقرأ نقاشاً وتعقيبات تثير أكثر من علامة استفهام على أصل النص وصفة يسوع بإعتباره الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد.
فنقرأ ان يسوع بعد ان قال انه من فوق وان اليهود من أسفل، وانهم إن لم يؤمنوا أنه هو هو فانهم سيموتون في خطاياهم، وهذا ما حفز اليهود لسؤاله عن نفسه لعلهم في هذه المرة ينجحون في معرفة ان كان هو المسيح أم لا، وخاصة انه يتحدث عن نفسه انه ليس من هذا العالم وانه من فوق، ولم يُعِر اليهود هذا الاستهزاء بهم أي اهتمام بقوله انهم من تحت، فليس مهماً عندهم ان كانوا من فوق أو من تحت، المهم ان يتخلصوا من الاضطهاد الذي يعيشون فيه تحت الحكم الروماني، فهذا موقف مناسب لكي يُصرح بصفته فقالوا له من أنت؟
فكان جواب يسوع لهم: فقال لهم يسوع أنا من البدء ما أُكلمكم أيضاً به.
وهذا الجواب أظنه أشد وقعاً على نفوسهم المتعبة من الاحتلال الروماني من عدم الجواب!
ماذا يعني بقوله انه هو ما أكلمكم به؟
ان استعراض كل الاناجيل فقرة فقرة وكلمة كلمة لا تشير الى انه صرح بصفته سواء كمسيح أو كإله، والنصوص التي استعرضتها في هذا الكتاب تكفي للقول انه لم يكن يُعلن لهم عن صفته.
فماذا يعني بقوله أنا من البدء ما أُكلمكم أيضاً به؟
ثم يُكمل كلامه فيقول إن الذي أرسلني هو حق وأنا ما سمعته منه فهذا أقوله للعالم. وهذا الكلام ليس هو ما يبحث عنه اليهود فهم يعلمون ان مُرسِل الرُسُل هو حق وانه أرسل لهم عشرات الرُسُل والأنبياء، وهنا يأتي تعقيب يوحنا على هذه الجملة التي تشير إلى أن يسوع يعتبر نفسه مُرسل من الرب فيكتب قائلاً ولم يفهموا أنه كان يقول لهم عن الأب، كيف لم يفهموا أنه يتكلم عن الأب؟!
فإذا لم يكن أب يسوع هو من أرسل موسى والعشرات من أنبياء بني إسرائيل، فهذا يعني أن أب يسوع ليس هو الرب الذي أرسل الأنبياء إلى بني إسرائيل، وإذا كان الرب الذي أنزل التوراة على موسى وأوحى بأسفار العهد القديم لأنبيائهم هو غير أب يسوع، فهذا يعني أن ما تتحدث عنه قوانين إيمان الكنائس ليس هو الرب الذي انزل التوراة وأرسل الأنبياء، فلماذا اقتبس كتبة الأناجيل عشرات النصوص من العهد القديم وقالوا أنها تتحدث عن يسوع؟!
وإذا قالت الكنائس أن رب اسرائيل هو أب يسوع فهذا يعني أن الجملة التي كتبها يوحنا بأن اليهود لم يفهموا أنه كان يقول عن الأب جملة خاطئة!
ثم يُكمل يوحنا كلامه فيقول: فقال لهم يسوع متى رفعتم ابن الانسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو ولست أفعل شيئاً من نفسي.
إذاً يوحنا يقول إن اليهود الذين لم يفهموا انه يتكلم عن الأب سيفهمون انه هو هو عندما يرفعوه وهو يُشير الى عملية الصلب، وهذا الكلام لا يدل على ان قائله يعلم الغيب ولا ان له علاقة بالربّ خالق السموات والأرض، لأن كل من يقرأ الأناجيل يعلم أنه ليس اليهود وحدهم لم يفهموا ان يسوع هو هو بل إن التلاميذ أنفسهم لم يفهموا ان يسوع هو هو!
لأن التلاميذ هربوا عند إلقاء القبض على يسوع وشكوا فيه وأنكروه ولم يصدقوا أنه قام من الأموات، وأخيراً فإن يسوع لم يُجب بشكل واضح عن سؤال اليهود له من أنت.
ولكن محاولات اليهود وزعمائهم لا تتوقف فنجدهم يقومون بمحاولة أخرى للكشف عن حقيقة يسوع إن كان هو المسيح أم لا، كما في النص التالي:
- وكان عيد التجديد في أُورشليم وكان شتاء، وكان يسوع يتمشّى في الهيكل في رواق سليمان،
فاحتاط به اليهود وقالوا له الى متى تعلق أنفسنا،
إن كنت أنت المسيح فقل لنا جهراً،
أجابهم يسوع إني قلت لكم ولستم تؤمنون،
الأعمال التي أنا أعملها باسم أبي هي تشهد لي،
ولكنكم لستم تؤمنون لأنكم لستم من خرافي كما قلت لكم. (يوحنا 10: 22-26)
هذه الفقرات تؤكد أن اليهود كانوا حريصين على الكشف عن حقيقة يسوع إن كان هو المسيح المنتظر أم لا، وهنا يقولون له إلى متى تعلق أنفسنا فإن كنت أنت المسيح فقل لنا جهراً، وهذا يدل على حرصهم الشديد على معرفة الحقيقة، كما تشير أيضاً الى أنه لم يكن يُعلن هذه الصفة للناس، ولكن يوحنا هنا يكتب على لسان يسوع انه قال لهم انه المسيح ولكنهم لا يؤمنون!
ونسي يوحنا عشرات النصوص التي ذكرت ان يسوع لم يكن يُعلن أنه المسيح، لا بل انه كان يوصيهم ان لا يقولوا لأحد انه المسيح وفي أحياناً اخرى كان ينتهرهم، وهذه بعض النصوص:
حينئذ أوصى تلاميذه أن لا يقولوا لأحد إنه يسوع المسيح. (متّى 16: 20)
- ثم خرج يسوع وتلاميذه الى قرى قيصرية فيلبس،
وفي الطريق سأل تلاميذه قائلاً لهم من يقول الناس إني أنا،
فأجابوا يوحنا المعمدان،
وآخرون إيليا،
وآخرون واحد من الأنبياء،
فقال لهم وأنتم من تقولون إني أنا،
فأجاب بطرس وقال له أنت المسيح،
فانتهرهم كي لا يقولوا لأحد عنه. (مرقس 8: 27-30)
- وفيما هو يُصلي على انفراد كان التلاميذ معه،
فسألهم قائلاً من تقول الجموع أني أنا،
فأجابوا وقالوا يوحنا المعمدان،
وآخرون إيليا،
وآخرون إن نبياً من القدماء قام،
فقال لهم وأنتم من تقولون أني أنا،
فأجاب بطرس وقال مسيح الإله،
فانتهرهم وأوصى أن لا يقولوا ذلك لأحد،
قائلاً إنه ينبغي أن ابن الإنسان يتألم كثيراً ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويُقتل وفي اليوم الثالث يقوم. (لوقا 9: 18-22)
وهنا قد تحاول الكنائس التذكير بأن يسوع قد أعلن أنه المسيح في مواضع أخرى.
وانا سأذكر أحد هذه النصوص القليلة التي أعلن فيها يسوع انه المسيح كما ذكرها يوحنا في انجيله.
قالت له المرأة أنا أعلم أن مسيّا الذي يُقال له المسيح يأتي،
فمتى جاء ذاك يُخبرنا بكل شيء،
قال لها يسوع أنا الذي أُكلمك هو. (يوحنا 4: 25-26)
في هذا النص نقرأ ان يسوع أعلن للمرأة انه هو المسيح وهذا النص جزء من قصة المرأة السامرية التي التقى بها يسوع عند بئر ماء كما كتب يوحنا في انجيله عندما ذهب الى السامرة مع ان الاناجيل الاخرى تذكر أن يسوع منع تلاميذه من الذهاب الى السامرة والدخول الى مدنهم ودعوتهم!
وما يُثير الشكوك حول هذه الفقرات هو قول المرأة عن صفة المسيح أنه متى جاء فإنه سيُخبرهم بكل شيء، وكنت قد بينتُ سابقاً أن يسوع لم يتنبأ بشيء وتحقق كما قال! ولهذا سأستعرض القصة التي جاءت في سياقها هذه الفقرات لنعلم إن كانت هذه الفقرات تدل على صدق قائلها أم لا.
- فجاءت امرأة من السامرة لتستقي ماء،
فقال لها يسوع أعطيني لأشرب،
فقالت له المرأة السامرية كيف تطلب منى لتشرب وأنت يهوديّ وأنا امرأة سامرية، لأن اليهود لا يُعاملون السامريين،
أجاب يسوع وقال لها لو كنت تعلمين عَطيّة الإله ومن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب لطلبت أنت منه فأعطاك ماءً حيّاً،
قالت له المرأة يا سيد لا دلْوَ لك والبئر عميقة، فمن أين لك الماء الحيّ،
ألعلك أعظم من أبينا يعقوب الذي أعطانا البئر وشرب منها هو وبنوه ومواشيه،
أجاب يسوع وقال لها كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً،
ولكن من يشرب من الماء الذي أٌعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد،
بل الماء الذي أُعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية،
قالت له المرأة يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش ولا آتي إلى هنا لاستقي. (يوحنا 4: 7-15)
في هذه الفقرات يقول يسوع ان عنده الماء الحيّ وان من يشرب منه فلن يعطش الى الابد وان هذا الماء يتحول الى ينبوع ماء ينبع الى حياة أبدية، ونقرأ أيضاً جواب المرأة على هذا الكلام بقولها يا سيد أعطني هذا الماء لكي لا أعطش ولا آتي الى هنا لأستقي.
ولكن يسوع بدلاً من أن يُعطي تلك المرأة ذلك الماء الحيّ الذي من يشربه فلن يعطش الى الابد يطلب منها طلباً غريباً، مع التذكير بأن يسوع نفسه مات على الصليب وهو عطشان ولم يظهر عليه أثر الماء الحيّ الذي وعد به الناس ومنهم هذه المرأة السامرية كما يذكر يوحنا نفسه في إنجيله. (يوحنا 19: 28)!
- قال لها يسوع اذهبي وادعي زوجك وتعالي الى ههنا،
أجابت المرأة وقالت ليس لي زوج،
قال لها يسوع حسناً قلت ليس لي زوج، لأنه كان لك خمسة أزواج والذي لك الآن ليس هو زوجك، هذا قلت بالصدق،
قالت له المرأة يا سيد أرى انك نبي. (يوحنا 4: 16-19)
قالت له المرأة أنا أعلم أن مسيّا الذي يُقال له المسيح يأتي،
فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء،
قال لها يسوع أنا الذي أكلمك هو. (يوحنا 4: 25-26)
في هذه الفقرات نجد ان يوحنا بعد كتابته ان يسوع يعلم الغيب، وذلك باخبار المرأة انه كان لها خمسة أزواج، قد انتقل للحديث عن المرأة وأنها قالت ليسوع أرى انك نبي، وهنا لا أريد التعليق على موقف هذه المرأة التي اعتبرت يسوع نبي وليس أحد الآلهة الثلاث الذين هم واحد، ولكن الملاحظ ان يوحنا نسي طلب المرأة السابق وهو طلب اعطائها الماء الحي حتى لا تعطش ولا تأتي الى البئر لتستقي، وكيف يكتب يوحنا ان يسوع أعطى المرأة من الماء الحي الذي عنده والذي من شرب منه فانه لن يعطش الى الابد وهو نفسه كتب ان يسوع مات على الصليب عطشاناً!
وبعد هذا تذهب المرأة الى المدينة كما في النص:
- فتركت المرأة جرّتها ومضت الى المدينة وقالت للناس هلموا انظروا إنساناً قال لي كل ما فعلت،
ألعلّ هذا هو المسيح، فخرجوا من المدينة وأتوا اليه. (يوحنا 4: 28-30)
المرأة تقول ان يسوع أخبرها بكل ما فعلت، ولكن الحقيقة ان يسوع لم يقل لها سوى انها كانت متزوجة بخمسة اشخاص سابقاً وانها الآن تعيش مع صديق لها، ولم يكتب يوحنا ان المرأة قالت لأهل المدينة ان يسوع عنده الماء الحي، لأن يسوع لم يُعطها الماء الحيّ وهو نفسه مات على الصليب عطشاناً!
ثم نقرأ ردة فعل أهل تلك المدينة على قول المرأة لهم ان يسوع أخبرها انه كان لها خمسة أزواج:
- فآمن به من تلك المدينة كثيرون من السامريين بسبب كلام تلك المرأة التي كانت تشهد أنه قال لي كل ما فعلت،
فلما جاء إليه السامريون سألوه أن يمكث عندهم،
فمكث هناك يومين، فآمن به أكثر جداً بسبب كلامه،
وقالوا للمرأة إننا لسنا بعد بسبب كلامك نؤمن،
لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم. (يوحنا 4: 39-42)
كما نقرأ فإن كثيراً من السامريين آمنوا لأن تلك المرأة أخبرتهم ان يسوع قال لها انه كان لها خمسة أزواج! وبقي معهم يومان فآمن به كثيرون جداً ليس بسبب قول يسوع لتلك المرأة انه كان لها خمسة أزواج بل لانهم قالوا قد سمعنا ونعلم ان هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم.
ماذا سمعوا وماذا علموا لم يكتب يوحنا أي كلمة عن الذي سمعوه وعلموه سوى انهم قالوا ان هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم؟!
أنا هنا لا اريد التشكيك بما قاله يوحنا في هذ الفقرات ولنوافق الكنائس على ان يوحنا كتب هذه القصة بسوق من الروح المقدس، ولكن لنكمل ما كتبه يوحنا عن هذه القصة:
- وبعد اليومين خرج من هناك ومضى إلى الجليل،
لأن يسوع شهد أن ليس لنبي كرامة في وطنه،
فلما جاء الى الجليل قبله الجليليون إذ كانوا قد عاينوا كل ما فعل في أُورشليم في العيد لأنهم هم أيضاً جاءوا الى العيد. (يوحنا 4: 43-45)
هذه الفقرات هي التي ختم بها يوحنا قصة الماء الحيّ الذي عند يسوع والذي من شرب منه فانه لن يعطش الى الابد، وهي القصة التي تستشهد بها الكنائس بان يسوع كان يصرح بصفته المسيح مخلص العالم.
ولكن هذه النهاية أظن ان الكنائس تتمنى لو ان يوحنا لم يكتبها لما فيها من أخطاء تظهر لأي انسان، لأن هذه الفقرة تقول ان يسوع من السامرة وليس من الجليل، لان قول يوحنا على لسان يسوع انه شهد أن ليس لنبي كرامة في وطنه يدل على انه من السامرة، والأناجيل والكنائس تقول ان يسوع ليس من السامرة بل من الجليل، فكيف يقول انه خرج من السامرة وقال ليس لنبيّ كرامة في وطنه وذهب الى الجليل؟!
كما ان هذه الشهادة تنقض أهم الأسس التي قام عليها قانون ايمان الكنائس بالقول ان يسوع هو الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد، فكيف يصف نفسه انه نبي؟!
وهذا يذكرنا بقوله انه ذاهب الى أورشليم كي يموت هناك لانه لا يمكن ان يهلك نبي خارجاً عن أورشلي، (لوقا 13: 31-33). فهو يصف نفسه انه نبي مع خطأ في المعلومات لأنه يوجد عشرات الانبياء هلكوا خارجاً عن أورشليم وأشهرهم موسى!
بعد هذا التفصيل نعود لرؤساء الكهنة والفريسيين والكتبة فنقول انهم بعد كل هذه المحاولات قاموا بمحاولة جديدة لمعرفة ان كان يسوع هو المسيح الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم أم لا.
ولكن هذه المحاولة كانت بطريقة مختلفة عن سابقاتها وهي حدثت بعد دخوله الى أورشليم وهو راكباً على حمارة وجحش كما كتب متّى، وراكباً على جحش فقط كما كتب مرقس ولوقا يوحنا، وفي هذه المحاولة كانوا يريدون ان يتأكدوا فقط من السلطان الذي عنده والذي يدعوه للقيام بهذه الدعوة فاذا كان هذا السلطان من الرب فهم على استعداد لاتباعه، لنقرأ النص التالي:
- ولما جاء إلى الهيكل تقدم إليه رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب وهو يُعلّم قائلين بأي سلطان تفعل هذا ومن أعطاك هذا السلطان،
فأجاب يسوع وقال لهم وأنا أيضاً أسألكم كلمة واحدة فإن قلتم لي عنها أقول لكم أنا أيضاً بأي سلطان أفعل هذا، معمودية يوحنا من أين كانت، من السماء أم من الناس،
ففكروا في أنفسهم قائلين إن قلنا من السماء يقول لنا فلماذا لم تؤمنوا به،
وإن قلنا من الناس نخاف من الشعب،
لأن يوحنا عند الجميع مثل نبي،
فأجابوا يسوع وقالوا لا نعلم،
فقال لهم هو أيضاً ولا أنا أقول لكم بأي سلطان أفعل هذا.
(متّى 21: 23-27) و(مرقس 11: 27-33) و(لوقا 20: 1-8)
في هذا النص يُحاول رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب التحقق من مصدر السلطان الذي يعمل به يسوع تلك المعجزات والتي يتخذها دليلاً على دعوته بقرب مملكة الإله، ولكن يسوع، الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد كما تقول الكنائس، يلجأ الى وسيلة ليست مقبولة من انسان عادي فكيف بمن هذا صفته فيسألهم عن معمودية يوحنا من أين كانت.
ويكتب متّى ومرقس ولوقا ان اليهود لم يُجيبوا، مع انهم كتبوا في نصوص أُخرى ان جميع اليهود ذهبوا الى عبر الاردن وتعمّدوا من يوحنا!
- حينئذ خرج إليه أُورشليم وكل اليهودية وجميع الكورة المُحيطة بالأُردن،
واعتمدوا منه في الأُردن مُعترفين بخطاياهم. (متّى 3: 5-6)
- وخرج إليه جميع كورة اليهودية وأهل أُورشليم واعتمدوا منه في نهر الأُردن معترفين بخطاياهم. (مرقس 1: 5)
- ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع،
وإذ كان يُصلي انفتحت السماء. (لوقا 3: 21)
كما أن الجواب من رؤساء الكهنة لا يتطلب منهم أي عناء أو كذب، لأن يوحنا المعمدان كان قد قتل قبل عدة سنوات كما هو مكتوب في الأناجيل، فما الذي يُخيفهم من يوحنا المعمدان وهو ميّت ولا يخافون من يسوع، الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد كما تقول الكنائس، الواقف أمامهم؟!
وما هي المشكلة عند رؤساء الكهنة وعند اليهود القول بان معمودية يوحنا من السماء، فيوحنا كما تذكر الاناجيل لم يكن له شريعة خاصة به، لا بل إن قتله كان لانه كان يريد تطبيق شريعة موسى على هيرودس، كما بينت ذلك سابقاً.
وكانت آخر محاولة للكشف عن حقيقة يسوع بادعائه انه هو المسيح الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم بعد إلقاء القبض عليه وقبل تسليمه لبيلاطس.
- فقام رئيس الكهنة وقال له أما تجيب بشيء ماذا يشهد به هذان عليك،
وأما يسوع فكان ساكتاً،
فأجاب رئيس الكهنة وقال له استحلفك بالإله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الإله،
قال له يسوع أنت قلت، وأيضاً أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء،
فمزّق رئيس الكهنة حينئذ ثيابه قائلاً قد جدّف، ما حاجتنا بعد إلى شهود ها قد سمعتم تجديفه. (متّى 26: 63-65)
- أما هو فكان ساكتاً ولم يُجب بشيء، فسأله رئيس الكهنة أيضاً وقال له أأنت المسيح ابن المبارك،
فقال يسوع أنا هو، وسوف تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً في سحاب السماء،
فمزّق رئيس الكهنة ثيابه وقال ما حاجتنا بعد إلى شهود، قد سمعتم التجاديف. (مرقس 14: 61-64)
- ولما كان النهار اجتمعت مشيخة الشعب رؤساء الكهنة والكتبة وأصعدوه الى مجمعهم،
قائلين إن كنت أنت المسيح فقل لنا،
فقال لهم إن قلت لكم لا تصدقون وإن سألت لا تجيبونني ولا تطلقونني،
منذ الآن يكون ابن الانسان جالساً عن يمين قوة الإله،
فقال الجميع أفأنت ابن الإله، فقال لهم أنتم تقولون إني أنا هو. (لوقا 22: 66-70)
- فسأل رئيس الكهنة يسوع عن تلاميذه وعن تعليمه،
أجابه يسوع أنا كلمت العالم علانية، أنا علمت كل حين في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع اليهود دائماً، وفي الخفاء لم أتكلم بشيء،
لماذا تسألني أنا، اسأل الذين قد سمعوا ماذا كلمتهم، هوذا هؤلاء يعرفون ماذا قلت أنا،
ولما قال هذا لطم يسوع واحد من الخدام كان واقفاً قائلاً أهكذا تجاوب رئيس الكهنة،
أجابه يسوع إن كنتُ قد تكلمتُ رديّاً فاشهد على الرّديّ وإن حسناً فلماذا تضربني،
وكان حنّان قد أرسله موثقاً الى قيافا رئيس الكهنة. (يوحنا 18: 19-24)
هذه النصوص يمكن القول انها لم تكن محاكمة ليسوع بقدر ما كانت آخر محاولة من رؤساء الكهنة والفريسيين للكشف عن حقيقة يسوع قبل تسليمه لبيلاطس.
وهذه النصوص تحمل في ثناياها عدة أخطاء.
الخطأ الأول وهو قول يسوع أنه من الآن أو منذ الآن، أو سوف دون تحديد الوقت عند مرقس، تبصرون ابن الانسان جالساً عن يمين القوة كما كتب متّى ومرقس وجالساً عن يمين قوة الإله كما كتب لوقا دون ذِكر تبصرون، وآتياً على سحاب السماء كما كتب متّى، وآتياً في سحاب السماء كما كتب مرقس، ولم يذكر لوقا المجيء لا على السحاب ولا في السحاب وأما يوحنا فلم يذكر شيئاً من هذا كله!
فهذه الفقرات التي كتبها متّى ومرقس ولوقا على لسان يسوع يعلم كل انسان خلال العشرين قرناً الماضية انها لم تقع ولم تحدث ولم يُبصره رؤساء الكهنة جالساً عن يمين القوة أو عن يمين قوة الإله كما انهم لم يبصروه آتياً على سحاب السماء ولا في سحاب السماء!
وهو ما يثير الشكوك في صحة الأقوال والصفات التي تنسب  ليسوع، لأننا نعلم ان وعود الرب متحققة وغير متخلفة عن وقتها ولو بدقيقة واحدة، كما حدث مع انبياء بني اسرائيل عندما كانوا يتنبؤون فإن الأحداث كانت تقع كما قالوا، ولكن كتبة الاناجيل هنا يكتبون نبوءات يقولون فيها ان يسوع الإله الثاني هو الذي تنبأ بها ولكنها لم تقع ولا يمكن ان تقع حتى لو جاء يسوع على سحاب السماء أو في سحاب السماء لأن رؤساء الكهنة لن يبصروه لأنهم ماتوا وشبعوا موتاً منذ أكثر من تسعة عشر قرنا!
الخطأ الثاني في هذه النصوص وهو قول يسوع: فقال لهم إن قلت لكم لا تصدقون وان سألت لا تجيبونني ولا تطلقونني، ففي هذا القول نقض لما تقوله الكنائس عن يسوع انه ما جاء إلا لرفع خطيئة آدم التي أورثها لذريته، فلو كان ما تقوله الكنائس عنه صحيحاً لما رغب في اطلاق سراحه.
نقطة أخيرة وإن كانت لا تعتبر خطأ، إلا أنه يمكن وصفها بالمصيبة، وهي تعقيب يوحنا على لطم الجندي ليسوع، الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد كما تقول الكنائس، وكان حنّان قد أرسله موثقاً الى قيافا رئيس الكهنة، نجد هنا ان يوحنا يريد ان يقول لأتباع الكنائس الطيبين انه لو لم يكن يسوع موثقاً لكان ردّ على اللطمة التي لطمها له الجندي، وهو هنا ينسى نفسه ولست أدري أين كان الروح المقدس ويوحنا يكتب هذه الجملة! لأن يوحنا وهو يكتب هذا التعقيب يُشعرنا وكأنه يكتب عن انسان عادي وليس عن الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد، فهو وإن كان يريد أن يُدافع عن يسوع لأنه لم يَرُدَّ على من لطمه إلا أنه كذلك يوحي لنا أن يسوع الإله الثاني يستطيع شرذمة من الناس ان يُوثقوه ويقوم احد الجنود بلطمه، ولا يستطيع أن يرد عليه لأنه كان مُوثَقاً!
هل هذه الصفات يمكن ان تكون صفات من خلق السموات والارض؟
نعم، يستطيع يوحنا والكنائس المختلفة أن يقولوا ما يشاؤوا عن يسوع، ولكن ليس في استطاعتهم ان يقولوا ان هذه الصفات هي صفات من خلق السموات والارض! نعم، يستطيعوا ان يقولوا ما يشاؤوا ويؤمنوا بما يشاؤوا، ولكن عليهم قبل هذا ان يعلموا ان هذه الآلهة الثلاث سواء كانت مجتمعة في واحد أو كانت متفرقة فانها بالتأكيد لا علاقة لها بمن خلق السموات والارض! لأن من خلق السموات والارض لمجرد ظهوره في حلم لأحد سواء كان مَلِكاً أو إنساناً عادياً فان الخوف يدب في قلب ذلك الانسان ويفعل ما يطلبه منه الرب دون الحاجة الى فك الوثاق أو غيرها من التصرفات التي لا تدل على قدرة من يقوم بها! فيوحنا كما كتب في دفاعه عن يسوع لأنه لم يَرُدّ على اللطمة يهدم بهذا القول قوانين ايمان الكنائس بخصوص أن الآلهة الثلاث لها علاقة بمن خلق السموات والارض.
بعد استعراض معظم المحاولات التي قام بها رؤساء الكهنة والفريسيون والكتبة للكشف عن حقيقة يسوع إذا كان هو المسيح الذي كتبت عنه أسفار العهد القديم أم لا، وفشلهم في جميع تلك المحاولات، لأن يسوع لم يكن يُصرح أنه هو المسيح، والغريب أن هذه المحاولات بدأت قبل بدء يسوع بتبشيره أو كرازته وانتهت قبل صلبه بساعات قليلة، وكان من نتيجة ذلك حدوث منازعات وخلافات بين يسوع وبين هؤلاء، ولتسهيل عملية البحث جمعت معظم تلك المنازعات والخلافات وأسميتها حالة العلاقات السيئة.
فترة العلاقات السيئة بين الطرفين
في الحقيقة إن الاناجيل لم تذكر سبباً مباشراً لهذه المنازعات والخلافات بين يسوع ورؤساء الكهنة والفريسيين بشكل مقنع وواضح، وكل ما يستطيع الانسان ان يلحظه في الاناجيل عن السبب الذي دعا هؤلاء لاتخاذ هذا الموقف هو الاستناد الى بعض نصوص العهد القديم التي تصف اليهود بالعمى والصمم كما في هذه النصوص:
- فتقدم التلاميذ وقالوا له لماذا تكلمهم بأمثال،
فأجاب وقال لهم لأنه قد أُعطي لكم أن تعرفوا أسرار مملكة السماء،
وأما لأولئك فلم يُعط، فإن من له سيُعطى ويُزاد،
وأما من ليس له فالذي عنده سيُؤخذ منه،
من أجل هذا أُكلمهم بأمثال،
لأنهم مُبصرين لا يُبصرون، وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون،
فقد تمت فيهم نبوءة إشعياء القائلة تسمعون سمعاً ولا تفهمون، ومُبصرين تبصرون ولا تنظرون،
لأن قلب هذا الشعب قد غلظ، وآذانهم قد ثقل سَمَاعها، وغمّضوا عيونهم لئلا يُبصروا بعيونهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم ويرجعوا فأشفيهم. (متّى 13: 10-15)
- فقال لهم قد أُعطي لكم ان تعرفوا سرّ مملكة الإله،
وأما الذين هم من خارج فبالأمثال يكون لهم كل شيء،
لكي يُبصروا مبصرين ولا ينظروا ويسمعوا سامعين ولا يفهموا،
لئلا يرجعوا فتُغفر لهم خطاياهم. (مرقس 4: 11-12)
- فقال لكم قد أُعطي أن تعرفوا أسرار مملكة الإله،
وأما للباقين فبأمثال حتى إنهم مُبصرين لا يُبصرون وسامعين لا يفهمون. (لوقا 8: 10)
ولكن كما قلت سابقاً إن كتبة الاناجيل كان لديهم موقفاً مسبقاً من اليهود ويريدون أن يفرضوا على الناس اتخاذ موقفاً منهم قبل أن ينظروا في حججهم، فالقول أنهم لم يؤمنوا بيسوع لأن إشعياء تنبأ عنهم ليس بالقول الصحيح لأن هذا القول لو كان صحيحاً لما آمن تلاميذ يسوع به وهم جميعاً من اليهود كما أن يوحنا المعمدان من بني إسرائيل وهو كان بحسب قول يسوع نبياً، ولا أظن ان أحداً من كتبة الاناجيل أو الكنائس يقول عنه أنه كان أعمى أو أصمّ!
فهذه الأسباب ليست أسباباً وجيهة لسوء العلاقة بين يسوع واليهود، وإنما السبب الذي دعا اليهود لاتخاذ مواقف مقاومة ورافضة ليسوع يمكن ارجاعه الى عاملين أساسيين، الاول وهو عدم إعلان يسوع عن صفته انه المسيح المنتظر، وبالتالي كان عند اليهود شك فيه من ان يكون رجلاً مغامراً، والمغامرون كانوا كثيرون في ذلك الزمان كما يذكر يوسيفوس فلافيوس في كتبه، يريد ان يُدخل اليهود في صدام مع الامبراطورية الرومانية أعظم دولة في ذلك الوقت.
والعامل الثاني وهو الطريقة  التي كان يُبشّر بها يسوع بمملكة الإله، وهي التبشير بالثورة على الرومان بالسيف، وهذا مذكور في النص الذي قال فيه أنه جاء بالسيف وأنه جاء ليُلقي ناراً على الارض، فهذا النص هو الذي جعل اليهود يتخذون مواقف رافضة ومُقاومة ليسوع ودعوته، لأن التبشير بمملكة الإله بدون عنف لا يُشكل مشكلة عند الرومان، لأن يوحنا المعمدان كان قبله يُبشر بمملكة الإله، ولم يتعرض له أحد لا من اليهود ولا من الرومان، ولكن يوحنا المعمدان عندما حاول أن يُطبق الشريعة على هيرودس، على الرغم مما يحيط بالقصة من أخطاء، كما بينتها عند الحديث عنه سابقاً، قام هيرودس بقتل يوحنا، لا بل ان أتباع يوحنا المعمدان ظلوا جزءاً من المجتمع اليهودي وكانوا على وفاق معهم حتى بعد مقتل يوحنا.
كما أن الاناجيل كتبت ان بيلاطس لم يجد علة في يسوع عندما قال له اليهود ان هذا يدعو نفسه ملك اليهود، لا بل إن هيرودس كتب على صليب يسوع ملك اليهود، فهذا التبشير لا يُثير أحداً، ولكن هذا التبشير يصبح خطيراً ومقلقاً للرومان ولليهود عندما يتحول من التبشير الى محاولة تنفيذه بالسيف، وخاصة عند اليهود الذين لم يُظهر لهم يسوع انه هو المسيح المنتظر الذي سينجح في حكم العالم ولا يكون لحكمه نهاية، مما اضطر رئيس الكهنة في ذلك الوقت ان يطالب بقتل يسوع لأنه خير للامة ان يُقتل واحد منها من ان تهلك جميعها وهذا كله بحسب ما هو مكتوب في الاناجيل.
فالنصين التاليين يمكن اعتبارهما السبب الذي جعل علاقة رؤساء الكهنة والفريسيون والكتبة بيسوع تنتقل من القبول به ومحاولة البحث عن صفته كمسيح الى اعتباره خارجاً عن المجتمع اليهودي ويُمثل خطراً على وجوده إذا ما حاول تنفيذ ما قاله في النصين التاليين:
لا تظنوا أني جئت لأُلقي سلاماً على الارض،
ما جئت لأُلقي سلاماً بل سيفاً،
فإني جئت لأُفرّق الانسان ضدّ ابيه والابنة ضدّ أُمها والكنّة ضدّ حماتها،
وأعداء الانسان أهل بيته. (متّى 10: 34-36)
- جئت لأُلقي ناراً على الارض، فماذا أُريد لو اضطرمتْ،
ولي صبغة أصطبغها وكيف أنحصر حتى تكمل،
أتظنون أني جئت لأُعطي سلاماً على الارض،
كلا أقول لكم، بل انقساماً،
لأنه يكون من الآن خمسة في بيت واحد منقسمين ثلاثة على اثنين،
واثنان على ثلاثة، ينقسم الأب على الابن والابن على الأب،
والأُم على البنت والبنت على الأُم،
والحماة على كنّتها والكنّة على حماتها. (لوقا 12: 49-53)
في هذين النصين نقرأ أن يسوع يدعو للثورة بالسيف، وأنه سيُلقي ناراً على الارض، وأنه ما جاء لإلقاء السلام على الارض، وهذه الدعوة بهذه الصفات تشكل خطراً كبيراً على وجود اليهود، وخاصة ان يسوع لم يقل عن نفسه انه هو المسيح المنتظر ولم تنجح كل محاولاتهم للتأكد من هذه الصفة ولو بشكل خفي، فإعلان يسوع بأنه سيُلقي النار على الارض وانه ما جاء ليعطي السلام بل ليُلقي السيف والنار، يعني أنه سيقوم بثورة على الرومان مما سيؤدي الى إهلاك اليهود دون فائدة، لانه ليس المسيح الذي تحدثت عنه اسفار العهد القديم، مما جعل علاقة رؤساء الكهنة والفريسيين تسوء بيسوع حتى وصل الامر بهم لمحاولة قتله قبل إلقاء القبض عليه ومحاكمته.
وكان من أبرز مظاهر هذا السوء في العلاقة هو نقض يسوع للتوراة وشرائعها مثل السبت والطلاق، والتجديف أو التلفظ بكلمات الكفر والتهجم عليهم وعلى أنبيائهم، ومن جانبهم قام رؤساء الكهنة والفريسيون والكتبة بإتهام يسوع بتهم مختلفة منها إتهامه بالتعامل مع رئيس الشياطين عند إخراجه للشياطين من بعض الناس، كما اتهموه بانه سامري وبه شيطان وانه غير متعلم وانه يهذي، الخ.
وهنا لا بد من الاشارة الى ان هذه الامور لم تحدث في فترات زمنية معينة ومتتابعة، أي ان العلاقات الحسنة كانت في وقت معين ومن ثم تبعتها العلاقات السيئة، بل نجدها متداخلة مع بعضها البعض، وهذا بحسب طريقة كتبة الأناجيل في الحديث عنهم وعلاقتهم بيسوع، وكذلك بسبب ان الشخصيات التي أتحدث عنها ليست شخصية واحدة بل هم قد يكونون عشرات الأشخاص، وبالتالي فان علاقتهم بيسوع قد تكون اخذت أشكالاً متعددة في ذات الوقت، كما ان اليهود لم يكونوا ينظرون الى يسوع على انه حالة عادية يجب اتخاذ موقفاً واحداً منها، وخاصة انه كان يعمل معجزات ويبشر بمملكة الإله، فهذا يشير الى ان لديه شيئاً خاصاً لعله يكشف عنه في وقت من الاوقات وخاصة اذا كان هو المسيح المنتظر، ولهذا فلا غرابة من أن تتداخل المراحل مع بعضها البعض.
حتى اقتنعوا في نهاية المطاف أنه ليس هو المسيح الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم فقاموا بصلبه وقتله.
ولعلهم كانوا حتى في هذه العملية يريدون ان يروا الآية التي وعدهم بها وهي آية يونان التي قال إنها ستُعطى لهم، ومع انهم قتلوه وصلبوه كما هو مكتوب في الاناجيل إلا أنه لم يلبث ثلاثة أيام وثلاث ليال في القبر كما قال لهم، لانه لم يلبث سوى يوم واحد وليلتان فهو أمضى ليلة السبت ويوم السبت وليلة الاحد وقبل شروق الشمس يوم الأحد كان قد قام من القبر، وهذا أيضاً بحسب ما هو مكتوب  في الاناجيل!
والآن لنتحدث عن حالات السوء في العلاقة بين يسوع ورؤساء الكهنة والفريسيين والكتبة، فنقرأ النص التالي:
- فدخل السفينة واجتاز وجاء الى مدينته،
وإذا مفلوج يُقدّمونه إليه مطروحاً على فراش،
فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج ثِق يا بني مغفورة لك خطاياك،
وإذا قوم من الكتبة قد قالوا في أنفسهم هذا يُجدف،
فعلم يسوع أفكارهم فقال لماذا تفكرون بالشرّ في قلوبكم،
أيُّما أيسر أن يقال مغفورة لك خطاياك أم أن يُقال قم وامش،
ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا،
حينئذ قال للمفلوج قم احمل فراشك واذهب إلى بيتك، فقام ومضى الى بيته،
فلما رأى الجموع تعجبوا ومجّدوا الإله الذي أعطى الناس سلطاناً مثل هذا. (متّى 9: 1-8)
في هذا النص يقول يسوع أيّما أيسر ان يُقال مغفورة لك خطاياك أم ان يُقال قم وامش؟
وانا أقول ان قول مغفورة لك خطاياك أيسر من ان يُقال قم وامش!
لاننا نسمع رؤساء الكنائس منذ أكثر من تسعة عشر قرناً وهم يقولون لأتباعهم مغفورة خطاياهم حتى وصل بهم الامر الى كتابة صكوك لغفران الخطايا وبيعها للقادرين على دفع أثمانها، ولكننا في نفس الوقت لم نجد أيّاً من هؤلاء يشفي أي مريض إلا باستخدام الوسائل الطبية العلمية، وما حدث مع بابا الفاتيكان السابق لخير دليل على ان غفران الخطايا أيسر من شفاء المرضى وهو الذي أمضى حياته يغفر خطايا اتباعه ولكنه لم يستطع ان يشفي نفسه.
واما قوله ان لابن الانسان سلطاناً على الارض ان يغفر الخطايا فهو ليس وحده في هذا المجال، إذ ان العهد القديم يخبرنا عن طرق كثيرة كان يقوم بها بنو إسرائيل لغفران خطاياهم، وآخرهم يوحنا المعمدان الذي جاء بالتعميد لغفران الخطايا كما تذكر الاناجيل، حتى ان يسوع نفسه تعمّد منه، فهل كانت معمودية يوحنا لغفران الخطايا ام لا؟!
كما ساءت العلاقة بين يسوع ورؤساء الكهنة عندما قال انه والأب واحد، وهذا قول يُعتبر من التجديف في الشريعة التي أنزلها الرب على بني اسرائيل كما في النص التالي:
أنا والأب واحد،
فتناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه،
أجابهم يسوع أعمالاً كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي، بسبب أي عمل منها ترجمونني،
أجابه اليهود قائلين لسنا نرجمك لأجل عمل حسن بل لأجل تجديف فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهاً،
أجابهم يسوع أليس مكتوباً في ناموسكم أنا قلت إنكم آلهة،
إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الإله،
ولا يمكن أن يُنقض الكتاب،
فالذي قدّسه الأب وأرسله إلى العالم أتقولون له إنك تجدّف لأني قلت إني ابن الإله،
إن كنت لست أعمل أعمال أبي فلا تؤمنوا بي،
ولكن إن كنت أعمل فإن لم تؤمنوا بي فآمنوا بالاعمال لكي تعرفوا وتؤمنوا أن الأب فيّ وأنا فيه،
فطلبوا أيضاً أن يُمسكوه فخرج من أيديهم. (يوحنا 10: 30-39)
في هذا النص يكتب يوحنا قصة عن محاولة اليهود رجم يسوع بالحجارة، وسؤال يسوع لهم عن السبب الذي يريدون ان يرجموه من أجله، ويُذَكّرهم بانه قام بعمل الكثير من الاعمال الحسنة من أجلهم، وخاصة شفاء المرضى الذين عجز الاطباء عن شفائهم.
فيردّ اليهود عليه قائلين أنهم لا يريدون ان يرجموه لأجل شفاء المرضى والاعمال الحسنة الاخرى، فالجميع يعلم انها تستوجب الشكر لا الرجم، ولكنهم يريدون ان يرجموه من اجل كلام التجديف أو الكفر الذي يتفوه به، بادعائه وهو انسان انه ابن الإله.
فيردّ عليهم يسوع بالقول أليس مكتوباً في ناموسكم انا قلت انكم آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الرب ولا يمكن ان ينقض المكتوب.
وهذا الرد على الرغم من انه يعتبر رداً قوياً من يسوع على اليهود، إلا أنه توجد عدّة ملاحظات عليه، الملاحظة الأُولى وهي قوله ناموسكم فهذه الكلمة ليست هي الكلمة الصحيحة في هذا الموقف، فهو هنا يريد ان يُبين لهم انه ابن الإله فكان من الافضل ان يستخدم كلمة ناموسي أنا وليس ناموسكم، لأنه إذا كان ما يقوله صحيحاً من انه ابن الإله وأحد الآلهة الثلاث الذين هم واحد ومن نفس الجوهر، وهم إله اسرائيل، فيكون هو نفسه من أوحى بالناموس الى موسى، فكان الواجب عليه ان يُبين لهم ان الناموس الذي بين أيديهم منه، لا أن يقول لهم ناموسكم وكأنه يستشهد على قوله انه ابن الإله بما جاء في ناموس بني إسرائيل من بعض الفقرات التي تذكر صفة ابن الإله لبعض الناس!
الملاحظة الثانية وهي أن استخدام كلمة ناموس في هذا النصّ أصلاً خطأ لأن النص المُستشهد به في المزامير وليس في الناموس او التوراة، كما في النص التالي:
الإله قائم في مجمع الإله،
في وسط الآلهة يقضي،
حتى متى تقضون جوراً وترفعون وجوه الأشرار،
سلاة،
اقضوا للذليل ولليتيم،
أنصفوا المسكين والبائس،
نجّوا المسكين والفقير، من يد الأشرار أنقذوا،
لا يعلمون ولا يفهمون،
في الظلمة يتمشون،
تتزعزع كل أُسس الارض،
أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلي كلكم،
لكن مثل الناس تموتون،
وكأحد الرؤساء تسقطون،
قم يا إله دن الارض،
لأنك أنت تمتلك كل الأمم. (مزمور 82: 1-8)
والمزامير لا يُطلق عليها اسم ناموس او توراة او شريعة، فإذا كان يسوع، أو بمعنى أدق يوحنا كاتب هذه الكلمات على لسانه، لا يستطيع أن يُفرق بين الناموس والمزامير فكيف يستطيع أن يفهم ما هو مكتوب في العهد القديم؟!
الملاحظة الثالثة وهي اذا كان ما ذكره يسوع صحيحاً وموافقاً عليه من قبله ومن قبل الروح المقدس الذي كان يسوق كتبة الأناجيل، وموافقاً عليه من قبل يوحنا كاتب الانجيل وكذلك موافقاً عليه من قبل الكنائس المختلفة، فقد أثبت يسوع مع الرب آلهة أُخرى كثيرة! وهو واحد منهم فأي فضل له عليهم، وخاصة إذا علمنا أن تلك الشخصيات جاءت قبله.
الملاحظة الرابعة وهي عما فهمه يسوع من النص، فهل هو مقبول عند اليهود، خاصة وان يسوع في هذا النص يصف قضاة اليهود بانهم آلهة كما هو نفسه، فهو يمدحهم ولا يذمهم، بل ويُعطيهم مكانة عالية جداً عليهم؟!
والجواب على ذلك واضح ومشهور فاليهود لم يقتنعوا بكلام يسوع وما فهمه من النص، بل بقوا مصرّين على ان قوله انه ابن الإله وأنه والأب واحد تجديف يستوجب الرجم والقتل، وهو ما بيّنه يوحنا في إنجيله من أنهم في محاكمته امام بيلاطس كانوا يستندون على وجوب صلبه بسبب قوله عن نفسه انه ابن الإله، (يوحنا 19: 7)، وفي نهاية الامر تمّ لهم ذلك وصلبوه لأنه كان يقول عن نفسه انه ابن الإله، وهذا بحسب ما هو مكتوب في الأناجيل!
وأما ما استشهد به يسوع من المزمور فقد بينت حقيقته سابقاً وأنه لا يتحدث عن قضاة اليهود بإعتبارهم آلهة بل كان يوبخهم على ظلمهم وجورهم، وليس كما فهم يسوع أو الروح المقدس أو يوحنا كاتب الإنجيل من النص، أو بمعنى أدق ما يحاولون أن يُفَهِمُوه لأتباع الكنائس الطيبين!
وأما قول يسوع انه لا يمكن ان يُنقض الكتاب فهو مما يثير الحزن في النفس ونحن نقرأ في الأناجيل ان يسوع نفسه كان أول من نقض الكتاب، ثم أكمل المهمة بطرس وبولس، ومن بعدهم قامت الكنائس بنقض معظم شرائع الكتاب، فكيف يكتب يوحنا على لسان يسوع انه لا يمكن ان يُنقض الكتاب؟
وكان من حالات السوء في العلاقة قيام يسوع بنقض شريعة الطلاق وهي من الشرائع ثابتة في التوراة أو الناموس، كما في النص التالي:
- وجاء إليه الفريسيون ليُجربوه قائلين له هل يحلّ للرجل أن يُطلق امرأته لكل سبب،
فأجاب وقال لهم أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأُنثى،
وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأُمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً،
إذاً ليسا بعد اثنين بل جسد واحد، فالذي جمعه الإله لا يُفرقه إنسان،
قالوا له فلماذا أوصى موسى أن يُعطى كتاب طلاق فتطلق،
قال لهم إن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذِنَ لكم أن تطلقوا نساءكم، ولكن من البدء لم يكن هكذا،
وأقول لكم إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأُخرى يزني والذي يتزوج بمطلقة يزني،
قال له تلاميذه إن كان هكذا أمْرُ الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوج،
فقال لهم ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أُعطي لهم،
لأنه يوجد خصيان ولدوا هكذا من بطون أُمهاتهم،
ويوجد خصيان خصاهم الناس،
ويوجد خصيان خَصَوْا أنفسهم لأجل مملكة السماء، من استطاع أن يَقبل فليَقبل. (متّى 19: 3-12)
كما نقرأ في النص فإن الفريسيين جاؤوا ليجرّبوا يسوع، وكما قلت سابقاً انهم كانوا يسعون لمعرفة حقيقة صفته ان كان هو المسيح أم لا، وكعادته معهم لم يكن يعطيهم إجابة واضحة تريحهم، وفي هذا النص نجده لا يكتفي بعدم الاجابة بل يقوم بنقض شريعة الطلاق الثابتة في الناموس، ولم يكتف بهذا بل نقضها بطريقة خاطئة، فهو يستشهد بالنص المكتوب في سِفر التكوين ان الرب خلقهما منذ البدء ذكراً وانثى، فهم يعرفون انه من البدء خلق الرب ذكراً وأُنثى، ولكنهم يعلمون أيضاً ان الرب هو من أوحى بالشريعة الى موسى وسمح لهم بالطلاق أيضاً، ولهذا عندما سألوه عن السبب الذي من أجله سمح لهم موسى بالطلاق أجابهم إجابة فيها تهجم عليهم إذ وصفهم بقسوة القلب واتهم موسى بكتابة شرائع لم يأمره الرب بها، وهذه من غرائب الاقوال التي يسمعها قارئ الاناجيل عن موسى!
كما يذكر لوقا نصاً آخر عن منع الطلاق:
- وكان الفريسيون أيضاً يسمعون هذا كله وهم محبون للمال فاستهزأوا به، فقال لهم أنتم الذين تبرّرون أنفسكم قدّام الناس، ولكن الإله يعرف قلوبكم،
إن المستعلي عند الناس هو رجس قدّام الإله،
كان الناموس والأنبياء الى يوحنا، ومن ذلك الوقت يُبَشَّر بمملكة الإله وكل واحد يغتصب نفسه إليها،
ولكن زوال السماء والأرض أيسَرُ من أن تسقط نقطة واحدة من الناموس،
كل من يُطلق امرأته ويتزوج بأُخرى يزني،
وكل من يتزوج بمطلقة من رجل يزني. (لوقا 16: 14-18)
في هذا النص نقرأ بالإضافة الى منع الطلاق فقرات لو قيل لإنسان أن يكتب نصاً يحتوي أُموراً متناقضة لا يمكن الجمع بينها ما استطاع أن يكتب أفضل من هذه الفقرات، لأن لوقا وهو يكتب قول يسوع أن زوال السماء والارض أيسر من أن تسقط نقطة واحدة من الناموس نجده مباشرة ينقض ويُسقط شريعة كاملة من الناموس وليس نقطة واحدة!
كما كان من مظاهر العلاقة السيئة هو نقض يسوع للسبت، وشريعة السبت من أكثر الشرائع ثبوتاً عند اليهود، وقد جاءت الإشارة إليها في عشرات النصوص في العهد القديم وأكثرها يحملها على التأبيد، أي الى الأبد، حتى أن يسوع عندما تحدث عن علامات نهاية الزمن قال لتلاميذه أن يُصلوا أن لا يكون يوم تركهم للأرض المقدسة في سبت ولا شتاء كما في النص التالي:
فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية الى الجبال،
والذي على السطح فلا ينزل ليأخذ من بيته شيئاً،
والذي في الحقل فلا يرجع الى ورائه ليأخذ ثيابه،
وويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام،
وصلوا لكي لا يكون هربكم في شتاء ولا في سبت. (متّى 24: 16-20)
فهذا النص يتناقض مع النصوص التي تتحدث عن نقضه للسبت، ولكن لنعتبرها منفصلة عن قوله هذا ولنقرأ بعض النصوص عن نقضه للسبت:
- ثم انصرف من هناك وجاء الى مجمعهم،
وإذا انسان يده يابسة، فسألوه قائلين هل يحل الإبراء في السُبُوت، لكي يشتكوا عليه،
فقال لهم أيّ إنسان منكم يكون له خروف واحد فإن سقط هذا في السبت في حفرة أفما يُمسكه ويُقيمه، فالإنسان كم هو أفضل من الخروف، إذاً يَحِلُّ فعل الخير في السُبُوت، ثم قال للانسان مُدّ يدك فمدها، فعادت صحيحة كالأُخرى. (متّى 12: 9-12) و(مرقس 3: 1-6) و(لوقا 6: 6-11)
- في ذلك الوقت ذهب يسوع في السبت بين الزروع،
فجاع تلاميذه وابتدأوا يقطفون سنابل ويأكلون،
فالفريسيون لما نظروا قالوا له هو ذا تلاميذك يفعلون ما لا يحلّ فعله في السبت،
فقال لهم أما قرأتم ما فعله داوُد حين جاع هو والذين معه، كيف دخل بيت الإله وأكل خبز التقدمة الذي لم يحل أكله له ولا للذين معه بل للكهنة فقط،
أو ما قرأتم في التوراة أن الكهنة في السبت في الهيكل يُدنسون السبت وهم أبرياء،
ولكن أقول لكم إن ههنا أعظم من الهيكل،
فلو علمتم ما هو، إني أُريد رحمة لا ذبيحة، لما حكمتم على الابرياء، فإن ابن الانسان هو رب السبت أيضاً. (متّى 12: 1-8)
- واجتاز في السبت بين الزروع، فابتدأ تلاميذه يقطفون السنابل وهم سائرون،
فقال له الفريسيون انظر، لماذا يفعلون في السبت ما لا يحل،
فقال لهم أما قرأتم قط ما فعله داوُد حين احتاج وجاع هو والذين معه، كيف دخل بيت الإله في أيام أبيأثار رئيس الكهنة وأكل خبز التقدمة الذي لا يحلّ أكله الا للكهنة وأعطى الذين كانوا معه أيضاً،
ثم قال لهم السبت إنما جُعل لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل السبت،
إذاً ابن الانسان هو رب السبت أيضاً. (مرقس 2: 23-28)
- وفي السبت الثاني بعد الأول اجتاز بين الزروع، وكان تلاميذه يقطفون السنابل ويأكلون وهم يفركونها بأيديهم،
فقال لهم قوم من الفريسيين لماذا تفعلون ما لا يحل فعله في السُبُوت،
فأجاب يسوع وقال لهم أما قرأتم ولا هذا الذي فعله داوُد حين جاع هو والذين معه،
كيف دخل بيت الإله وأخذ خبز التقدمة وأكل وأعطى الذين معه أيضاً، الذي لا يحل أكله الا للكهنة فقط، وقال لهم إن ابن الانسان هو رب السبت أيضاً. (لوقا 6: 1-5)
هذه النصوص تبيّن بكل وضوح أن يسوع قام بنقض السبت مع انه كما قرأنا سابقاً قال انه ما جاء لينقض الناموس، وأن زوال السماء والارض أيسر من زوال نقطة أو حرف منه، وهو هنا أزال شريعة كاملة تعتبر من أكثر الشرائع ثباتاً عند اليهود وفي الناموس وهو ما يُبين تناقض أقواله بعضها مع البعض الآخر.
ولكن ما يُثير الاهتمام في هذه النصوص هو احتوائها على أخطاء تاريخية واضحة مع نصوص العهد القديم كما في النصوص الثلاثة التي تحدث فيها يسوع عن داوُد لتبرير نقضه للسبت، وقبل ان أستكمل الحديث لنقرأ ما جاء في العهد القديم حول قصة داوُد عندما أكل خبز التقدمة:
- فجاء داوُد الى نُوب الى أخيمالك الكاهن فاضطرب أخيمالك عند لقاء داوُد وقال له لماذا أنت وحدك وليس معك أحد،
فقال داوُد لأخيمالك الكاهن إن الملك أمرني بشيء وقال لي لا يعلم أحد شيئاً من الأمر الذي أرسلتك فيه وأمرتك به،
وأما الغلمان فقد عيّنتُ لهم الموضع الفلاني والفلاني،
والآن فماذا يوجد تحت يدك، أعط خمس خبزات في يدي أو الموجود،
فأجاب الكاهن داوُد وقال لا يوجد خبز محلل تحت يدي ولكن يوجد خبز مقدّس إذا كان الغلمان قد حفظوا أنفسهم لا سيما من النساء،
فأجاب داوُد الكاهن وقال له إن النساء قد منعت عنّا منذ أمس وما قبله عند خروجي وأمتعة الغلمان مقدسة وهو على نوع محلل واليوم أيضاً يتقدّس بالآنية،
فأعطاه الكاهن المقدّس لأنه لم يكن هناك خبز إلا خبز الوجوه المرفوع من أمام الرب لكي يُوضع خبز سُخن في يوم أخذِه،
وكان هناك رجل من عبيد شاول في ذلك اليوم محصوراً أمام الرب اسمه دُواغ الأدومي رئيس رعاة شاول،
وقال داوُد لأخيمالك أفما يوجد هنا تحت يدك رمح أو سيف لأني لم آخذ بيدي سيفي ولا سلاحي لأن أمر الملك كان مُعَجِّلاً،
فقال الكاهن إن سيف جليات الفلسطيني الذي قتلته في وادي البطم ها هو ملفوف في ثوب خلف الأفود فإن شئت أن تأخذه فخذه لأنه ليس آخر سواه هنا فقال داوُد لا يُوجد مثله أعطني إياه. (صموئيل الأول 21: 1-9)
في هذا النص الذي يتحدث عن ذات القصة التي أشار إليها كتبة الاناجيل وقالوا ان يسوع استشهد بها في جوابه على الفريسيين نجد عدة أخطاء بين ما هو مكتوب في القصة الأصلية وبين ما كتبه كتبة الاناجيل:
الخطأ الأول وهو اسم الكاهن فمرقس كتب ان الكاهن كان اسمه أبيأثار والقصة الأصلية تقول ان اسم الكاهن هو أخيمالك!
وهذا الخطأ في تحديد اسم الكاهن لمن نرجع السبب فيه؟
هل نرجعه ليسوع الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد؟
أم نرجعه للروح المقدس الإله الثالث من الآلهة الثلاث الذين هم واحد والذي كان يسوق كتبة الاناجيل؟
أم نرجعه لمرقس الذي كتب الانجيل وذكر اسم الكاهن خطأ؟
الخطأ الثاني وهو قول الاناجيل الثلاثة ان داوُد كان معه مجموعة من الناس في ذلك الوقت، مع ان كلام الكاهن أخيمالك كان واضحاً عندما سأل داوُد وقال له لماذا أنت وحدك وليس معك أحد، فهذا يدل على ان داوُد لم يكن معه أحد بخلاف ما كتب متّى ومرقس ولوقا في أناجيلهم!
ومن يقرأ القصة كلها في سِفر صموئيل يعلم ان داوُد عندما هرب من وجه الملك شاول لم يكن معه أحد.
وهنا قد يتساءل أحدهم فيقول فكيف كتب هؤلاء ان داوُد كان معه جماعة من الناس وخاصة اننا لا نتحدث عن أشخاص عاديين بل نتحدث عن قديسين وكانوا يكتبون بسوق من الروح المقدس فكيف وصلتهم هذه المعلومة الخاطئة؟
وهذا سؤال جيد، والجواب عليه بسيط فلو نظرنا في النص الأصلي لوجدنا انه بعد ان سأل الكاهن داوُد لماذا جاء وحده لقرأنا إجابة داوُد على ذلك فقال داوُد لأخيمالك الكاهن ان الملك أمرني بشيء وقال لي لا يعلم أحد شيئاً من الأمر الذي أرسلتك فيه وأمرتك به، هذا جواب داوُد على سؤال الكاهن، ولكن داوُد لم يُرِد ان يعلم الكاهن ما جرى بينه وبين الملك شاول من مشاكل فأراد ان يُطمئن الكاهن أكثر فقال وأما الغلمان فقد عينت لهم الموضع الفلاني والفلاني، فهنا يكتب من كتب سِفر صموئيل ان داوُد لم يُصرح بحقيقة ما حدث بينه وبين شاول للكاهن لأنه في الواقع لم يكن معه أحد عندما هرب من وجه الملك شاول!
الخطأ الثالث وهو ان داوُد لم يأكل من خبز التقدمة حتى أقنع الكاهن أنه لا مانع في الشريعة من أكله ذلك الخبز وهذا نجده في الحوار الذي دار بينهما:
فأجاب الكاهنُ داوُد وقال لا يوجد خبز محلل تحت يدي ولكن يوجد خبز مقدس اذا كان الغلمان قد حفظوا أنفسهم لا سيما من النساء،
فأجاب داوُد الكاهن وقال له ان النساء قد مُنعت عنا منذ أمس وما قبله عند خروجي وأمتعة الغلمان مقدسة وهو على نوع محلل واليوم أيضاً يتقدس بالآنية.
ففي هذا الحوار نجد ان الكاهن يقول انه لا يوجد خبز محلل ولكن يوجد خبز مقدس ولكن الشرط في تناوله انه يجب ان يكون الغلمان الذين معك قد حفظوا أنفسهم من النجاسات وخصوصاً اقترابهم من النساء، فيجيبه داوُد بقوله انهم لم يقربوا النساء منذ عدة أيام وأن أمتعة الغلمان الذين معه مقدسة، وهذا يعني ان هذا الخبز ليس ممنوعاً عليهم بل هو على نوع محلل.
وفي هذا إشارة واضحة الى ان داوُد لم يستبح خبز التقدمة كما كتب متّى ومرقس ولوقا في أناجيلهم بسوق من الروح المقدس على لسان يسوع، كما أن القصة لا تتحدث عن السبت أصلاً!
لنقرأ الآن حالة أُخرى تظهر سوء العلاقة بين يسوع ورؤساء الكهنة والفريسيين والكتبة وهي اتهامهم له بانه يخرج الشياطين برئيس الشياطين كما في النصوص التالية:
- أما الفريسيون فلما سمعوا قالوا هذا لا يُخرج الشياطين إلا ببعلزبول رئيس الشياطين. (متّى 12: 24)
- واما الكتبة الذين نزلوا من أُورشليم فقالوا إن معه بعلزبول، وأنه برئيس الشياطين يُخرج الشياطين. (مرقس 3: 22)
- وأما قوم منهم فقالوا ببعلزبول رئيس الشياطين يُخرج الشياطين. (لوقا 11: 15)
فيرد يسوع على هذا الاتهام بالتشكيك في أصلهم وأنهم من إبليس فيقول:
- قال لهم يسوع لو كنتم أولاد ابراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم،
ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الإله،
هذا لم يعمله إبراهيم، أنتم تعملون أعمال أبيكم،
فقالوا له إننا لم نولد من زنا، لنا أب واحد وهو الإله،
فقال لهم يسوع لو كان الإله أباكم لكنتم تحبونني لأني خرجت من قِبَل الإله وأتيت،
لأني لم آت من نفسي بل ذاك أرسلني،
لماذا لا تفهمون كلامي،
لأنكم لا تقدرون أن تسمعوا قولي،
أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا،
ذاك كان قتالاً للناس من البدء ولم يَثبُت في الحق لأنه ليس فيه حق،
متى تكلم بالكذب فإنما يتكلم مما له لأنه كذاب وأبو الكذاب،
وأما أنا فلأني أقول الحقّ لستم تؤمنون بي، من منكم يُبكتني على خطية فإن كنتُ أقول الحقّ فلماذا لستم تؤمنون بي، الذي من الإله يسمع كلام الإله لذلك أنتم لستم تسمعون لأنكم لستم من الإله،
فأجاب اليهود وقالوا له ألسنا نقول حسناً إنك سامري وبك شيطان،
أجاب يسوع أنا ليس بي شيطان ولكني أُكرم أبي وأنتم تهينونني. (يوحنا 8: 39-49)
أول ما نقرأ في النص هو قول يسوع انه انسان يتكلم بالحق الذي يسمعه من الإله، وفي هذا إشارة الى ان يسوع لا له علاقة بالإله سوى سماع كلامه وتبليغه كما سمعه، ولو كان يسوع يعرف أنه الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد لما قال لهم هذا الكلام!
وأما جواب يسوع على اليهود عندما قالوا إن أباهم هو الإله فهو بالتأكيد لا يدل على انه الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد، اذ كيف يقول لهم لو كان الإله أباكم لكنتم تحبونني لأني خرجت من قِبَل الإله وأتيت، فلو كان يسوع هو الإله الثاني أو ابن الإله أو نبياَ لا بل حتى لو كان رجلاً متعلماً لرفض قولهم هذا!
أما إن يسوع لو كان رجلاً متعلماً لقال لهم إنه لا يجوز لكم أن تقولوا إن أباكم هو الإله لأن هذا تجديف يستحق قائله الموت بحسب شريعة موسى، وهو ما كان يقوله الفريسيون له عندما كان يقول انه ابن الإله!
ولو كان نبياً لعلم أن أول الوصايا وأعظمها هي ان الرب إلهنا إله واحد وليس آخر كما قال هو للذي سأله عن أعظم الوصايا وأولها!
ولو كان ابن الإله الوحيد لقال لهم اخسؤوا فانني أنا ابن الإله الوحيد فكيف تقولون أنتم أنكم أبناء الإله وأن الإله أبوكم وهو ليس له ابن غيري؟!
ولو كان الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد لقال لهم إنني لا أعرف ان لي أولاداً لأننا نحن ثلاثة ونحن واحد فكيف أكون أباكم وقد خلقتكم من آدم كباقي البشر، ألم تقرؤوا قوانين الايمان التي وضعتها الكنائس المختلفة كلها؟!
وأما قوله لأني لم آت من نفسي بل ذاك أرسلني، لماذا لا تفهمون كلامي.
فهذا سؤال موجه إلى الكنائس كما هو موجه لليهود لماذا لا تفهمون كلامي لأني لم آت من نفسي فذاك أرسلني أي الإله أرسله فلماذا لا تفهمون كلامه؟!
وباقي النص تظهر فيه شدة الحالة أو العلاقة السيئة بينهم، من قوله لهم إن أباهم إبليس وردهم عليه أن به شيطان، فهذه الفقرات تبين أن يسوع لم يكن ابن الإله ولا الإله الثاني ولا الآلهة الثلاث، لأنه لو كان كذلك فانه لا يحتاج الى كل هذه المجادلات لان العهد القديم يُخبرنا ان مجرد ظهور الرب لانسان في حلم فإن هذا الانسان لا يستطيع سوى الخضوع لأمر الرب كما حدث مع إبراهيم ويعقوب، فكيف تحدث هذه المجادلات؟
ومن مظاهر سوء العلاقة بين يسوع واليهود هو وصفهم له بأن فيه شيطان وأنه يهذي كما في النصين التاليين:
- أجاب الجمع وقالوا بك شيطان من يطلب أن يقتلك. (يوحنا 7: 20)
- فحدث انشقاق بين اليهود بسبب هذا الكلام، فقال كثيرون منهم به شيطان وهو يهذي لماذا تستمعون له. (يوحنا 10: 19-20)
وكان من مظاهر سوء العلاقة كذلك هو تهجّم يسوع على رؤساء الكهنة والفريسيين والكتبة كما في النصوص التالية:
- حينئذ خاطب يسوع الجموع وتلاميذه، قائلاً على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون،
فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه،
ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون،
فإنهم يحزمون أحمالاً ثقيلة عَسِرَةَ الحمل ويضعونها على أكتاف الناس،
وهم لا يُريدون أن يُحركوها بإصبعهم،
وكل أعمالهم يعملونها لكي تنظرهم الناس فيُعَرِّضُون عصائبهم ويُعظّمون أهداب ثيابهم،
ويُحبون المتكأ الأول في الولائم والمجالس الأُولى في المجامع،
والتحيات في الأسواق وأن يدعوهم الناس سيدي سيدي. (متّى 23: 1-7)
- لكن ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تغلقون مملكة السماء قدّام الناس، فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون،
ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تأكلون بيوت الأرامل، ولعلّة تطيلون صلواتكم، لذلك تاخذون دينونة أعظم،
ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تطوفون البحر والبَرَّ لتكسبوا دخيلاً واحداً،
ومتى حصل تصنعونه ابناً لجهنم أكثر منكم مضاعف. (متّى 23: 13-15)
- وقال لهم في تعليمه تحرّزوا من الكتبة الذين يرغبون المشي بالطيالسة والتحيات في الأسواق، والمجالس الأُولى في المجامع والمتكآت الأُولى في الولائم،
الذين يأكلون بيوت الأرامل ولِعِلّة يُطيلون الصلوات هؤلاء يأخذون دينونة أعظم. (مرقس 12: 38-40)
- وفيما كان جميع الشعب يسمعون قال لتلاميذه، احذروا من الكتبة الذين يرغبون المشي بالطيالسة ويُحبّون التحيات في الأسواق والمجالس الأُولى في المجامع والمُتكآت الأُولى في الولائم،
الذين يأكلون بيوت الأرامل ولِعِلّة يُطيلون الصلوات هؤلاء يأخذون دينونة أعظم. (لوقا 20: 45-47)
في هذه النصوص نجد ان العلاقة بدأت تسوء كثيراً بين يسوع ورؤساء الكهنة والفريسيين والكتبة، اذ انه يتهمهم بكل الصفات التي يخجل منها الانسان العادي فكيف برجال الدين، ولكن العلاقة بينهم ازدادت سوءاً عندما حاول يسوع التحذير من تعاليمهم، وهذا يعني بالنسبة لرؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين محاولة من يسوع للخروج على الشريعة بشكل كامل، إذ أنه في الفترات السابقة كان يدعو للالتزام بالشريعة، وإن ظهر منه بعض المخالفات إلا أنها في نظرهم تبقى مقبولة، وخصوصاً أنه يقوم ببعض المعجزات، فلعله يكون نبياً إذا لم يكن المسيح المنتظر، ولكن قيام يسوع بالتحذير من التعاليم عموماً فهذا يُمثل خطراً ليس عليهم فقط بل وعلى دينهم وشريعتهم، كما في النص التالي:
- ولما جاء تلاميذه إلى العبر نسوا أن يأخذوا خبزاً،
وقال لهم يسوع انظروا وتحرّزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين،
ففكروا في أنفسهم قائلين إننا لم نأخذ خبزاً،
فعلم يسوع وقال لهم لماذا تفكرون في أنفسكم يا قليلي الأيمان أنكم لم تأخذوا خبزاً،
أحتى الآن لا تفهمون ولا تذكرون خمس خبزات الخمسة الآلاف وكم قفة أخذتم، ولا سبع خبزات الأربعة الآلاف وكم سلا أخذتم،
كيف لا تفهمون أني ليس عن الخبز قلت لكم أن تتحرزوا من خمير الفريسيين والصدوقيين،
حينئذ فهموا أنه لم يقل أن يتحرزوا من خمير الخبز بل من تعليم الفريسيين والصدوقيين. (متّى 16: 5-12)
ثم اتخذت العلاقة بينهم وبين يسوع بُعْدَاً أشد خطورة وتوتراً من كل ما سبق وذلك عندما قال يسوع أن عهد الرب سيُنزع من اليهود ويُعطى لأمة أُخرى تعمل أثماره، كما في النصوص التالية:
- قال لهم يسوع أما قرأتم قطّ في الكتب الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية،
من قِبَلِ الربّ كان هذا وهو عجيب في أعيننا،
لذلك أقول لكم إن مملكة الإله تنزع منكم وتعطى لأُمة تعمل أثمارها، ومن سقط على هذا الحجر يترضرض ومن سقط هو عليه يسحقه،
ولما سمع رؤساء الكهنة والفريسيون أمثاله عرفوا أنه تكلم عليهم،
وإذ كانوا يطلبون أن يمسكوه خافوا من الجموع لأنه كان عندهم مثل نبي. (متّى 21: 42-46)
أما قرأتم هذا المكتوب،
الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية،
من قِبلِ الربّ كان هذا وهو عجيب في أعيننا،
فطلبوا أن يُمسكوه ولكنهم خافوا من الجمع لأنهم عرفوا أنه قال المثل عليهم فتركوه ومضوا. (مرقس 12: 10-11)
فنظر إليهم وقال إذاً ما هو هذا المكتوب الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية،
كل من يسقط على ذلك الحجر يترضّض ومن سقط هو عليه يسحقه، فطلب رؤساء الكهنة والكتبة أن يلقوا الأيادي عليه في تلك الساعة ولكنهم خافوا الشعب لأنهم عرفوا أنه قال هذا المثل عليهم. (لوقا 20: 17-19)
إن تصريح يسوع بأن العهد مع اليهود سيُنقض ويُعطى لأُمة أُخرى تعمل أثماره جعل رؤساء الكهنة والفريسيون والكتبة في حالة من الهيجان التي لا تقف عند حدّ، إذ أنهم تحمّلوا كل اضطهاد الرومان وهم ينتظرون المسيح الذي أخبرت عنه أسفار العهد القديم، ويسوع يقول لهم إن هذا العهد سيُنزع منهم، ومما زاد في هيجانهم هو أن يسوع لم يكن يُعلن لهم انه هو المسيح، فهو بدون هذه الصفة يُعتبر بالنسبة لهم رجلاً يريد إلغاء الدين والشريعة، كما انه يُريد جَرّهم الى معركة مع الرومان وهم يعتقدون انهم دون المسيح لن ينتصروا فيها فيتم القضاء عليهم.
وزادت العلاقة سوءاً عندما قال ان هيكلهم سيُدمّر ويُخرّب كما في النصين التاليين:
- يا أُورشليم يا أُورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المُرسَلينَ إليها كم مرّة أردتُ أن أجمع أولادكِ كما تجمع الدجاجة فِراخها تحت جناحيها ولم تريدوا،
هوذا بيتكم يُترك لكم خراباً،
لأني أقول لكم إنكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا مُبارك الآتي باسم الربّ. (متّى 23: 37-39)
- يا أُورشليم يا أُورشليم يا قاتلة الانبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرّة أردتُ أن أجمع اولادكِ كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا،
هوذا بيتكم يُترك لكم خراباً، والحقّ أقول لكم إنكم لا ترونني حتى يأتي وقت تقولون فيه مبارك الآتي باسم الربّ. (لوقا 13: 34-35)
في هذين النصين يتنبأ يسوع أيضاً بهلاك اليهود لأنهم لن يتركوا الهيكل يُدمر إلا بعد هلاك الكثير منهم، لان الهيكل هو رمز لوجودهم في ذلك الزمان.
ولكن ما هو أعجب من قوله أن الهيكل سيُهدم ويُخرّب هو ربط عودته الثانية بقولهم مبارك الآتي باسم الربّ.
فإذا لم يقل اليهود مبارك الآتي باسم الربّ هل يعني هذا أنه لن يأتي؟!
وهل نستطيع ارجاع السبب في عدم عودته قبل وفاة آخر تلاميذه كما وعدهم أنه سيعود قبل وفاتهم جميعاً هو عدم قول اليهود مبارك الآتي باسم الالربّ؟
وكانت اللحظة الاخطر في العلاقة بين يسوع ورؤساء الكهنة والفريسيين والكتبة، كما قلت سابقاً، هو إعلانه عن الطريقة التي سيسعى فيها لتنفيذ ما كان يُبشر به من قرب مملكة الإله، وهي إلقاء النار والسيف على الأرض، وهي بالتعبير المعاصر الثورة المسلحة، كما جاء في النصوص التي ذكرتها سابقاً، ولكن لا بأس من التذكير بها مرة ثانية.
لا تظنوا أني جئت لأُلقي سلاماً على الارض،
ما جئت لأُلقي سلاماً بل سيفاً،
فإني جئت لأُفرّق الانسان ضدّ أبيه والابنة ضدّ أُمها والكنّة ضدّ حماتها،
وأعداء الانسان أهل بيته. (متّى 10: 34-36)
جئت لأُلقي ناراً على الارض، فماذا أُريد لو اضطرمتْ،
ولي صبغة اصطبغها وكيف أنحصر حتى تكمل،
أتظنون أني جئت لأُعطي سلاماً على الارض،
كلا أقول لكم، بل انقساماً،
لأنه يكون من الآن خمسة في بيت واحد منقسمين ثلاثة على اثنين،
واثنان على ثلاثة، ينقسم الأب على الابن والابن على الأب،
والأُم على البنت والبنت على الأُم،
والحماة على كنّتها والكنّة على حماتها. (لوقا 12: 49-53)
في هذين النصين نجد أن يسوع يدعو للثورة بالسيف وانه سيلقي ناراً على الارض وانه ما جاء لإلقاء السلام على الارض، وهذه الدعوة بهذه الصفات تشكل خطراً على وجود اليهود، وخاصة ان يسوع لم يقل عن نفسه انه هو المسيح المنتظر ولم تنجح كل محاولاتهم في استكشاف هذه الصفة ولو بشكل خفي، فتصريح يسوع بانه سيلقي النار على الارض وانه ما جاء ليعطي السلام بل ليلقي السيف والحرب، يعني انه سيقوم بثورة على الرومان مما سيؤدي الى اهلاك اليهود دون فائدة لانه ليس هو المسيح الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم، مما جعل رؤساء الكهنة يفكرون في قتله وهو ما كان يعلمه يسوع، فاتخذ كل الاحتياطات لمنع حصول أيّة محاولة لقتله أو اغتياله! كما في النصوص التالية:
- فلما علم الرب أن الفريسيين سمعوا أن يسوع يُصيّر ويُعمّد تلاميذ أكثر من يوحنا، مع أن يسوع نفسه لم يكن يُعمّد بل تلاميذه، ترك اليهودية ومضى الى الجليل. (يوحنا 4: 1-3)
وكان يسوع يتردد بعد هذا في الجليل لأنه لم يُرد أن يتردد في اليهودية لأن اليهود كانوا يطلبون أن يقتلوه. (يوحنا 7: 1)
- فلما خرج الفريسيون تشاوروا عليه لكي يُهلكوه،
فعلم يسوع وانصرف من هناك وتبعته جموع كثيرة فشفاهم جميعاً وأوصاهم أن لا يظهروه. (متّى 12: 14-16)
- وكان يُعلّم كل يوم في الهيكل وكان رؤساء الكهنة والكتبة مع وجوه الشعب يطلبون أن يُهلكوه، ولم يجدوا ما يفعلون لأن الشعب كله كان متعلقاً به يسمع منه. (لوقا 19: 47-48)
فرفعوا حجارة ليرجموه، أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مجتازاً في وسطهم ومضى هكذا.
(يوحنا 8: 59)
فتناول اليهود أيضاً حجارة ليرجموه. (يوحنا 10: 31)
فطلبوا أيضاً أن يمسكوه فخرج من أيديهم، ومضى الى عبر الاردن الى المكان الذي كان يوحنا يُعمّد فيه أولاً ومكث هناك. (يوحنا 10: 39-40)
- وكان الفصح وأيام الفطير بعد يومين وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يُمسكونه بمكر ويقتلونه،ولكنهم قالوا ليس في العيد لئلا يكون شغب في الشعب.(مرقس 14: 1-2)
- سمع الفريسيون الجمع يتناجون بهذا من نحوه فأرسل الفريسيون ورؤساء الكهنة خدّاماً ليُمسكوه، فقال لهم يسوع أنا معكم زماناً يسيراً بَعدُ ثم أمضي الى الذي أرسلني، ستطلبونني ولا تجدونني وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا،
فقال اليهود فيما بينهم الى أين هذا مُزمع أن يذهب حتى لا نجده نحن ألعله مُزمع أن يذهب الى شتات اليونانيين ويُعلم اليونانيين. (يوحنا 7: 32-35)
- فجاء الخدام الى رؤساء الكهنة والفريسيين فقال هؤلاء لهم لماذا لم تأتوا به،
أجاب الخدام لم يتكلم قط إنسان هكذا مثل هذا الانسان،
فأجابهم الفريسيون ألعلكم أنتم أيضاً قد ضللتم. (يوحنا 7: 45-47)
كما نقرأ في النصوص فإن رؤساء الكهنة والفريسيين والكتبة بدؤوا محاولاتهم في قتل يسوع وبدأ هو يتخذ الإحتياطات لمنع ذلك، وهنا لا بد من ذكر بعض الملاحظات على هذه النصوص.
الملاحظة الأُولى وهي ان هذه المحاولات الكثيرة من قبل رؤساء الكهنة للقبض على يسوع تشير الى انهم لم يكونوا متأكدين من صفته كمسيح بشرت به أسفار العهد القديم، كما ان هروبه منهم يؤكد صحة الشكوك تجاهه، فلو كان هو المسيح الذي بشرت به تلك الأسفار لما هرب منهم ولأظهر نفسه، هذا بالنسبة لصفته كمسيح، واما صفته كإله ثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد، فهي لم تكن تخطر في بالهم أصلاً، لأن من يقرأ العهد القديم يعلم ان الهرب ليس من صفات من خلق السموات والارض، لان خالق السموات والأرض كان يُهلك شعوباً كاملة بكلمة واحدة اذا حاولوا ازعاج أنبيائه وعبيده، كما أهلك فرعون وجنوده، وأما يسوع الإله الثاني من الآلهة الثلاث فنجده يهرب من مكان الى آخر، وأحياناً يختفي عندما يحاول اليهود أن يرجموه، وأحياناً أُخرى يُوصي اتباعه ان لا يظهروه لانه علم ان الفريسيين يتشاورون على قتله!
فهل هذه الافعال التي كان يقوم بها يسوع للنجاة من اليهود تشير الى انه المسيح المنتظر فضلاً عن ان تشير الى صحة قانون الثالوث الذي تؤمن به الكنائس المختلفة؟
بعد هذه المحاولات يكتب يوحنا أن رؤساء الكهنة والفريسيين اضطروا لعقد مجمع لكي ينظروا في أمر يسوع بشكل جماعي، كما في النص التالي:
- وأما قوم منهم فمضوا الى الفريسيين وقالوا لهم عما فعل يسوع،
فجمع رؤساء الكهنة والفريسيون مجمعاً وقالوا ماذا نصنع فإن هذا الانسان يعمل آيات كثيرة،
إن تركناه هكذا يؤمن الجميع به،
فيأتي الرومانيون ويأخذون موضعنا وأُمتنا،
فقال لهم واحد منهم وهو قيافا، كان رئيساً للكهنة في تلك السنة أنتم لستم تعرفون شيئاً،
ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت واحد عن الشعب ولا تهلك الأُمة كلها،
ولم يقل هذا من نفسه بل إذ كان رئيساً للكهنة في تلك السنة تنبأ أن يسوع مُزمع أن يموت عن الأُمة،
وليس عن الأُمة فقط بل ليجمع أبناء الإله المتفرقين الى واحد. (يوحنا 11: 46-52)
كما قلت سابقاً فإن السبب الذي جعل رؤساء الكهنة والفريسيين يقفون في وجه يسوع هو خوفهم من أن يقوم الرومان اذا ألقى يسوع السيف وأضرم النار ضدهم بإهلاك اليهود جميعاً.
وهنا يقوم يوحنا بكتابة مداخلة على النص ليجعل الأمر بقتل يسوع هو أمر ووحي من السماء فيقول ان هذا القول الذي قاله قيافا رئيس الكهنة تنبأ به وليس من نفسه، وكنتُ سأوافق على هذه المداخلة لولا ان يوحنا نفسه كتب بعد هذا النص ما يلي:
- فمن ذلك اليوم تشاوروا ليقتلوه،
فلم يكن يسوع أيضاً يمشي بين اليهود علانية بل مضى من هناك الى الكورة القريبة من البرّيّة الى مدينة يقال لها أفرايم ومكث هناك مع تلاميذه. (يوحنا 11: 53-54)
فهذا النص يدل على ان ما قاله قيافا ليس نبوءة من السماء، وإلا لعلم يسوع بها ولما مضى من هناك وذهب الى الكورة القريبة من البرية، ولما خاف يسوع من ان يمشي بين اليهود علانية!
إلا اذا أراد يوحنا ان يقول لنا ان يسوع الإله الثاني من الآلهة الثلاث لا يعلم ما وصل الى قيافا من السماء، وهذا يهدم قانون الثالوث والمساواة والاتحاد بينهم!
وأما تعقيب يوحنا على نبوءة قيافا بأن هلاك يسوع يكون ليس عن الأُمة فقط بل ليجمع ابناء الإله المتفرقين الى واحد، فهذا القول ثبت خطأه لأن أبناء الإله بحسب الاناجيل والكنائس ما زالوا منقسمين ومختلفين في عشرات الكنائس، فهلاك يسوع لم يوحدهم، بل كان سبباً في تفرقهم الى كنائس كثيرة قامت بشن الحروب على بعضها البعض بسبب الاختلاف حول شخصية يسوع نفسه وكيفية هلاكه، مما أدى الى قتل عشرات الملايين من اتباع الكنائس، فكيف كتب يوحنا أن هلاك يسوع كان لجمعهم الى واحد؟!
وكانت نتيجة هذا المجمع هو قرار رؤساء الكهنة بقتل يسوع وهو ما تمّ لهم في عملية الصلب، طبعاً هذا بحسب ما هو مكتوب في الاناجيل!
دور اليهود ورؤساء الكهنة والكتبة والفريسيون في عملية صلب يسوع
ما يهم في قصة صلب يسوع في هذا الفصل هو دور رؤساء الكهنة فيها، لهذا سأكتفي بالحديث عن أبرز مواقفهم فيها.
- حينئذ ذهب واحد من الاثني عشر الذي يُدعى يهوذا الاسخريوطي الى رؤساء الكهنة وقال ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أُسلمه إليكم،
فجعلوا له ثلاثين من الفضة. (متّى 26: 14-15)
هذا النص ناقشت ما فيه من أخطاء في فصل شخصية يهوذا، ولكن كما نقرأ فإن اليهود بدؤوا بالسعي الجاد للقبض على يسوع، الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد، ووضعوا مكافأة لمن يُلقي القبض عليه ثلاثين من الفضة!
فتم القاء القبض عليه ومضوا به الى رؤساء الكهنة.
- والذين أمسكوا يسوع مضوا به الى قيافا رئيس الكهنة حيث اجتمع الكتبة والشيوخ. (متّى 26: 57)
ثم قاموا باستجوابه وطلبوا شهوداً عليه فقام شاهدي زور.
- وكان رؤساء الكهنة والشيوخ والمجمع كله يطلبون شهادة زور على يسوع لكي يقتلوه،
فلم يجدوا ومع أنه جاء شهود زور كثيرون لم يجدوا ولكن أخيراً تقدم شاهدا زور،
وقالا هذا قال إني أقدر أن أنقض هيكل الإله وفي ثلاثة أيام أبنيه. (متّى 26: 59-61)
وهذان الشاهدان أُلبست بهما تهمة شهادة الزور مع انهما لم يشهدا الا بما سمعاه من يسوع، كما في النص التالي:
- فأجاب اليهود وقالوا له أيّة آية تُرينا حتى تفعل هذا،
أجاب يسوع وقال لهم انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة ايام أُقيمه،
فقال اليهود في ست واربعين سنة بُني هذا الهيكل أفأنت في ثلاثة ايام تُقيمه. (يوحنا 2: 18-20)
فهذ النص يُبين ان يسوع قال انه قادر على بناء الهيكل خلال ثلاثة أيام إذا قام اليهود بنقضه!
وبعد هذا كان سؤال يسوع عن صفته إن كان هو المسيح أم لا كما ذكرته سابقاً، إذ انهم كانوا يبحثون عن حقيقة قوله أنه هو المسيح المنتظر.
ثم في الصباح أخذ رؤساء الكهنة يسوع بعد أن اقتنعوا انه ليس هو المسيح المنتظر الى بيلاطس الوالي الروماني واشتكوا عليه.
- ولما كان الصباح تشاور جميع رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب على يسوع حتى يقتلوه،
فأوثقوه ومضوا به ودفعوه الى بيلاطس البنطي الوالي. (متّى 27: 1-2)
وتفاصيل ما جرى بين يسوع وبيلاطس سأتحدث عنه بالتفصيل في فصل شخصية بيلاطس لاحقاً.
وبعد محاكمته من بيلاطس خيّرهم بين يسوع وباراباس كما في النص التالي:
- وكان الوالي مُعتاداً في العيد أن يُطلق للجمع أسيراً واحداً من أرادوه،
وكان لهم حينئذ أسير مشهور يُسمّى باراباس،
ففيما هم مُجتمعون قال لهم بيلاطس من تريدون أن أُطلق لكم باراباس أم يسوع الذي يُدعى المسيح. (متّى 27: 15-17)
في هذا النص نقرأ ان بيلاطس خيّرهم بين باراباس ويسوع الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد، فاختاروا باراباس!
- ولكن رؤساء الكهنة والشيوخ حرضوا الجموع على ان يطلبوا باراباس ويُهلكوا يسوع،
فأجاب الوالي وقال لهم مَن مِن الاثنين تريدون أن أُطلق لكم فقالوا باراباس،
قال لهم بيلاطس فماذا أفعل بيسوع الذي يُدعى المسيح،
قال له الجميع ليُصلب،
فقال الوالي وأيّ شرّ عمل،
فكانوا يزدادون صراخاً قائلين ليُصلب،
فلما رأى بيلاطس أنه لا ينفع شيئاً بل بالحريّ يُحدث شغب،
أخذ ماء وغسل يديه قدّام الجمع قائلاً إني بريء من دم هذا البارّ،
أبصروا أنتم ، فأجاب جميع الشعب وقالوا دمه علينا وعلى أولادنا،
حينئذ أطلق لهم باراباس، وأما يسوع فجلده وأسلمه ليُصلب. (متّى 27: 20-26)
وكانت هناك بعض الاحداث خلال تسليمه لهم حتى صلبه، ولكن أبرز ما فيها هو النص التالي:
- وكذلك رؤساء الكهنة أيضاً وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ قالوا، خلص آخرين وأما نفسه فما يقدر ان يُخلصها،
إن كان هو ملك اسرائيل فليَنزل عن الصليب فنؤمن به،
قد اتكل على الإله فليُنقذه الآن إن أراده،
لأنه قال أنا ابن الإله. (متّى 27: 41-43)
هذا النص يُلخص كل ما كتبته الأناجيل عن رؤساء الكهنة والفريسيين من بحثهم عن حقيقة يسوع باعتباره المسيح الذي ذكرته أسفار العهد القديم، فلو كان هو ملك اسرائيل الذي تنبأت عنه تلك الأسفار لنزل عن الصليب لأن ذلك الملك ستكون مملكته على كل الأرض والى الأبد، وليس معلقاً على خشبة!
ويمكن أن أعتبر أن هذا النص كان المحاولة الأخيرة ليسوع ليُثبت أنه هو المسيح الذي ينتظره اليهود، ولكنه لم ينزل عن الصليب ويحكم الى الأبد، مما دفع رؤساء الكهنة والشعب جميعاً للاستهزاء به، كما ان هذا النص ينقض قانون الآلهة الثلاث الذين هم واحد، وإن كان اليهود في ذلك الوقت لم يسمعوا به، ولكن قولهم انه خلص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يُخلصها، وهو قول يحمل الكثير من المنطق إذ لو كان هو المسيح لاستطاع أن يُخلص نفسه بدلاً من الصراخ الى إلهه بقوله إلهي إلهي لماذا تركتني، أو لو كان يسوع هو الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد لما احتاج الى كل هذا الصراخ حتى قال اليهود قد اتكل على الإله فلينقذه ان أراده، ولكن الرب لم ينقذه!
فلو كان يسوع هو أحد الآلهة، إذا كانت هذه الآلهة موجودة أصلاً وهي ليست بموجودة، لنزل من على الصليب كما قام من القبر، كما هو مكتوب في الاناجيل، ولأظهر لهؤلاء المستهزئين به انه الإله الثاني من الآلهة الثلاث الذين هم واحد!
ونزوله عن الصليب والجميع ينظرون إليه أقوى في الحجة من قيامه من القبر، والذي لم ير أحد من البشر كيف قام، بل ان بضعة نسوة، وإحداهن كان بها سبعة شياطين، ذهبن الى القبر فوجدنه فارغاً وعندما أخبرن التلاميذ انه قام لم يصدقوهن كلهم، مع انه أخبرهم عدة مرات انه سيقوم، حتى ان توما لم يصدق أن يسوع قام حتى وضع أصابعه في جراح يسوع وهذا كله بحسب ما هو مكتوب في الاناجيل.
وأخيراً فإن تعليق يسوع على الصليب قد أعطى اليهود حجة لا تقاوم بأن يسوع ليس هو المسيح ولا علاقة له بالربّ خالق السموات والأرض، لانه يوجد مئات النصوص تثبت ان الانسان لا يقو على الرب الخالق، وأما يسوع فلم يقو عليه اليهود فقط بل وجلدوه ولطموه وبصقوا عليه ومن ثم علقوه على الخشبة.
أيها الرب أنت إلهنا، لا يقوَ عليك إنسان. (اخبار الايام الثاني 14: 11)
أيها الرب أنت إلهنا، لا يقوَ عليك إنسان.
وبعد، هل يستطيع أحد أن يقول، بعد هذا الحديث الطويل عن شخصيات اليهود ورؤساء الكهنة والفريسيين والكتبة وعلاقتهم بيسوع، ان يسوع كان ظاهراً بصفاته التي كتبتها عنه الأناجيل أو التي كتبتها عنه قوانين إيمان الكنائس المختلفة؟
أم هل يستطيع أحد أن يقول ان اليهود رفضوا يسوع وهم عالمون أنه المسيح الذي تحدثت عنه أسفار العهد القديم؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق